علي بن الحسين بن الموسوي الشهير بالشريف المرتضى
  • عنوان المقال: علي بن الحسين بن الموسوي الشهير بالشريف المرتضى
  • الکاتب: بقلم لبيب بيضون
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:29:56 3-9-1403

علي بن الحسين بن الموسوي

الشهير بالشريف المرتضى

بقلم لبيب بيضون

الشريف المرتضى (علم الهدى) الفقيه البارز هو أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم (ع).

ولد في بغداد سنة 355هـ وعاش أغلب حياته فيها، وتوفي سنة 436هـ.

وقد اختار له أبوه اسم (علي) ولقب (المرتضى) ليكون سَمِيَّ جده الإمام علي بن أبي طالب (ع). وهو الأخ الأكبر للشريف الرضي الشاعر المشهور، وُلد قبله بأربع سنوات، وعاش بعده ثلاثين سنة.

عصره:

كانت بغداد في تلك الفترة موئل العلم، ومثابة العلماء، وملتقى الشعراء والأدباء وكانت تعقد فيها بحضرة الملوك والرؤساء مجالس المناظرة والمساجلة والجدل، بينما زخرت دور العلماء بطلاب العلم وحلقات الدرس.

وحين ضعفت الدولة العباسية، جرى الاتفاق بين خلفائها وبين بني بويه من الديلم [وكانوا من المسلمين الشيعة] على أن يدخل بنو بويه بغداد فتكون لهم السلطة الفعلية، مقابل احتفاظ ((الخلفاء العباسيين)) بسلطة دينية شكلية. وقامت الدولة البويهية في بغداد في الفترة ما بين (320 ـ 447هـ).

وكان أكثر ملوك بني بويه على جانب من رجاحة العقل ومحبة العلم وتذوق الأدب، فَحَدَبوا على العلماء، وأغدقوا على الشعراء، وولّوهم الوزارة والامارة والقضاء، لا سيما مَن كان يتصل بأهل البيت بصلة النسب أو المذهب. في ظل تلك الدولة نشأ الشريف المرتضى وأخوه الشريف الرضي وقد عاشا مُكَرَّمَي الجانب من قِبَل خلفاء بني العباس، والملوك من بني بويه على حد سواء.

أسرة الشريف المرتضى:

ولد الشريف المرتضى في أسرة شريفة عريقة. فأما والده (أبو أحمد الحسين بن موسى) فقد كان سيداً من أكابر الأشراف في بغداد، بل في العراق.

ولقب (بالطاهر ذي المناقب) وخاطبه الملك بهاء الدولة البويهي (بالطاهر الأوحد).

وكانت تصله بمعز الدولة البويهي أول ملك من ملوك آل بويه في العراق، صلاتُ مصاهرة، فجدّةُ زوجته فاطمة كانت أخت زوجة معز الدولة.

وقد تقلّد إضافة لنقابة الطالبيين، إمارة الحجّ والنظر في المظالم. ولما أدركه الكبر أوكل هذه الأعمال إلى الشريف الرضي ثم انتقلت إلى الشريف المرتضى عند وفاة أخيه.

وقد عاش هذا الوالد الكريم عمراً مديداً يقارب سبعاً وتسعين عاماً، من 304 حتى 400 هـ.

وأما أمّ الشريف المرتضى، فهي فاطمة بنت الحسين بن أحمد بن الحسن الناصر الكبير ملك بلاد الديلم. وينتهي نسبه إلى الإمام زين العابدين (ع).

فجمع الشريف المرتضى بذلك المجد من جميع أطرافه.

رؤيا الشيخ المفيد:

وقد روي عن فخار بن معد الحسني أن الشيخ المفيد رحمه الله رأى في منامه مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) تدخل إليه وهو في مسجده بالكرخ، ومعها ولداها الصغيران الحسن والحسين (ع). فسلّمتهما له وقالت: أرجو أن تعلّمهما الفقه. فانتبه الشيخ من منامه متعجباً من ذلك.

فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة، ذهب إلى مسجده، وبينما هو جالس إذْ دخلت عليه سيدة جليلة هي فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها، ومعها ولدان صغيران هما ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي، فقام إليها وسلّم عليها. فقالت: أيها الشيخ هذان ولداي قد أحْضَرْتُهُما إليك لتعلّمهما الفقه. فبكى الشيخ المفيد. فقالت: ما بك؟ فقصّ عليها ما رآه في المنام تلك الليلة. وبدأ بتعليمهما وتهذيبهما، وفتح الله لهما أبواب العلوم والفضائل، حتى أصبح يُضرب بهما المثل.

منزلته العلمية وتآليفه:

كان الشريف المرتضى من أعاظم علماء المسلمين في عصره. وقد تتلمذ منذ صغره كما ذكرنا على يد الشيخ المفيد. ثم صحب غيره من العلماء (ومن أشهرهم أبو عبد الله المرزباني). وبعد وفاة الشيخ المفيد انتقلت إليه ـ في بغداد ـ الزعامة الدينية والفكرية، وحاز على كرسي الكلام الذي كان يُعرف بكرسي (وحيد العصر) [وهذا دليل على أعلميته]، وذلك طيلة 28 عاماً، أي حتى وفاته.

وكانت دروسه تشمل العلوم الإسلامية المختلفة، وكان يحضرها طائفة كبيرة من شيوخ الحديث وعلماء الكلام والفقه والأصول ومن أشهر طلابه الشيخ الطوسي. وكانت له مكتبة واسعة تضم ثمانين ألفاً من المجلدات. وهو إضافةً إلى اشتهاره بالفقه، كان شاعراً مجيداً، وله ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت. أما أخوه الشريف الرضي فمع اشتهاره بالشعر والأدب إلاّ أنه كان عالماً بالفقه أيضاً. وقد قال بعض العلماء:

(لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس).

هذا وقد ترك السيد المرتضى تآليف كثيرة في مختلف العلوم والآداب، وهذه قائمة بأهم كتبه:

(1) الغرر والدرر.

(2) الشافي.

(3) جمل العلم والعمل.

(4) الذريعة.

(5) رسالة تفضيل الأنبياء على الملائكة.

(6) منقذ البشر من اسرار القضاء والقدر.

(7) الخلاف في الفقه.

(8) تنزيه الأنبياء.

(9) شرح قصيدة السيد الحميري.

(10) الانتصار.

(11) المُقْنِع في الغَيْبة.

(12) رسالة المحكم والمتشابه.

(13) المصباح في الفقه.

(14) الموضِّح عن جهة إعجاز القرآن.

(15) الذخيرة.

(16) الناصرية.

(17) الطيف والخيال.

(18) الشيب والشباب.

(19) البروق.

(20) تتبع الأبيات.

(21) النقض على ابن جني في الحكاية والمحكى.

.. أما أعظم كتبه فهو الغرر والدرر، ويُعرف بأمالي المرتضى، ويقع في جزئين. وهو عبارة عن مجالس أملاها الشريف على طلابه، تشتمل على فنون من الأدب والفقه والمجادلات. وهو كتاب ممتع فريد، يدل على سعة علمه وقوة فهمه. وقد أعطى فيه أكبر اهتمامه لمناقشة الآيات المتشابهة والأحاديث المُشْكِلَة. فهو يعرض أقوال العلماء في الموضوع ويناقشها ثم يعطي الرأي السديد.

إفتراء على الشريف المرتضى:

يحكي أحد الفقهاء، وهو أبو حامد محمد بن محمد الاسفرائيني قصة عن الشريف المرتضى لا يمكن قبولها أو التصديق بها من ناحية موضوعية، وبالقياس إلى سيرة الشريف المرتضى.. ومفادها أن فخر الملك وزير بهاء الدولة البويهي كان يُظهر من الاحترام للشريف الرضي أكثر مما يظهره لأخيه الشريف المرتضى! ولما سأله عن السبب في ذلك.. أجاب بأن الشريف الرضي كان يرفض عطاياه ـ على ضخامتها ـ أنفةً وإباءً، في حين أنّ الشريف المرتضى أرسل له رقعةً طويلة يرجوه فيها أن يعفيه من ضريبة مالية زهيدة قدرها دينار واحد!

إن تهافت هذه القصة واختلافها هما من الوضوح بمكان... إذ كيف يمكن التصديق بأن شخصاً جليل القدر، واسع الثراء كالشريف المرتضى.. يملك ثمانين قرية (بين بغداد وكربلاء) يمكن أن يُدني نفسه من أجل دريهمات!

إن القصص التاريخية كثيراً ما تحفل بالمغالطات والتشويه لدوافع مختلفة.. فينبغي عدم القبول بها قبل عرضها على العقل والمنطق.

وإن الوقائع تؤكِّد أن ذرية النبي صلى الله عليه وآله يمتازون عموماً بصفة الكرم والسماحة. ولا عجب فقد رضعوا هذا اللّبان من معين الكرم والإحسان سيدنا محمد صلى الله عليه وآله .

وإليك هذه القصة التي تبين سماحة الشريف المرتضى علم الهدى، ونفسيّته التي هي فوق ما قاله القائلون.

قصة كتاب:

ذكر ابن خلّكان عن أبي زكريا التبريزي، أن أبا الحسن علي بن أحمد الفالي الأديب، كانت عنده نسخة عزيزة من كتاب (الجمهرة) لابن دريد في غاية الجودة. فاضطر إلى بيعها لفقره وحاجته، فاشتراها الشريف المرتضى بستين ديناراً، وهو لا يعرف سبب بيعها. فلما تصفحها وجد مُسَطّراً عليها أبياتاً بخطّ بائعها، عرف منها سبب بيعه لها. فما كان منه إلاّ أن أرجع النسخة وترك الدنانير جرياً على عادته من صلة أهل العلم وبرّهم.

وفاته:

وفي عم 236 هـ أُسدل الستار على أكبر علاّمة عرفته بغداد، بوفاة علم الهدى وإمام الطالبيين الشريف المرتضى. وصلّى عليه ابنه، ودُفن إلى جانب أبيه وأخيه في جوار جده الإمام الحسين (ع) في كربلاء.

رحم الله الشريف المرتضى، وبارك عليه في الآخرة كما بارك عليه في الأولى، وحشره مع أجداده وآبائه الصدّيقين.