ثورة المختار... امتدادٌ لثورة الحسين(عليه السّلام)
أحد المواقع
كانت ثورة الإمام الحسين(عليه السّلام) السبب في انبعاث الروح الثورية عند الإنسان المسلم بعد فترة من الخمود والتسليم. وقد كانت الآفاق النفسية والاجتماعية تحول بين الإنسان المسلم وبين أن يناضل عن دينه وذاته وإنسانيته، فجاءت ثورة أبي عبد الله(عليه السّلام) لتحطم كلّ تلك الحواجز وتطلق العنان لثورات كثيرة لاحقة. ومن بين هذه الثورات تأتي ثورة المختار الثقفي التي انطلقت تحت شعار (يا لثارات الحسين).
كان المختار الثقفي من الشخصيات اللامعة التي عرفها التاريخ الإسلامي، وقد لعب دوراً خطيراً في الأحداث السياسية والاجتماعية، وأثبت كفاءته أنّه رجل الفكر والعمل، حتى قال عنه بعض المؤرخين: (كان على جانب كبير من الدراية بعلم النفس والإلمام بوسائل الدعاية والإعلام، فقد كان يخاطب عواطف الناس كما كان يخاطب عقولهم، وكان لا يكتفي بوسائل الدعاية المعروفة حينئذٍ كالخطابة والشعر، بل لجأ إلى وسائل كثيرة للدعاية، منها التمثيل والمظاهرات والإشاعات، كما لجأ إلى ما نسميه اليوم بالانقلاب العسكري حينما انتزع الكوفة من ابن الزبير).
وبعد استيلائه على الكوفة دخل الرعب إلى نفوس قتلة الإمام الحسين(عليه السّلام)، فهام بعضهم من خوفه في البيداء، وفرّ آخرون إلى عبد الملك، وهرب بعضهم إلى ابن الزبير وقاتل معه، لا إيماناً بقضيته، ولكن خوفاً من المختار.
وهكذا أدخل المختار الرعب إلى قلوب المجرمين من قتلة الإمام الحسين(عليه السّلام) حتى زلزلت الأرض تحت أقدامهم واجتاحتهم موجات عاتية من الخوف والرعب، فلم يهنأ أحدٌ منهم بعيش بعد أن خيّم عليهم شبح الموت.
لقد ربط المختار دعوته بمحمد بن الحنفية ابن الإمام علي(عليه السّلام)، وهذا ما جعل الناس تطمئن إليه وتلتحق بثورته، ما مكّنه من تشكيل قوة كبيرة أثارت الرعب في قلوب الولاة والعمال، وعلى رأسهم عبد الله بن مطيع، عامل عبد الله ابن الزبير في الكوفة، الذي حارب الثورة بالرجال الذين تولوا قتل الإمام الحسين(عليه السّلام)، مثل الشمر بن ذي الجوشن، وعمرو بن الحجاج، وشبث بن ربعي وأمثالهم، ما حفّز الثوّار على المضي في ثورتهم والتصميم على النصر.
وقد أنصف المختار عندما تولّى الحكم، طبقة في المجتمع الإسلامي كانت مضطهدة في عهد الأمويين، واستمرّ اضطهادها في عهد ابن الزبير، وهي طبقة الموالي (المسلمين من غير العرب)، الذين كانت عليهم واجبات المسلمين ولم تكن لهم حقوقهم، فلما استتبّ الأمر للمختار أنصفهم، فجعل لهم من الحقوق مثل ما لغيرهم من عامة المسلمين.
وقد أثار هذا العمل الأشراف وسادة القبائل فتكتّلوا ضدّ الثورة، وتآمروا عليها، وكان على رأسهم قتلة الحسين، ولكنهم فشلوا في حركتهم. وكانت هذه الحركة سبباً في تعجيل المختار بتتبع قتلة الإمام الحسين وآله(عليه السّلام) في كربلاء، فقتل منهم في يوم واحد مائتين وثمانين رجلاً، حتى لم يفلت من زعمائهم أحد، فقتل الشمر وعمر بن سعد، وشبث بن ربعي وغيرهم.