عبد الله بن سبأ ونشأة التشيع
  • عنوان المقال: عبد الله بن سبأ ونشأة التشيع
  • الکاتب: منقول عن منتديات شيعة مصر
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:57:50 2-10-1403

  عبد الله بن سبأ ونشأة التشيّع ق2*

  عبد الله بن سبأ ، هل هو عبد الله بن سبأ ، أَمْ ابن السوداء ، أَمْ عمّار بن ياسر ، أَمْ رجل مجهول ذلك الذي نفخوا في موضوعه ، وجعلوا منه كلمة السر في ملف التاريخ الشيعي ؟!

بكثير من الجهل ، وقليل من الورع ، أقدم الكثير على إرجاع التشيّع إلى ابن سبأ ، الرجل اليهودي الذي أسلم في عهد عثمان .

لقد أثبت السيّد مرتضى العسكري ، ما يشفي الغليل في هذا الموضوع ، وطرقه من مختلف جوانبه ، كما طرقه د . طه حسين في كتابه : ( إسلاميّات ) ، وكنت أيضاً ممّن طرقه في كتاب : ( الانتقال الصعب ) ، وكذا كتاب : ( الخلافة ) ، ردّاً على ابن خلدون .. لذا نكتفي بما هو جدير بالذكر هنا ، والرّد على المدّعِين لذلك جهلاً وتحاملاً .

ماذا قال الوهّابيّون في المسألة ؟

يقول إحسان إلهي ظهير : ( وأمّا دين الإماميّة ومذهب الاثنى عشريّة أليس مبنيّاً على تلك الأسس التي وضعتْها اليهوديّة الأثيمة بوساطة عبد الله بن سبأ الصنعاني اليمني الشهير بابن السوداء ( والسوداء أُمّة ) (1) .

ويقول الجبهان : ( أمّا نحن فإنّنا نقول أنّ التشيّع نشأ وترعرع في أحضان الماسونيّة ، وأمّا غارسوا بذرته الأولى وواضعوا حجره الأوّل فهم : أوّلاً : شخصيّات يهوديّة تقمّصت الإسلام مقلوباً ، فانقلبت به إلى وحوش كاسرة ، وصلال تحمل السمّ الناقع من أمثال عبد الله بن سبأ اليهودي ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه ) (2) .

وذكر صاحب أصول مذهب الشيعة : ( والذي أرى أنّ الشيعة كفكرة وعقيدة لم تولد فجأة ، بل إنّها أخذت طوراً زمنيّاً ، ومرّت بمراحل ، ولكنّ طلائع العقيدة الشيعيّة وأصل أصولها ظهرت على يد السبئيّة باعتراف كتب الشيعة التي قالت بأنّ ابن سبأ أوّل شاهد بالقول بفرض إمامة علي ) (3) .

وسوف أقتصر على كتاب أصول مذهب الشيعة ؛ لأنّه جامع لكلّ تلك الافتراءات والاشتباهات في كثير من الأمور .

* نبدأ بقوله :

( وقد اتّفق القدماء من أهل السنّة والشيعة على السواء على اعتبار ابن سبأ شخصيّة حقيقيّة واقعيّة وشخصيّة تاريخيّة ، فكيف ينفي ما أجمع عليه الفريقان ) (4) .

هذا الكلام يستدعي إقراراً بإجماع المسلمين على اعتبار ابن سبأ حقيقة تاريخيّة ، فهل أجمع عليه المؤرّخون المعتبرون ؟

وتردّ هذه الشبهة بطريقين :

الأولى : تتعلّق بما يكسر ذلك الإجماع الوهمي ، وهو عدم ذكر البلاذري لأيّ خلفية سبئيّة للتشيّع في أنسابه (5) ، وهو ممّن تعرّض لكلّ أحداث الفتنة الكبرى وهو من المؤرّخين المعتبرين ، فترى هل كان يجهلها ، أَمْ أنّه غضّ الطرف عنها ؟ فلو اعتقدنا في جهله لها فكيف يستقيم هذا الادّعاء مع مؤرّخ كبير ومختص ، وهو ممّن قرأ بطون الأسفار التاريخية ؟ وبناءً على ذلك لن يكون البلاذري إلاّ متجاوزاً إيّاها لِتَهَلْهُلِهَا وتهدل محتواها .

كما يرد عليها ثانياً : مِن أنّ خبر عبد الله بن سبأ لم يكن إلاّ مصدر آحاد ، أي سيف بن عمر التميمي ، وهو أوّل من قال بها في التاريخ ، وسيف بن عمر هذا الذي جرحه محدّثوا السنّة من أمثال النسائي والبيهقي وغيرهم يعتبر مصدرها الرئيسي عند كل الذين قالوا بها من بعده ، وإذا كان المؤرّخون الذين أخذوا بها تأثّروا بتاريخ الطبري ، فإنّ الطبري باعترافه أخذه عن سيف بن عمر التميمي (6) .

وقبل الاسترسال في ذلك ، نودّ أنْ نعرض لجملة من أهل السنّة المعاصرين في المسألة . لقد ذكر ( محمود أبو ريّة المصري ) في طبعته الأولى لكتابه : ( أضواء على السّنة المحمّدية أو دفاع عن الحديث ) كلاماً يساوق عمدة ما ذكره السنّة حول قضيّة ابن سبأ ، وكان ممّا قاله في ذلك الصعيد : ( وقَتْل عثمان كان بعضه بتأثير دسائس عبد الله بن سبأ اليهودي ، وإلى جمعية السبئيّين وجمعيّات الغريب ترجع جميع الفتن السياسية وأكاذيب الرواية في الصدر الأوّل ) (7) .

ولكنّ الموضوعيّة دفعت بأبي ريّة أنْ يتنازل عن قوله ، وأنْ تدفعه الأمانة العلميّة للاعتراف بما جاء في كتاب السيّد مرتضى العسكري الذي فنّد فيه تلك المزاعم كلّها بما يقرع الألباب ، إذ قال في طبعاته الأخرى :

( كتبنا ذلك في الطبعة الأولى من كتابنا اعتماداً على ما كتبه كبار المؤرّخين ومَن جاء بعدهم عن ابن سبأ ، وقد ظهر كتاب نفيس اسمه : ( عبد الله بن سبأ ) من تأليف العالم العراقي الكبير الأستاذ مرتضى العسكري ، أثبت فيه بأدلّة قويّة مقنعة أنّ هذا الاسم لا حقيقة له ؛ لأنّ المصدر الذي اعتمد عليه كل المؤرّخين من الطبري إلى الآن في إثبات وجوده هو سيف بن عمر التميمي المتوفّى سنة 170 هـ ، وقد طعن أئمّة السنّة جميعاً في روايته ، وقال فيه الحاكم : اتُّهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط . وأنّا إنصافاً للعلم والحق نقول : إنّ الدكتور طه حسين قد شكّ قبل ذلك في وجود عبد الله بن سبأ هذا ) (8) .

وفي نفس الصدد يقول عبد الحليم محمود شيخ الأزهر : ( رأينا في أصل الشيعة : ولكنّا نرى أنّ السبب في نشأة التشيّع لا يرجع إلى الفرس عند دخولهم في الإسلام ، ولا يرجع إلى اليهوديّة ممثّلة في ( عبد الله بن سبأ ) ، وإنّما هو أقدم من ذلك . قنواته الأولى ترجع إلى شخصيّة علي رضي الله عنه من جانب ، وَصِلَتِهِ بالرسول عليه الصلاة والسلام من جانب آخر ) (9) .

وقال أيضاً في نفس السياق : ( وأمّا عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ، وأخفّ كلمة تقولها كتب رجال الشيعة في حقّه ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في حرف العين هكذا : عبد الله بن سبأ ألعن من أنْ يذكر ) (10) .

ويقول ( مغني داود ) : ( ولعلّ أعظم هذه الأخطاء التاريخيّة التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفّقوا عليهم قصّة عبد الله بن سبأ فيما لفّقوه من قصص أشرتُ إلى بعضها في مؤلّفاتي ) (11) .

وهذا إنْ دلّ فإنّما يدلّ على عدم وقوع إجماع في المسألة ؛ إذ ثمّة مَن قال بها وهناك مَن لم يقل بها في المتقدّمين والمتأخّرين ، لقد تطرّق الكثير إلى شخصيّة عبد الله بن سبأ ولكنّهم رغم تكاثر القائلين بها لم تتوضّح تفاصيل شخصيّته ، مَن هو ؟ كيف نشأ ؟ كيف أقنع الأمصار ؟ لماذا لم يعاقبه عثمان ولا حتّى معاوية ؟ مَن أبوه ومَن أُمّه ومَن عشيرته ؟

كل ما يذكره التاريخ أنّه شخصيّة بلا جذور لها ولا تفصيل في أحوالها ، فكونه عبد الله لا يفيد شيئاً ، فلم يُذْكَر بصيغة ابن كذا ، أو أنّ اسم أبيه كذا ، وما أكثر عبّاد الله من سبأ ؟! لا نسب لا خلف ؟!

ويقال عنه اليماني .. وما أكثر عبّاد الله من اليمن .. أو السبائي .

ويقال عنه ابن السوداء ، وما أكثر مَن أُطلق عليهم هذا الوصف !؟

إنّ كتب التاريخ والسيرة والأنساب لم تعطنا صورة واضحة عن هذا الرجل ، وإذا كان العرب يمعنون ويبالغون في ضبط أنساب مَن هم أقلّ شأناً وأهون حالاً ، كيف لا يفعلون ذلك بالنسبة إلى شخصية كعبد الله بن سبأ الذي ـ في زعمهم ـ كان وراء أخطر حدث في تاريخ الإسلام وهو قتل عثمان ونشوء التشيّع ، وإضافة إلى ذلك فإنّ عبد الله بن سبأ هذا عرف خبره اضطراباً حتى فيمن اعتمدوه .

فعبد الله بن سبأ الذي وجد في أذهان المغفّلين من المؤرّخين والناقمين من كُتّاب الوهّابيّة اليوم ، هو ذلك اليهودي الصنعاني الذي أسلم نفاقاً ، وهو ذلك الذي كاد أنْ يقتله الإمام علي عليه السلام ، وهو ذلك الذي اختفى فجأة ولم يُسمع له بعد الفتنة ذكر .

غير أنّ بعض مؤرّخي السنّة أطلقوا هذا الاسم على أفراد آخرين ممّا يعزّز الظنّ بأنّ عبد الله بن سبأ لم يكن سوى عنواناً كبيراً تنضوي تحته عدّة أفراد ومصاديق .

ومن تلك المصاديق .. عبد الله بن وهب المهمداني . قال المقريزي في خططه : ( وقام في زمانه ـ أي الإمام علي ـ عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء السبئي ، وأحدث القول برجعة علي والنبي وأنّه حي وأنّ فيه الجزء الإلهي ، ومِن ابن سبأ هذا تشعّبت أصناف الغلاة من الرافضة ) .

فالواضح من هنا أنّ عبد الله بن وهب ـ بن سبأ ـ كان هو نفسه ابن السوداء ؛ لأنّه أوّل مَن أحدث القول بتلك العقائد المذكورة آنفاً .. ويترتّب على ذلك ، أنّ باقي السبئيّين هم أتباعه .

يقول ابن حجر في تبصير المنتبه : ( السبئيّة طائفة منهم عبد الله بن وهب السبئي ) (12) .

فهل ابن سبأ هذا كان هو زعيم السبئيّة أَمْ رجلاً واحداً منهم ؟

طبعاً الأمر هنا مُبْهم حسب عبارة ابن حجر ، ولكن حتّى نخفّف الحمل عليه نقضي على هذا التعارض بترجيح كون ابن سبأ هذا له أتباع سبئيّون . مَن هم هؤلاء الضالّون المغفّلون الذين راحوا وراء عبد الله بن سبأ هذا ؟

يقول مؤرّخو السنّة أنّهم قوم من الصحابة ؟ غير أنّ قوماً من الوهّابيّين تداركوا ذلك الموقف وأسقطوه بطريقة وعْظية لا مجال فيها للتحليل ، وبذلك ورّطوا أنفسهم مرّتين :

الأولى : عندما دفعهم الحقد إلى إثبات أسطورة ابن سبأ .

والثانية : عندما حاولوا إخفاء ما إذا كان من الصحابة مَن اقتفى أثره .

والذين أثبتوا ابن سبأ تاريخيّاً ، ربطوا حركته بقوم من الصحابة ، وكانت تلك إحدى مآزق الوهّابيّة .

يقول صاحب كتاب ( أصول مذهب الشيعة ) : ( ونبتت نابتة من شيعة العصر الحاضر ، فحاول أنْ يُنكِر وجوده بجرّة قلم دون مبرّر واقعي أو دليل قاطع ، بل ادّعى البعض منهم أنّ عبد الله بن سبأ هو عمّار بن ياسر ) .

ويقول بعد ذلك وفي نفس السياق : ( وكيف تلصق تلك العقائد التي قال بها ابن سبأ بعمّار بن ياسر ، وهل هذا إلاّ جزء من التجنّي على الصحابة والطعن فيهم ) ؟! (13) .

يبدو لي أنّ كلمة ( صحابة ) أصبحت بمثابة قميص عثمان عند الفرقة الوهّابيّة ، ونحن لا نمانع في أنْ تكون عاطفتهم على تلك الحالة غير أنّهم كعادتهم ـ لأنّهم يُخطِئون التحليل والمنطق ، وهم كانوا دائماً ممّن حارب العقل ـ يوقِعون أنفسهم في مآزق .

إنّ القول بابن السوداء هذا هو الذي يُسيء إلى الصحابة ، وإنّ بعض المحقّقين عندما جعل منه ( عمّار بن ياسر ) إنّما قال ذلك ليبيّن أنّ المؤسّسة الأمويّة كانت تطلق على عمّار هذا الاسم ، وتلفّق حول هذا الصحابي الجليل مثل تلك الانحرافات .

والآن لنبيّن إلى المحقّق الوهّابي الجديد أنّهم بقولهم بالسبئي كانوا قد أساءوا إلى أكثر من صحابي جليل . فقول ابن حجر آنفاً يؤكّد أنّ هناك أكثر من سبئي .

افترضنا أنّهم كلّهم أتباع ابن سبأ هذا . فمَن هم السبئيّون ومَن هم أتباع ابن سبأ ؟

يقول ابن خلدون : ( إلاّ عمّاراً فقد استماله قوم من الأشرار انقطعوا إليه ، منهم عبد الله بن سبأ ويُعرَف بابن السوداء ، كان يُكِثر الطعن على عثمان ويدعو في السرّ لأهل البيت ، ويقول إنّ محمّداً يرجع كما يرجع عيسى ) (14) .

يذكر البلاذري أيضاً (15) : ( وأمّا حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي وحبة بن جوين البجلي ثمّ العرني وعبد الله بن وهب الهمداني ـ وهو ابن سبأ ـ فإنّهم أتوا عليّاً فسألوه عن أبي بكر وعمر ) .

ويقول ابن خلدون : ( وكان ابن سبأ يأتيه ـ أي أبا ذر ـ فيغريه بمعاوية ، ويعيب قوله : المال مال الله ، حتّى عتب أبو ذر في ذلك على معاوية وجاء به عبادة إلى معاوية وقال : هذا الذي بعث عليك أبا ذر ) (16) .

من خلال هذه الشهادات التاريخية عند العامّة ، سوف نقع حقيقة في التجنّي والطعن في بعض الصحابة الأجلاّء ، لقد تبيّن من خلال ذلك أنّ فرقة السبئيّين وأتباعهم تتألّف من : عمّار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وحِجر بن عدي وعمرو بن الحَمِق الخزاعي . وهؤلاء جميعهم من الصحابة الكبار .

أبو ذر الغفاري :

جندب بن جنادة ـ من السابقين إلى الإسلام ـ رابع المسلمين ، وكان يتعبّد في الجاهليّة ، قال فيه الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( ما أظلّتْ الخضراء ولا أقلّتْ الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ) (17) .

عمّار بن ياسر (رض) :

أبو يقظان ، أُمّه سميّة ، وأبوه مالك بن كنانة ، كان هو وأبوه من السابقين إلى الإسلام .. وكان والداه أوّل شهيدين في الإسلام ، استشهدوا تحت تعذيب مشركي مكّة لعنهم الله ، حتّى قال لهم الرسول : ( صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة ) . قال عنه الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( إنّ عمّاراً مُلِئَ إيماناً إلى مشاشه ) .

وقال عنه ( ابن سميّة تقتلك الفئة الباغية ) .

حِجر بن عدي :

صحابي جليل يقول عنه الحاكم في مستدركه : ( أحد الصحابة العدول ، راهب أصحاب محمّد ) . وقال عنه ابن كثير في التاريخ : ( وفد إلى رسول الله وكان من عُبّاد الله وزهّادهم ، وكان بارّاً بأُمّه ) . وقال عنه صاحب الطبقات : ( وفد على النبي هو وأخوه هانئ ، وشهد القادسية ، وهو الذي افتتح مرج عذراء ) .

عمرو بن الحَمِق الخزاعي :

من صحابة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والمحدّثين عنه ، قال عنه صاحب الإصابة : ( صحب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وحفظ أحاديث ، وكان رأسه أوّل رأس حُمل في الإسلام من بلد إلى بلد ) .

فهؤلاء باختصار هم الصحابة الذين نُسبوا إلى ابن سبأ ، وهناك أكثر منهم : كمحمّد بن أبي بكر ، ومالك الأشتر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، وللقارئ أنْ يدرك بعد هذا أنّ الذين أساءوا للصحابي الجليل هم أولئك الذين صدّقوا كذبة السبئيّة وأثبتوها زوراً .

ولقد ذكر البعض أنّ أسطورة ابن سبأ هذا إنّما أطلقها الجهاز الأموي على عمّار بن ياسر وذلك لعدّة قرائن ، فابن ياسر ، هو عمّار بن ياسر العنسي السبائي فهو من سبأ ، وكان عثمان قد أطلق عليه اسم ( ابن السوداء ) في قوله : ويلي على ابن السوداء . وكأنّ القائلين بها أرادوا إسقاط كذبة السبئي ، إذ هم يستبعدون أنْ يكون عمّاراً من المنحرفين . والشيعة تعتبر عمّار بن ياسر من كبار الصحابة ومن دعاة التشيّع الأُوَل .

إنّ ابن سبأ ، كما تصوّروه كان يدّعي أُلوهيّة الإمام علي ، ومن القائلين بالرجعة .

فابن سبأ : الذي اعتبروه ( ابن وهب ) كان خارجيّاً .

ذكر الذهبي في المشتبه : ( وعبد الله بن وهب السبئي رأس الخوارج ) (18) .. وذكر أيضاً : ( وفيها كانت وقعة النهروان بين علي والخوارج ، فقتل رأس الخوراج عبد الله بن وهب السبائي ) (19) .

وفي تبصرة المنتبه لابن حجر : ( السبئيّة طائفة منهم عبد الله بن وهب السبائي رأس الخوارج ) (20) .

وإذا كان عبد الله بن وهب رأس الخوارج ، وهم مَن كفّر الإمام عليّاً وقتلوه ، فكيف يكفّر هؤلاء إلههم ، وكيف قتلوه بعد أنْ زعموا أنّه لا يموت ؟!

لقد ذكر ابن خلدون أنّ عمّار بن ياسر كان يقول بالرّجعة والوصيّة ، ثمّ ذكر أنّه أخذها عن ابن سبأ ، ونُقُول تواريخ السنّة أنّ هذا الأخير هو عبد الله بن وهب ، وتبيّن أنّ هذا الأخير ممّن حاربوا الإمام عليّاً عليه السلام وقُتل بالنهروان ، فيترتّب على ذلك أن ّعماراً قال بالوصيّة ودعا إليها . فأطلق عليه عثمان بعد ذلك ( ابن السوداء ) نبزاً لأُمّه ، ولأنّ عمّاراً من سبأ ، سُمّي ابن سبأ أو ابن السوداء .

وإلاّ كيف يكون عبد الله بن وهب مؤلّها ومقاتِلاً لإلهِهِ ، أَلاَ لَبِئْسَ ما يعتقدون .

ويقول صاحب ( أصول مذهب الشيعة ) : ( وقد اتّفق القدماء من أهل السنّة والشيعة على السواء على اعتبار ابن سبأ حقيقة واقعيّة وشخصيّة تاريخيّة ، فكيف ينفي ما أجمع عليه الفريقان ) (21) .

ثمّ بدأ الكاتب في استعراض بعض المصادر الشيعية التي ذكرت ابن سبأ .. وهو في ذلك لم يفعل سوى أنْ نقل عن سلفَيه إحسان ظهير ، والجبهان ، وسوف نعالج تلك الشبهة بما هو أعمق من دليله .

لقد اعتمد الكاتب رواية ( الكشي ) قائلاً : قال الكشي بعد ذكر تلك الروايات : ( ذكر أهل العلم أنّ عبد الله بن سبأ كان يهوديّاً فأسلم ووالى عليّاً وكان يقول وهو على يهوديّته في يوشع بن نون وصيّ موسى بالغلوّ فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله في علي ( رضي الله عنه ) مثل ذلك ، وكان أوّل من شهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم ، فمِن هنا قال مَن خالف الشيعة : أصل التشيّع والرفض مأخوذ من اليهوديّة ) (22) .

ويقول بعدها : ( ثمّ إنّ هذه الروايات الخمس كلّها جاءت في رجال الكشي ، والذي يعتبرونه أحد الأصول الأربعة التي عليها المعوّل في تراجم الرجال ) (23) .

لم يفعل الكاتب هنا سوى أنْ نقل عن إحسان إلهي ظهير في كتابه : الشيعة والسنّة ؛ لذا يقول هذا الأخير : ( وقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرّخوهم ، فهذا الكشي كبير علماء التراجم المتقدّمين ـ عندهم ـ الذي قالوا فيه ، إنّه ثقة عين ، بصير بالأخبار والرجال ، كثير العلم ، حسن الاعتقاد ، مستقيم المذهب ، والذي قالوا في كتابه في التراجم : أهم الكتب في الرجال هي أربعة كتب ، عليها المعوّل وهي الأصول الأربعة في هذا الباب ، وأهمّها وأقدمها ، هو معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين المعروف برجال الكشي ... يقول ذلك الكشي في هذا الكتاب : وذكر بعض أهل العلم أنّ عبد الله ... ) (24) .

هنا يقع الكثير ممّن لم يرشف من النبع الشيعي الروي ما يشفي ظمأه في الكثير من المغالطات ، إذ كثيراً ما يخلطون بين ثقة الرجل وصحّة الرواية ... وإنّها لأكبر مغالطة وقع فيها بعض نقّاد الروايات ، فكلام الكشي يثبت أنّ الشيعة وقعوا ضحيّة ما شاع حول الرجل ، غير أنّ الكاتب الوهّابي أبى إلاّ أنْ يجعلها وثيقة واقعة في خطّ الاتهامات التي تُحاك ضدّ الشيعة بأنّهم من أتباع عبد الله بن سبأ . إنّ الرواية بهذا الشكل إنْ وُجدت فهي لا تفيد إلاّ في تعزيز القول بما أحدث ابن سبأ من فتنة ، ومن أنّه شخصيّة واقعية غير وهميّة .

وأعترضُ على هذا المنطق بأكثر من دليل :

أوّلاً : استحضار وجهة النظر الشيعية في قضيّة ابن سبأ ، لابدّ أنْ تكون عملية شاملة تعبّر عن وجهة النظر الشيعية العامّة .

ثانياً : وجود هكذا رواية في رجال الكشي فضلاً عن أنّها لا تُثبت مدّعى الوهّابي ، لا يدلّ مطلقاً على صحّة الرواية ، خصوصاً إذا اعتبرنا مدى صحّتها من ضعفها .

ونعود إلى النقطتين لنوضّح حقيقة الإشكال :

في الملاحظة الأولى : لابدّ من أنْ ندرك أنّ رواية الكشّي لا تعبّر عن وجهة النظر الشيعية كلّها ؛ ذلك أنّ الكتب الأربعة المعتمدة لم تروِ الأحاديث الخمسة التي رواها الكشي .. مع أنّ رجال الكشي كانوا من المشهورين .. هذا فضلاً عن أنّ في كتب الشيعة روايات عن عبد الله بن سبأ تخالف بل تناقض ما رواه الكشي .

روي عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء ولينصب في الدعاء ) فقال ابن سبأ : ( يا أمير المؤمنين أليس الله في كل مكان ؟ ) فقال : ( بلى ) . قال : ( فَلِمَ يرفع يديه إلى السماء ؟ ) قال : ( أَمَا تقرؤون في القرآن : وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ، فمِن أين يُطلب الرزق إلاّ من موضعه ، وموضع الرزق وما وعد الله السماءُ ) (25) .

وعن المسيّب بن نجبة قال : قد جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ومعه رجل يُقال له : ( ابن السوداء ) فقال : ( إنّ هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك ) فقال عليه السلام : ( لقد أعرض وأطول يقول ماذا ؟ فقال : يذكر جيش الغضب فقال : ( خلِّ سبيل الرجل ، أولئك قوم يأتون في آخر الزمان ) (26) .

فهذه الروايات الواردة في كتب شيعية معتبرة تناقض ما جاء في الروايات المذكورة في رجال الكشي وغيرها .. فمِن جهة تثبّت أنّ الإمام عليّاً عليه السلام قد نزّهَ الرجل وأطلق سراحه بدعوى أنّ ( أولئك قوم يأتون في آخر الزمان ) وهو يخالف ما ثبت في رواياتهم أنّه حرقه وأصحابه ، وتناقضها من جهة أنّ عبد الله بن سبأ هنا ظهر رجلاً منزّهاً للخالق ومعترضاً على الإمام علي عليه السلام إمعاناً منه في التنزيه ، فإذا أردنا أنْ نعمّم البرهان ، كيف يستقيم الأمر مع كل هذه الروايات المضطربة متناً وسنداً ، حيث يظهر عبد الله بن سبأ في مختلف الأشكال والصور :
ـ مرّة مغالياً ومؤلِّهاً لعلي عليه السلام .
ـ ومرّة ناقِماً ومحارِباً له ورأس الخوارج .
ـ ومرّة منزّهاً .
ـ ومرّة يظهر من الروايات أنّه قُتل بالنهروان ، ومرّة ثانية نُفي إلى المدائن ، وثالثة لم يُعاتب كما في الرواية الأخيرة ، ورابعة أُحرق بالنار .

هذا الاضطراب يدعو إلى التريّث وعدم الاستعجال ، ويكسر شهرة وذيوع الرواية .

أمّا النقطة الثانية : في مجرى ملاحظاتنا على الموضوع أنّ وجود مثل هذه الروايات في رجال الكشي لا يدلّ على صحّتها المطلقة .. وكما أنّ ضعفها لا يخدش في نزاهة الرجل .

وقد سبق أنْ ذكرنا أنّ الكتب الأربعة لم ترد فيها روايات الكشي الخمس .

وهذا يدلّ على أنّ مصادرها في رجال الكشي لم تكن شيعيّة ، بل إنّها تشبه روايات الطبري المنقولة عن سيف بن عمر ، ولا يمكن الادّعاء أنّ الكشي كان سبّاقاً ولا غير ناقل لتلك الروايات التي اشتهر بها تاريخ الطبري وأصبح بعدها مصدراً رئيسيّاً لها عند كبار المؤرّخين الذين جاءوا من بعده .

وقد كان من معاصري الكشي قوم قالوا بتلك الروايات كابن قولويه (369هـ ) ، وبعد ذلك أصبح الكشي مصدراً لها في مَن أتى بعده من تلامذته ، والذين قالوا بها عند الشيعة إنّما أخذوا بها من أقدم مصنّف في الرجال ، وهو رجال الكشي .

يقول السيّد مرتضى العسكري : ( ومِن ثَمّ انتشرت روايات رجال الكشي عن ابن سبأ في كتب الرجال ورمزوا له بـ ( كش ) ، ومنه أخذ ترجمة ابن سبأ كلُّ من جاء بعده من علماء الرجال مثل : التفريشي الذي نقل أحد رواياته بترجمة عبد الله بن سبأ من كتابه نقد الرجال الذي ألّفه سنة (1015هـ ) ورمز إليه بـ ( كش ) ، والأردبيلي ، ومن أهل الحديث أخرج المجلسي (1110 هـ ) الروايات الخمسة والخبر الأخير عن الكشي في موسوعته الحديثيّة البحار ، وأخرج الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي المتوفّى (1104هـ ) في كتابه تفصيل الوسائل الرواية الأولى والثانية عن الكشي ، وأورد ابن شهرآشوب الرواية الأولى في كتابه المناقب ) (27) .

إنّ صاحب كتاب أصول الشيعة الاثنى عشريّة اعترف أخيراً أنّه اعتمد في مجمل ما ذكره على تهذيب الطوسي .. إذ قال :

( وما نقلناه عن الكشي هو من تهذيب الطوسي واختياره لأنّ الأصل ـ كما يقولون ـ مفقود لا يُعرف له أثر ( انظر مقدّمة رجال الكشي : ص 17 ـ 18 يوسف البحراني . لؤلؤة البحرين : ص 403 ) (28) .

هذا فضلاً عن أنّ الكشي كان يروي عن الضِعاف وهو عند الشيعة ليس كما شاء له إحسان إلهي ظهير أو تلامذته .

إنّه رجل ثقة ، إي نعم ، ولكن هذا لا يمنع من ضعف بعض رواياته .

يقول النجاشي بترجمة الكشي من رجاله : ( الكشي أبو عمرو ، كان ثقة عيناً ، روى عن الضعفاء كثيراً ، وصحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه ، له كتاب الرجال كثير العلوم وفيه أغلاط كثيرة ) (29) .

وهذه النظرة نظرة موضوعية لا إفراط فيها ولا تفريط ، وكان إحسان إلهي ظهير فيما ذكرنا من كلامه حول الكشي قد ذكر تلك الأوصاف كلّها ، لكنّه لم يذكر ما بقي في سياقها من أنّه كان يروي عن الضِعاف أو كثير الأغلاط .

وممّا يعزّز كلامنا عن أنّه كان يروي عن السنّة ومنها أخذ رواية عبد الله بن سبأ قول الشيخ أبو علي الحائري : ( محمّد بن عمر أقول : ذكر جملة من مشايخنا أنّ كتاب رجاله المذكور كان جامعاً لرواة العامّة والخاصّة خالطاً بعضهم ببعض ، فعمد إليه شيخ الطائفة طاب مضجعه فلخّصه وأسقط منه الفضلات ) (30) .

وقد كان الكشي ملازماً وتلميذاً للعيّاشي ، ومنه أخذ الكثير من الأخبار ، والعيّاشي كان ممّن يروي عن العامّة والخاصّة ، بل لقد كان عامّي المذهب كما قال عنه النجاشي : ( وكان في أوّل أمره عامّي المذهب وسمع حديث العامّة فأكثر منه ، ثمّ تبصّر وعاد إلينا ، وكان حديث السن ) .

وقد سبق الكلام عن صحاح الشيعة وطريقة أَخْذِهم منها ، فوجود مثل هذه الروايات في كتب الشيعة لا يدلّ على صحّتها المطلقة ، خصوصاً إذا اجتمعت لدينا كل تلك القرائن التي تكشف عن تَهَلْهُلِهَا وتخبّطها .

نتيجة المطلب :

غاية ما نصبوا إليه وزبدة بحثنا في الموضوع هو العمل على دَحْض الفكرة القائلة بالأصل السبئي للتشيّع ، فهذه الفرقة التي عايشها الإمام علي عليه السلام وأئمّة أهل البيت عليهم السلام كانت تشكّل مدرسة قائمة لها جذورها في عمق التربية الرسالية ولها مرتكزاتها في بيت النبوّة .

لقد اكتظّت رفوف المكتبات والخزانات بما يُخرس الألسُنَة في إثبات الأصل النبوي للتشيّع ، وذكرنا بعضاً من ذلك في كتابينا السابقَين لمَن أراد أنْ يطّلع ، فما يمكن قوله هو أنّ عليّاً عليه السلام وليس عبد الله بن سبأ هو إمام الشيعة .

ويكفي إخواننا أهل السنّة ما قاله علماؤهم النزيهون حول هذا الإشكال ، ولْيتّقوا الله فيما هم عليه مِن هرج ومرج ضدّ طائفة أصيلة أكثر خدمة للإسلام والمسلمين ، كما ولْيَتّقوا الله في وحدة المسلمين .

_____________________

 * منقول عن منتديات شيعة مصر / المصدر : كتاب ( هكذا عرفت الشيعة ) للكاتب والصحافي المتشيّع ( إدريس الحسيني ) .

(1) الشيعة والسنّة : ص 24 .

(2) تبديد الظلام : ص 159 .

(3) أصول مذهب الشيعة : ج1 ، ص 78 .

(4) المصدر السابق : ج1 ، ص 73 .

(5) عبد الله بن سبأ في أنساب الأشراف هو نفسه عبد الله بن وهب السبئي الخارجي ، وهو شخصيّة لا ينطبق عليها وصف عبد الله بن سبأ المذكور في الكتب الأخرى كما سترى .

(6) راجع : ( ابن سبأ وأساطير أخرى ) : للسيّد مرتضى العسكري .

(7) الأضواء : أبو ريّة ، ص 178 .

(8) المصدر السابق : ص 179 .

(9) الفكر الفلسفي في الإسلام .

(10) المصدر السابق : ص 176 .

(11) مقدّمة ( عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى ) : السيّد مرتضى العسكري ، ص 18 .

(12) ابن سبأ وأساطير أخرى : ج2 ، ص 323 .

(13) أصول مذهب الشيعة : ج1 ، ص 7 .

(14) تاريخ ابن خلدون : ج 4 ، ص 1027 .

(15) أنساب الأشراف : ج2 ، ص 383 .

(16) ابن خلدون : التاريخ : ج 4 ، ص 128 ـ 129 .

(17) مسند أحمد بن حنبل : ج 2 ، ص 163 .

(18) ابن سبأ وأساطير أخرى : ج2 ، ص 322 .

(19) في حوادث سنة 38 هـ من العبر .

(20) عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : للعسكري : ج 2 ، ص 323 .

(21) أصول مذهب الشيعة : ج1 ، ص 73 .

(22) المصدر نفسه : ج1 ، ص 75 .

(23) المصدر نفسه : ج 1 ، ص 75 .

(24) الشيعة والسنّة : ص 18 .

(25) من لا يحضره الفقيه : ج 1 ، ص 213 .

(26) غيبة النعمان : ص 167 ـ 168 .

(27) عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : ج 2 ، ص 178 .

(28) أصول مذهب الشيعة : ج 1 ، ص 7 .

عبد الله بن سبأ ونشأة التشيّع ق1 *

توطئة  :

إلى الآن لم ينتهِ الجدل حوله ، أغلب الباحثين ذهبوا إلى أنّ عبد الله بن سبأ أصل التشيّع ومؤسّس الشيعة وقسم آخر أنكروا وجوده على خريطة الحياة ، بين يديك – قارئي العزيز – إطلالة على هذا الموضوع وبعض الأبحاث التي لها صلة بالموضوع .

مَن هو ابن سبأ ؟

قال ابن عساكر في تاريخه : ( كان أصله من اليمن وكان يهوديّاً ، فأظهر الإسلام وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمّة ويُدخل بينهم الشرّ ، ودخل دمشق لذلك ) (1) .

وقال ابن حجر : ( عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ، ضالّ مُضِل ، أحسبُ أنّ عليّاً حرقه بالنار ، وزعم أنّ القرآن جزء من تسعة أجزاء وعِلْمه عند علي ، فنفاه علي بعدما همّ به ) (2) .

وقال : ( وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ وليست له رواية ولله الحمد وله أتباع يُقال لهم السبئيّة معتقدون إلهيّة علي بن أبي طالب ، وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته ) (3) .

بالرغم من الدور الكبير المعروض لابن سبأ في كتب التراث ، إلاّ أنّه لا يَنقل أخباره إلاّ راوٍ واحد ينقل عن سلسلة من الرواة فيهم المجهول والمجروح ، وهذا الراوي هو سيف بن عمر التميمي ، فصار مصير ابن سبأ في ذمّة سيف .

ترجمة سيف بن عمر :

إذا كانت كل طرق الروايات التي تنتهي إلى ابن سبأ يرويها سيف ، فلابدّ من النظر في حاله .

نقل ابن حجر أقوال أهل الفنّ فيه فقال : قال ابن معين : ضعيف الحديث ، وقال مرّة : فَلْس خير منه .

وقال حاتم : متروك الحديث ، يشبه حديثه حديث الواقدي .

وقال أبو داود : ليس بشيء .

وقال النسائي ، والدارقطني : ضعيف .

وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامّتها منكرة لم يتابَع عليها .

وقال ابن حبّان : يروي الموضوعات عن الإثبات ، قال : وقالوا  : إنّه كان يضع الحديث ، قلت ـ ابن حجر ـ بقيّة كلام ابن حبّان اتّهم بالزندقة ، وقال البرقاني عن الدارقطني متروك .

وقال الحاكم : اتّهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط ) (4) .

هذا حال سيف الراوي الوحيد لابن سبأ وحاله هذا يغنينا عن النظر في الرواة الذين يأخذ عنهم .

مأساتنا التاريخيّة :

يعتبر ( تاريخ الأمم والملوك ) للطبري أهمّ كتاب تاريخي اعتمد عليه المسلمون ، والكارثة أنّ أحداث السقيفة وما تلاها من فتن حتّى مقتل عثمان أغلبها ينقلها الطبري عن سيف بن عمر الزنديق الوضّاع عن سلسلته المتهالكة .

وكل مَن جاء نقل عن الطبري أخبار ابن سبأ دون نظر أو توقّف في الأخبار ، فطار ذكره في كتب الفِرق والمذاهب وعِلْم الكلام . . . واتّخذه خصوم أهل البيت ( عليهم السلام ) سلاحاً فتّاكاً في وجه الشيعة .

مغالطة ابن حجر :

غريبة أنْ تصدر من ابن حجر العسقلاني ، فبعد أنْ يتّفق مع علماء الرجال في تضعيف سيف في الحديث يتبنّى رأياً إذ يقول عنه أنّه : ( عمدة في التاريخ ! ) .

إذا كان سيف وضّاعاً كذّاباً زنديقاً في رواية الحديث ، فكيف يصبح عمدة في التاريخ ؟! فهل هو ذو وجهين ، ففي حالةٍ يروي الحديث فلا يُقبل منه ؛ لأنّه ضعيف ، وفي حالة يروي التاريخ فيقبل منه فهو عمدة ؟ !!

عودة على ابن سبأ :

تعدّدت الآراء بين مُثْبت لشخصيّة ابن سبأ ، وبين منكرٍ متحفّظ في الموضوع ، ولا داعي لاستعراض الآراء ومناقشاتها (5) .

لقد اتّضح إلى الآن سقوط جميع الأخبار التي تَذكر ابن سبأ  ، فبان الوهم والخطأ الذي وقع فيه الكثيرون حين ربطوا بين ابن سبأ والتشيّع .

يقول محمّد كرد علي : ( وأمّا ما ذهب إليه بعض الكُتّاب من أنّ مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء ، فهو وهم وقلّة عِلْم بتحقيق مذهبهم ، ومَن عَلِمَ منزلة هذا الرجل وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله ، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ، عَلِمَ مبلغ هذا القول من الصواب ) (6) .

مؤسّس التشيّع الحقيقي :

بعد بطلان نظريّة ابن سبأ في تأسيس التشيع ، ينبغي معرفة أصل التشيع ، فالتشيّع معناه : المشايعة والمتابعة لآل البيت (7) والرسول ( صلّى الله عليه وآله ) دعا لمشايعة ومتابعة وحب أهل بيته فهو بلفظ آخر دعا إلى التشيّع ، وتعاليم الشيعة إنّما هي مأخوذة حصراً من أهل البيت ( عليهم السلام ) .

حين نزل قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (8) .

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( يا علي ، هم أنت وشيعتك ) (9) .

قال أبو حاتم الرازي : ( إنّ أوّل اسم ظهر في الإسلام على عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) هو الشيعة ، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة هم : أبو ذر ، وسلمان ، والمقداد ، وعمّار ) (10) .

وذكر الخطيب البغدادي في ( الكفاية ) عن أبي عبد الله بن الأخرم الحافظ : ( أنّه سُئِل : لم ترك البخاري الرواية عن الصحابي أبي الطفيل ؟ قال : لأنّه كان متشيّعاً لعليّ بن أبي طالب ) .

قال ابن حزم : ( ورويْنا عن نحو عشرين من الصحابة أنّ أكرم الناس على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب (11) .

وقال الدكتور صبحي الصالح : ( كان بين الصحابة حتّى في عهد النبي ( صلّى الله عليه وآله ) شيعة لربيبه علي ، منهم :

أبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وجابر بن عبد الله ، وأُبي بن كعب ، وأبو الطفيل عمر بن وائلة ، والعبّاس بن عبد المطلب وجميع بنيه ، وعمّار بن ياسر ، وأبو أيوب الأنصاري ) (12) .

إلى هنا تبيّن لنا أنّ التشيع هو منظومة الإسلام التي نزلت على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وليس حدثاً استثنائيّاً فرضتْه الأحداث ، وبهذا اتّضح الحق لكل منصف طالب للحقيقة .

والحمد لله ربّ العالمين

ــــــــــــــــــ

 * منقول عن منتديات شيعة مصر .

1 ـ تاريخ ابن عساكر : ترجمة ابن سبأ .

2 ـ لسان الميزان : ج 3 ، ص 289

3 ـ نفس المصدر : ج 3 ، ص 290 .

4 ـ تهذيب التهذيب : ج 4 ، ص 295 ـ 296 .

5 ـ راجع في هذا الموضوع : عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى ، السيّد مرتضى العسكري ، وآراء وأصداء حول عبد الله بن سبأ وروايات سيف في الصحف السعوديّة مرتضى العسكري ، ولنا رأي في الموضوع في ( وركبت السفينة ) الطبعة المحقّقة .

6 ـ خطط الشام : ج 1 ص 251 .

7 ـ لسان العرب : ج 8 ص 189 مادة ( شيع ) .

8 ـ سورة البيّنة : الآية 7 .

9 ـ راجع : الصواعق المحرقة : ج 2 ، ص 468 . تفسير الطبري : ج 3 ص 146 ، الدرّ المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 379 ، فتح القدير ، الشوكاني : ج 5 ، ص 477 .

10 ـ روضات الجنات : ص 88 .

11 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل : ج3 ، ص 32 .

12 ـ النظم الإسلاميّة : ص 96 .