جعفر الطيار.. الهجرة إلى الحبشة والعودة منها
  • عنوان المقال: جعفر الطيار.. الهجرة إلى الحبشة والعودة منها
  • الکاتب: شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام)
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 1:49:25 3-9-1403

جعفر الطيار .. الهجرة إلى الحبشة والعودة منها *

إعداد وتنسيق : قسم المقالات

في شبكة الإمامين الحسنين ( عليهما السلام )

الهجرةُ إلى الحبشة أوّلُ هجرة في الإسلام ، حدثتْ بعد سنتين من الجهر بالدعوة ، وخمس سنوات من مبعث الرسول (ص) ، حيث اشتدّ أذى المشركين على المسلمين . وكان عدد المسلمين يزداد يوماً بعد يوم ، وظهر الإيمان ، وفشا أمر الإسلام بمكّة ، فتحرّش كفّار قريش بمَن آمنوا ، ووكلوا أمرهم لقبائلهم تعذّب مَن تعذّب وتحبس مَن تحبس ، فكان الرجل يعذّبه أولو قرباه ويسجنونه ليردّوه عن دينه إنْ استطاعوا .

اشتكى المسلمون للرسول (ص) سوء ما حلّ بهم ، فأذن لهم بالهجرة إلى بلاد الحبشة ، وقال لهم : ( لو خرجتم إلى الحبشة ، فإنّ بها ملكًا لا يُظلم عنده أحدٌ ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجاً ممّا أنتم فيه ) . فخرج المسلمون من أصحاب رسول (ص) إلى أرض الحبشة مخافةَ الفتنة ، وفراراً إلى الله بدينهم ، فكانت أوّل هجرة في الإسلام .

تسلّل المسلمون صوب الساحل جهة الشُّعيبة ، فوجدوا سفينتَين متّجهتَين إلى الحبشة ، فاستأجروهما وانطلقتْ بهم السفينتان وتبعتهم جماعة من قريش فلم يُفلحوا في اللحاق بهم .

وكان ممّن خرج في هذا الفوج الأوّل عثمان بن عفّان وزوجه رقيّة بنت رسول (ص) ، وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل ، والزبير بن العوام ، ومصعب بن عمير ، وعبد الرحمان بن عوف ، وعثمان بن مظعون ، وبلغ عدد من هاجروا أحد عشر رجلاً وأربع نسوة وكان أميرهم عثمان بن مظعون . واستقرّوا بالحبشة في خير دار وخير جوار ، وأمنوا على دينهم وعبدوا الله دون أذى أو خوف . ضاقتْ بهم مكّة فاتّسعت لهم بلاد الحبشة ، وزهد فيهم قومهم من قريش فرغب فيهم نجاشي الحبشة ، وآواهم وشدّ أزرهم .

ولم يطل بهم المقام في الحبشة ، ففي شوّال من عامهم ذاك ـ وكانوا قد هاجروا في رجب ـ سمع المهاجرون أنّ مكّة قد أسلمتْ فعادوا إليها ، لكن قبل ساعة من دخولهم مكّة عرفوا أنّ قريشًا مازالتْ على دينها ، وأنّ الذي سمعوه غير صحيح .

ثمّ تعرّض المسلمون إلى أذى قريش مرّة ثانية ، وضاقت بهم مكّة كما ضاقوا بالمقام فيها .

الهجرة الثانية إلى الحبشة :

ثمّ خرج جعفر بن أبي طالب ، رضي الله عنه وتتابع المسلمون إليها ، وكان جميع مَن هاجر من المسلمين إلى الحبشة اثنين وثمانين رجلاً سوى النساء والصبيان ، فلمّا علمتْ قريش بذلك وجّهوا عمرو بن العاص وصاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلى النجاشي وإلى بطارقته ( 1 ) ليردّوهم إليهم ، وكان عمارة بن الوليد شابّاً حسن الوجه ، وأخرج عمرو بن العاص أهله معه ، فلمّا ركبوا السفينة شربوا الخمر ، فقال عمارة لعمرو بن العاص : قل لأهلك : تقبلني ، فأبى ، فلمّا انتشى ( 2 ) عمرو دفعه عمارة في الماء ، ونشب ( 3 ) عمرو في صدر السفينة وأُخرج من الماء ، وألقى الله بينهما العداوة في مسيرهما قبل أنْ يقدما إلى النجاشي ، ثمّ وردا على النجاشي ، فقال عمرو بن العاص : أَيُّها الملك ، إنّ قوماً خالفونا في ديننا ، وسبّوا آلهتنا ، وصاروا إليك ، فردّهم إلينا ، فبعث النجاشي إلى جعفر ، فجاء وقال : أَيّها الملك ، سَلْهُم أَنَحْنُ عبيد لهم ؟ فقال : لا ، بل أحرار ، فقال : سَلْهُمْ أَلَهُمْ علينا ديون يطالبوننا بها ؟ قال : لا ، مالنا عليكم ديون ، قال : فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها ؟ قال عمرو : لا ، قال : فما تريدون مِنّا ؟ آذيتمونا فخرجنا من دياركم ، ثمّ قال : أَيّها الملك ، بعث الله فينا نبيّاً ، أمرنا بخلع الأنداد ، وترك الاستقسام بالأزلام ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان ، و إيتاء ذي القربى ، ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فقال النجاشي : بُهذا بعث الله عيسى ( عليه السلام ) .

ثمّ قال النجاشي لجعفر :

هل تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئاً ؟ قال : نعم ، فقرأ سورة مريم ( 4 ) ، فلمّا بلغ قوله : ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ) ( 5 ) ، قال : هذا والله هو الحق .

فقال عمرو : إنّه مخالف لنا فردّه إلينا ، فرفع النجاشي يده وضرب وجه عمرو ، وقال : اسكت ، والله إنْ ذكرته بسوء لأفعلنّ بك ، وقال : أَرْجِعوا إلى هذا هديّته ، وقال لجعفر وأصحابه : امكثوا فإنّكم سيوم ، والسيوم : الآمنون ، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق ، فانصرف عمرو وأقام المسلمون هناك بخير دار ، وأحسن جوار ، إلى أنْ هاجر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وعلا أمره ، وهادن قريشاً ، وفتح خيبر ، فوافى جعفر إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بجميع مَن كانوا معه .

فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( لا أدري أنا بفتح خيبر أَسَرُّ ، أَمْ بقدوم جعفر ؟ ) ، ووافى جعفر وأصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) في سبعين رجلاً ، منهم اثنان و ستون من الحبشة ، وثمانية من أهل الشام ، فيهم بحيرا الراهب ، فقرأ عليهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) سورة ( يس ) ( 6 ) " إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا ، وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى ( عليه السلام ) ؟!

ـــــــــــــــــــــــ

* إعداد وتنسيق : قسم المقالات في شبكة الإمامين الحسنَين ( عليهما السلام ) ، بالاستفادة من : الموسوعة العربية العالمية ( الإلكترونية ) ، وكتاب بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي ، ج 18 .

(1) البطريق : القائد من قوّاد الجيش .

 (2) أي سكر .

 (3) أي علق .

 (4) السورة : 19 .

(5) الآية : 25 .

(6) السورة : 36 .