دور علماء الشيعة في تطوير و إزدهار الشعر العربي
  • عنوان المقال: دور علماء الشيعة في تطوير و إزدهار الشعر العربي
  • الکاتب: الشيخ جعفر السبحاني
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:51:49 2-10-1403

لا نريد من الشعر في المقام، الألفاظ المسبوكة، والكلمات المنضَّدة على أحد الأوزان الشعرية. وانّما نريد منه ما يحتوي على المضامين العالية، في الحياة ويبث روح الجهاد في الإنسان أو الّذي يشتمل على حجاج في الدين أو تبليغ للحق. وعلى مثل هذا الشعر بنيت الحضارة الإنسانية وهو مقياس ثقافة الاُمّة ورقيّها وله خلود عبر القرون لا تطمسه الدهور والأيّام.

محتويات [إخفاء]

    1- قيس بن سعد بن عبادة
    2- الكميت (60 ـ 126)
    3- السيد الحميري (ت 173)
    4- دعبل الخزاعي (ت 246)
    5- أبو فراس (320 ـ 357)

فلو نرى في الذكر الحكيم، تنديداً بالشعراء لقوله عزّوجلّ: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ 1 فانّما يريد بها الشعراء المأجورين الذين يتغافرون بالأباطيل فيجعلون من الشعر تجارة، ويصنعون من الظالم مظلوماً، ومن المظلوم ظالماً ولأجل ذلك قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ 2.
فإذا كان المراد من الشعراء هذه الطائفة المثلى، الذين لا يقصدون بشعرهم وأدبهم وطرائفهم إلاّ ترويج الحق ودعمه ونشره في الملاء، فنرى في الشيعة طبقة راقية منهم في القرون الاُولى وكان أئمة أهل البيت يقدّرون جهودهم ويرحبّون بهم بكل حفاوة كما نطق به التاريخ في حقّ الفرزدق وميميته وهاشميات الكميت، وعينية الحميري وتائية دعبل، لقد حظوا جميعاً بتقدير واحترام الأئمة وصار عملهم في هذا المجال اسوة الشيعة .
وإليك أسماء قليل من شعراء الشيعة مع ذكر ابيات من شعرهم الخالد.

 

1- قيس بن سعد بن عبادة

وهو سيد الخزرج، الصحابي الجليل، كان زعيماً مطاعاً، كريماً ممدوحاً، وكان من شيعة علي ـ عليه السلام ـ بعثه علي أميراً على مصر سنة 36 وهو وأبوه وأهل بيته من الذين لم يبايعوا ابابكر وقالوا لا نبايع إلاّ عليّاً3 .
ومن أشعاره الّتي أنشدها بين يدي أميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ :
قلتُ لمّا بغى العدو علينا *** حسبنا ربّنا ونعم الوكيل
حسبنا الّذي فتح البصر *** ة بالأمس والحديث الطويل
يوم قال النبي من كنت مولا *** ه فهذا مولاه خطب جليل
انّما قاله النبي على الاُمّة *** حتم ما فيه قال وقيل4

 

2- الكميت (60 ـ 126)

وهو الكميت بن زيد شاعر مقدم، عالم بلغات العرب، خبير بأيّامها من شعراء مضر. وكان معروفاً بالتشيّع لبني هاشم مشهوراً بذلك وقد حظى بتقدير الأئمة لا صحاره بالحق، ولجهاده في سبيله، وهاشمياته المقدّرة بـ 578 بيتاً أخلد ذكراه في التاريخ وهي مشتملة على ميمية وبائية ورائية وغيرها .
وإليك أبياتاً من عينيته:
ويوم الدوح دوح غدير خم *** أبان له الولاية لو اُطيعا
ولكن الرجال تبايعوها *** فلم أر مثلها خطراً مبيعا
إلى أن قال:
أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا *** وأقومهم لدى الحدثان ريعا
تناسوا حقّه وبغوا عليه *** بلا ترة وكان لهم قريعا
فقل لنبي اُميّة حيث حلّوا *** وإن خفت المهنَّد والقطيعا
ولقد طبع ديوان الكميت غير مرة وشرحه الاُستاذ محمّد شاكر الخياط والاُستاذ الرافعي5 .

 

3- السيد الحميري (ت 173)

أبو هاشم إسماعيل بن محمّد الملقّب بالسيد، الشاعر المعروف، ومن المكثرين المجيدين، ومن الثلاثة الذين عدّوا أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام وهم «السيّد» و«بشار» و «أبو العتاهية» وكان متفانياً في حبّ العترة الطاهرة فلم يكن يرى لمناوئيهم حرمة وقدراً وكان يشدّد النكير عليهم في كل موقف ويهجوهم بألسنة حداد في كل حول طول .
ومن قصائده المعروفة، عينيته وقد شرحها عدة من الأدباء ومستهلّلها:
لاُم عمرو باللوى مربَع *** طامسة أعلامها بلقعُ
تروع عنها الطير وحشيَّة *** والوحشُ من خيفته تفزعُ6

 

4- دعبل الخزاعي (ت 246)

أبو علي دعبل بن علي الخزاعي وهو من بيت علم وفضل وأدب، يرجع نسبه إلى بديل بن ورقاء الخزاعي الّذي دعا في حقّه النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
قال النجاشي: أبو علي الشاعر المشهور في أصحابنا، صنّف كتاب طبقات الشعراء ومن أراد التوغّل في حياته وسيرته، فليقرأ النواحي الأربعة من حياته:

    تهالكه في ولائه لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ .
    نبوغه في الشعر والأدب والتاريخ وتآليفه .
    روايته للحديث والرواة عنه ومن يروي عنهم .
    سيرته مع الخلفاء ثم ملحه ونوادره وثم ولادته ووفاته7 .

وإليك نزراً من تائيته المعروفة:
تجاوبن بالأرنان والزفراتِ *** نوائح عجم اللفظ والنطقات
إلى أن يقول:
هم نقضوا عهد الكتاب و *** فرضه ومحكمه بالزور والشبهات
ولم تك إلاّ محنة قد كشفتهم *** بدعوى ضلال من هن وهنات
تراث بلا قربى وملك بلا هوى *** وحكم بلا شورى بغير هدات

 

5- أبو فراس (320 ـ 357)

أبو فراس الحرث ابن أبي العلاء قال الثعالبي: كان فرد دهره، وشمس عصره، أدباً وفضلا وكرماً ونبلا ومجداً وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة8 .
وتبعه في اطرائه والثناء عليه ابن عساكر.
ومن قصائده المعروفة الميمية. الّتي مستهلّها .
الحق مهتضم والدين مخترم *** وفي آل رسول اللّه مقتسم
والناس عندك لا ناس فيحفظهم *** سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
إلى أن قال:
باللرجال أما لله منتصر *** من الطغاة أما لله منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم *** والأمر تملكه النسوان والخدم
إلى أن قال:
ابلغ لديك بني العباس مالكة *** لا يدَّعوا ملكها ملاّكها العجم
أىّ المفاخر أمست في منازلكم *** وغيركم آمر فيها ومحتكم
أنّى يزيدكم في مفخر علم *** وفي الخلاف عليكم يخفق العلم
يا باعة الخمر كُفّوا عن مفاخركم *** لمعشر بَيْعهم يوم الهياج دم9

ويطيب لي في المقام أن اُشير إلى أسماء بعض من أنجبتهم مدرسة أهل البيت في حلبة الشعر والأدب في القرن الرابع والخامس من اناس معدودين في القمّة فعلى القارئ الكريم أن يطالع عن حياتهم ويقرأ دواوينهم.

    ابن الحجاج البغدادي المتوفّى 321 صاحب القصيدة المعروفة: يا صاحب القبّة البيضاء على النجف *** من زار قبرك واستشفى لديك شفي
    الشريف الرضي 357 ـ 406 الغني عن كل تعريف وبيان .
    الشريف المرتضى 355 ـ 436 وهو كأخيه أشهر من أن يعرّف .
    مهيار الديلمي المتوفّى 448 الّذي هو في الرعيل الأوّل من شعراء القرن

الرابع وله غديريات كثيرة منها:
هل بعد مفترق الأظغان مجتمع *** أم هل زمان بهم قد فات يرتجع
هذا عرض موجز لبعض الشعراء البارزين من الشيعة وفيه كفاية لمن أراد الاجمال وأمّا من أراد التوسّع فليرجع إلى الكتب التالية:

    الأدب في ظلّ التشيّع للشيخ عبداللّه نعمة.
    تأسيس الشيعة: للسيّد حسن الصدر. الفصل السادس.
    الغدير للعلاّمة الأميني بأجزائه الأحد عشر 10.

____________

    1. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 224، الصفحة: 376.
    2. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 225 و 226، الصفحة: 376.
    3. الطبري: التاريخ 3 / 462 .
    4. المفيد: الفصول المختارة 87، الكراجكي: كنز الفوائد 234، سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص 20 .
    5. إقرأ حياة الكميت في الغدير 2 / 180 ـ 212 .
    6. إقرأ ترجمة السيد في الغدير 2 / 213 ـ 289 .
    7. لاحظ حياته في الغدير 2 / 369 ـ 368 .
    8. يتيمة الدهر 270 .
    9. الغدير 3 / 399 ـ 401 .
    10. من كتاب: بحوث في الملل والنحل لآية الله الشيخ جعفر السبحاني، ج6 ص542-547، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ١٤١٥ هـ.ق.