جعفر بن أبي طالب (رض)
  • عنوان المقال: جعفر بن أبي طالب (رض)
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 2:56:49 3-9-1403

جعفر بن أبي طالب (رض)

كان جعفر بن أبي طالب (رض) ـ المشتهر بالطيار ـ من مجاهدي صدر الإسلام ومن كبار الصحابة، وكذلك كان من السابقين في الإسلام والهجرة، وهو أول من أبلغ الإسلام إلى خارج جزيرة العرب (الحبشة).

وهو ابن عم رسول الله (ص) وأخو الإمام علي (ع)، وكان علي (ع) بمنزلة الجناح الأيمن للنبي (ص) وجعفر الجناح الأيسر له.. وهو أول من استشهد من آل أبي طالب وذلك في سنة ثمان للهجرة.

وكان عمر جعفر (رض) عند بعثة النبي (ص) عشرين سنة. وقد ولد وتربى في كنف أبيه أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف حامي الرسول ونصير الرسالة، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وهي من أوائل المسلمات ومن أوائل المهاجرات إلى المدينة بعد رسول الله (ص).

كنيته وألقابه:

كان جعفر (رض) يُكنّى ((أبا عبد الله)) و((أبا المساكين)) لرأفته بهم وقد كنّاه بها النبي (ص). وكان يلقّب بـ ((الطيّار)) و((ذي الجناحين)) لأن الله أبدله بيدَيه المقطوعتين في مؤتة جناحين يطير بهما في الجنة(1) و((ذي الهجرتين))، لهجرته إلى الحبشة ثم إلى المدينة.

إسلامه:

أسلم جعفر (رض) بعد أخيه علي (ع) بقليل، فهو ثاني رج ألم. قال ابن الأثير: ((جعفر الطيّار كان أشبه الناس برسول الله (ص) خَلقاً وخُلُقاً، أسلم بعد اسلام أخيه عليّ بقليل)) (2). وقال ابن شهر اشوب: ((استفاضت الرواية أن أول من أسلم علي (ع)، ثم خديجة، ثم جعفر)) (3).

ويروى أن أبا طالب ـ ومعه جعفر ـ دخل على النبي (ص) وهو يصلي وعليّ بجنبه، فقال أبو طالب لجعفر: صِلْ جناح ابن عمك، فوقف جعفر على يسار رسول الله (ص)، فبدر رسول الله من بينهما، فكان رسول الله يصلي وعليّ وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة يأتمون به(4).

تزوج جعفر (رض) من أسماء بنت عميس الخثعمي، الإمرأة العفيفة المخلصة. هاجرت معه إلى الحبشة وولدت له فيها عبد الله ومحمداً وعوناً.

هجرته إلى الحبشة:

السنة الخامسة للبعثة المباركة، وبعد أن استمرّت قريش في تعذيب المسلمين والتنكيل بهم، وحيث اشتدّ التعذيب وكثر الأذى واستشهد ياسر وسميّة (رض)، رأى النبي (ص) أنه لا بدّ من حلّ هذه المشكلة وإنقاذ المستضعفين المسلمين، كما لا بدّ من ضربة لكبرياء قريش، ولا بدّ أن يجهر باعلان الدعوة إلى الدين الجديد في أفريقيا. ولذا قال النبي (ص): ((لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنّ بها ملكاً لا يُظْلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فَرَجاً مما أنتم فيه)) (5).

وبالفعل فقد قرر بعض المسلمين الهجرة، وأمّر عليهم النبيُّ (ص) جعفرَ بن أبي طالب (رض)، وأعطاه كتاباً إلى النجاشي ملك الحبشة. وخرج المهاجرون في شهر رجب، وودّعهم ووصّاهم ودعا لجعفر (رض) بقوله: ((اللهم الطُف به في تيسير كل عسير، فإنّ تيسير العسير عليك يسير، إنك على كل شيء قدير، أسألك له اليُسْر والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة)) (6).

واستقرّ المسلمون في الحبشة وأمنوا واطمأنوا، ولم يرق ذلك لقريش.. فتأمروا وأرسلوا وفداً إلى النجاشي ليردّ المسلمين إلى مكة. فأرسل النجاشي إلى المهاجرين واستدعاهم. فجاؤوا وخطيبهم جعفر بن أبي طالب (رض).

فقال له: ((أيّها الملك كنا قومً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل اقوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نَسَبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كُنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرَحِم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات. وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام)).. ومضى جعفر (رض) يحدّثه عن أصول الإسلام وفروعه، إلى أن قال: ((فصدّقنا وآمنا به واتبعناه على ما جاء ه من الله، فعبدنا الله وحده لم نشرك به شيئاً، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحْلَلْنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحلّ ما كنا نستحلّ من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيّقوا علينا، وحالوا بينا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورَغِبْنا في جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك أيها الملك)) (7).

واستمرّ جعفر (رض) يبيّن للنجاشي ما جاء به النبي (ص)، وتلا عليه آيات من كتاب الله ومنها سورة مريم حتى بكى النجاشي واخضلّت لحيته وردّ وفد قريش خائبين.

هجرته الثانية:

لما افتتح رسول الله ص) ((خيبر))، أتاه البشير بقدوم جعفر وأصحابه من الحبشة، ففرح النبي (ص) بذلك فرحاً شديداً، ثم قام واستقبله باثنتي عشرة خطوة، وعانقه وقبّل ما بين عينيه وبكى، وقال: ((لا أدري بأيهما أنا أشدّ سروراً، بقدومك يا جعفر، أم بفتح الله على أخيك خيبر؟! وبكى فرحاً برؤيته)) (8).

وهناك أعطى لجعفر هدية خالدة لئلا تُدفن فضيلته العظيمة، فلذا قال (ص) لجعفر (رض): ((ألا أمنحك؟ ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟ فقال له جعفر: بلى يا رسول الله، فظنّ الناس أنه يعطيه ذهباً أو فضة فتشوق الناس لذلك، فقال له: إني أعطيك شيئاً، إن أنت صنعته في كل يوم، كان خيراً لك من الدنيا وما فيها. ثم علّمه الصلاة المعروفة بصلاة جعفر (رض))) (9). ثم أنزل رسول الله (ص) جعفراً إلى جنب المسجد.

شهادته:

بعد صلح الحديبية، ابتدأ رسول الله (ص) بدعوة ملوك العالم إلى الإسلام. فأرسل (ص) سريّة كعب بن عمير الغفاري إلى ((ذات اطلاح)) من بلاد الشام ليدعوهم إلى الإسلام، ولكنهم استشهدوا جميعاً، إلاّ رجلاً واحداً وقع جريحاً تحامل بعد انتهاء المعركة ورجع إلى المدينة ليخبر النبي (ص) بما جرى له ولأصحابه(10). فأرسل (ص) جيشاً مؤلفاً من ثلاثة آلاف وقد استعمل عليهم ابن عمه جعفر بن أبي طالب، فإن أُصيب فزيد بن حارثة، فإن أُصيب فعبد الله بن رواحة(11).

سار الجيش والتقى بجيش الروم بالبلقاء بمكان يدعى مؤتة، فقاتلوا قتالاً شديداً وجعفر (رض) بيده اللواء يرتجز ويقول:

يا حبذا الجنة واقترابُها**طيبةً وبارداً شرابُها

والروم روم قد دنا عذابها**كافرة بعيدة أنسابها

عَلَيَّ إذ لاقيتُها ضِرابُها

وقاتل حتى قُطعت يمينهُ، فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعت، فاحتضنه بعضدَيه حتى قُتل. فأخذ اللواء زيد بن حارثة، فلما قتل أخذه عبد الله بن رواحة فقتل ، ثم انهزم الجيش إلى المدينة!

قال في الاستيعاب: ((عن ابن عمر أنه قال: وجدنا ما بين صدر جعفر بن أبي طالب ومنكبيه وما أقبل منه، تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح)) (12).

رسول الله (ص) يعزّي آل جعفر:

لما انتهى إلى رسول الله (ص) قتل جعفر، حزن حزناً شديداً ثم دخل على أسماء زوجته، فقال: أين بنيّ؟ فدعت بهم وهم ثلاثة: عبد الله وعون ومحمد، فمسح رسول الله (ص) رؤوسهم فقالت: إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام! فعجب رسول الله من عقلها، فقال: يا أسماء ألم تعلمي أن جعفراً (رض) استشهد، فبكت، فقال لها رسول الله: لا تبكي فإن الله أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر، فقات: يا رسول الله لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله، فعجب رسول الله (ص) من عقلها، ثم قال: ابعثوا إلى أهل جعفر طعاماً، فجرت السنة(13). وقالت أسماء فخرج رسول الله يجرّ رداءه، ما يملك عبرته وهو يقول: ((على مثل جعفر فلتبكِ البواكي)) (14).

قال عبد الله بن جعفر: ((أنا أحفظ حين دخل النبي (ص) على أمي، فنعى إليها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على ر أسي ورأس أخي، وعيناه تهرقان بالدمع حتى قطرت لحيته، ثم قال: اللهم إن جعفراً قدّم إليّ أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته، ثم قال: يا أسماء ألا أبشرك؟ قالت: بلى بأبي وأمي، قال: فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في اجنة، قالت: بأبي وأمين، فأعلم الناس ذلك. فقام رسول الله (ص) وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي على المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى، وان الحزن ليُعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه، ألا إن جعفراً قد استشهد، وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة. ثم نزل فدخل بيته وأدخلي، وأمر بطعام فصنع لنا، وأرسل إلى أخي فتغدّينا عنده غداءً طيّباً، عمدت سلمى خادته إلى شعير فطحنته ثم نشّفته، ثم أنضجته وآدمته بزيت وجعلت عليه فلفلاً، فتغديت أنا وأخي معه، وأقمنا عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه، ثم أرجعنا إلى بيتنا(15).

فضائل جعفر (رض):

ثمة آيات كثيرة وروايات تدلّ على فضائل جعفر بن أبي طالب (رض). فقد روى المفيد (ره) عن عليّ (ع) قوله في تفسير الآية الكريمة: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا) [الأحزاب / 23] قال (ع): ولقد كنت عاهدت الله ورسوله (ص) أنا وعمي حمزة وأخي جعفر، وابن عمي عُبيدة على أمرٍ وَفَينا به لله ورسوله (ص)، فتقدّمني أصحابي وتخلّفت بعهدهم لما أراد الله عزّ وجلّ، فأنزل الله فينا (الآية...) فمن قضى نحبه حمزة وعبيدة وجعفر، وأنا المنتظر.. وما بدّلت تبديلاً(16).

وقد روي عن رسول الله (ص) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) روايات كثيرة في تفسير بعض الآيات وفي ذكر بعض فضائل جعفر الطيار (رض). منها قول النبي (ص):

((خير الناس حمزة وجعفر وعلي)) (17).

وقال (ص): ((رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة)) (18).

ولا يخفى ان فضائل هذا الصحابي الكريم، المهاجر البصير، المجاهد الكبير أوسع من أن تحيط بها هذه الصفحات القليلة، فسلام على أول الشهداء من الطالبيين وسلام على أول المهاجرين من المسلمين، وسلام على جعفر في العالمين.

ــــــــــــــــ

1) البحار، ج 31، ص55. واعلام الورى، ص103.

2) أسد الغابة، ج1، ص387.

3) مناقب آل أبي طالب، ج3، ص4.

4) تفسير القمي، ج1، ص378.

5) السيرة النبوية، ابن هشام، ج1، ص258 ـ 362.

6) مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص249، والمحجّة البيضاء، ج4، ص66.

7) السيرة النبوية، ج1، ص358 ـ 362.

8) الخصال، للشيخ الصدوق، ص484.

9) الكافي، الفروع، ج3، ص465. البحار، ج21، ص24.

10) السيرة النبوية، لابن كثير، ج3، ص454.

11) أعلام الورى، ص102، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص65، البحار، ج21، ص55، أعيان الشيعة، ج4، ص124، قاموس الرجال، التستري، ج2، ص369، دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام، جعفر مرتضى العاملي، ج1، ص210.

12) الاستيعاب، (في هامش الاصابة)، ج1، ص211.

13) البحار، ج21، ص55.

14) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص66، أسد الغابة، ج1، ص289.

15) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج15، ص71.

16) الاختصاص، المفيد، ط. جماعة المدرسين، ص174، الخصال، الصدوق، ص376.

17) مقاتل الطالبيين، ص9.

18) أسد الغابة، ج1، ص287.