الإمام الحسن ابن علي العسكري (ع) هو أكبر أبناء الإمام علي الهادي النقي (ع) و الإمام الحادي عشر من الأئمة الاثني عشر الأطهار. أمه هي السيدة سوسن (أم ولد)، وتكنى أم الحسن ، وتعرف بالجدة ، أي جدة الإمام صاحب الزمان (ع)، ولها أسماء أُخرى ، فيقال لها : حديث ، وحديثة ، وسليل . وُلد الإمام الحسن العسكري (ع) في العاشر من شهر ربيع الثاني في السنة الثانية و الثلاثين بعد المئتين للهجرة (846 للميلاد) في المدينة و استشهد في الثامن من ربيع الأول من السنة الستين بعد المئتين للهجرة (873 للميلاد) عن عمر يناهز الثمانية و العشرين عاماً و دُفن في بيته في سامراء في البيت الذي دفن فيه والده الإمام علي الهادي (ع). استمرت إمامته ست سنوات. كنيته أبو محمد وكان يكنّى أيضاً بابن الرضا .
استشهد الإمام الحسن العسكري (ع) مسموماً بالسم الذي دسه له أعوان المعتمد العباسي في الثامن من ربيع الأول من السنة الستين بعد المئتين للهجرة.
ترك الإمام الحسن العسكري (ع) بعده ابنه الحجة المنتظر المهدي (ع) و هو ابنه الوحيد الذي سينشأ دولة العدل. كتم الإمام العسكري (ع) ولادة الإمام المهدي (ع) بسبب البحث الذي كان يقوم به العباسيون عن المولود المنتظر لقتله.
لم يسلم الإمام العسكري (ع) كأجداده من شر الملوك العباسيين و ملاحقتهم له. و كان الإمام الحسن العسكري (ع) قد فُرض عليه الإقامة الجبرية في بيته و كان عليه الحضور في يومين من كل أسبوع في دار الخلافة العباسية. و يروى أنه في يوم حضوره كان الطريق يعج بالناس من مختلف أطيافهم الذين كانوا يتشوقون لرؤيته و التبرك بنوره بحيث أنه لم يكن يوجد موضع مشي فإذا مر الإمام الحسن العسكري (ع) هدأت الأصوات و توسد له الطريق من هيبته و شوق الناس إليه. و قد حاول العباسيون مختلف وسائل الاضطهاد و الملاحقة الأُخرى لعزل الإمام الحسن العسكري عن الناس و عن مواليه بالذات مثل السجن و المداهمات و المراقبة و إلى آخر ذلك من الوسائل التعسفية. وعاصر الحسن العسكري (ع) مدة إمامته القصيرة و التي استمرت حوالي الست سنوات كلاً من المعتز والمهتدي والمعتمد العباسي.
روى الشبلنجي عن أبي هاشم داود بن قاسم الجعفري:قال: وكان الحسن (عليه السلام) يصوم في السّجن فإذا أفطر أكلنا معه من طعامه.
روى الكليني بإسناده عن عليّ بن عبد الغفّار، قال: دخل العباسيون على صالح بن وصيف، ودخل صالح بن علي وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمد، فقال لهم صالح: وما أصنع؟ قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصّيام إلى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجلٍ يصوم النهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين.
العلاّمة الشبراوي الشافعي قال عنه : الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص ويلقب أيضاً بالعسكري... ويكفيه شرفاً أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده، فللّه در هذا البيت الشريف والنسب الخضم المنيف وناهيك به من فخار وحسبك فيه من علو مقدار... فيا له من بيت عالي الرتبة سامي المحلة ، فلقد طاول السماك علاً ونبلاً ، وسما على الفرقدين منزلة ومحملا واستغرق صفات الكمال ، فلا يستثنى فيه بغير ولا بإلاّ ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة ، انتظام اللآلي وتناسقوا في الشرف فاستوى الأول والتالي ، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم والله يرفعه...
خلف الإمام المهدي (ع) والده في الإمامة كما أراد الله و رسوله (ص) و الإمام الحسن العسكري. و لكن أخ الإمام الحسن العسكري (ع) و المسمى بجعفر ادعى الإمامة بعد استشهاد أخيه و حاول أن يحتكر منصب الإمامة و لكنه لم يُفلح بذلك رغم استخدام الهمجية و إنما استطاع الإمام المهدي (ع) أن يسيطر على الموقف و يوقفه عند حده الطبيعي رغم حداثة سن الإمام المهدي (ع).
في الثاني و العشرين من شهر شباط سنة 2006 ميلادية دمر تفجير قوي ضريح الإمامين العسكريين و قبة المقام الذهبية. القوات الأمريكية المختلة للعراق اتهمت متطرفين سنة بهذا العمل و لكن المسلمين بمختلف طوائفهم و مذاهبهم اتهموا الأمريكيين بهذا العمل الإجرامي لهذا المكان المقدس.
من دعائه (ع):
“ الحمد لله شكراً لنعمائه ، واستدعاءً لمزيده ، واستجلاباً لرزقه ، واستخلاصاً له ، وبه دون غيره ، وعياذاً من كفرانه والالحاد في عظمته وكبريائه ، حمد من يعلم ان ما به من نعمائه فمن عند ربه ، ، وما مسه من عقوبته فبسوء جناية يده ، وصلى اللـه على محمد عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وذريعة المؤمنين إلى رحمته ، وآله الطاهرين ، ولاة أمره .
اللـهم انك ندبت إلى فضلك ، وأمرت بدعائك ، وضمنت الأجابة لعبادك ، ولم تخيب من فزع إليك برغبته ، وقصد إليك بحاجته ، ولم ترجع بداً طالبة صفرا من عطائك ، ولا خائبة من نحل هباتك ، وأي راحل رحل إليك فلم يجدك قريباً ، ووافد وفد عليك فاقطعته عوائق الرد جودك . بل أي محتف ، لم يمهه فيض جودك ، وأي مستنبط لمزيدك دون استماحه سجال عطيتك .
اللـهم وقد قصدت إليك برغبتي ، وقرعت باب فضلك يد مسألتي ، وناجاك بخشوع الاستكانة قلبي ، ووجدتك خير شفيع لي إليك ، وقد علمت ما يحدث من طلبتي قبل ان يخطر بفكري ، أو يقع في خلدي ، فصل اللـهم دعائي إياك باجابتي ، واشفع مسألتي بنجح طلبتي .
اللـهـم وقد شملنا زيغ الفتن ، وستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتز أمورنا معادن الأبن ممن عطل حكمك ، وسعي في اتلاف عبادك ، وافساد بلادك ، اللـهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وأمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة ، فاشتريت الملاهي والمعارف بسهم اليتيم والأرملة ، وحكم في ايثار المؤمنين أهل الذمة ، وولي القيام بأمورهم فاسق كل قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راع ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفعــة يشبع الكبد الحري من مسغبة ، فهم أولوا ضرع بدار مضيعة ، وأسراء مسكنة ، وخلفاء كآبـة وذلـــــة.
اللـهم وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته واستحكم عوده ، واستجمع طريده وخذرف وليده وبسق فرعه ، وضرب بجرانه .
اللـهم فاتح له من الحق حاصده ، تصدع قائمه ، وتهشم سوقه وتحب سنامه ، وتجدع مراغمه ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته .
اللـهم ولا تدع للجور دعامة إلاّ قصمتها ، ولا جنة إلاّ هتكتها ، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرقتها ، ولا سرية ثقل الا خففتها ، ولا قائمة علو إلاّ حططتها ، ولا رافعة علم إلاّ نكستها ، ولا خضراً إلاّ أبرتها .
اللـهم فكـور شمسـه ، وحط نوره واطمس ذكره وارم بالحق رأسه ، وفض جيوشه ، وأرعب قلوب أهله .
اللـهم ولا تدع منه بقية إلاّ أفنيت ، ولا بنية إلا سويت ، ولا حلقة إلاّ قصمت ، ولا سـلاحـاً إلاّ أكللـت ، ولا حداً ولا كراعاً إلاّ اجتحت ولا حاملة علم إلاّ نكست .
اللـهم وأرنا أنصاره عباديد بعد الألفة ، وشتى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة .
واسفر لنا عن نهار العدل ، وأرناه سرمداً لا ظلمة فيه ، ونوراً لا شوب معه ، واهطل علينا ناشئته ، وانزل علينا بركته وادل له ممن ناواه وانصره على من عاداه .
اللـهم واظهر الحق ، واصبح به في غسق الظلم ، وبهم الحيرة .
اللـهم واحيي به القلوب الميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة والاراء المختلفة ، وأقم به الحدود المعطلة . والأحكام المهملة ، واشبع به الخماص الساغية ، وأرح به الأبدان اللأغبة المتعبة ، كما الهجتنا بذكره ، واخطرت ببالنا دعاءك ، ووفقتنا للدعاء إليه ، وحياشة أهل الغفلة عنه ، وأسكنت في قلوبنا محبته ، والطمع فيه ، وحسن الظن به لإقامة مراسيمه .
اللـهم فآت لنا منه على أحسن يقين ، يا محقق الظنون الحسنة ، ويا مصدق الآمال المبطئة ، اللـهم واكذب المثالين عليك فيه ، واخلف به ظنون القانطين من رحمتك والآيسين منه .
اللـهم اجعلنا سبباً من أسبابه ، وعلماً من أعلامه ومعقلاً من معاقله ، وانصر وجوهنا بتحليته ، وأكرمنا بنصرته ، واجعل نيتنا خيراً تظهرنا لنا به ، ولا تشمت بنا حاسدي النعم ، والمتربصين بنا حلول الندم، ونزول المثل ، فقد ترى يا رب براءة خلو ساحتنا ، وخلو ذرعنا من الاضمار لهم على أحنة ، والتمني لهم وقوع جائحة وماتنازل من تحصينهم بالعافية ، وما اخبالنا من اتهاز الفرصة ، وطلب الوثوب بنا عند الغفلة .
اللـهم وقد عرفتنا من أنفسنا ، وبصرتنا من عيوبنا خلالاً نخشى ان تقعد بنا عن اشتهار اجابتك ، وأنت المتفضل على غير المستحقين ، والمبتدئ بالاحسان على السائلين ، فأت لنا من أمرنا على حسب كرمك وجودك وفضلك ، وامتنانك انك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد انا إليك راغبون ، ومن جميع ذنوبنا تائبون ..
اللـهم والداعي إليك ، والقائم بالقسط من عبادك ، الفقير إلى رحمتك ، المحتاج إلى معونتك على طاعتك ، إذ ابتدأته بنعمتك وألبسته أثواب كرامتك ، وألقيت عليه محبة طاعتك ، وثبت وطأته في القلوب من محبتك ، ووفقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك ، وجعلته مفزعاً لمظلوم عبادك ، وناصراً لمن لا يجد غيرك ، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك ، ومشيداً لما دثر من أعلام دينك ، وسنن نبيك عليه وآله سلامك ، وصلواتك ، ورحمتك ، وبركاتك ، فاجعله اللـهم في حصانة من بأس المعتدين ، وأشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين وبلغ به أفضل ما بلغت به القائمين بقسطك من اتباع النبيين ، اللـهم وأذلل به من لم تسهم له في الرجوع إلى محبتك ، ومن نصب له ، العداوة ، وارم بحجرك الدافع من أراد التأليب على دينك بإذلاله وتشتيت أمره ، واغضب لمن لا ترة له ، ولا طائلة ، وعادي الأقربين والأبعدين منا عليه ، لا مناً منه عليك.
اللـهم فكما نصب نفسه غرضاً فيك للأبعدين ، وجاد ببذل مهجته لك في الذب عـن المؤمنيـن ، ورد شر بغاة المرتدين المريبين حتى أخفى ما كان جهر به من المعاصي ، وأبدى ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم مما أخذت ميثاقهم على ان يبينوه للناس ولا يكتموه ، ودعا إلى افرادك بالطاعة ، والا يجعل لك شريكاً من خلقك يعلو أمره على أمرك ، مع ما يتجرعه فيك من مرارات الغيظ الجارحة بحواسي القلوب ، وما يعتوره من الغموم ، ويفزع عليه من احداث الخطوب ، ويشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق ، ولا تحنو عليها الضلوع ، من نظرة إلى أمر من أمرك ، ولا تناله يده بتغييره ، ورده إلى محبتك، فاشدد اللـهم أزره بنصرك ، وأطل باعه في ما قصر عنه ، من أطراد الراتعين في حماك ، وزده في قوته بسطة من تأييدك ، ولا توحشنا من أنسه ، ولا تخترمه دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملته ، والعدل الظاهر في أمته . . .
اللـهم وشرف بما استقبل به من القيام بامرك ليرى موقف الحساب مقامه ، وسر نبيك محمد صلواتك عليه وآله برؤيته ومن تبعه على دعوته ، واجزل على ما رأيته قائماً به من أمرك ثوابه ، وابن قرب دنوه منك في حياته ، وارحم استكانتنا واستخذاءنا لمن كنا نقمعه به إذا فقدتنا وجهه ، وبسط أيدي من كنا نبسط أيدينا عليه لنرده عن معصيته ، وافترقنا بعد الإلفة والإجتماع تحت ظل كنفك ، وتلهفنا عند الغوث محل ما اقعدتنا عنه من نصرته ، واجعله اللـهم في أمن مما يشفق عليه منه ، ورد عنه من سهام المكائد ما يوجهه أهل الشنآن إليه وإلى شركائه في أمره ، ومعاونيه على طاعة ربه الذين جعلتهم سلاحه وحصنه ، ومفزعه وأنسه ، الذين سلوا عن الأهل والأولاد ، وجفوا الوطن ، وعطلوا الوتير من المهاد ، ورفضوا تجارتهم ، واضسرّوا بمعايشهم وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصيرهم ، وخالطوا البعيد ممن عاضدهم على أمرهم ، وقلوا القريب ممن صدّ عن وجهتهم فائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم ، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا ، فاجعلهم اللـهم في أمـن مـن حرزك وظل كنفك ، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك ، واجزل لهم على دعوتهم من كفايتك ومعونتك وأمدهم بتأييدك ونصرك ، وازهق بحقهم باطل من اراد إطفاء نورك ، اللـهم واملأ بهم كل أفق من الآفاق وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ، ومرحمة وفضلاً ، واشكرهم على حسب كرمك وجودك ، وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك ، وادخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات . إنك تفعل ما تشاء وتحكم مـا تريـــد ... “