كميل بن زياد من حواري الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)
  • عنوان المقال: كميل بن زياد من حواري الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)
  • الکاتب: عن أحد المواقع
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 4:17:19 3-9-1403

كميل بن زياد

من حواري الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)

عن أحد المواقع

 حياته:

وُلِدَ كميل بن زياد قبل الهجرة النبويّة بعدّة سنين في اليمن. وكانت عائلته واحدة من ‏أكبر العائلات المعروفة باليمن، قدَّمت هذه القبيلة خدمات جليلة للإِسلام، فمالك ‏الأشتر، وهلال بن نافع، وسواده بن عام، وغيرهم كلّهم من قبيلة كميل بن زياد.

سكن معظم أفراد هذه القبيلة بعد الإِسلام في الكوفة. يعتبر كميل بن زياد من التابعين، ‏ومن حواري أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يسجّل التاريخ بأنّ كميل كانت له ‏فعّاليّات في عهد الخلفاء الثلاثة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولكن ورد ‏بأنّ الحجّاج قتله بتهمة الاشتراك في قتل عثمان.

لقد بدأت حياة (كميل) الجهاديّة المشرقة في عهد الإِمام علي (عليه السلام) وقد ‏أُعتبر من كبار أنصاره ومؤيّديه خلال فترة خلافته.

لقد بلغ قرب كميل من الإِمام (عليه السلام) إلى درجة أنّه كان يخرج معه في جوف ‏اللّيل للمناجاة، وبثّه بعض الحِكَم والأسرار.

وعندما استلم الإِمام (عليه السلام) زمام أمور المسلمين، عزل بعض الولاة والقادة ‏غير المؤهّلين، وعيّن مكانهم من هو أهل لهذه المناصب، وضمن سلسلة التعيينات ‏هذه، عيّن الإِمام (عليه السلام) كميلاً والياً وحاكماً على مدينة (هيت) التي تقع على ‏نهر الفرات في العراق، وطلب منه أن يقف بحزم في وجه أطماع معاوية.

وقد بلغت ثقة الإِمام (عليه السلام) بـ (كميل بن زياد) إلى درجة أنّه كتب إلى ‏كاتب بيت المال (عبيد الله بن أبي رافع) يقول فيه سيصلك عشرة من الثقاة لإِجراء ‏تصفية الحسابات الخاصّة والمتعلّقة ببيت المال، فلمّا استفسر عبيد الله عن أسمائهم، ‏سمّاهم الإِمام (عليه السلام) وكان كميل بن زياد أحدهم، وكان لفترة مسؤولاً عن بيت ‏المال.

كما كان على مستوى رفيع من العلم والمعرفة والفضيلة، مع زهد، وعبادة، وحيطة ‏في كلّ أُموره لا سيّما في عقيدته ودينه، وكان كثير السؤال من الإِمام (عليه السلام) ‏في شتّى الأمور، وكان الإِمام (عليه السلام) يجيبه عنها ويهتمّ بها لا سيّما بأسئلته ‏العلميّة والفقهيّة ضمن سلسلة من المواعظ والحِكَم، على مسمع من الحاضرين ‏ليستفيدوا منه. ‏

إنّ تعليم الإِمام (عليه السلام) الدعاء المشهور باسمه، وما جاء فيه من رفيع الأدب، ‏وفنون التهجّد والعبادة، لدليل على ما كان يتمتّع به ( كميل ) من المعرفة العالية، ‏والمنزلة الرفيعة والقابليّات الفذّة التي تستوعب ذلك، وكان دائم الحضور في مجلس ‏الإِمام (عليه السلام) أيّام تواجده في الكوفة. ‏

كلام الإمام (عليه السلام) لكميل بن زياد:

اصطحب الإِمام (عليه السلام) ذات ليلة كميلاً إلى خارج الكوفة، ولمّا أشرف على ‏الصحراء، تنفّس الصعداء وتأوّه ثمّ قال: (يا كميل: الناسُ ثَلاَثةٌ: عَالِمٌ رَبّاني، ومُتَعلِّمٌ على سَبيلِ نَجاة، وَهَمجٌ رُعاع اتباع كلّ ‏ناعِق.

يا كميل: العِلْمُ خَيْرٌ مِنَ المالَ، وَالعِلْمُ يَحْرِسُكَ وَأنْتَ تَحْرِسُ المالَ، المال تنقُصُهُ النَفَقةُ، ‏والعِلْمُ يزكو على الإِنْفاقِ، وَصنيعُ المالِ يَزولُ بزوالِهِ.

يا كميل: العِلْمُ دَيْن يُدانُ بِه، به يكسب الإِنسان الطاعة في حياتِه، وجميل الأحدوثة بعد ‏وفاتِهِ، والعِلْمُ حاكِمٌ والمالِ مَحكُومٌ علَيْه.

يا كميل: هَلَك خُزّان الأموال وَهُم أحياء، والعُلمَاء باقون ما بَقيَ الدهر، أعيانهم ‏مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة مشهودة ها... إنّ ههُنا لَعِلْماً جَمّاً (وأشار إلى ‏صدره) لو اَصبتُ لَهُ حَمَلَةً، بلَى اصَبْتُ لقناً غير مأمونٌ عَلَيهِ، مُستَعْمِلاً آلة الدِّين ‏لِلدُّنْيا، وَمُسْتَظْهِراً بنعم الله عَلَى عِبَادِهِ، وبحجّته على أوليائِه، أو منقاداً لحملة الحقّ لا ‏بصيرة له في أحنائه، ينـقدّح الشكّ في قلبِه لأوّل عارِض مِن شُبْهة، ألا لا ذا، ولا ‏ذاك، أو منهوماً بِاللذّات سَلِسَ القِيادَةِ لِلشهْوَةِ، أوْ مُغْرماً بِالجمْعِ والإِدّخارِ لَيْسَا مِن ‏رُعاةِ دِين في شيء، أقرب شيء شَبَها بِهِمَا الأنعام السائمة، كَذَلِكَ يَمُوتُ العِلْمُ بموتِ ‏حَامِلِه.

اللّهمّ بلى، لا تخلو الأرض من حجج الله وَبيِّناتِهِ، وَكَم ذا؟ وأين اُولئك؟ اُولئك والله ‏الأقلُّونَ عدَداً، والأعظمُون قَدْراً يَحْفِظُ الله بِهم حُجَجهُ وَبَيّناتِه حتّى يودعوها نظراءهم، ‏وَيَزْرَعُونَها في قُلُوبِ أشْباهِهِم، هَجَمَ بِهِم العِلْم على حقيقة البصيرة، وَبَاشرُوا رُوحَ ‏اليَقِين، واستلانوا ما استوَعرهُ المُترَفون، وأنسوا بما إستوحش منه الجاهلون، وصحبوا ‏الدّنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحلّ الأعلى. اُولئِكَ خُلفاء الله في أرْضِهِ وَالدُعاةِ إلى ‏دينِهِ، آه، آه، شوقاً إلى رؤيتهم ثمّ قال: انصرف إذا شئت. ‏

مناقب كميل بن زياد:

ذكر صاحب الإِصابة في كتابه الجزء 3 ص318 ما يلي:

‏1- كميل بن زياد بن نهيك، التابعي الشهير ـ له إدراكٌ كامل.

2ـ مات سنة 82 للهجرة، وهو ابن سبعين عاماً، بل استشهد على يد الطاغية الحجّاج ‏الثقفي فيمن استشهد من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام).

‏3ـ أدرك من حياة النبوّة ولم يره.

‏4ـ روى عنه عبد الرحمن بن عابس، وأبو إسحق السبيعي، والأعمش وغيرهم.

‏5- قال ابن سعد: شهد صفّين مع علي (عليه السلام)، وكان شريفاً في قومه مطاعاً، ‏ثقةً قليل الحديث.

‏6ـ وقال ابن عمّار: كان كميل بن زياد من رؤساء الشيعة البارزين.

وذكر السيّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجم رجال الحديث ج14 ص128:

كميل بن زياد النخعي، عدّه الشيخ في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي ‏أصحاب الإِمام الحسن (عليه السلام)، وعدّه البرقي من أصحاب أمير المؤمنين (عليه ‏السلام) من اليمن.

وعدّه الشيخ المفيد في الاختصاص، من السابقين المقرّبين من أمير المؤمنين (عليه ‏السلام)، وذكر قصّته مع الحجّاج واستشهاده سأذكرها في نهاية البحث والترجمة إن ‏شاء الله.

ذكر صاحب الأعلام الزركلي ج5 ص234: ‏

كميل بن زياد النخعي، تابعي ثقة، من أصحاب علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان ‏شريفاً مطاعاً في قومِه: شهد صفّين مع علي (عليه السلام) وسكن الكوفة وروى ‏الحديث، قتله الحجّاج الثقفي. (تحت عنوان ثقاة أمير المؤمنين).

ولمّا كتب عثمان إلى الأشتر كتاباً وورد على الأشتر وقرأه عزم على الخروج عن ‏الكوفة، وأرسل إليه سعيد بن العاص أن أخرج واخرج من كان معك على رأيك; ‏فأرسل إليه الأشتر أنّه ليس بالكوفة أحد إلاّ وهو يرى رأيي فيما أظنّ، لأنّهم لا يحبّون ‏أن تجعل بلادهم بستاناً لك ولقومك، وأنا خارج فيمن اتبعني فانظر فيما يكون من بعد ‏هذا.

قال: ثمّ خرج الأشتر من الكوفة ومعه أصحابه وهم صعصعة بن صوحان العبدي ‏وأخوه وعائذ بن حملة الظهري، وجندب بن زهير الأزدي، والحارث بن عبد الله ‏الأعور الهمداني، وأصفر بن قيس الحارثي، ويزيد بن المكفّف، وثابت بن قيس بن ‏مقنع، وكميل بن زياد ومن أشبههم من إخوانهم، حتّى صاروا إلى كنيسة يقال لها ‏كنيسة مريم; فأرسل إليهم معاوية فدعاهم، فجاؤوا حتّى دخلوا ثمّ سلّموا وجلسوا، فقال ‏لهم معاوية: يا هؤلاء! اتّقوا الله (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدَ مَا جَاءَهُمْ ‏البَيِّنات).

قال: ثمّ سكت معاوية، قال له كميل بن زياد: يا معاوية! (فَهَدَى الله الَّذينَ ‏آَمنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِهِ) فنحن أولئك الذين هداهم الله.

فقال له معاوية: ‏كلا يا كميل! إنّما أولئك الذين أطاعوا الله ورسوله وولاة الأمر فلم يدفنوا محاسنهم ‏ولا أشاعوا مساوئهم.

فقال كميل: يا معاوية! لو لا أنّ عثمان بن عفّان وفق منك ‏بمثل هذا الكلام وهذه الخديعة لما اتّخذك لنا سجناً.

فقال له الأشتر: يا كميل! ابتدأنا ‏بالمنطق وأنت أحدثنا سنّاً.

قال: فسكت كميل وتكلّم الأشتر فقال: أمّا بعد! فإنّ الله ‏تبارك وتعالى أكرم هذه الأمّة برسوله محمّد (صلى الله عليه وآله)، فجمع به كلمتها ‏وأظهرها على الناس، فلبث بذلك ما شاء الله أن يلبث، ثمّ قبضه الله عز ّوجلّ إلى ‏رضوانه ومحلّ جنانه كثيراً، ثمّ ولي من بعده قوم صالحون عملوا بكتاب الله وسنّة ‏نبيّه محمد (صلى الله عليه وآله) وجزاهم بأحسن ما أسلفوا من الصالحات، ثمّ حدثت ‏بعد ذلك أحداث فرأى المؤمنون من أهل طاعة الله أن ينكروا الظلم وأن يقولوا بالحقّ ‏فإن أعاننا ولاتنا أعفاهم الله من هذه الأعمال التي لا يحبّها أهل الطاعة، فنحن معهم ‏ولا نخالف عليهم، وإن أبوا ذلك فإنّ الله تبارك وتعالى قد قال في كتابه وقوله الحقّ: (وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذينَ اُوتُوا الكِتابَ لِتُبَيِّنُـنَّهُ لِلْناسِ وَلا تَكْتُمُونهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ‏ظُهُورِهِمْ وَاشْتَروا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)، فلسنا يا معاوية! بكاتمي برهان ‏الله عزّ وجلّ ولا بتاركي أمر الله لمن جهله حتّى يعلم مثل الذي علمنا، وإلاّ فقد ‏غششنا أئمّتنا وكنّا كمن نبذ الكتاب وراء ظهره، فقال له معاوية: يا أشتر! إنّي أراك ‏معلناً بخلافنا مرتضياً بالعداوة لنا، والله لأشدنّ وثاقك ولأطيلنّ حبسك.

فقال له عمرو ‏بن زرارة: يا معاوية! لئن حبسته لتعلمنّ أنّ له عشيرة كثيرة عددها لا يضام، شدّها ‏شديد على من خالفها ونبزها.

فقال معاوية: وأنت يا عمرو تحبّ أن يضرب عنقك ولا ‏تترك حيّاً، اذهبوا بهم إلى السجن.

قال: فذهبوا بهم إلى السجن، فقام يزيد بن المكفكف فقال: يا معاوية! إنّ القوم بعثوا ‏بنا إليك لم يكن بهم عجز في حبسنا في بلادنا لو أرادوا ذلك، فلا تؤذينا

وأحسن مجاورتنا ما جاورناك، فما أقلّ ما نجاورك حتّى نفارقك إن شاء الله تعالى.

قال: ثمّ وثب صعصعة بن صوحان فقال: يا معاوية! إنّ مالك بن الحارث الأشتر ‏وعمرو بن زرارة رجلان لهما فضل في دينهم وحالة حسنة في عشيرتهم وقد ‏حبستهم، فأمر بإخراجهم فذلك أجمل من الرأي.

فقال معاوية: عليَّ بهم، فأتي بهم من ‏الحبس واُطلق سراحهم، ثمّ قال: كيف ترون عفوي عنكم يا أهل العراق؟

فقام صعصعة وقال: يا معاوية! إنّنا لا نرى لمخلوق طاعة في معصية الخالق، فقال ‏معاوية قاتلك الله يا صعصعة! قد اُعطيت لساناً حديداً، أخرج عنّي، أخرجك الله إلى ‏النار! فلعمري أنّك حدث فخرج القوم من عند معاوية وصاروا إلى منازلهم، فلم ‏يزالوا مقيمين بالشام، وقد وُكِّلَ بهم حرّاس يحفظونهم حتّى لا يبرحوا.

ثمّ إنّ معاوية كتب إلى عثمان بشأنهم فردّ عليه أن يسيّرهم إلى الكوفة، فلمّا وصلوا ‏كتب سعيد بن العاص إلى عثمان مجدّداً بشأنهم، فبعث إليهِ عثمان أن سيّرهم إلى ‏حمص، إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فسيّرهم سعيد بن العاص إلى حمص.

روى الواقدي، قال: لمّا سِيرَ بالنفر الذين طردهم عثمان عن الكوفة إلى حمص وهم: ‏مالك الأشتر، وثابت بن قيس الهمداني، وكميل بن زياد النخعي، وزيد بن صوحان، ‏وأخوه صعصعة بن صوحان، وجندب بن زهير الغامدي، وجندب بن كعب الأزدي، ‏وعروة بن الجَعد، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن الكوّاء.

جمعهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والي حمص بعد أن أنزلهم أيّاماً، وفرض لهم ‏طعاماً ثمّ قال لهم يا بني الشيطان، لا مرحباً بكم ولا أهلاً، وبعد أن سبّهم وأهانهم، ‏وهدّدهم، وتوعّدهم فأقاموا عنده شهراً، وكان يقول لصعصعة مالك لا تقول كما كنت ‏تقول لسعيد بن العاص أو لمعاوية!

فيقولون: أقلنا أقالك الله! فما زال ذلك رأيهم، حتّى قال: تاب الله عليكم، فكتب إلى ‏عثمان يسترضيه عنهم، ويسأله فيهم، فردّهم إلى الكوفة.‏‎

رسالة مالك الأشتر إلى عثمان بيد كميل بن زياد:

كتب مالك الأشتر رسالة إلى عثمان، بيد رجال يثق بهم وفي مقدّمتهم كميل بن زياد.

وحين وصول الوفد إلى المدينة، قصدوا دار الخلافة فسلّم بعضهم على عثمان ‏بالخلافة، وبعضهم لم يفعل، فسُئِلوا لِمَ لم تسلّموا على الخليفة (بالإمرة) فقال كميل ‏بن زياد: بسبب الأعمال والأخطاء التي عملها، فإن عاد عنها وتاب منها وَسَلك نهج ‏الصواب فهو أميرنا. وإلاّ فليس بأمير لنا.

فسألوه: ما هي مطالبكم؟ وما أهدافكم؟

فقالوا أوّلاً: أن لا نخرج من أوطاننا المألوفة ولا نفارق عيالنا وأولادنا، وأن توصل ‏إلينا رواتبنا، وأن لا يرسل إلينا شباباً أغراراً من أقاربه يتأمّرون علينا، وقد اتّبعوا ‏أهواءهم وشهواتهم وأن لا يُقدِّم الأشرار على الأخيار، فقال عثمان: أيّ أشرار قدّمتهم ‏على أخياركم؟... الخ‏

كميل بن زياد في معركة مع جيش معاوية:

في كتاب الفتوح ج4 ص227، 228 وجّه معاوية برجل من أهل الشام يقال له عبد ‏الرحمن بن أشم، في خيل من أهل الشام إلى بلاد الجزيرة، وبالجزيرة يومئذ شبيب بن ‏عامر وفي بعض المصادر شبث بن ربعي، وكان من أصحاب أمير المؤمنين، ومن ‏زعماء أهل الكوفة، وهو الذي صار فيما بعد على جناح من جيش بني أمية لمحاربة ‏الحسين (عليه السلام) في كربلاء. وكان في ستّمائة رجل مسلّح مقيماً بنصيبين ‏لحراسة الجزيرة من قبل أمير المؤمنين، فكتب إلى كميل بن زياد: أمّا بعد، فإنّي ‏أخبرك أنّ عبد الرحمن بن أشمّ قد وصل إليَّ من الشام في خيل عظيمة، ولست أدري ‏أين يريد؟ فكن على حذر، والسلام. وكان كميل بن زياد عاملاً لأِمير المؤمنين (عليه ‏السلام) في هيت.

فكتب إليه كميل: أمّا بعد، فقد فهمت كتابك وأنا سائر إليك بمن معي في الخيل، ‏والسلام. ‏

ثمّ استخلف كميل بن زياد رجلاً يقال له عبد الله بن وهب الراسبي، على رأس حراسة ‏مسلّحة.

وخرج من هيت في أربعمائة فارس وقيل في ستّمائة فارس كلّهم أصحاب بيض ‏ودروع حتّى سار إلى شبيب بنصيبين، وخرج شبيب من نصيبين في ستّمائة رجل، ‏فساروا جميعاً في ما ينيف على الألف فارس، يريدون عبد الرحمن بن أشم، وكان ‏يومئذ بمدينة يقال لها كفر توثا في جيش لجب من أهل الشام.

فأشرفت خيل أهل العراق على خيل أهل الشام، وجعل كميل بن زياد يرتجز ويقول:‏‎

‎يا خيرَ من جبرّ له خير القدرْ           تالله ذو الآلاء أعلى وأبرْ

يخذل من شاء ومن شاء نصرْ

كما جعل شبيب يرتجز ويقول: ‏

تجنّبوا  شداتِ ليث‎ ii‎ضيغمِ      جـهم محيّا عَقريانٌ‎ ii‎شدقُم
يغادر  القرن صريعاً‎ ii‎للفم       بكلّ عضب صارم‎ ‎مصمّم

واختلط القوم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقُتِلَ مِن أصحاب كميل رجلان، ومن أصحاب ‏شبيب أربعة رجال; ووقعت الهزيمة على أهل الشام فقتل منهم بشر كثير، فولّوا ‏الأدبار منهزمين نحو الشام. القتلى والجرحى عشرات، فأمر كميل بن زياد أصحابه ‏أن لا يتبعوا المنهزمين المدبرين، ولا يجهزوا على جريح.

ثمّ رجع شبيب بن عامر إلى نصيبين، ورجع كميل بن زياد إلى هيت وبلغ ذلك عليّاً ‏‏(عليه السلام) فكتب إلى كميل بن زياد أمّا بعد:

فالحمد لله الذي يصنع للمرء كيف يشاء، وينزل النصر على من يشاء إذا شاء، فنعم ‏المولى ربّنا ونعم النصير، وقد أحسنت النظر للمسلمين ونصحت إمامك، وقدماً كان ‏ظنّي بك ذلك فجُزيت والعصابة التي نهضت بهم إلى حرب عدوّك خير ماجُزي ‏الصابرون والمجاهدون، فانظر لا تغزونّ غزوةً ولا تجلونّ إلى حرب عدوّك خطوة ‏بعد هذا حتّى تستأذنني في ذلك، كفانا الله وإيّاك تظاهر الظالمين، إنّه عزيز حكيم، ‏والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

ثمّ كتب إلى شبيب بن عامر بمثل هذه النسخة ليس فيها زيادة غير هذه الكلمات: ‏وأعلم يا شبيب إنّ الله ناصر من نصره وجاهد في سبيله، والسلام عليك ورحمة الله ‏وبركاته.

روى جريرٌ عن المغيرة قال: لما وُلِّي الحجّاج طلب كميل بن زياد فهرب منه، فحرم ‏قومه عطاءهم، فلمّا رأى كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير فقد نفذ عمري، لا ينبغي أن ‏أُحرم قومي عطيّاتِهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجّاج، فلمّا رآه قال له: لقد كنت أحبُّ أن ‏أجد عليك سبيلاً.

فقال له كميل: لا تصرف عليَّ أنيابك ولا تهدِّم عليَّ، فو اللهِ ما بقي ‏مِن عُمري إلاّ مثل كواسل الغبار، فاقضِ ما أنت قاض فإنّ الموعد الله وبعد القتل ‏الحساب، ولقد خبّرني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إنّك قاتلي; ‏قال: فقال له الحجّاج: الحجّة عليك إذن.

فقال كميل: ذاك إنّ القضاء كان إليك.

قال: ‏بلى قد كُنتَ فيمن قتل عثمان بن عفّان، اضربوا عنقه فضُربت عنقه، فقُتل صابراً ‏محتسباً وصعدت روحه الطاهرة إلى مصاف أرواح الصدِّيقين والشهداء والصالحين ‏وحسن أولئك رفيقاً.

والسلام عليه يوم ولد، ويوم آمن وجاهد، ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً. ‏