1ـ عظمة أخلاق النبوة
لا مراء في أن الخصيصة الكبرى، في جدول الأخلاقيّات الإسلاميّة، هي انتفاء الصبغة النظرية(1) عنها، كلّية وانقشاع الطابع التجريدي عن تعاليمها أصلاً، لتجسّدها التجسّد الفعليّ الصادق، في أنموذج عمليّ حي، وفقاً لمثال خلقي كامل، الأمر الذي مثّل قدوة مثلى، هي بمثابة المعيار الأسنى في شريعة الخلق.
والأمر ذو المغزى ملحظ دقيق في استلهام عظمة أخلاق النبوة من شمائل يتيم كتب عليه، لطفاً أزلياً، أن يتجرّع علقم اليتم مراراً، في الوقت الذي كان يتهيّأ فيه، بمشيئة الأقدار، لأعباء الختم الرّسالي والاستكمال التشريعي...
وهو من هو منزلة عند الله(2)، ومع ذلك كم لوّعته لواذع المنون الزّؤاف في مغافصة(3)، أُجّل كلّ من هبّ للحظوة بكفالته تكرّماً.. وما أبلغ الحكمة الإلهية في ذلك! إنّه لا ينبغي لناقص أن يلقّن لكامل! ولا لبشري ما انفكّ ينوء بأسر وسط جاهلي، أن يتجاسر فيربّي من بوّأه الربّ الجليل مقامات النبوّة والرّسالة والتنزيل!
2ـ مرقى الإعجاز
ومعلوم، بداهة، من نواجم آفة اليتم، مدعاة الحدب والشفقة، اعتوار الأخلاق وانحراف السلوك، واختلال النفس عامّة، لافتقاد الساهر المربّي.
فما بالك بمن تخلّلته العوازل الصّوارف، بالخطفة البارقة، إقصاء للمؤثّرات السلبية، وتحاشيا للنّقائص البشرية، وتنحيه للنوازع الإنسانية، إلا أن يكون من نمط الاجتباء المخصوص، طراز الأنبياء الأعلى، الأنموذج الأكمل الخاتم.
ولا يعزب عن اللبيب وميض الروعة الخلاّبة في هذا الأمر الفريد، بل لا مغالاة البتّة في اعتباره بحقّ إعجازاً أخلاقياً، أو معجزة تربويّة، لم يلتفت إليها من قبل، على هذا النحو في التصنيف لمعجزاته (صلّى الله عليه وآله)، ولم تخصّص بهذا الإفراد(4) بعد.
إذ كيف ينجم عن يتيم أمّي، فقير، عُرّي عراء كلّياً عن سند التربية والتعليم، والخلق والثّراء، غير موصول بحامليها، مبثوث عن ملقّنيها، أن ينتصب معلّماً للإنسانية، ومربّياً للبشرية جمعاء، (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) سورة النمل: الآية 88.
يقول الباقلاني: (وأمّا قُدَر العباد فهي متناهية في كل ما يقدرون عليه ممّا تصحّ قدرتهم عليه..) ، وهذا حق يؤكّد مذهب الإعجاز والتحدّي مرة أخرى. فلنتقصَّ الأحداث بمنطق تسلسلها، ولننظر في الغرائب المعجزة.
3ـ الغرائب المعجزة
أ- بدءاً بقضية التحكيم. قال ابن هشام في السيرة النبوية: (فلمّا رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا هذا محمد..).
ب- وذكر، أيضاً، أنّه (لما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوّذ فيها بحرم مكّة ومكانه منها، وتودّد فيها أشراف قومه..، ومنها:
فمن مثلـه فـي النـاس أي مؤمّل*** إذا قاسـه الحكّام عنــد التفاضـل
حليم رشيد عادل غير طائش يوالي*** إلا ما ليـس عنــه بغافــــل
إلى أن يقول:
لقــد علموا أن ابننا لا مكذّب*** لدينا، ولا يعنى بقول الأباطل
فأصبح فينا أحمد في أرومـة*** تقـصر عنه سورة المتطاول
ج- عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابوا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ قال: حضرتهم، وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر، فذكروا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ، سفّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسبّ آلهتنا.. حتّى إن أشدّهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول، حتّى إنّه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، والله ما كنت جهولاً.
د- قال ابن إسحاق: فقال (النّضر بن الحارث): يا معشر قريش، إنّه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، حتّى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر (...) كاهن (...) شاعر(...) مجنون.. ،وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وينصب له العداوة.
أما الإمام علي (عليه السلام)، فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ما بلغني ـ كما يقول ابن إسحاق ـ أخبره بخروجه (إلى الهجرة). وأمره أن يتخلّف بعده بمكّة، حتّى يؤدّي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الودائع، التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليس بمكّة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته (صلّى الله عليه وآله).
و- وفي الصحيحين: لما وقف (صلّى الله عليه وآله) على جبل الصفا في بطون قريش بعدما نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قال (صلّى الله عليه وآله):(( أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي))؟ قالوا: نعم! ما جرّبنا عليك إلا صدقاً. قال:(( فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد)).
4ـ استشكال التصنيف الإعجازي
إن بلاغة هذا الرد السّريع المقتضب ستساعد، بلا ريب، على قراءة صحيحة لمثل هذه الآية الكريمة، وستحملنا في المحصّلة على استخلاص موضوعي، بخصوص استشكال هذا الصّنف من الإعجاز، المتعلّق بأخلاق الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وانصراف البحث عنه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة هود: الآية 13.
والملاحظ أن الافتراء هو الكذب، إلا أن هذه التهمة لا ترمى إليه بالمفهوم الأخلاقي، ولا هم يقصدونها لما تقدّم، كيف وقد كانوا يلقّبونه قبل البعثة بالصادق الأمين، وهذا الصدق البارز، وهذه الأمانة المتميّزة، خلّتان كانتا متألقتين في بيئة متخلّقة، ليست عديمة الأصول بدليل الحديث: ((خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)).
5ـ المحامل الرّسالية للتهمة الطارئة
أما بعد البعثة، فهي أيضاً ليست تهمة أخلاقية بل رسالية؛ لعلاقتها بالدين الذي جاء يدعو إليه، ورأوا فيه مزاحمة لمواقعهم السياسية ، ومصالحهم الذاتية، والحاصل، عند التحليل، أن معارضتهم القويّة لم تكن مؤسّسة على يقين ولا كانت تغذّيها قناعة. أترى أولئك النّفر من قادة قريش وساستها، كانوا يتعصّبون للأصنام ضد الإسلام، عن فقه واعتقاد؟ إنّ سرّ التكذيب، والخصومة أبعد من ذلك.
إن التعصّب لهذه الحجارة المعبودة لم يكن إلا ستاراً للحرص على المنافع المبذولة في ظلّها، والشّهوات المنطلقة برضاها، والسيادة المقرونة باسمها.
ولا أدلّ على ذلك من أنّهم بالرّغم من مناهضته (صلّى الله عليه وآله)، والكفر به وبما جاء به ومناوأته، بل والتآمر على قتله، كانوا يثقون فيه ثقة لم يولوها بعضهم بعضاً، على مودّة بينهم ونصرة.
فما معنى هذا الافتراء الذي يرمونه به إذن؟
لا شكّ في أنه ليس إلا تعبيراً، عن أثر الصّدمة الهائلة التي أصابتهم من جرّاء خرق النظم القرآني المعجز، لمألوفات نظمهم الشعري الشهير؛ وهم بُلغاء اللغة، وفصحاء العربية، وفطاحل هندسة الحرف العربي، وأصحاب الصّنعة فيه، من دون منافس، فما كان منهم إلا أن صدعوا، تحت تأثير سحر بيانه الأخّاذ، في تلقائية منسابة بعبارة (الافتراء)، كأنّهم شحنوها بالدلالات الانفجارية إعراباً، عن مبلغ الدّهشة الصاعقة من أن هذا شيء لا يكاد يصدّق! هذا سحر! ما هذا بكلام البشر! هذا افتراء! فكان هذا من قبيل هذيان المغمى عليه، أو من فرط وقع الصّدمة، ولا أدلّ على أنّهم يقولون ما لا يعقلون، من رميهم له بالشاعر، وقد لبث فيهم أربعين سنة لا يتعاطاه، وهم يعلمون علم اليقين، بحكم الواقع والمعاشرة، بانتفاء الشاعرية عنه مطلقاً.
6ـ عين المعجزة
فثبت، بهذا وغيره، أنّ خُلُق الرسول (صلّى الله عليه وآله) على هذا النحو الفريد، وغير المسبوق، بل لا مغالاة، إذا قلنا أيضاً: وغير المتبوع، أي الذي لن يتكرّر هو في ذاته، وبما احتفّه من معوّقات وصوارف عن الكفالة، والتربية والتعليم، وعوارض نفسية واجتماعية (كالفقر والأميّة وعداء قريش..)، معجزة في الخلق العظيم والكمالات.
والغرض البعيد الذي نرمي إليه: إنّه، وككلّ أصناف المعجزات، من ورائها إرادة ربّانية مساندة، وعناية إلهية عاضدة، ورضى من العليّ القدير مؤيّد. ولا جدال في أن أخلاق هذا السّراج المنير، لم تزهر في ساحات بيداء جرداء، معدومة القيم والشيم والهمم، كلا! بل أشرقت في بينات، تكللت بأمثال السّموأل، وحاتم الطّائي وزهير بن أبي سلمى، وأميّة بن أبي الصلت الذي ورد فيه: (كاد أميّة أن يسلم)، ثم الخنساء، وغيرهم من الزهّاد والنسّاك، والحكماء والقسس والحنفاء.
كما تألّق نجمه الثّاقب (صلّى الله عليه وآله)، بالقياس إلى سيد الأنبياء والرسل، بل وتميّز من بين زمرة أولي العزم: (لقد كانت حكمة الله سبحانه من بعثه على هذه الصور المتكاملة الشاملة العظيمة، كحكمته في إنزال القرآن على هذا النهج الشامل المعجز العظيم، فكان محمد ـ في كونه آية كونيّة ـ كفأً لهذا القرآن).
وهل نملك، إلا أن نقول بحقّ: (إن شخصية الرسول (صلّى الله عليه وآله) ليست آية عصر، ولا جيل ولا أمّة، ولا مذهب ولا بيئة.. إنّها آية كونية للناس كافّة وللأجيال كافّة: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) سورة الأنبياء: الآية 107، (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) سورة سبأ: الآية 28.
هذا، ولئن كانت المعجزة خرقاً للعادة، مقروناً بالتحدّي سالماً عن المعارضة؛ فقد تحقّق هذا الخرق في خلق الرسول (صلّى الله عليه وآله)، على هذا النحو الممتاز المتفرّد في تاريخ الإنسانية، نفي العادة وانتفاء المألوف سابقاً ولاحقاً.
7ـ وجه التحدّي
أمّا وجه التحدّي فمنصبّ جامّه على جبرية معوّقات تكوينه الشخصي، وحتمية صوارف كفالته، إضافة إلى قهر العوارض النفسية، والاجتماعية المحدقة. لو أن آدمياً تعرّض لهمّ واحد منها لهتكته هتكاً، ولأزّته أزّاً، وتنكّبت به عن الجادّة تنكّباً، ما معه من تثريب.
وعلى النقيض من ذلك تحدث المعجزة، بدعاً على غير منوال، بما هي عين منهجه، وممتدح ربّه، فيخرق الدّيدان، ويفوت الإلف ويقوم التحدّي، فيسفر الكلّ عن تجلّي قدرة الربّ في عظمة خلق العبد، الذي اجتباه لختم الرّسالات، والشّرائع والنبوات، واستتمام المكارم والكمالات (صلّى الله عليه وآله).
والذي يقوّي ما ذهبنا إليه، أن السّير والمغازي وكتب التاريخ، وأكاد أضيف، مدارس الاستشراق، لم تروِ لنا عن قريش وأعتى الأعداء، أدنى ما يخدش في شمائله (صلّى الله عليه وآله)، أو يقدح في فضائله، رغم العداوة الضارية. أفيكونون قد تورّعوا أيّ متورّع عن النيل منه أخلاقياً، أو تجريحه سلوكياً؟! أم أن كل تهجماتهم وجميع مناوئاتهم، إنما كانت تستهدف إبعاد رسالته، والنّكوص عن دينه الذي جاء يزاحم مواقعهم السياسية والاجتماعية، ومصالحهم الذاتية، فجنحوا إلى الكفر والجحود مكابرة؟ ويقدر الاستنكاف عنه في مجال الدعوة القائمة كان الإقبال في غير ما تحفّظ، على السيد الصادق الأمين ثقة في استئمانه على ودائعهم ومكتنزاتهم النفسية، ومن قبل لجأوا إليه حكماً عادلاً في معضلة وضع الحجر الأسود.
فأعجب من عداء سافر بلغ في الضّراوة حدّ محاولات استئصال الوجود الشريف، يجتمع في آن واحد وحيال الشّخص نفسه، إلى وثوق عملي منقطع النظير!!
أفلا يدلّ ذلك، يا ترى، بعد إكليل التزكية القرآنية، على خرق العادة ونفي المألوف؟ أم كيف نسمّي إذن ثبوت ما ليس معتاداً؟
8ـ الاعتراض بالعصمة
ولقائل أن يعترض بالعصمة، والعصمة لا تفسّر الخوارق، ولا تعطّل السّنن، ولا ظواهر الجبر والحتميات. نعم! إن القصر عليها كان تماماً في إخراج المبعوث رحمة للعالمين هذا التخريج الربّاني العظيم، وإنّه لخليق بها إلا أن ما احتفّ بشخصه الكريم (صلّى الله عليه وآله)، منذ مولده الطّهر، من الابتلاء بضروب الحرمان القدريّ المحتوم، لغرض العزل الكلّي المقصود عن تيّار المؤثّرات البيئية والبشرية، لا سبيل إلى تفسيره بالمعصومية، كما يمتنع بها فهم الأقدار الثلاثة المقدورة والأقضية المبرومة، (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى * وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) سورة الضحى، الآيات 6-8.
أ- بدءاً بقدر اليتم المتعدّد حجراً تربويّاً، وقضاء إيوائه إلى العناية الربّانية، كأنّ الحكمة منه تؤذن بمراجعة السماء لمناهج الأرض التربوية.
ب- فقدر الأميّة الحائرة غير الاختيارية صدّاً عن معهود التعليم النّاسوتي المنقوص، وقضاء هديه (صلّى الله عليه وآله) بسبق اللطف الإلهي في إنجاز الإعجاز القرآني، كأنّ العبرة منه إيذان بالثّورة على مضامين العلم والتعليم السائدة، والتبشير بالكتاب وفجر القلم.
ج- وانتهاء بقدر الأسرة صرفاً للرّفاة الدنيوي المبلّد، وقضاء إغنائه عن سائر نواقض التّجنيد الرّسالي المنتظر. كأنّ الحكمة منه تؤذن بتغيير جذري للنظم الاجتماعية، والاقتصادية الجاهلية، وإحلال التّشريعات السماوية محلّها، وكان هذا تدبيراً لله سبحانه، يكافئ تدبيره في تنزيل القرآن.
لهذا يتراءى أن العصمة، بما هي حالة الامتناع، مدرك إذ يتعلّق بالجوانب الداخلية للرسول (صلّى الله عليه وآله) ، يفيد في فهم الجبرية الباطنية، العاصمة من النوازع والأهواء.
أما الإعجاز بما هو الخرق والفوت، مدرك إذ يتعلّق بالعوامل الخارجية المحيطة بالرسول (صلّى الله عليه وآله) ، يعين على فهم الجبرية الظاهرية الخارقة لعادات الخلق ونواميس الأحياء. والله أعلى وأعلم.
9ـ المعادلة الكاملة في عظمات النبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله)
وعلى صعيد موضوعي آخر، لما ثبت التطبيق والمطابقة بمقولة: (.. كان خُلُقه القرآن) حصل التمثّل كاملاً، فكلّ كمال قرآني في تشريع الله، يقابله كمال محمد (صلّى الله عليه وآله) في التطبيق لما شرع الله.
ولمّا جاءت الإشادة الإلهية بـ(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم: الآية 4، تبرز المفخرة العالمية في الخلقية الرفيعة، ائتلفت الأمثلية، مرصد الأولوية في الاقتداء، فتعيّن تبعاً لذلك وجوب التأسي والامتثال: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) سورة الحشر: الآية 7.
وبالوسع أن نصوغ المعادلة التالية إذن، على هذا النحو:
تمثّل كامل + أمثلية مطلقة = امتثال تام
(ذلك أن ربنا، سبحانه وتعالى، حيث يصطنع عبداً من عباده لقيادة خلقه، وتبليغ رسالته، فإنّه ينشّئه بنفسه، تنشئة لا أثر فيها لا لبيئة، ولا عمل فيها لعرف، ولا راسبة فيها من تقاليد، فهو بقدرته وحكمته يحول بينه وبين توجيه الناس، ولا يجعل فيه محلاً لرعاية أحد من الأقربين أو البعدين، ولا يترك به حاجة لتدخّل العباد، ما دام الأمر يخصّ تبليغ الرسالة وتطبيق الشريعة)(5).
------------------------------------------
مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام للتراث والفكر الإسلامي
ــــــــــــــــــــــ
1 - يدل عليه قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) سورة الصف، الآيتان 2-3.
2 - لا يدانيه فيها نبي مرسل، ولا يطاوله عليها ملك مقرّب؛ إذ كان: (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) سورة النجم، الآية 9.
3 - غفص، غافص غفاصاً ومغافصة: فاجأه، وأخذه على غِرّة منه.
4 - لقد كان محمد عجيبة من عجائب الكون. طاقة كونية صادرة من الله، معجزة كآيات الله. عظمات.. لا تحد. انظر: محمد قطب، منهج التربية الإسلامية، القاهرة، دار القلم، ط2، د. ت.، ص223.
5 - محمد الغزالي، تأمّلات في الدين والحياة، ص123.