• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّ مِن البيان لَسِحراً، وإنّ مِن الشِّعر لَحكمة ».
إخوتَنا الأعزّة... إنّ لله تبارك شأنه في كلّ خَلْقه آياتٍ وحُجَجاً، منها هذه التجاربُ الإنسانيّة الوفيرة التي حَفِظها التاريخ لنا، وهي تحمل في طيّاتها أحكاماً تُلزِم العقل والنفس بالعمل الحكيم، والخُلق السامي والاعتقاد السليم.
وهذه بين أيدينا ـ أيّها الأحبّة ـ باقة من تلك الأشعار النافعة:
• قال شاعر:
مَن لم يَذُق ذُلَّ التعلُّمِ ساعةً
تجرّع ذُلَّ الجهلِ طُولَ حياتِهِ
• وقال آخر:
إنّما الدنيا فَناءٌ
ليس في الدنيا ثُبوتُ
إنّما الدنيا كبيتٍ
نَسجَته العنكبوتُ
ولقد يَكفيك منها
أيُّها الطالبُ قُوتُ
ولَعَمري عن قريبٍ
كلُّ ما فيها يموتُ
• وقال شاعر ذو ذوق اجتماعي:
ومَن كان للآدابِ والعلمِ عاشقاً
فأحسَنُ ما يُهدى إليه كتابُ
• وقد لامَ شاعراً بعضُ إخوانه على بيعه دارَه، فقال:
يلومونني أن بعتُ بالرُّخصِ منزلي
ولم يعلموا جاراً هناك يُنغِّصُ
فقلتُ لهم: كُفُّوا الملامَ فإنّما
بجيرانِنا تغلو الديارُ وتَرخُصُ
• وممّا نُسِب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام قوله:
ولو أنّا إذا مِتنا تُرِكنا
لكان الموتُ راحةَ كلِّ حَيِّ
ولكنّا إذا مِتنا بُعِثْنا
ونُسأل في غدٍ عن كلِّ شيِّ
وقال شاعر يُعرّف الصديق:
صديقي مَن يَرُدّ الشرَّ عنّي
ويرمي بالعداوةِ مَن رماني
ويَحفَظُني إذا ما غِبتُ عنهُ
وأرجوه لنائبةِ الزمانِ
• وتساءل شاعر مستنكراً تناقضاً قد نعيشه:
كيف ندعو الإلهَ في كلِّ كَرْبٍ
ثمّ ننساه عند كشفِ الكروبِ ؟!
كيف نرجو إجابةً لدعاءٍ
قد سَدَدنا طريقَه بالذنوبِ ؟!
• وقال شاعر يهجو المتوكّل العبّاسي:
أرى الظُّلمَ لا يُبقي حياةً لظالمٍ
فَخُذْ عِبرةً مِن سيرةِ المتوكِّلِ
علا فوق دَستِ المُلكِ دهراً، فمُذْ جنى
بحقِّ عليٍّ حَطَّه السيلُ مِن عَلِ
• وقال آخر:
رأيتُ ولائي آلَ طه فريضةً
على رغمِ أهلِ البُعد تُورِثُني القُرْبا
فما طلَبَ المبعوثُ أجراً على الهدى
بتبليغهِ إلاّ المودّةَ في القُربى
• وقال ابن السَّكُون الحِلّي:
يا سائلي عن عليٍّ والأُلى عَمِلوا
به مِن السوءِ ما قالوا وما فعلوا
لم يَعرِفوه فعادَوه لجهلِهمُ
والناسُ كلُّهمُ أعداءُ ما جَهِلوا
• ذكر ابن شهرآشوب في ( مناقب آل أبي طالب )، والخوارزمي الحنفي في ( المناقب ) أنّ أحد النصارى قال:
عليٌّ أميرُالمؤمنين صريمةٌ
وما لِسواه في الخلافةِ مَطمعُ
له النسَبُ الأعلى وإسلامُه الذي
تَقدّم فيه والفضائل أجمعُ
وإنّ عليّاً أفضلُ الناسِ كلِّهِم
وأورعُهم بعدَ النبيِّ وأشجعُ
فلو كنتُ أهوى مِلّةً غيرَ ملّتي
لَما كنتُ إلاّ مسلماً أتشيَّعُ
• ويذكّرنا البيتُ الأخير بقول الشاعر المسيحي بولس سلامة:
لا تَقُلْ شيعةٌ هُواةُ عليٍّ
إنّ في كلِّ منصفٍ شيعيّا
هو فخرُ التاريخِ لا فخرُ شعبٍ
يَدّعيهِ ويصطفيه وليّا
جَلْجَلَ الحقُّ في المسيحيّ حتّى
عُدّ مِن فَرْطِ حبِّهِ عَلَويّا
يا سماءُ اشهدي ويا أرضُ قُرّي
واخشعي أنّني ذكرتُ عليّا
• وجاء في شعر الصاحب بن عَبّاد قوله:
وقالوا: عليٌّ علا، قلتُ: لا
فإنّ العُلى بعليٍّ عَلا
• وجاء السيّد علي نقي الحيدري بعد هذا بهذا البيت، قوله يخاطب جَدَّه:
يا عليّاً عَلَت به العلياءُ
وتعالى به العُلى والعلاءُ
• كما جاء عبدالباقي العُمَري بقصيدةٍ عينيّة يخاطب بها أميرالمؤمنين عليه السلام فيقول له في مطلعها:
أنت العليُّ الذي فوق العُلى رُفِعا
بِبطنِ مكّةَ وسطَ البيتِ قد وُضِِعا
• ولكي لا يقول قائل أنّ ذلك خيالُ شاعر ومبالغةُ أديب، ننقل هذه الكلمة لشبلي شمّيل، حيث يقول: الإمام عليّ بن أبي طالبٍ عظيمُ العظماء، نسخةٌ مفردة لم يَرَ لها الشرقُ ولا الغرب صورةً طِبقَ الأصل، لا قديماً ولا حديثاً.
وهذه الكلمة لميخائيل نعيمة، حيث يقول: عليُّ بن أبي طالبٍ عظيمٌ مِن عظماء البشريّة، أنبَتَته أرضٌ عربية ولكنّها ما استأثرت به، وفجّر ينابيعَ مواهبه الإسلام، ولكن ما كان للإسلام وحده، إنّ عليّاً لَمِن عمالقة الفكر والروح والبيان، في كلّ زمانٍ ومكان.
• وفي مقابل الولاء هنالك التبرُّؤ من الأعداء، وقد قال في البراءة كثيرٌ من الشعراء، منهم محمّد بن وهيب حيث ذمّ قوماً لا يذكرون أميرالمؤمنين عليه السلام بخير قائلاً:
أَغدوا إلى عُصبةٍ صُمَّت مسامعُهم
عن الهدى بين زنديقٍ ومأفونِ
لا يذكرون عليّاً في مشاهدِهم
ولا بَنيه بَني البِيضِ الميامينِ
إنّي لأعلمُ أنّي لا أُحبُّهمُ
كما همُ بيقينٍ لا يُحبّوني
لو يستطيعون مِن ذِكْري أبا حسنٍ
وفضلَه قطّعوني بالسكاكينِ
ولستُ أترك تفضيلي له أبداً
حتّى المماتِ على رغم الملاعينِ
• ورحم الله صفيَّ الدين الحلّي حيث يخاطب الإمام عليّاً عليه السلام قائلاً:
أميرَ المؤمنين أراك إمّا
ذكرتُك عندَ ذي حَسَبٍ صغا لي
وإن كرّرتُ ذِكرَك عند نذلٍ
تكدَّر سِترُه وبغى قتالي
فصِرتُ إذا شككتُ بأصلِ مَرءٍ
ذكرتُك بالجميل مِن الخصالِ
فليس يُطيق سمعَ ثناك إلاّ
كريمُ الأصل محمودُ الخِلالِ
فها أنَا قد خبرتُ بك البرايا
فأنت محَكُّ أولادِ الحلالِ