سفير الإمام الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل (عليه السلام)
  • عنوان المقال: سفير الإمام الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل (عليه السلام)
  • الکاتب: موقع تبيان
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 0:26:16 3-9-1403

سفير الإمام الحسين ( عليه السلام ) مسلم بن عقيل ( عليه السلام )

(موقع تبيان)

تتابعت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وهي تحثه على المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويِّين وعُنفهم ، وكانت بعض تلك الرسائل تحمِّلُه المسؤولية أمام الله والأمّة أنّ تأخر عن إجابتهم .

ورأى الإمام – قبل كل شيء – أنّ يختارَ لِلُقيَاهُم سفيراً له ، يُعرِّفه باتجاهاتهم وَصِدقِ نِيَّاتِهم ، فأنّ رأى منهم نيَّة صادقة ، وعزيمة مُصمَّمة ، فيأخذ البيعة منهم ، ثم يتوجّه إليهم بعد ذلك .

وقد اختار ( عليه السلام ) لسفارتِه ثقتَه وكبيرَ أهلِ بيتِه مسلم بن عقيل ، فاستجاب له عن رِضىً ورغبة ، وَزوَّدَهُ برسالة وهي :(( مِن الحُسينِ بن عَلي إِلى مَن بلغهُ كتابي هذا مِن أوليائِه وَشيعَتِه بالكوفة :

سلامٌ عليكم ، أمّا بعد : فَقَد أتَتْني كُتُبكُم ، وفهمتُ ما ذكرتُم مِن مَحبَّتِكم لِقُدومِي عَليكم ، وأنا بَاعثٌ إِليكم بِأخي وابنِ عَمِّي وثِقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، لِيعلمَ لِي كُنْهَ أمْرِكُم ، ويكتبَ إِليَّ بما يَتبَيَّن له من اجتماعِكُم ، فأنّ كان أمرُكم على ما أتَتْني بِه كُتُبُكم ، وأخبَرَتني به رُسُلُكم ، أسرعتُ القُدومَ إليكُم أنّ شَاء اللهُ ، وَالسَّلام )) .

وتَسلَّم مسلم الرسالة ، وغادر مكّة ليلة النصف من رمضان ، فَصلَّى في مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وَطَاف بِضريحِه ، وَودَّع أهله وأصحابه ، وكان ذلك هو الوداع الأخير لهم ، واتَّجهَ صَوبَ العِراق ، واستأجر دَليلين من قَيس يَدُلاَّنَه عَلى الطريق .

وسار مسلم يطوي البيداء ، حتى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي ، لوثوقه منه بإخلاصه للإمام الحسين ( عليه السلام ) وتفانيه في حبه .

وفتح المختار أبواب داره لمسلم ، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم ، ودعا الشيعة إلى مقابلته ، فأقبلوا إليه من كُلِّ حَدبٍ وصَوب ، وهم يظهرون لَهُ الولاء والطاعة .

وانثَالَت الشيعةُ على مسلم تبايعه للإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وكانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، وقِسمَة الغنائم بين المسلمين بالسويَّة ، وَرَد المَظالم إلى أهلها ، ونصرة أهل البيت ( عليهم السلام ) .

رسالة مسلم للإمام الحسين ( عليه السلام ) :

ازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل من أهل الكوفة ، فكتب للإمام ( عليه السلام ) يَستَحِثّه فيها على القدوم إليهم برسالة هذا نَصُّها :

( فأنّ الرائدَ لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فَعجِّل حين يأتيك كتابي ، فأنّ الناس كُلُّهم معك ، ليس لَهم في آل معاوية رأي وَلا هَوى ) .

أمّا موقف النعمان بن بشير – والي الكوفة – من الثورة فقد كان موقفاً يتسم باللِّين والتسامح ، وقد اتَّهمَهُ الحزب الأموي بالضعف ، أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة ، والاهتمام بسلامتها ، فأجابهم : لأَنْ أكونَ ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحَبُّ إليَّ من أنّ أكون قوياً في معصية الله ، وما كنتُ لأهتك ستراً ستره الله .

ودافع النعمان عن نفسه بأنّه لا يعتمد على أيّة وسيلة تبعده عن الله ، ولا يسلك طريقاً يتجافى مع دينه ، وقد استبانَ للحزب الأموي ضعف النعمان ، وانهياره أمام الثورة .

اتصال الحزب الأموي بدمشق :

قام الحزب الأموي باتصال سريع بحكومة دمشق ، وطلبوا منها اتخاذ الإجراءات الفورية قبل أنّ يتَّسع نطاق الثورة ، ويأخذ العراق استقلاله ، وينفصل عن التبعية لدمشق .

ومن بين الرسائل التي وفدت على يزيد رسالة عبد الله الحَضْرَمي التي جاء فيها : ( أمّا بعد : فأنّ مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي ، فأن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ينفذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوك ، فأنّ النعمان بن بشير رجلٌ ضعيف ، أو هو يَتَضعَّف ) .

فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة هذه الرسالة : ( أمّا بعد : فإنّه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يُخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لِشَقِّ عصا المسلمين ، فَسِرْ حين تقرأُ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة ، حتى تثقفه فتوثقه ، أو تقتله ، أو تنفيه ، والسلام ) .

فأمر يزيد بِتَولِيةِ عبيد الله بن زياد على الكوفة بدلاً من النعمان بن بشير .

وفي اليوم الثاني لِوصولِه إلى الكوفة خَرجَ مُتقلِّداً سيفه ، ومعتمّاً بعمامة ، فاعْتَلى أعوادَ المنبر وخطب الناس ، فقال : ( أمّا بعد : فأنّ أمير المؤمنين ولاَّني مِصرَكُم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مَظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدة على مُريبكم ، فأنا لِمُطيعكم كالوالد البرَّ الشفيق ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي .

ولم يُعرِّض في خطابه للإمام الحسين وسفيره مسلم ( عليهما السلام ) ، وذلك خوفاً من انتفاضة الجماهير عليه وهو بعد لم يَحكُم أمره ، وعمد ابن زياد إلى نشر الإرهاب وإذاعة الخوف .

ويقول بعض المؤرخين : إنّه لمّا أصبح ابن زياد بعد قدومه إلى الكوفة صَال وجَال ، وأرعَد وأبرَق ، وأمسك جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة ، وقد عمد إلى ذلك لإِماتَةِ الأعصاب ، وَصَرف الناس عن الثورة .

وفي اليوم الثاني أمر بجمع الناس في المسجد وخرج إليهم بِزيٍّ غير ما كان يخرج به ، فخطب فيهم خطاباً عنيفا تَهدَّد فيه وتوعَّد ، فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه :( فإنّه لا يُصلح هذا الأمر إلاّ في شِدَّة من غير عنف ، ولِينٍّ من غير ضعف ، وأن آخذ البريء بالسقيم، والشاهِد بالغائب ، والوَلي بالوالي ) .

وبعد أن علم الطاغية بواسطة جواسيسه بأنّ هانئ بن عروة هو العضو البارز في الثورة وأنّ مسلم قد غَيَّر مكانه من دار المختار إلى دار هانئ ، وأنّ هانئ يقوم بِدَورٍ فعَّال في دعم الثورة ومساندتها بجميع قدراته ، وعرف ابن زياد بأنّ دار هانئ أصبحت مركزاً عامّاً للشيعة ، ومَقَرّاً لمسلم بن عقيل ، لم يقم ابن زياد بكبس وتطويق دار هانئ ، وأحجم عن ذلك لعجزه عسكرياً ، وعدم مقدرته على فتح باب الحرب .

فأنّ دار هانئ مع الدُور التي كانت محيطة بها كانت تضمّ أربعة آلاف مقاتل مِمَّن بايعوا مسلماً ، بالإضافة إلى أتباع هانئ ومكانته المَرمُوقة في الكوفة ، فلهذا لم يستطع ابن زياد من القيام بشيء نظراً للمضاعفات السيئة .

رسل الغدر :

أنفق ابن زياد لياليه ساهراً يطيل التفكير ، ويطيل البحث مع حاشيته في شان هانئ ، فهو أعزُّ من في المصر ، وأقوى شخصية يستطيع القيام بحماية الثورة ، فإذا قضى عليه فقد استأصل الثورة من جذورها .

وقد اتفق رأيهم على إبلاغ هانئ برغبة ابن زياد بزيارته ، وشكَّلوا وفداً لدعوته إلى قصر الإمارة ، فحضر معهم إلى القصر .

وبعد مشَادَة كلامية طالبَهُ ابن زياد بتسليم مسلم ، فَسَخرَ منه هانئ وأنكر عليه قائلاً له مقالة الرجل الشريف : لا آتيك بضيفي أبداً .

وعندها سجنه ابن زياد في إحدى غرف القصر .

ولمّا علم مسلم بما جرى لهانئ بادر لإعلان الثورة على ابن زياد ، لعلمه بأنّه سيلقى نفس المصير الذي لاقاه هانئاً .

فأوعز إلى أصحابه ، فاجتمع إليه أربعة آلاف ، وهم ينادون بشعار المسلمين يوم بدر : يا مَنصُور أَمت .

وعندها أوعز الطاغية إلى جماعة من وجوه أهل الكوفة أن يبادروا بِبَثِّ الذعر ونشر الخوف بين الناس ، وترويج الإشاعات الآتية :

الأولى : التهديد بجيوش أهل الشام التي ستشيع فيهم القتل والتنكيل إن بقوا مُصرِّين على المعصية والعناد .

الثانية : حِرمانَهُم من العطاء .

الثالثة : تَجميرهم في مَغَازي أهل الشام ، وَزَجِّهم في سَاحات الحُروب .

الرابعة : أنّهم إذا أصرّوا على التَمرّد فأنّ ابن زياد سَيُعلن الأحكام العرفية ، وَيسَوِّسَهم بسياسة أبيه ، والتي تحمل شارات الموت والدمار ، حتى يقضي على جميع ألوان الشغب والعصيان .

وانطلق هؤلاء الجواسيس إلى صفوف جيش مسلم ، فأخذوا يشيعون الخوف ، ويبثّون الأراجيف ، ويظهرون لهم الإشفاق خوفاً عليهم من جيوش أهل الشام القادمة .

فَمُنِي جيشُ مسلم بهزيمة مُخزية لم يَحدث لها نظير في جميع فترات التاريخ ، فقد هَزمَتهُ الدعايات المُضلِّلة من دون أن تكون في قِبالِهِ أيّة قُوَّة عسكرية ، ولم يمضِ قليل من الوقت حتى انهزم معظم جيش مسلم .

وقد صلَّى بجماعة منهم صلاة العشاء في الجامع الأعظم فكانوا يَفرّون في أثناء الصلاة ، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتى انهزموا بأجمعهم ، وقد أمسى وحيداً طريداً مُشرَّداً ، لا مأوى يأوي إليه ، ولا قَلبٌ يعطف عليه .

شهادة مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) :

طوى مسلم ليلته حزيناً تساوِرُه الهُموم ، وكان – فيما يقول المؤرخون – قد قضى شطراً من الليل في عبادة الله ، ما بين الصلاة وقراءة القرآن .

وقد خفق في بعض الليل ، فرأى عَمَّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فأخبره بِسرعَةِ اللحَاق به ، فأيقنَ عند ذلك بِدُنُوِّ الأجلِ المحتوم منه .

وقد أصدرت سلطات ابن زياد أمراً تَضمَّنَ ما يأتي :

أولاً : الحكم بالإعدام على كلّ من آوى مسلماً مهما كانت مكانته الاجتماعية .

ثانياً : أنّ دِيَّة مسلم تكون لمن جاء به .

ثالثاً : أنّ من ظَفِر بمسلم تمنحه السلطة عشرة آلاف درهم .

رابعاً : أنّ من يأتي به يكون من المُقرَّبين عند الطاغية يزيد ، وينال ثقته .

وتَمَنَّى أكثر أولئك الأوغاد الظفر بمسلم بين عقيل ، لينالوا المكافأة ، وكذا التَقَرّب إلى يزيد بن معاوية .

وبعد أن جرت معركة غير متكافئة بين مسلم وبين أزلام ابن زياد، جُرح فيها مسلم وسقط على الأرض ، فوقع في أسر أعدائه ، وسلَّموه إلى الطاغية ابن زياد ، فأمر بإلقائه من أعلى القصر .

استقبل مسلم الموت بثغر باسم ، فَصُعِدَ به إلى أعلى القصر ، وكان يسبِّح الله ويستغفره بِكلِّ طُمأنينة ورضا ويقول :( اللَّهُمَّ احكُمْ بيننا وبَين قَومٍ غَرّونا وَخذلونا ) .

واستُدعِيَ الجَلاَّدُ ، فَضَربَ عُنُقَه ، وَرَمى برأسه وجسدهِ ( عليه السلام ) إلى الأرض ، وسقط مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) شهيداً ، دفاعاً عن الحق ، ودفاعاً عن مولاه الإمام الحسين ( عليه السلام ) .