سيدي يانبي الله الأعظم .. وسيد الكمال الإنساني
  • عنوان المقال: سيدي يانبي الله الأعظم .. وسيد الكمال الإنساني
  • الکاتب: جعفر المهاجر
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 18:31:48 1-9-1403

بسم الله الرحمن الرحيم

(( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) [المائدة : 15-16] .

سيدي يارسول الله . يانور الله لعباده في كل أنحاء الأرض .. ياأطهر وأنبل وأنقى وأسمى بني البشر من آدم ع إلى يوم الدين .

لم يخلق الله جلت قدرته بمثل صفاتك الإنسانية المثلى ؛ تلك الصفات الجليلة المتكاملة ، فاصطفاك الله لتكون المنقذ والبشير والنذير والمصباح المنير ، تشق بخلقك العالي الفريد سجف الدياجير ، وغمرات الجهل ، وضلالات الجاهلية العمياء ، فكان نداء ( اقْرَأْ ) الذي أطلقه جبريل في غار حراء ؛ نداء السعادة والهدى ، نداء المحبة والتقى ، نداء النوروالطهر ، نداء السمو والفضيلة والسلام ، نداء العلم والتعلم للبشرية جمعاء.

فوضعت تلك الكلمات التي كنت متعطشا لها ، وتنتظرها من ربك على أحر من الجمر ، في قلبك ودمك وروحك وكيانك ، ومضيت تعلنها للدنيا صريحة واضحة ، كنور الشمس (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) ، (( أنما بعثت رحمة )) ، (( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )) [الأنعام : 124] .

فآمن بك السابقون من الثلة الطاهرة ؛ وأولهم ربيبك وابن عمك وصفيك ووصيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهو فتى يافع ، وزوجتك المخلصة العظيمة المضحية خديجة الكبرى رض ، وعمك أسد الله الغالب حمزة بن عبد المطلب رض ، ليكونوا نواة لتلك الثمرة المباركة ؛ التي تحولت إلى شجرة وارفة الظلال ثبتت في الأرض ، ونشرت ظلالها الوارفة لكل من دخل نور الهداية قلبه وروحه ، ووقف بوجهك جحافل الظلام ؛ من العتاة الكفرة المارقين أمثال ، أبي جهل ، وأبي لهب وأبي سفيان ، ومن لف لفهم من الطغاة الظلاميين الغارقين في عصبيتهم الجاهلية العمياء ، التي نشرت الظلم والقهر والإستبداد والعبودية.

فواجهت منهم ياسيدي يارسول الله الحروب والأذى والمقاطعة ، حاولوا قتلك ! رموك بالحجارة ! اتهموك بالسحر والجنون ! وقالوا عنك شاعر ! ... وحاشاك سيدي ، فأنت الصادق الأمين ، وأنت أمام كل النبيين (( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ )) [التكوير : 22] ،  (( وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً )) [النساء : 113] ، ولو صب ذلك الأذى والإضطهاد والعدوان على الأيام لصرن لياليا ، وعلى الجبال الشم لأصابها الأنهيار.

لكنك بأمر ربك صبرت الصبر الجميل (( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً)) [المعارج : 5-6-7] ، (( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً )) [الإنسان : 24] .

وشرح الله صدرك ، ووضع عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ، وتساميت على الجراح والغدر والظلم ؛ لأن خلقك أسمى ورسالتك عظيمة ، وكان الله معك وكنت مع الله (( فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً )) [الجن : 13] .

وزاد غي أولئك الضلاليين وحقدهم وكيدهم ، كلما رأوا نورك ينتشر أكثر فأكثر في دهاليز عتمتهم الجاهلية ، وضلالاتهم العميقة ، وظلمهم الفادح ، وغطرستهم الجوفاء ، وأهواءهم الفاسدة الرعناء .

(( فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) [القصص : 50] .

فما أعظم صبرك ؛ وما أعلى سموك ؛ وما أجل وأسمى وأنبل خلقك سيدي يارسول الله ؛ وأنت القائل وقولك الصدق كله : (( ماأوذي نبي مثل ماأوذيت )) ، وتوالت آيات ربك العظيم واضحة جلية لكل ذي قلب وعقل سليمين .

(( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) [التوبة : 128] ، وحذر الخالق العظيم لمن شهد الشهادتين بين يديك بوضوح تام ، في آية أخرى (( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) [الأنعام : 153] .
ثم أعلنت لصحبك قائلا : (( أوصاني ربي بتسع ؛ وأنا أوصيكم بها : أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وأن أعفو عمن ظلمني ، وأعطي من حرمني ، وأصل من قطعني ، وأن يكون صمتي فكرا ، ونطقي ذكرا ، ونظري عبرا )) و (( أن لاعبودية في الإسلام )) و (( المسلم ؛ من سلم المسلمون أو الناس من لسانه ويده )) .

ثم أعلنت (( قيمة كل امرئ مايحسنه )) ، وأعلنت (( لافضل لعربي على أعجمي ؛ ألا بالتقوى )) و (( المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضا )) ، وأعلنت (( مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ؛ كمثل الجسد أذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى )) و (( أن المسلمين تتكافئ دماءهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم )) و (( دم المسلم على المسلم حرام حرام حرام ، كحرمة يومكم هذا )) و (( من آذى ذميا فقد آذاني )) ، وأعلنت سيدي فيما أعلنت للعباد من مكارم الأخلاق على رؤوس الأشهاد : (( إني مخلف فيكم الثقلين ؛ كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ؛ وعترتي أهل بيتي ، وقد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ )) ، وقد أبلغت هذا الحديث لأمتك في يوم عرفه ، في حجة الوداع قائلا (( لاترجعوا بعدي كفارا مضلين ، يملك بعضكم رقاب بعض ، إني قد خلفت فيكم ماإن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، ألا هل بلغت ! )) .

وذكرته لهم في أيام مرضك ، قبل انتقالك إلى الرفيق الأعلى ، ودونته أمهات المصادر الأسلامية ، حيث قلت في حق أهل الكساء ، بعد نزول آية التطهير ، فغطيتهم بالكساء اليماني ، ودخلت معهم ، ورفعت رأسك نحو السماء قائلا : (( اللهم أشهد أن هؤلاء أهل بيتي ؛ الذين طهرتهم تطهيرا ، أنا حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم ، من أحبهم فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله )) ، وحين قرأت ياسيدي تلك الآيات البينات : ((  ِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ )) [النور : 36] ، وقد سئلت أي البيوت هذه ؟ فقلت (( بيوت الأنبياء )) فقال أبو بكر : (( هذا البيت منها ؟ )) - يعني بيت الأمام علي و الزهراء البتول (عليهما السلام) - فأجبته وبكل وضوح : (( نعم من أفاضلها )) ، وهذا ماذكره الآلوسي في روح المعاني 18:174 ، ومصادر أخرى كثيرة ، لأنك كنت تعلم بأمر من الله أن أهل بيتك ؛ هم خيرمن يحمل الأمانة من بعدك ، وخير من يجودون بأنفسهم في سبيل شريعتك السمحاء الغراء ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

وهذا حديثك ياسيدي في حق حبيبك الحسين ، سيد شباب أهل الجنة تقول فيه : (( حسين مني ؛ وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط )) ، والآيات القرآنية كثيرة ، والأحاديث النبوية الشريفة أكثر من أن تعد أو تحصى ، وتحتاج إلى مجلدات ضخمة ، فماذا عساي أن أكتب في مقالي هذه ؟ فهل حافظ ياسيدي ، من ادعى بأنه آمن بالله ربا ، وبك نبيا ، وبعترتك من بعدك خلفاء لهذه الأمه على عهوده ؟ ، وقد قال الله في محكم كتابه العزيز بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (( وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )) [الإسراء : 34] .
أن أمتك التي ذابت حشاشتك من أجلها ياسيدي يارسول الله ؛ تتراجع يوما بعد يوم ، ويحكمها سلاطين الظلم والظلام والفجور ، وطغاة الأرض الذين ضاقت الأرض ذرعا ، بفسادهم وظلمهم وطغيانهم ، ويطالب وعاظهم الملايين من المقهورين المظلومين أن يطيعوهم ، ويخنعوا لظلمهم وإن فسقوا ، وإن فجروا ، وإن عذبوا ، وإن سجنوا ، وإن عاثوا في الأرض فسادا .

وهناك من يذبح الموحدين لله ، باسم الإسلام ، على طريقة معاوية ، ويزيد ، وابن ملجم ، والشمر ، وحرملة ، من أعراب الجاهلية الأولى ، وقد كثرالكارهون لهذا الدين العظيم - نتيجة أعمال هؤلاء المجرمين - بحق دينك القويم ، ونهجك الطاهر السليم ، فأصبح المسلم متهما في ديار الغربة ، دون أي دليل إلى أن يثبت براءته ، وأينما حل وذهب ، فهناك من يتوجس منه خيفة بمجرد أنه مسلم .
سيدي يارسول الله .. أيها الشفيع العظيم وباب الله المؤدي إلى النعيم .. يامن حوى صدرك كل الفضائل الغراء ، واستقرت فيه محجة الله البيضاء .. يامن لاتطال سيرتك سير كل العظماء ..  ياخير معلم للبشرية جمعاء .. ياسيد الطهر والجلال والعطاء .. ويامن جاهدت ضد الجاهلية الجهلاء ، لبيك مِلْء  دمي .. لبيك مِلْء روحي ، وكياني ووجداني ، وألوذ بك بما أحدثوا بعدك من فتن رهيبة كالحة مكفهرة سوداء ، أطمع أن تكون شفيعي وسندي وحبيبي ، وكل ملك الأرض لايساوي عندي رضاك عني ، وعن كلماتي الفقيرة الصغيرة بحقك ياسيدي يارسول الله :
ولو أن لي في كل يوم وليلة بساط سليمان ، وملك الأكاسره ؛ لما عدلت عندي جناح بعوضة ، إذا لم تكن روحي لنهجك سائره .
سيدي يارسول الله ص ياأبا الزهراء البتول أوجه ندائي إليك في آخر كلماتي وأقول:

على أبوابكم عبد ذليل   كثير الشوق ناصره قليل
يمد أليكم كف افتقار   ودمع العين منهمل يسيل
أكون نزيلكم ويضام قلبي   وحاشى أن يضام لكم نزيل


سلام عليكم سيدي يارسول الله من أرض الغربه ، يوم ولدت ويوم انتقلت إلى جوار ربك ويوم تبعث حيا .
خادمكم الذليل جعفر المهاجر.
السويد في 1/2/2011

---------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .