السيد ابن طاووس في سطور *
الشيخ هادي حسن . لبنان
اسمه ونسبه :
هو السيّد علي بن موسى بن جعفر بن محمد ، الملقَّب بـ ( الطاووس ) (1) أحدُ أجداده ، المنتهي نسبه إلى الحسن المثنّى بن الحسن المجتبى ، ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
مولده :
ولِدَ ـ كما صرَّح هو ـ يوم الخميس منتصف محرَّم الحرام سنة ( 589 ﻫ ) ، في مدينة الحلّة ـ السيفية ـ في العراق .
نشأته :
نشأ في بيت يجلِّله الإيمان والطُّهر والعفَّة والشرف ، في أُسرةٍ عريقة ، من الأُسر العلمية التي عُرفتْ بالمكارم والفضائل .
فكانت بداية نشأته على يد والده وجدّه لأُمّه الشيخ ( ورّام بن أبي فراس المالكي ) ، قال ( رحمه الله ) : ( تعلَّمتُ الخطَّ والعربية ، وقرأتُ في عِلم الشريعة وغيرها ، وقرأتُ كتباً في أُصول الدين ... وفي علم الكلام ) .
إلاّ أنَّه رفض التصدِّي للفُتيا والقضاء ، يقول ( رحمه الله ) : ( وأراد بعض شيوخي أنْ أُدرِّس وأُعلِّم الناس ، وأفتيهم ، وأسلُك سبيل الرؤساء المتقدِّمين ، فوجدتُ الله جلَّ جلاله يقول : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) [ الحاقَّة : 44 ـ 47 ] ، فكرهتُ وخفتُ من الدخول في الفتوى ؛ حذراً أنْ يكون فيها تقوّلٌ عليه ، وطلبُ رئاسةٍ لا أُريد بها التقرّب إليه ، فاعتزلتُ عن أوائل هذا الحال ، قبل التلبّس بما فيها من الأهوال ) .
هاجر في شبابه من الحلّة إلى بغداد ؛ وكان سببها أنْ عرض عليه أبواه التزويج ، وكان كارهاً لذلك ، فأدّى ذلك إلى إقامته قُرب مشهد مولانا الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، وبقيَ فيها مدّة حتى اقتضت الاستخارة التزويج بابنة الوزير ناصر بن مهدي ( رحمه الله ) ، والظاهر أنَّ قدومه كان قريباً من سنة ( 625 ﻫ ) ، حيث إنَّ بعض المصادر تقول : إنَّه أقام في بغداد قُرابة خمسة عشر سنة ، ثمّ رجع إلى الحلّة عام ( 640 ﻫ ) .
مرَّت عليه أحداث كثيرة في بغداد ، وخصوصاً أنَّه عاصر الحُكمين : العباسي والمغولي .
لقد أُحيط في بغداد بالاحترام الكثير ، ومن ذلك أنَّ الخليفة العباسي قدَّم له داراً لسكناه .
كانت له صلات وثيقة بفقهاء ( المستنصرية ) ، ومناقشات ومحاورات معهم ، وكانت تربطه علاقة وثيقة بالوزير القمّي وولده ، والوزير ابن العلقمي وأخيه وولده .
أمّا علاقته بالمستنصر العباسي فكانت قويّة جداً ، فكانت له كلمة عنده يسعى فيها لتعيين الرواتب للمحتاجين ، وقد فاتحه المستنصر بتسليمه الوزارة ، فأبى ، وعرض عليه منصب الإفتاء فرفضه ، وبعد الرفض واجه مشكلة السعاية لدى الخليفة ، لكن كما يقول : ( فكفاني الله جلَّ جلاله بفضله ، وزادني من العنايات ) ، ثمّ دعاه المستنصر إلى قبول نقابة الطالِبيِّين على يد الوزير القمّي تارةً ، وعلى يد غيره من أكابر دولتهم تارةً أُخرى ، وبقيَ الخليفة العباسي يطالبه بين الفينة والأُخرى بطرقٍ مختلفة ، إلى أنْ يقول ( رحمه الله ) : ( وبقيَ على مطالَبتي بذلك عدّة سنين ، فاعتذرتُ بأعذارٍ كثيرة ) .
ثمّ عاد وكلَّفه الخليفة بالدخول بالوزارة وضَمِنَ له أنْ يبلغ به إلى الغاية ، وكرَّر المراسلة والإشارة ، فأجابه السيّد قائلاً : ( إنْ كان المراد بوزارتي على عادة الوزراء ، يُمشون أُمورهم بكل مذهبٍ وكل سبب ، سواء أكان ذلك موافقاً لرضا الله جلّ جلاله ورضا سيّد الأنبياء والمرسلين ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أو مخالفاً لهما في الآراء ، فإنَّك مَن أدخلتَه في الوزارة ، قام بما جرت عليه العوائد الفاسدة ، وإنْ أردت العمل في ذلك بكتاب الله جلَّ جلاله وسنّة رسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فهذا أمرٌ لا يحتمله مَن في دارك ، ولا مماليكك ، ولا خدمك ، ولا حشمك ، ولا ملوك الأطراف ، ويقال لك ـ إنْ سلكت سبيل العدل والإنصاف والزهد ـ : إنَّ الخلافة لو كانت إليهم كانوا على هذه القاعدة من السيرة ، وإنَّ في ذلك ردّاً على الخلفاء من سلفك ، وطعناً عليهم ) .
نعم ، لِمثل هذا يقال : إنَّه عازِفٌ عن الدنيا ، حيث عُرِضتْ عليه بأرخص الأثمان وأغلاها ، وبالأساليب المختلفة ألوانها ، وفتحتْ له الدنيا ذراعيها ، ولكن لمّا كانت عينه بعينِ الله ومتوكِّلاً عليه كفاه الله شرَّ هذه المناصب .
فعاد إلى الحلّة ، وبقيَ فيها مدةً ، حيث ولِدَ له ابنه محمد سنة ( 643 ﻫ ) ، ثمّ انتقل إلى النجف فبقيَ فيها ثلاث سنين ، وولِدَ له ابنه علي سنة ( 646 ﻫ ) ، ثمّ انتقل إلى كربلاء ، ولم تُعلَم مدة إقامته فيها ، ثمّ عاد إلى بغداد سنة ( 652 ﻫ ) وبقيَ فيها إلى حين احتلال المغول بغداد ، فشارك في رزاياها ومِحنِها ، وشملتْه آلامها ، قائلاً : ( تمَّ احتلال بغداد من قِبَل التتار في يوم الإثنين (18) محرَّم سنة ( 656 ﻫ ) ، وبتنا في ليلة هائلة من المخاوف الدنيوية ، فسلَّمَنا الله ـ جلَّ جلاله ـ من تلك الأهوال ) .
وبعد احتلال بغداد ، أمر ( هولاكو ) أنْ يُستفتى العلماء : أيّما أفضل : السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر ؟ ثمّ جمع العلماء بالمستنصرية لذلك ، فلمّا وقفوا على الفُتيا أحجموا عن الجواب ، وكان السيّد ( رحمه الله ) حاضراً ذلك المجلس ، وكان مقدَّماً ومحترماً ، فلمّا رأى إحجامهم تناول الفُتيا ووضع خطَّه فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر ، فوضع الناس خطوطهم بعده .
فكان من فوائد هذه المبادرة ما أشار إليه بقوله : ( ظفرت بالأمان والإحسان ، وحُقِنتْ فيه دماؤنا ، وحُفِظتْ فيه حُرَمُنا وأطفالنا ونساؤنا ، وسَلُمَ على أيدينا خلقٌ كثير ) .
وفي سنة ( 661ﻫ ) ولِّيَ نقابة الطالِبيِّين ، وبقيَ نقيباً إلى سنة ( 664 ﻫ ) التي توفّي فيها (2) .
أقوال العلماء فيه :
قال العلاّمة الحلّي في بعض إجازاته : ( وكان رضي الدِّين علي : صاحب كرامات ، حُكِيَ لي بعضها ، وروى لي والدي البعض الآخر ) .
وقال في موضع آخر : ( إنَّ السيّد رضي الدِّين كان أزهد أهل زمانه ) (3) .
قال السيد التفريشي : ( من أجلاّء هذه الطائفة وثقاتها ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، كثير الحفظ ، نقي الكلام ، حاله في العبادة أشهر من أنْ يُذكَر ، له كُتُب حسنة ) (4) .
وقال عمر رضا كحالة : ( فقيهٌ ، محدِّثٌ ، مؤرِّخٌ ، أديبٌ ، شارك في بعض العلوم ، وله تصانيف كثيرة ) (5) .
وقد أثنى عليه جمعٌ كثيرٌ من العلماء والمؤرِّخين ، ونكتفي بهذا المقدار رعايةً للاختصار .
مصنَّفاته :
مصنَّفاته كثيرة ، وقد تجاوزتْ الخمسين مؤلَّفاً ، نذكر منها :
ـ الإبانة في معرفة أسماء كُتُب الخزانة .
ـ أسرار الصلاة .
ـ إسعاد الفؤاد على سعادة الدنيا والمعاد .
ـ الاصطفاء في تواريخ الملوك والخلفاء .
ـ الأنوار الباهرة في انتصار العترة الطاهرة .
ـ روح الأسرار وروح الأسمار .
ـ شفاء العقول من داء الفُضول .
ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف .
ـ طرف من الأنباء والمناقب في التصريح بالوصيّة والخلافة لعليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
ـ غياث سلطان الورى لسكّان الثرى ، في قضاء الصلاة عن الأموات .
ـ فَرَجُ المهموم في معرفة نهج الحلال والحرام من عِلم النجوم .
ـ الكرامات .
ـ الملهوف على قتلى الطفوف .
ـ مُهَج الدعوات ومنهج العنايات .
مشايخه في القراءة والرواية :
1 ـ والده السيّد الشريف موسى بن جعفر ... بن طاووس .
2 ـ الشيخ محمد بن نما .
3 ـ جدّه لأُمّه الشيخ ( ورّام بن أبي فراس المالكي ) ، صاحب المجموعة الأخلاقية الشهيرة .
4 ـ الشيخ حسين بن أحمد السوراوي .
5 ـ الشيخ الزاهد حسن بن الدربي .
6 ـ السيّد فخّار بن معد الموسوي .
7 ـ الشيخ أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني .
8 ـ الشيخ محمد بن الفخّار ، شيخ المحدِّثين بالمدرسة المستنصرية ببغداد .
وغيرهم من الأعلام الثقات .
تلامذته والراوون عنه :
1 ـ العلاّمة الحلّي ، صاحب التصانيف المعروفة .
2 ـ الشيخ علي بن عيسى الإربلي .
3 ـ ابن أخيه السيّد عبد الكريم بن أحمد بن موسى .
وغيرهم من الأعلام .
وفاته ومدفنه :
توفّي في بغداد يوم الإثنين ، خامس ذي القعدة سنة ( 664 ﻫ ) (6) ، وهذا من المتَّفق عليه عند الجميع ، لكن وقع التضارب في الكلام عن مدفنه ، فمنهم مَن ذَهَبَ إلى أنَّ قبره مجهول (7) ، وآخَر إلى أنَّه في الحلّة (8) ، وبعضٌ إلى أنَّ القبر المعروف في الحلّة هو قبرُ ابنه (9) .
أمّا الكلام الفصل ، فقد صرَّح هو في كتابه ( فلاح السائل ) : أنَّه اختار لنفسه قبراً في النجف في جوار مرقد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (10) ، وجَعَلَه تحت قَدَمَي والداه ( رحمه الله ) قائلاً : ( لأنّي وجدتُ الله يأمرني بخفض الجناح لهما ، ويوصيني بالإحسان إليهما ، فأردتُ أنْ يكون رأسي مهما بقيتُ في القبور تحت قدميهما ) .
في ( الحوادث الجامعة ) قال : ( توفّي السيّد النقيب الطاهر رضي الدِّين علي بن طاووس ، وحُمِلَ إلى مشهد جدِّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ) (11) .
ولا يخفى أنَّ ابن الفوطي أفضل مَن أرَّخ حوادث القرن السابع الهجري ، مضافاً إلى أنَّه من أعلام ذلك القرن .
ــــــــــــــــــــ
* اقتباس وتنسيق قسم المقالات ، في شبكة الإمامين الحسنين ( عليهما السلام ) للتراث والفكر الإسلامي ، من مجلَّة : ( نور الإسلام : العدد 89 ـ 90 / ص 41 ـ 44 ) .
(1) لُقِّبَ بالطاووس ؛ لحُسن وجهه وخشونة رجليه .
(2) تُرجم له في أمل الآمل : 2/205 ، تنقيح المقال : 2/310 ، الإجازات في بحار الأنوار : 107/ 37 ، الحوادث الجامعة : 356 ، الذريعة 2/343 ، ريحانة الأدب : 8/76 ، عُمدة الطالب : 190 ، الكُنى والألقاب : 1/339 ، جامع الرواة : 1/603 ، جامع المقال : 142 ، روضات الجنّات : 4/325 ، سفينة البحار : 5/340 ، مستدرك الوسائل : 3/467 ، هدية العارفين : 5/710 ، الأنوار الساطعة في المئة السابعة : 116 ، نقد الرجال : 244 ، مقابس الأنوار : 16 ، وسائل الشيعة : 30/467 ، أعيان الشيعة : 8/358 ، السيّد علي آل طاووس .. حياته ، مؤلَّفاته ، خزانة كُتُبه ، البابليات : 1/64 ، كشف الظنون : 166 ، لؤلؤة البحرين : 235 .
(3) أمل الآمل : 2/207 .
(4) نقد الرجال : 244 .
(5) معجم المؤلّفين : 7/48 .
(6) لؤلؤة البحرين : 241 ، أعيان الشيعة : 8/358 .
(7) م . ن : 241 .
(8) مستدرك الوسائل : 3/472 .
(9) لؤلؤة البحرين : هامش ص241 .
(10) فلاح السائل : 73 .
(11) الحوادث الجامعة : 256 .