من أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله)
  • عنوان المقال: من أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله)
  • الکاتب: موقع زاد المعاد
  • مصدر: موقع زاد المعاد
  • تاريخ النشر: 18:53:10 1-9-1403

منطق النبي (صلى الله عليه وآله) :

قال الحسن بن علي (عليه السلام) : (( سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان وصافاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال )) : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ، ولا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (1) ويتكلم بجوامع الكلم ، فصلا لا فضولا ولا قصيرا فيه ، دمثا (2) ليس بالجافي ولا بالمهين ، يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا ، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها ، إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث أشار بها ، فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح (3) ، وإذا فرح غض من طرفه ، جل ضحكه التبسم ، ويفتر عن مثل حب الغمام (4) .

 

دخول النبي (صلى الله عليه وآله) :

قال الحسين بن علي : (( سألت أبي عن دخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ ، فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء ، جزءا لله عز وجل ، وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخر - أو قال لا يدخر - عنهم شيئا .

فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسألته عنهم ، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ، ويقول ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني في حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ، ثبت الله قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره ، يدخلون زواراً ، ولا يفرقون إلا عن ذواق ، ويخرجون أدلة فقهاء .

خروج النبي (صلى الله عليه وآله) : قال فسألته من مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟

قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخزن لسانه إلا فيما يعنيه ، ويؤلفهم ولا يفرقهم - أو قال ولا ينفرهم - ، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس الفتن ، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، فيحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأسر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، وأعظهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة .

جلوس النبي (صلى الله عليه وآله) قال : فسألته عن مجلسه ؟

فقال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله جل اسمه ، ولا يوطن الأماكن وينهي عن إيطانها (5) ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، يعطي كلا من جلسائه نصيبه ، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه ، فكان لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ولا يوهن فيه الحرم ، ولا تنثى فلتأته (6) ، متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى ، متواضعون ، يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون - أو قال يحوطون الغريب .

سيرته (صلى الله عليه وآله) مع جلسائه : قال : قلت : كيف كانت سيرته مع جلسائه ؟

قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب (7) ولا فحاش ، ولا عياب ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، ومما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا .

ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوليهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه ، ويصير للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته ، حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم (8) ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه (9) ، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام .

سكوت النبي (صلى الله عليه وآله) : قال : قلت : كيف كان سكوته ؟

قال : كان سكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أربعة : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكر ، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى ، وجمع له الحلم والصبر ، فكان لا يغضبه شئ  ولا يستنفره ، وجمع له الحذر في أربعة : أخذه بالحسن ليقتدي به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده فيما أصلح أمته ، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والآخرة )) (10) .

ـــــــــــــــ

(1) الأشداق: جوانب الفم، والمراد أنه لا يفتح فاه كله، وفي بعض النسخ (بابتدائه).

(2) الدماثة: سهولة الخلق.

(3) أشاح: أظهر الغيرة، والشائح: الغيور.

(4) الغمام: السحاب، والمراد أنه تبسم ويكثر حتى تبدو أسنانه من غير قهقهة.

(5) يعني لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به.

(6) نثوته نثوا من باب قتل: أظهرته. والفلتات: الهفوات أو الامر فجأة.

(7) الصخاب من الصخب وهو شدة الصوت.

(8) يعني أنهم يستجلبوا الفقير لئلا يؤذي النبي.

(9) الرفادة . الضيافة وورود المدعو على الداعي . والرفد بكسر الراء : الهبة والعطية.

(10) مكارم الأخلاق - الشيخ الطبرسي - ص 12 - 15 .

---------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .