الشيخ الوائلي (رحمه الله)
  • عنوان المقال: الشيخ الوائلي (رحمه الله)
  • الکاتب: إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 2:31:31 3-9-1403

 الشيخ الوائلي (رحمه الله)

 

موقع(إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية)

حياته ونشأته:

ولد أحمد ابن الشيخ حسّون بن سعيد الوائلي في النجف الأشرف سنة 1347هـ/ ‏‏1928م. وشاءت عناية الله أن يولد في السابع عشر من ربيع الأول، الذي ‏يصادف ذكرى ولادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحفيده الإمام الصادق ((عليه السّلام))، فسمّاه أبوه (أحمد) من دون تردّد ولا تأمل.‏

لم تكن عائلته المعروفة بأسرة (آل حرج) مشهورة مثل العائلات العلمية الكبرى في ‏النجف: آل المظفر، آل بحر العلوم، آل كاشف الغطاء وغيرهم، ولكنّ العلاّمة ‏الكبير هو الذي جعل اسم أسرته لامعاً بما اكتسبه من علم ومعرفة أهّلاه لينال ‏شهرة واسعة.‏

كان والده (خطيباً غير مشهور، كما إنّه كان قليل القراءة، لأنّه دخل ميدان الخطابة ‏وهو في منتصف عمره). ‏

ولج الشيخ أحمد ميدان الخطابة في سنّ مبكرة جداً، كما يقول هو، وكان عمره ‏نحو عشر سنوات أو أكثر بقليل، ولكن بعض الكتّاب يقول إنّه خلافاً لسائر ‏الخطباء، دخل عالم الخطابة كبيراً وليس صغيراً، ولمع فيه نظراً لما يتمتَّع به من ‏ميزات وقدرات.‏

تابع دراسته الحوزوية وتوغَّل فيها، وقرأ مقدّمات العلوم على يد أساتذة الحوزة ‏البارزين. ولم يكتفِ بذلك، بل تابع دراسته الأكاديمية العليا حتى حصل على ‏الماجستير من جامعة بغداد بأطروحته: (أحكام السجون في الشريعة الإسلامية)، ثُمّ ‏أكمل الدكتوراه في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، فنالها بأطروحته: (استغلال ‏الأجير وموقف الإسلام منه).‏

عميد المنبر الحسيني:

احتلَّ الدكتور الوائلي مركزاً مرموقاً منذ منتصف القرن العشرين، وتربَّع على ‏مركز الصدارة في الخطابة الحسينية، حتى استحقَّ عن جدارة لقب (عميد المنبر ‏الحسيني) من دون منازع. ولم يتمكن الخطباء الآخرون من مجاراته في قدراته ‏الخطابية والفكرية والأدبية، فهو صاحب مدرسة مستقلّة خاصة لها أسلوبها الرائد ‏ومنهجها الفريد، لذلك كانت نادرة في عطاءاتها وأبعادها، ما جعل الخطباء من ‏بعده يسيرون على نهجه ويقتبسون من شعاع مدرسته، فأخذ الكثيرون يقلّدون ‏حركاته ويجارون نبرة صوته، وما ذلك إلاّ دليل على عبقرية هذا الخطيب الفذّ.‏

إضافةً إلى (عمادة المنبر)، اشتهر الشيخ الوائلي بأنّه شاعر مرهف وأديب مبدع ‏وداعية كبير، حمل هموم أمّته ودعا إلى الذود عنها في وجه الاستكبار والاحتلال، ‏وحرّض المجاهدين بشعره وخطبه على المقاومة والتصدّي لمشاريع الاستعمار ‏وعدوانه.‏

ولقد تمكَّن الشيخ الوائلي من الوصول إلى هذه المكانة الرفيعة لأسباب أربعة:‏

‏1- تتلمذه على ثلّة من العلماء الكبار أبرزهم الشيخ محمد رضا المظفّر، ‏ومجموعة من خطباء المنبر البارزين.‏

‏2- نشوؤه في بيئة النجف الأشرف المعروفة بتراثها العلمي والأدبي.‏

‏3- تحصيله الأكاديمي العالي، الأمر الذي أغنى شخصيّته العلمية بالدراسة ‏الحوزوية والدراسة الجامعية الحديثة.‏

‏4- ملكاته الخاصة وذكاؤه الفطري وشخصيته المبدعة.‏

ملامح فكره:

قد يكون من الصعب الإحاطة بفكر غزير مثل فكر الدكتور الوائلي، لكننا سنحاول ‏وضع ملامح عامة لما خلّفه.‏

أ- المنبر الحسيني: يضع الدكتور الوائلي الإمام الحسين (عليه السّلام) في وعاء ‏الرسالة الذي يبتعد عن المزايدات والمبالغات، ويستشفّ من وراء كُلّ تحرك وكُلّ ‏مفردة من مفردات واقعة الطفّ الهدف الكبير والسرّ الكامن، وفي الوقت ذاته، ‏استجلاء محتويات هذه الواقعة وتقديمها دروساً نستلهمها في مسيرة الحياة.‏

لذلك سعى مع رفيق دربه الشهيد السيد محمَّد باقر الصدر إلى رفع المستوى العام ‏للمنبر بما يليق بصاحبه (عليه السّلام)، وذلك عبر خطوات ثلاث:‏

‏1- تقعيد المنبر: بمعنى أن يصدر عن قواعد وعلم منهجي.‏

‏2- إثراء مادّة المنبر: بحيث تتنوّع مضامين المحاضرات وتلتمس الموادّ ‏المشوّقة للسامع، المفهومة لديه.‏

‏3- العمل على الارتقاء بالمنبر حتى يصل إلى مستوى مرجع متجوّل، يرجع ‏إليه الجمهور للتعرف إلى كثير مما يهمه في حياته من عقائد وأحكام شرعية.‏

وكان الدكتور الوائلي يرى أنّ من أخلاقيات المنبر الحسيني ما يأتي:‏

‏1- أن يكون العمل لوجه الله تعالى قبل كُلّ شيء.‏

‏2- ارتباط العمل المنبري بالمصلحة العامة والنأي به عن التحوّل إلى مدية بيد ‏فئة أو فرد ضد فئة أخرى أو فرد آخر بدوافع شخصيّة.‏

‏3- ترفّع العمل المنبري عن إرضاء العوام على حساب الحقائق والقيم.‏

ودعا في كتابه القيّم (تجاربي مع المنبر)، إلى عدم حصر الحسين في نطاق الدمع ‏والمأساة فقط، بينما هو ثورة على الباطل، ومنهج سلك الشهادة لبناء المجتمع.‏

ب- دفع الشبهات عن الإسلام: كان الشيخ الوائلي خصماً عنيداً لأعداء الإسلام ‏من مستشرقين وكتّاب غربيين، ممن حاولوا تشويه دين الله والإساءة إليه، ونسبة ‏آراء مغلوطة إليه.‏

فكان- العلاّمة- يتصدّى لهم بالدليل والبرهان، ولا يكتفي بالأدلة الشرعية ‏الإسلامية المأخوذة من الكتاب والسنّة، بل كان يقارعهم بحجج عقلية ومنطقية ‏وعلمية، نظراً لدراساته الموسعة واطّلاعاته الكثيرة. ومن أهمّ الشبهات التي فّندها: ‏شبهة انتشار الإسلام بالسيف، حقوق المرأة في الإسلام، شبهة وثنية بعض الشعائر ‏الإسلامية، حقوق الإنسان، هل الإسلام دين عنف ودم؟! وغيرها.‏

ج- دفع الشبهات عن التشيع: وكان بسعة اطّلاعه على المذاهب الإسلامية كافّة، ‏خير مدافع عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فكان يفنّد الشبهات الملقاة على ‏التشيّع من كتب بعض الكتّاب من المذاهب الإسلامية الأخرى، مستعيناً بالأحاديث ‏التي ينقلونها وبآراء علمائهم.‏

ومن أهمّ الشّبهات التي فنّدها وأبدع في ذلك: قصة عبد الله بن سبأ، مسألة الإمامة، ‏حياة الخلفاء، العصمة، زواج المتعة، الشعوبية، المهدوية وغيرها.‏

د- الوحدة الإسلامية: كان الدكتور الوائلي من روّاد الوحدة الإسلامية، فدعا ‏‏(فرق المسلمين إلى أن يدرسوا بعضهم بعضاً بروح علمية، وأن يتبيّنوا الخلفيات ‏المشبوهة التي أدّت دوراً كبيراً وما زالت في تمزيقهم. كما دعاهم إلى وعي ‏‏وحدة المنبع عند المسلمين. إن القرآن إمامنا والسنة النبوية رائدنا. لا ينبغي لنا أن ‏نبقى(متفرجين) دون أن نجنّد الفكر الشريف والقلم النظيف في ميادين وحدة ‏المسلمين).‏

هـ- البحث عن الحقيقة: كان- سماحته- دائم البحث عن الحقيقة، ويأخذها ‏أنّى وجدها من دون تعصّب أو هوى. وكان منهجه (الدليل والبرهان). فكان مثلاً ‏يمدح كُلّ مسلم موضوعي حتى لو اختلف معه في المذهب، وكان يذّم كُلّ متعّصب ‏حتى لو اتفق معه في المذهب. وكان يدرس رواية معّينة فيرفضها إذا بان فسادها، ‏حتى لو كانت تنصر مذهبه:(إنّ كُلّ رأي أو اتجاه أو استنباط لا ينتهي إلى الكتاب ‏والسنّة فهو إلى النار ومضروب به عرض الجدار كائناً من كان قائله. وانطلاقاً ‏من ذلك فأيّ رأي ينتصر على رأي آخر من مسلم على مسلم لا يعتبر ربحاً لأحد ‏وخسارة لآخر، بل هو نصر للإسلام والحقيقة والعلم. هذا منطق كُلّ من قال لا إله ‏إلا الله. أمّا من يستظلّ براية الهوى والتعّصب، ويسلك درب العناد واللجاج، فليس ‏من الله ولا من العلم في شيء).‏

و- مقارنة الآراء: تمتاز مدرسة الوائلي بعدم اعتمادها (الجزم في المجال ‏الفكري، والذي يشكل أحد المظاهر السلبية في مجتمعنا. ويتجلى ذلك في ‏محاضراته عندما يفسر آية قرآنية معينة، فيقدم كُلّ الآراء المطروحة في تفسيرها، ‏ولا يجزم بصحة أي من تلك التفاسير إلاّ في حالات نادرة، وذلك عملاً بمبدأ جواز ‏الاختلاف والاجتهاد، وحق كُلّ شخص في أن يعمل بدليله.‏

ولذلك يكثر سماحته من استعمال الكلمات التي تفتح المجال أمام المستمع للتفكير ‏مثل: أعتقد، أظن، أتصوّر وغيرها.‏

وقد ربّى هذه الملكة من خلال سعة تبحّره واطّلاعه على كُلّ المذاهب، فلم يحصر ‏علمه بمذهب دون آخر، فها هو يقول: ((من) الأمور التي عملتها وأكدت التجارب ‏صوابها، الانفتاح على تراث المذاهب الإسلامية الأخرى والتفاعل معها نقداً ‏وتقويماً بأعصاب هادئة وموضوعية تامة وإتباع الدليل. وقد برهنت لي التجارب ‏أنّ هذا المنهج مثمر وفاعل).‏

ز- العقل والعلم: كان يستخدم الدليل العقلي والعلمي في كثير من الأحيان، سواء ‏في الحكم على حديث أو رواية أو في الحكم على بعض الآراء.‏

ح- مواكبة العصر: كان دائم الدعوة إلى أن تواكب حركة المنبر والتجربة ‏الاجتهادية والخطاب الإسلامي، عصرنا الذي نعيش فيه، وما شهده من ثورة ‏علمية ومعرفية.‏

ط- الشيخ الشاعر: يتميز شعر الدكتور الوائلي بفخامة الألفاظ وبريق الكلمات ‏وإشراقة الديباجة، لذلك عُدّ شاعراً محترفاً ومجرّباً من الرعيل الأول.‏

شعره الحسيني يطفح بالحرارة والتأثير ليتناسب مع ما يحتاجه المنبر من شعر ‏سلس مقبول جماهيرياً وأدبياً. وكذلك شعره في مديح ورثاء أئمة أهل البيت (عليهم ‏السلام).‏

وتعدّى شعره المواضيع الدينية ليتناول المواضيع السياسية والاجتماعية، فهذه ‏قصائده تدعو إلى الثورة والمقاومة، كقصائد: حديث فلسطين، سماسرة الحرب، ‏أمتي، وغيرها.‏

معاناته:

برغم كُلّ هذه المكانة، لم يسلم الشيخ الوائلي من بطش النظام الصدّامي في ‏العراق، ما أجبره على ترك بلاده ليعيش متنقلاً في بلاد المسلمين وبلاد الغرب، ‏ليرفد الجاليات الإسلامية بالعلوم الإسلامية. وقد فُجع بمآسي شعب العراق، وفُجع ‏باغتيال رفيق دربه الشهيد الصدر، وفُجع بوفاة ولده سمير عام 1999م. وظَّل ‏متنقلاً في البلاد مدّة ربع قرن، يحمل في قلبه حنيناً إلى العراق والنجف، التي عاد ‏إليها لتحتضنه بحنان كبير.‏

آثــاره:

ترك الشيخ الوائلي ثروةً علمية لا تُقَّدر ضمَّت آلاف المحاضرات المسجّلة ومئات ‏الأبحاث، وعدداً من الكتب المطبوعة، ومنها:‏

‏1- أحكام السجون في الشريعة الإسلامية.‏

‏2- استغلال الأجير وموقف الإسلام منه.‏

‏3- هوية التشيع.‏

‏4- إيقاع الفكر.‏

‏5- من فقه الجنس في قنواته المذهبية.‏

‏6- جمعيات حماية الحيوان في الشريعة الإسلامية.‏

‏7- الخلفية الحضارية لموقع النجف قبل الإسلام.‏

‏8- تجاربي مع المنبر.‏

‏9- نحو تفسير علمي للقرآن الكريم.‏

‏10- دفاع عن العقيدة.‏

‏11- الأوليات في حياة الإمام علي (عليه السّلام).‏

‏12- ثلاثة دواوين مطبوعة.‏

هذا إضافة إلى عدّة مخطوطات نأمل أن تجد طريقها إلى النشر.‏