السيدة شهربانو زوجة الإمام الحسين (عليه السلام)
علي صاحب الهاشمي
اسمها ونسبها: شهربانو بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى ( كان يزدجرد آخر ملوك الفرس ويلقب بالملك العادل ).
قيل اسمها خولة , سلامة , غزالة , بانو وقال بعضهم : شهربانو, وقال الشيخ المفيد اسمها شاه زنان (أي ملكة النساء).
سماها أمير المؤمنين شهربانويه(1).
ربما يعود اختلاف الروايات في تسميتها إلى ما قيل إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سألها يوما عن اسمها ، فقالت : شاه زنان ( أي ملكة النساء أو سيدة النساء) . فقال (عليه السلام) : (( أنت شهربانويه )) , (أي : ملكة المدينة). وأظن هذا التغير لأجل اختصاص الزهراء (عليه السلام) حيث أن فاطمة هي سيدة نساء العالمين(2).
خطبة شهربانو:
روت السيّدة شهربانو قصّتها لأميرالمؤمنين (عليه السلام) فقالت : رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين كأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل دارنا وقعد مع الحسين (عليه السلام) وخطبني له وزوجني منه ، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطر غير هذا ، فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أتتني وعرضت عليّ الإسلام فأسلمت ثم قالت : (( إنّ الغلبة تكون للمسلمين ، وإنك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين (عليه السلام) سالمة لا يصيبك بسوء أحد )) , قالت : وكان من الحال أني خرجت إلى المدينة ما مس يدي إنسان(3).
زواجها من الحسين (عليه السلام):
لما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيدا ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أكرموا كريم كل قوم )) ، فقال عمر : قد سمعته يقول : (( إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم )) ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (( هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلام ورغبوا في الإسلام ولا بد أن يكون لهم فيهم ذرية وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله تعالى)) ، فقال جميع بني هاشم : قد وهبنا حقنا أيضا لك ، فقال : (( اللهم اشهد أني قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله )) ، فقال المهاجرون والأنصار : وقد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله ، فقال : (( اللهم اشهد أنهم قد وهبوا لي حقهم وقبلته ، وأشهدك أني قد أعتقتهم لوجهك )) ، فقال عمر : لم نقضت علي عزمي في الأعاجم وما الذي رغبك عن رأيي فيهم ؟ فأعاد عليه ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إكرام الكرماء ، فقال عمر : قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصني وسائر ما لم يوهب لك ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( اللهم اشهد على ما قالوه وعلى عتقي إياهم ))، فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( هن لا يكرهن على ذلك ولكن يخيرن ، ما اخترنه عمل به ))، فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى فخيرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور فقيل لها : من تختارين من خطابك ؟ وهل أنت ممن تريدين بعلا ؟ فسكتت ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (( قد أرادت وبقي الاختيار )) ، فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (( إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت يأمر أن يقال لها : أنت راضية بالبعل ؟ فإن استحيت وسكتت جعلت أذنها صماتها وأمر بتزويجها ، وإن قالت : لا ، لم يكره على ما تختاره ، وإنّ شهربانويه أريت الخطاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي (عليهما السلام))) ، فأعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت : هذا ، إن كنت مخيرة ، وجعلت أمير المؤمنين (عليه السلام) وليها وتكلم حذيفة بالخطبة ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( ما اسمك ؟ )) , فقالت : شاه زنان بنت كسرى ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):(( أنت شهربانويه ؟)) قالت : آريه ( كلمة فارسية بمعنى نعم )(4).
سؤال أمير المؤمنين (عليه السلام) منها: : سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) شاه زنان بنت كسرى حين أسرت : (( ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل ؟ )) قالت : حفظت عنه إنه كان يقول : إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه ، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة ، فقال (عليه السلام) :(( ما أحسن ما قال أبوك ، تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير))(5).
وفاتها :
توفّيت السيّدة شهر بانو في الخامس من شهر شعبان عام ( 38 هـ ) في المدينة المنوّرة ، وذلك في نفاسها ، (أي حين ولادتها للإمام زين العابدين ( عليه السلام )).
ــــــــــــــــــ
(1) شرح أصول الكافي / مولي محمد صالح المازندراني / ج 7 / ص237.
(2) شرح الأخبار / القاضي النعمان المغربي / ج 3 / هامش ص 266.
(3) بحار الأنوار / العلامة المجلسي / ج 46 / ص 11 و الخرائج والجرائح / قطب الدين الرواندي / ج 2 / ص251 .
(4) الغارات / إبراهيم بن محمد الثقفي / ج 2 / ص 826.
(5) بحار الأنوار / العلامة المجلسي / ج 46 / ص12.