الشيخ محمد بن محمد أبوعبد الله المفيد
  • عنوان المقال: الشيخ محمد بن محمد أبوعبد الله المفيد
  • الکاتب: عن كتاب فلاسفة الشيعة للشيخ عبد الله نعمة، بتصرّف
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:53:12 3-9-1403

تراجم وشخصيات

الشيخ محمد بن محمد أبوعبد الله المفيد(*)

وهو من أعمدة المسلمين في الكلام والعلم والفقه بل من أكبر شخصياتهم العلمية التي ظهرت في القرن الرابع الهجري خصوصاً في حقل الكلام والمناظرة، وقد كان المرجع الديني الأبرز لدى المسلمين أتباع مذهب الإمامية في عصره.
ويتفق مترجموه على أنه كان رأساً من رؤوس المسلمين الشيعة وعلماً من أعلامهم الكبار، لا يدرك شأوه علماً وتفكيراً وفطنة وشخصية.

 إليه انتهت رئاسة الإمامية في عصره، وفي كتبه حفظت أقوالهم وآراؤهم، وهُذِّبت نظرياتهم ومذاهبهم بالشرح والتفسير، وإعطائها القوة المنطقية الداحضة.
ويعد المفيد من رواد المعرفة الذين أفادوا أجيالاً كثيرة بما تركوه من آثار جديرة بالتقدير.
قال عنه ابن النديم :

 ( ... مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، شاهدته فرأيته بارعاً ...)  الفهرست / ص 252 و279.
وقال عنه ابن حجر العسقلاني: ( ... كانت له جلالة عظيمة ، وتقدم مع العلم مع خشوع وتعبدٍ وتأله) لسان الميزان/ ج5/ ص 368 .
وقال عنه ابن حجر العسقلاني: ( ... برع في العلوم ، حتى كان يقال له: على كل إمام منة )  تاريخ دول الإِسلام /ج1/ ص191.
ووصفه أبو حيان التوحيدي فقال:
( وأما ابن المعلم فحسن اللسان والجدل ، صبور على الخصم ، كثير الحيلة، ضنين السر، جميل العلانية) الإمتاع والمؤانسة/ ج1 / ص141.
ويكفي الشيخ المفيد مكانة علمية وقوة حجة ما قاله فيه الخطيب البغدادي:
( أنه لو أراد أن يبرهن للخصم أن الاسطوانة من ذهب وهي من خشب لاستطاع ) تاريخ بغداد /ج3/ ص231.

حياة الشيخ المفيد ونشأته:

ولد الشيخ المفيد عام 336 أو 338 هـ بموضع من عُكبرى يسمى (سويقة ابن البصري) وهي بلدة صغيرة من ناحية دُجيل ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.
وهو يعود بنسبه إلى التابعي سعيد بن جبير الذي قتله الحجاج . ويلقَّب والده المعلم وقد انحدر به إلى بغداد ، حيث مركز العلم والثقافة في ذلك العهد، وأخذ يتلقى العلم على شيوخ ذلك العصر، وقد تتلمذ لأكثر من خمسين شيخاً، من شيعة وغيرهم، ومن مشاهيرهم:
جعفر بن محمد بن قولويه القمي المتوفى عام 368 هـ .

 ومحمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الشهير بالصدوق المتوفى عام 381 هـ وهو من أئمة الفقه ، وصاحب الكتب المشهورة منها :

 (من لا يحضره الفقيه) و(علل الشرائع) و(التوحيد).
وأحمد بن محمد بن سليمان الرازي المتوفى عام 368 هـ.

ومحمد بن أحمد بن الجنيد الاسكافي المتوفى عام 381 هـ من أجلاء متكلمي الإمامية وفقهائهم.
وأبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني المتوفى عام 378 هـ صاحب (معجم الشعراء) و(أخبار المتكلمين).
والقاضي أبو بكر عمر بن محمد بن سلام الجعابي.

وأبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم المعروف بالكاغذي المتوفى عام 399 هـ وهو من فضلاء المعتزلة ومتكلميهم.
وأبو الحسن علي بن عيسى الرماني من شيوخ المعتزلة البارزين.
وقد تخرج على يديه جماعة، كانوا أعلام عصرهم في الفقه والآثار والكلام، منهم:
( الشيخ أبو جعفر الطوسي ، والشريف المرتضى ، وأخوه الشريف الرضي ، وأبو الفتح الكراجكي ، والنجاشي وسواهم) .

* * *

وبرزت مواهب المفيد وهو لا يزال في دور التلمذة ، حتى بهر أساتذته الكبار ، أمثال أستاذه الرماني المعتزلي الذي لقَّبه بالمفيد بعد مناظرة له معه ( تاريخ بغداد / ج 8 / ص73).
وتُحكى للمفيد نوادر كثيرة تدل على حضور بديهته وسرعة خاطره ، من ذلك المناظرات التي أجراها مع أبي بكر البلاقلاني الأشعري، والقاضي عبد الجبار المعتزلي.
ولم يكن المفيد مع جلالته وعظم شأنه ليسلم من شواظ التنكيل والاضطهاد، فقد أبعد ونفي عن بغداد مرتين، بسبب الفتن والأحداث المذهبية التي كانت ـ دون شك ـ تُستغل من قبل السياسيين في ذلك الحين.
أما المرة الأولى ففي سنة 393 هـ ، وأما الثانية فقد وقعت سنة 398 هـ . الكامل لابن الأثير ج9 من حوادث عام 393 وعام 398 هـ.
 

طبيعة عصر الشيخ المفيد:

ظهر المفيد في الفترة التي منيت فيها الدولة العباسية بالانقسام الذي تم حوالي عام 324 هـ و1350م وبقيام دول صغيرة، منفصل بعضها عن بعض، وآلت إلى تقطع أوصالها وانسلاخ أجزائها ، بحيث لم يبقَ في يد الخليفة العباسي إلا بغداد وأعمالها.
وكان للدولة البويهية في هذه الفترة السيطرة التامة على بغداد ، وكان الخليفة دمية يحرّكه البويهيون كيف أرادوا، فبأيديهم رفعه ووضعه.
وكانت طبيعة هذه الفترة بما اشتملت عليه من ضعف الحكومة العباسية، ومن سيطرة البويهيين الشيعة على بغداد، تفسح المجالات أمام الحريات المذهبية والمقالات الدينية، بشكل قد لا نجد له مثيلاً في الفترات التي مرت على بغداد من قبل. وخاصة أمام المسلمين الشيعة الذين ظلوا طوال العهود السابقة يعاملون معاملة قاسية من قبل السلطات العباسية فقد كمّوا أفواههم ، ولاحقوهم بأنواع عديدة من المطارده والتنكيل، ولاقوا من أنواع العذاب والجور ما لم يلاقه سواهم ، حتى الزنادقة والملاحدة .
فقد كان هؤلاء الأخيرون لهم الحرية والمجاهرة بما يريدون !
ولكنهم في هذه الفترة ( أي القرن الرابع الهجري ) قد استرجعوا الكثير من حرياتهم في إعلان أرائهم ومعتقداتهم مما لم يروه في العصور السابقة.
وقد خصّص بنو بويه مسجد ( براثا ) في منطقة الكرخ من بغداد للمفيد لصلاته ووعظه وتعليمه . فالتف المسلمون ، خاصةً الشيعة من حوله، ووجّه عنايته إلى جمع كلمتهم وآرائهم على الحق محارباً الآراء والمعتقدات الخاطئة.
وامتازت هذه الحقبة بمن نبغ فيها من مفكرين وعلماء بارزين، وبما وُجد فيها من حيوية علمية وفكرية، مما تفضي بنا إلى القول بأنها كانت أبرز حقبة من جهة الحركة العلمية والفكرية والفلسفية.
وحسبنا من ذلك أن هذه الحقبة جمعت من شيوخ العلم ورجالات الفلسفة ما لم تحوه حقبة قبلها في التاريخ. ففي هذه الحقبة بالذات عاش عدد غير قليل من رجالات العلم والفلسفة والكلام والمذاهب والنّزعات البارزين، أمثال:

 أبي الحسن عبد الرحمن الرازي الفلكي الشهير عام 291ـ376 هـ .

 وأبي الوفاء البوزجاني الرياضي المشهور عام 328ـ398 هـ.

 وأبي القاسم علي بن أحمد المجتبي الإنطاكي الذي نبغ في علوم الهندسة والأعداد المتوفى عام 376 هـ.

 وأبي الريحان البيروني العالم المشهور عام 362ـ440 هـ.

 وابن سينا الفيلسوف عام  371ـ 428 هـ.

 وأبي عبد الله الحسين المعروف بالكاغدي ، والملقب بجُعَل أحد كبار المعتزلة المتوفى عام 399 هـ.

 وعلي بن عيسى الرماني من أعاظم علماء الكلام المعتزلة.

 وأبي حيان التوحيدي المفكر والأديب المشهور المتوفي عام 380 هـ .
والقاضي عبد الجبار شيخ المعتزلة في عصره توفي سنة 415 هـ .
وأبي الحسن البصري من أشياخ المعتزلة البارزين توفي عام 430هـ .
وأبي بكر محمد بن الطيب المعروف بالقاضي الباقلاني من شيوخ الأشاعرة في عصره توفي عام 403 هـ .
وغيرهم من أعلام هذه الفترة.

 وقد عاش أكثرهم في بغداد عاصمة العلم والفكر آنذاك.
وامتازت هذه الفترة أيضاً بأنها كانت من ابرز الفترات التاريخية في الإِسلام من جهة الصراع الفكري والعلمي ، والجدل والمناظرات حول قضايا الدين والمذاهب ، كما امتازت بالحركة الثقافية بأنواعها ، مما لم تعرفه فترة أخرى قبلها.
وكان هذا الصراع يتمثل على الأكثر في الجدل بين الأشاعرة والمعتزلة ، خاصة وقد كان لكل منهما زعماء كلاميون ، بارزون.

 وكانت الشيعة تؤلف القوة الثالثة بين هذين المذهبين ، أو بين هاتين الفكرتين . فكانت مركز الثقل العلمي والفكري.
وقد تزعَّم هذه القوة الثالثة في هذا العهد أبوعبد الله الشيخ المفيد ، وكان عليه أن يجالد على عدة جبهات ، ويناظر أهل كل عقيدة كما يقول ابن كثير الشامي.
وبحكم هذا الظرف الذي عاشه وضع تلك المؤلفات العظيمة التي بلغت المئتي مصنف.
ولم تقف جهوده عند التأليف فحسب ، بل تجاوزها إلى المناقشات والمناظرات التي كانت تجري في النوادي المعقودة لهذه الغاية ، والتي كانت تتناول مواضيع دينية وكلامية شتى، وقد تتجاوز أحياناً إلى قضايا فكرية خالصة لا صلة لها بأمور الدين.
وقد احتضنت كتب الأدب والتاريخ والدين والمناظرات شيئاً من ذلك.
ويبدو أن شخصية المفيد العلمية والكلامية كانت بعيدة الغاية ، عميقة الأثر كما كان قوي الحجة والمنطق، يملك ما يفحم به خصومه ومناظريه، ويجعلهم يستسلمون له استسلاماً.
وكان ذلك شديد الوطأة على خصومه ومجادليه، يخشون حجاجه، ويتفادون مناظراته، حتى أثّر على جماعات عديدة منهم.
وقد ألمح إلى ذلك كما ذكرنا أبو حيان التوحيدي، والخطيب البغدادي.

أراء الشيخ المفيد ومناظراته:

يمثّل المفيد في تفكيره وآرائه النزعة التجديدية في نظريات المسلمين الشيعة وآرائهم حول العقائد الدينية.

 فبعد أن كان علماء الشيعة يقفون فيها على حرفية النصوص والأحاديث في الأكثر ، دون تأويل أو توسيع ، نجد الشيخ المفيد من أوائل الذين تجاوزا هذه الحرفية إلى الاعتماد على منطق الفكر المجرد الحر.
فهو يحاكم ويفكّر بموضوعية وشجاعة ، ولذلك اعتبر المفيد المجدد الأول لأصول المذهب الشيعي والممثّل لآرائه وأفكاره في نقاء وصفاء.
ونلمح هذه الروح التجديدية المتحرره من شرحه على (عقائد الصدوق)، حين يشتد على (الصدوق ابن بابويه) في النقد والمناقشة، ويعارضه في أكثر أبواب الكتاب المذكور ، ويقول عنه أحياناً ـ كما فعله في باب النفوس والأرواح ـ:

( ولو اقتصر على الإخبار ولم يتعاط ذكر معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه ).
ويقول في نفس الباب،( لكن أصحابنا المتعلقين بالأخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة ، يمرون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث ولا ينظرون في سندها ، ولا يفرقون بين حقها وباطلها، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها ، ولا يحصّلون معاني ما يطلقون منها ).

 كما نلمح نفس الروح المجدّدة في كتابه أوائل المقالات.

مؤلفات الشيخ المفيد:

ترك المفيد مؤلفات متنوعة وفي مواضيع شتى ، كانت طبيعة عصره بحاجة ملحّة إليها، وقد تجاوزت كتبه مئتي مصنف بين كبير وصغير، كما قال مترجموه. وأهمها في المواضيع الآتية:
في أصول الدين وعقائده.
في موضوعات كلامية خاصة.
في الإمامة وما يتفرع عنها.
في الرد على المخالفين في باب الإمامة.
في الرد على جماعة من المتكلمين في مسائل كلامية مختلفة.
في الرد على جملة من كتب الجاحظ والنقض عليها.
في المقالات والمذاهب.
في الفقه ومسائله الخاصة وما يتفرع عنها.
في أصول الفقه.
في علوم القرآن.
في المناظرات.
وقد عفت على آثاره ومؤلفاته الأحداث ولم يبق منها إلا شيء يسير ، ومن مؤلفاته:
(أوائل المقالات في المذاهب المختارات) طبع في تبريز / إيران سنة 1364 هـ.
(شرح عقائد الصدوق أو تصحيح الاعتقاد) طبع في تبريز أيضاً سنة 1364 هـ.
(كتاب الارشاد) ، (كتاب الرد على الجاحظ والعثمانية) ، (كتاب نقض المروانية) ، (كتاب نقض فضيلة المعتزلة) ، (كتاب المسألة الكافية في إبطال عقوبة الخاطئة).
(كتاب النقض على ابن عباد) في الإمامة.
(كتاب النقض على علي بن عيسى الرماني) المعتزلي .
(كتاب النقض على أبي عبد الله البصري) المعروف (بالجُعَل) المتوفى عام 399هـ.
 (مصابيح النور)، (كتاب أصول الفقه) ، (كتاب الإشراق).
(كتاب الرد على أصحاب الحلاج).
(كتاب النقض على ابن الجنيد) في اجتهاد الرأي.
(الإفصاح في الإمامة).
(الرسالة المقنعة) في الفقه.
(الأركان من دعائم الدين).
(الإيضاح).
(المجالس).
(مسألة في الإرادة).
(مسألة في الأصلح).
(الموضح في الوعيد).
(الكلام في الإنسان).
(الكلام في المعدوم).
(جوابات نقض خمس عشرة مسألة على البلخي).
(نقض الإِمامة على جعفر بن حرب).
(جوابات ابن نباتة).
(جوابات الفيلسوف في الأشرار).
(الكلام على الجبائي في المعدوم).
(الرد على ابن كلاب في الصفات).
(نقض كتاب الأمم في الإمامة).
(جوابات اللطيف من الكلام).
(الرد على الخالدين في الإمامة).
(حدوث القرآن) ، (الكامل في الدين).
(الرد على ابن عون في المخلوق) , (العهد في الإِمامة).
(عمدة مختصرة على المعتزلة في الوعيد).
(الكلام في أن المكان لا يخلو من متمكن). (المقالات)، (كتاب الأمالي)، (النكت الاعتقادية).
إلى غير ذلك من مؤلفاته الكثيرة التي ذُكرت في أعيان الشيعة ورجال أبي العباس أحمد بن علي النجاشي وفهرست الطوسي، وخلاصة العلامة الحلي ورجال أبي علي المسمى بمنتهى المقال.

توفي المفيد (رحمه الله) عام 413 هـ وكان يوم تشييعه يوماً مشهوداً ، حيث شيّعه وصلى عليه ثمانون ألفاً من الناس وصلى عليه الشريف المرتضى ، ودفن في مقابر قريش في بغداد قريباً من ضريح الإِمام محمد الجواد (عليه السلام).

ــــــــــــــــ

(*) عن كتاب: فلاسفة الشيعة، حياتهم، وآراؤهم/ للشيخ عبد الله نعمة، بتصرّف.