الإمام الحسن العسكري (ع) هو الإمام والنجم الحادي عشر في سماء الإمامة، والمصباح الوضي، والنور الجلي، الإمام الزكي المۆتمن، أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أجمعين.
فنسبه لأبيه هو نسب الأئمة الأطهار، صعوداً من والده أبي الحسن الثالث، الإمام العاشر علي الهادي (ع) حتى ينتهي إلى الإمام علي (ع) وزوجته الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله تعالى عليهم.
وكان الإمام العسكري (ع) كآبائه أستاذاً للعلماء وقدوة لسالكي طريق الحق، وزعيماً للسياسة، وعلما يشار إليه بالبنان، وتأنس له النفوس وتكن له الحب والود، فكان من ذلك أن اعترف به حتى خصماۆه حيث كانت منزلته (ع) معروفة ومشهورة لدى الجميع.
قال أحمد بن عبيد الله بن خاقان- يصفه ببعض جوانبه وتعلق الناس به وإكبارهم له-: «ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى (سامراء) رجلاً من أهل البيت مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، في هديه وسكونه، وعفافه ونبله، وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم، وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء وعامة الناس».
وأشاد علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ بفضل الإمام أبي محمد (ع) قال: «مناقب سيدنا أبي محمد الحسن العسكري دالة على أنه السري ابن السري، فلا يشك في إمامته أحد، ولا يمتري، واعلم أنه إذا بيعت مكرمة فسواه بايعها والمشتري… واحد زمانه من غير مدافع، ونسيج وحده من غير منازع، سيد أهل عصره، وإمام أهل دهره، أقواله سديدة، وأفعاله حميدة، وإذا كانت أفاضل أهل زمانه قصيدة فهو بيت القصيدة، وان انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة، فارس العلوم الذي لا يجارى، ومبين غوامضها فلا يجادل، كاشف الحقائق بنظره الصائب، مظهر الدقائق بفكره الثاقب، المحدث في سره بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنفس والذات…».
وقال النسابه ابن شدقم: «كان الحسن العسكري إماماً هادياً، وسيداً عالياً، ومولى زكياً».
وأيضا قال العلامة الكبير ابن الجوزي: «إن المنقبة العليا، والمزية التي خصه- أي الإمام الحسن العسكري- الله بها، وقلده فريدها، ومنحه تقليدها وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها، ولا تنسى الألسنة تلاوتها وترديدها، إن المهدي محمد (ع) نسله المخلوق منه، وولده المنتسب إليه…».
وأثنى العلامة المحقق علي بن عيسى الأربلي على الإمام أبي محمد (ع) ثناء عاطراً، وأدلى ببعض مزاياه، ومكارم صفاته، وقال في جملة كلامه:
«الإمام الحسن: فارس العلوم الذي لا يجارى، ومبين غامضها فلا يجادل ولا يمارى، كاشف الحقائق بنظره الصايب مظهر الدقائق بفكره الثاقب، المطلع بتوفيق الله على أسرار الكائنات، المخبر بتوفيق الله عن الغالبات، المحدث في سره بما مضى، وبما هو آت، الملهم في خاطره بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنفس، والذات، صاحب الدلائل والآيات والمعجزات، مالك أزمة الكشف والنظر، مفسر الآيات، مقرر الخبر، وإرث السادة الخير، ابن الأئمة أبو المنتظر، فانظر إلى الفرع والأصل، وجدد النظر، واقع بأنهما (ع) أضوأ من الشمس، وأبهى من القمر، وإذا تبين اذكاء الأغصان تبين طيب الثمر، فأخبارهم ونعوتهم عليهم السلام عيون التواريخ، وعنوان السير.
شرف تتابع كابراً عن كابر كالرمح أنبوباً على أنبوب
ووالله أقسم أن من عد محمدا (ص) جداً، وعلياً أباً، وفاطمة أماً، والأئمة وذاتاً وخلفاً، والذي ذكرته من صفاته دون مقداره، فكيف لي باستقصاء نعوته وأخباره، ولساني قصير، وطرف بلاغتي حسير، فلهذا يرجع عن شأنه وصفاته كليلاً، ويتضاءل لعجزه وقصوره …».
وعاش الإمام العسكري (ع) في القرن الثالث الهجري، وهو قرن كانت المدارس الفكرية قد اكتملت فيه شخصيتها، خصوصاً في مجال الفقه ومذاهبه، والتفسير والكلام وأصول الفقه، والفلسفة والحديث وغيرها.
وقد تحددت معالم مدرسة أهل البيت (ع) من خلال النشاطات العلمية للإمام العسكري (ع) إذ قام بإعداد ثلة من الرواة والتلاميذ، وما قام به من مراسلات ومحاورات وأجوبة على المسائل المختلفة، وما روى من أحاديث، وبث من علوم ومعارف، فقد نقلت عنه (ع) ذلك كتب الأحاديث والتفسير، والمناظرة وعلم الكلام وغيرها.
ولاشك أن أئمة أهل البيت (ع) هم قدوة الأمة في العبادة، والإخلاص لله عز وجل، وواضح أن من أبرز العناصر المقومة للإمامة هو عنصر الإخلاص لله سبحانه، والتعلق به دون سواه، وان من أبرز معالم هذا الإخلاص والعبودة لله في حياة البشرية، هو العبادة والتسليم لأمر الله سبحانه.
وقد ورد في كثير من الروايات التي وصلتنا أنها تتحدث عن عبادة الإمام العسكري (ع)، كما تحدث عن عبادة آبائه (ع)، ومن أهمها، الروايات التي تحدثت عن عبادته (ع) وكيفية تعلقه بالله عز وجل حتى عندما كان في السجن.
وفي الحقيقة أن هذه الصورة تعيد إلى الأذهان صورة جده الإمام موسى الكاظم (ع) عندما كان في السجن، وهو يقول: «إني دعوت الله أن يفرغني للعبادة ففعل». وقد روي عن الإمام العسكري (ع) عندما أودع السجن وكل به رجلان من الأشرار بقصد إيذائه، فتأثرا به وأصبحا من الفضلاء، فقيل لهما: ويحكما ما شأنكما في هذا الرجل؟
قالا: ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كله، ولا يتكمل ولا يتشاغل بغير العبادة؟ وإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، ودخلنا ما لا نملكه من أنفسنا.
وفي يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائتين، انتقل إلى جوار ربه، في سامراء، ولم يصل عمره الشريف إلى ثمانية وعشرين سنة.
فسلام الله عليه وعلى آبائه وعلى ولده (ع) حجة الله في الأرض، ونسأل الله أن يرزقنا شفاعتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.