عمّار بن ياسر (رضوان الله عليه)
  • عنوان المقال: عمّار بن ياسر (رضوان الله عليه)
  • الکاتب: مركز آل البيت العالمي للمعلومات
  • مصدر: مركز آل البيت العالمي للمعلومات
  • تاريخ النشر: 0:3:25 3-9-1403

سيرة عطرة *

* اسمه ونسبه :

عمَّار بن ياسر بن عامر بن مالك .. بن يَعرُب بن قَحطان .

 

 * ولادته :

وُلد بمكّة المكرّمة بين سنة : ( 53 و 57 ) قبل الهجرة النبويّة .

 

* سيرته :

يُعدُّ عمّار من المسلمين الأوائل الذين تحمّلوا أصناف التعذيب والتنكيل ، وكان من المهاجرين إلى المدينة . فصلّى إلى القِبلتَين ، واتَّخذ في بيته مسجداً ، وكان أوّل من بنى مسجداً في الإسلام . وشهد بدراً والخندق والمشاهد كلّها ، وقَتَل مجموعة من رؤوس الكفر والشرك .

ودعا إلى بيعة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، وكان من السابقين إلى الالتحاق به والمدافعين عنه حين هوجمتْ دار الزهراء ( عليها السلام ) .

وكان من الخواص الذين صلَّوا على جثمان الصدّيقة فاطمة ( عليها السلام ) ، وشيَّعوها ودفنوها سرّاً . وَلِيَ الكوفة ، وشارك في فتح مدينة ( تُستَر ) ، وساهم في تعبئة الجيوش لفتح : الرَّيِّ ، والدستبي ، ونهاوند ، وغيرها .

مواقفه مشهودة في الاعتراض على السقيفة والشورى التي غَصبت حقوقَ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فكان يُجاهِر بنصرة الحقّ ، ولم يُداهن الولاة ، حتّى دِيستْ بطنه وأصابه الفتق وغُشي عليه .

وكان من المشاركين في توديع أبي ذر حين نُفي إلى الربذة ، رغم المرسوم الصادر بالمنع من ذلك ، كما أنّه قد هُدِّدَ بالنفي ، وكاد يقع لولا احتجاج الإمام علي ( عليه السلام ) وبني مخزوم . وسارع إلى مبايعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وَوَبَّخَ الذين شقُّوا عصا الطاعة وأحدثوا الفُرقة في عهد الخليفة الحق .

توجّه بأمر الإمام علي ( عليه السلام ) مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ومِن بعدهما ثلّة من المؤمنين لعزل أبي موسى الأشعري عن الكوفة ، واستنفار أهلها . فخطب هناك واحتَجَّ احتجاجات رائعة ، وسحب أبا موسى مِن على المنبر .

ولشجاعته وشهامته وإقدامه وَلاَّهُ أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) مناصبَ حَربِيَّةٍ عديدة في معركة الجمل . وقد قَتل عدداً من صناديد جيش الناكثين ، وشارك في عقر جمل الفتنة . كما أنّه كان من أوائل المُشَاوَرين في حكومة الإمام علي ( عليه السلام ) قُبيل واقعة الجمل ، وقبيل وقعة صفّين التي أبلى فيها بلاءً كبيراً .

فقاتل فيها قتالاً شديداً ، وما حجزه عن المواصلة إلاّ الليل ، وكان له أثر واضح في الظفر ، ثمّ كان فيها شهادته .

 

* ولاؤه وإيمانه :

يُعدُّ عمّار بن ياسر من القلّة القليلة التي شهد لهم الله ورسوله ( صلّى الله عليه وآله ) وأئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) بالدرجات الرفيعة ، والمراتب العالية من الإيمان . ففي كتاب الله تعالى تُذكر ظُلامته من جهة ، ويُوصف قلبه المؤمن بالاطمئنان من جهة ثانية ، ومن جهة ثالثة يُلتمَس له العذر ويُصبح موقفه حكماً شرعيّاً . فأنزل الله عزّ وجلّ قوله الكريم : ( إلاَّ مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) ( النحل : 106 ) .

فقال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) عندها : يا عمّار ، إنْ عادوا فعُد ، فقد أنزل الله عزّ وجلّ عُذرك ، وأمرك أنْ تعود إنْ عادوا .

وقد كان عمّار من أهل الولاية ، ومن الموالين لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) والمخلصين المتفانين في محبّته ، والمستشهَدين على هداه .

أمّا كلمات رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) في عمّار فهي كثيرة ووافرة ، وصريحة ومتظافرة ، وتُشير إلى جلالته ، ورفعة مقامه ، وسموِّ درجاته في الدنيا والآخرة .

فمِن أقواله ( صلّى الله عليه وآله ) فيه :

1 ـ ( إنّ عمّاراً مُلئ إيماناً من قَرْنِهِ إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ) .

2 ـ ( مرحباً بالطيِّب المطيَّب ، ائذنوا له ) .

3 ـ ( دمُ عمّار ولحمه وعظمه حرام على النار ) .

4 ـ ( الجنّة تشتاق إليك [ يا علي ] وإلى عمار ، وإلى سلمان ، وأبي ذر ، والمِقداد ) .

ولمّا أخذ المسلمون يبنون مسجد المدينة ، جعل عمّار يحمل حَجَرينِ حَجَرين ، فمسح النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ظهره ،

ثمّ قال : ( إنّك من أهل الجنّة ، تقتلك الفئة الباغية ) .

وقال ( صلّى الله عليه وآله ) له مبشِّراً : ( أبشر يا أبا اليقظان ، فإنّك أخو علي في ديانته ، ومن أفاضل أهل ولايته ، ومِن المقتولين في محبّته ، تقتلك الفئة الباغية ، وآخر زادك من الدنيا ضياح من لبن ) ( أي لبن رقيق كثير ماؤه ) .

 

* منزلته :

حظي عمّار بن ياسر بمراقي الشرف والكرامة ، لموالاته للنبيّ وآله ( عليهم السلام ) .

فتسنّم المنازل الرفيعة والمراتب السامقة ، إذ جرى ذِكر فضائله على لسان أهل بيت النبوّة والعصمة ( عليهم السلام ) ، فكان أحدَ الأركان الأربعة مع سلمان والمقداد وأبي ذر ، وكان أحد الماضين على منهاج نبيّهم ( صلّى الله عليه وآله ) من جماعة الصحابة ، الأبرار الأتقياء الذين لم يبدّلوا تبديلاً .

وكان عمّار من السبعة الذين بهم يُرزَق الناس وبهم يُمطَرون ، وبهم يُنصَرُون ، فسيّدهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومنهم سلمان ، والمقداد ، وأبو ذر ، وعمّار ، وحذيفة ، وعبد الله بن مسعود . وهم الذين صَلَّوا على جثمان فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . وللمكانة الرفيعة التي كان يحتلُّها عمّار بن ياسر عند الإمام علي ( عليه السلام ) أنّه كان من شرَطة الخميس .

وقد سئل الأصبغ : كيف سُمِّيتم شرطة الخميس ؟ فقال : إنّا ضَمِنَّا له – أي لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) – الذَّبح ، وضمنَ لنا الفَتح .

 

 * أشعاره وخطبه :

وكان شعر عمّار مرآة عاكسةً لِمَا جال في قلبه ، فترنَّم بأمجاد إمامه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفضائله .فَتَغَنَّى بمنهجه وهو الصراط المستقيم ، ونابذ أعداءه الذين أخطأوا حظّهم فاختاروا معصية الله تعالى .

فكان يقول :

طـلحة فيها والزبير iiغادرُ      والحقُّ في كفِّ علي ظاهرُ

ويقول أيضاً :

سِيرُوا إلى الأحزاب أَعداء النَّبي      سِـيروا فَخَيرُ النَّاس أَتبَاعُ iiعَليٍّ

أمّا خطبه فهي مثمرة بروائع من الكلمات والاحتجاجات الغلاَّبة ، فيصدع بالمتخاذلين ، والناكثين ، والمنهزمين قائلاً : معاشر المسلمين ، إنا قد كُنَّا وما نستطيع الكلام ؛ قلّةً وذِلَّة ، فأعزَّنا الله بدينه ، وأكرمنا برسوله ، فالحمد لله ربّ العالمين .

يا معشرَ قريش ، إلى متى تَصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نَبِيِّكم ؟! تُحَوِّلُونه ها هنا مرّة ، وها هنا مرّة ، وما أنا آمنٌ أنْ ينزعه الله منكم ويضعَه في غيركم ، كما نزعتموه من أهله ، ووضعتموه في غير أهله .

وكأننا بعمار بن ياسر يَتَرَسَّم خُطى إمامه ( عليه السلام ) ويقتدي به في بيان الحق ونصرته ، وفضح الباطل وتخذيله .

 

 * شهادته :

من عنايات الله تبارك وتعالى لعباده الصالحين المخلصين أنْ اختار لهم خاتمة الشرف والكرامة ، حيث رُزِقوا الشهادة ولو بعد عمر مديد . وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يبشّره ( رضوان الله عليه ) قائلاً : ( يا عمَّار ، إنّك ستقاتل بعدي مع عليٍّ صنفين ، الناكثين والقاسطين ، ثمّ تقتلك الفئة الباغية ) .

ففي معركة صفّين برز عمّار ( رضوان الله عليه ) إلى القتال وقد دعا بشربة من ماء ، فقيل له : مَا مَعَنَا ماء ، فقام إليه رجل من الأنصار فأسقاه شربة من لبن ، فشربه ثمّ قال :

هكذا عَهِدَ إلَيَّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أنْ يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن .

ثمّ حَمل ( رضوان الله عليه ) على القوم فقتل منهم ثمانية عشر ، وحمل عليه ابن جَون السكوني ، وأبو العادية الفزاري ، فكان الفزاري أنْ طعنه ، أمّا ابن جون فقد احتزّ رأسه ( رضوان الله عليه ) .

جرى ذلك في شهر صفر سنة : ( 37 ) من الهجرة الشريفة ، وكان عُمْر عمّار يوم استُشهد ( رضوان الله عليه ) واحداً وتسعين عاماً ، أو أربعاً وتسعين .

أمّا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد أبَّنَه أروع تأبين ، واقفاً عليه وقفة إكبار وإجلال واعتزاز ، إذْ جاءه إلى مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حِجره ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، إنْ امرئٍ لم تدخل عليه مصيبة مِن قتل عمّار فما هو من الإسلام في شيء ) .

ثمّ قال : ( رحم الله عمّاراً يوم يُبعث ، ورحم الله عمّاراً يوم يُسأل ) .

ثمّ قال : ( قاتِلُ عمّار ، وسالِب عمّار ، وشاتِم عمّار في النار ) ثمّ صلّى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على عمّار بن ياسر ودفنه بثيابه ( رضوان الله عليه ) .

ــــــــــــــــــــــ

* مركز آل البيت العالمي للمعلومات شبكة النجف الأشرف .