يتصور البعض أن مفهوم الانتظار مفهوم رجعي جامد يدعونا إلى السكون والسكوت عن الظالمين والعياذ بالله ، في حين أن العكس هو الصحيح. فلو نظرنا الى التاريخ لوجدنا أن الشيعة منذ البداية وحتى يومنا الحاضر ، ويسبقون حتى ساعة الظهور المباركة ، أصحاب الثورات وأهل النهضات والمقاومة الرسالية للظلم والظالمين ، وما ذلك إلا لعقيدتهم بالإمام الحجة عجل الله فرجه ، والمفهوم الرسالي الإيجابي للانتظار لديهم.
فهذه العقيدة وهذا المفهوم هما اللذان يعطيان الأمل والحيوية للإنسان ، لأن هناك قانون أو سنة إلهية تتمثل في أن الذي يكون مظلوماً ، أو الذي يكون مع الحق فإن الله ناصره. وهذه السنة تتحقق في أجلى صورها بالإمام الحجة عجل الله فرجه ، لأنه عبد صالح وولي لله سبحانه ، ومع الحق ، ولأنه مظلوم ومضطر وصابر و.. وأي إنسان تتحقق فيه هذه السنة الإلهية ، وهذه الصفات بنسبة معينة ، فإن الله سبحانه ينصره بمقدار تلك النسبة.
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله هو أول من بشر المسلمين بظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه ، حيث أن هناك أكثر من إحدى وخمسين رواية مذكورة عن النبي صلى الله عليه وآله في كتب علماء السنة فقط تتحدث عن الإمام المهدي عجل الله فرجه ، ومن بين علماء السنة من كتب كتاباً خاصاً عنه عليه السلام في سنة 127 هـ أي قبل أن يولد ، مثلما كتب علماء الشيعة عنه أيضا قبل ولادته. وبالإضافة إلى الشيعة فإن أكثر علماء السنة الموجودين حالياً يذكرون في كتبهم بأن العقيدة بالإمام المهدي عجل الله فرجه جزء من العقائد الإسلامية الثابتة. وهكذا كان النبي صلى الله عليه وآله هو المبشر الأول بالحجة عجل الله فرجه.
إن الإيمان بالمهدي عجل الله فرجه كامل مكمل للمنظومة الإمامية ، فكما أن الطائرة لا يمكنها التحليق في الجو إذا أصابها عطب أو خلل في أحد جناحيها أو أجهزتها العديدة التي تكون بمجموعها وحدة واحدة لا يمكن الاستغناء عن إحداها أو إلغائها ، وكما أن الذي يؤمن بالزكاة والحج والخمس ولكنه لا يؤمن بالصلاة وينكرها يعتبر كافراً وليس مسلماً لأنه يفتقد جزءاً رئيسياً من منظومة الإيمان.. كذلك الذي لا يؤمن بالإمام الحجة عجل الله فرجه فهو لديه مشكلة رئيسية وخلل عميق في ركن أساس من الإيمان ، ولذلك لا ينصره الله تعالى.
فالإيمان بالحجة ، والإيمان بأن الله سينصر المظلوم ، والثائر القائم بالحق الذي يدعو إلى الله سبحانه ، هذا الإيمان هو الذي يبعث النهضة في صفوف المسلمين ، حيث نرى أن الشيعة الرساليين في جنوب لبنان قد طردوا الصهاينة ولا يزالون يجابهون العدو بروح التضحية والأمل بالنصر بفضل كلمة يا مهدي أدركني. وهذا الإيمان بصاحب الزمان عجل الله فرجه هو الذي أعطاهم الحيوية والأمل بالنصر والسعي له !
والقرآن الكريم عندما يتكلم عن قضية الاستخلاف في الأرض لا يخصص ذلك بالإمام الحجة عجل الله فرجه بل يعممه ، لأن سنة الله في الأرض تحققت مرة لبني إسرائيل حينما أنقذهم الله بموسى بن عمران عليه السلام ، وتحققت للنبي صلى الله عليه وآله والمسلمين على عهده الشريف ، وستتحقق إنشاء الله في عهد الإمام المنتظر عجل الله فرجه. فالأرض لا تتحرر بكاملها إلا بعد قيام إمامنا عليه الصلاة والسلام.
فوائد عصر الغيبة الكبرى
لابد أن نعرف أن مثل الإمام الحجة عجل الله فرجه بيننا كمثل الشمس التي قد تحجبها الغيوم ، إلا أن نورها لابد أن ينفذ إلينا مهما تكاثفت السحب ، وحرارتها ودفئها لابد أن يصلا إلينا ، فمعينها باق ومستمر رغم تلك الغيوم والحجب.
وقلب الإنسان المؤمن يعيش ويحيى بوجود حجة الله في أرضه كعيشه وحياته وسط النهار الذي حجبت الغيوم شمسه. فالإمام المهدي عليه السلام هو شمس المؤمن المحجوبة عنه.
سبيل الانتفاع بالإمام الحجة
وهنا قد يسأل سائل : كيف السبيل إلى الاستزادة ، والانتفاع من نور هذه الشمس التي حجبتها غيوم الدهر السوداء ؟
والجواب على هذا السؤال تتضمنه النقاط التالية :
1 ـ انتظار الفرج
والحديث عن هذا الانتظار طويل وذو شجون ، ولكننا نستطيع أن نوضح مفهومه من خلال ضرب المثل التالي : أن الواحد منّا عندما ينتظر ضيفاً عزيزاً عليه يقدم إليه فان حالته ووضعه سيكونان غير الحالة والوضع الطبيعيتين ، حيث سترتسم معالم اللهفة والشوق على وجهه ، فنجده يترقب قدوم الضيف عليه دقيقة بعد اخرى ، وعيناه مشدودتان إلى الطريق بعد أن يكون قد هيّأ في بيته كل ما تستلزمه الضيافة الكريمة من فراش جيد وطعام وشراب لذيذين ، وما إلى ذلك... فكل هذه الأمور إلى جانب الأمور المعنوية التي يعيشها الإنسان تعكس معنى الانتظار.
فإن كان هذا الاستعداد للصديق العادي الذي يأتيك زائراً ، فكيف الحال بالنسبة لإمام معصوم يأتي لينقذ البشرية المعذبة ، وينجّيها من آلامها ومعاناتها. وهمومها إلى الأبد ، أفلا تنتظره القلوب والأرواح قبل الأبدان ؟
أن ساعة الظهور هي أمر غيبي حُجب عنّا ، وعن الإمام عليه السلام نفسه ، فلا يعلمها إلا الله سبحانه. فنحن لا ندري هل ستحل هذه الساعة بعد شهر أو سنة أو ربما دهر ، فذلك في علم الله وحده كما أكدت على ذلك الكثير من الروايات ، ولذلك فما على المؤمن المنتظر إلا أن يدعو دائماً للتعجيل في ظهوره عجل الله فرجه. وهذه الدعوة يجب أن لا تكون مجرد ترديد لسان فحسب ، بل دعاءً نابعاً من الصميم ، ومن أعماق القلب الملهوف ، التوّاق إلى ظهور الفرج ليعكس ويتجسد في سلوك الداعي وأعماله وجهاده الذي يبرهن من خلاله على صدق دعوته ، وشوقه إلى ظهور المهدي ، والله سبحانه وتعالى يقول :﴿ ... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ... ﴾ 1فلا يستخفّن مؤمن عامل بدعائه فيقول : وما قيمة دعائي ؟ فللدعاء أهميته ودوره في تعجيل ظهوره عليه السلام ، وحدوث الفرج.
فالخالق جل وعلا يدعو عباده إلى الدعاء ، والإلحاح في الطلب ، حيث يقول : ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ 1، وفي موضع آخر يقول عز من قائل : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ 2.
فالله تبارك وتعالى يستجيب لدعوة عبده المؤمن إذا اخلص العبادة والدعاء ، فهو سبحانه يحب إلحاح الملحّين. فلا ينسى أحد منّا عندما يفرغ من كل صلاة يؤدّيها أن يدعو بتعجيل الفرج بظهور مهدي أهل البيت عليه السلام ، وهذا ما يجب أن يتخذه كل مؤمن صادق الولاء لأهل بيت العصمة منهاجاً وسيرة ، ألا وهو الدعاء بالفرج في عصر الانتظار فهو لا محالة يقرّب الفرج.
2 ـ تعزيز روحية الانسان المؤمن
والأمر التالي يتمثل في الفائدة المعنوية وتعزيز الروحية لدى المؤمن ، إذ أن مجرّد الإيمان والاعتقاد بوجوده وحضوره عليه السلام في هذا العالم رغم عدم معرفة شخصه ، فإن ذلك من شأنه أن يخلق الأمل والطموح لدى المؤمنين ، ويهوّن لديهم المصاعب والمعضلات ، ويزيل همومهم وآلامهم.. ولذلك فإن المؤمنين الصادقين لم يعرفوا الهزيمة والانكسار المعنوي في صراعهم مع أهل الباطل والكفر والعدوان والإلحاد.
بلى ؛ قد ينهزمون عسكرياً فلا ينالون النصر في معركة ما ، ولكن هذه الهزيمة لا يمكن أن تنال من معنوياتهم وروحياتهم ما دامت الغلبة في نهاية المطاف لا تكون لأهل الظلم والجور ، ومادام هناك في هذا العالم إمام لابد من أن يظهر ويأخذ بثأر ومظلومية كل المظلومين على امتداد تاريخ العمل والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل.
3 ـ بركة دعاء الإمام لاتباعه
فكما نحن ندعو له عليه السلام بالفرج والظهور ، ونصرة الله له ، وأن يكون قائده وناصره ودليله وعينه ، فأنه عجل الله فرجه يدعـو بدوره لأبناء أمته ومحبيه ومواليه ، ولعل أكثر النعم التي نعيشها ولا نكاد نحس بها أو لا تخطر على بالنا هي من بركات دعاء الإمام لنا ؛ فلعل العديد من الكوارث التي نكره وقوعها ولكنّها مقدّرة في العلم الإلهي يجري عليها البداء ببركة دعاء الإمام المهدي عجل الله فرجه ، فتزول أو يخفّف وطأها وأثرها.
4 ـ الاجر والثواب الإلهيان
فالله تبارك وتعالى يكتب لنا الأجر الجزيل لرسوخ عقيدتنا بالمهدي ، ولدعائنا الكثير الدائم له بالظهور ووقوع الفرج بهذا الظهور المبارك ، وقد جاء في الحديث الشريف : "أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج" ، وجاء أيضاً : "أفضل العبادة انتظار الفرج" ، فلولا انتظار الفرج ليأس المؤمنون من جهادهم وعملهم في سبيل الإسلام ورفعة كلمته ، ولضاقت صدورهم حيـن وقوع البلايا والمصائب وتوالي المحن والآلام عليهم ؛ بلى لولا انتظار الفرج لما وثبوا إلى ساحات العمل والجهاد والبذل والتضحية بالمال والأنفس في سبيل الله.
فلا يبررن أحد تقاعسه وتكاسله ويدّعي أن لا فائدة ولا جدوى من الجهاد والعمل ، إن كان يؤمن ويعتقد بإمامه المهدي عليه السلام ، وانتظار ظهوره ، وحلول الفرج. فالمنتظر لظهور إمامه عليه السلام يعتبر كل جهد يبذلـه في سبيل الله تعالى ريحانة يغرسها على طريق الظهور ، يستقبل بها إمامه الظاهر لا محالة ، والذي سيملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، وهذه حقيقة ثابتة.
ونحن لو نظرنا إلى كل المجاهدين والعاملين في طريق الإسلام وفي مجالات الخير والصالحات لوجدناهم جميعاً ممّن يحبّون الإمام ، وينتظرون خروجه وفرجه ، وهذا يعود إلى كون قلوبهم حيّة طريّة عامرة بالإيمان والأمل.
وهنا أعود لأذكّر على أن مجرّد انتظار الفرج من شأنه أن يخلق الحيوية والنشاط والأمل لدى المؤمن ، فيحفزه على العمل والنشاط الدؤوب والبذل وخوض غمار العمل والجهاد ، فنراه ينفق ماله في الخيرات ومشاريع الخير والصلاح إن كان ذا مال ، أو يجنّد نفسه وطاقاته إن كان صاحب جسم قوي ونشاط ، أو يوظف فكره وقابلياته ومواهبه على هذا الطريق إن كان ذا ثقافة وعلم وأدب وفن.
وهكذا فان انتظار الفرج هو الأمر الأول الذي نستفيد منه كفائدة معنوية من فوائد عصر الغيبة الكبرى.
أما الأمر الأساسي الثاني فهو حبّنا للإمام عليه السلام وولاؤنا له. فالإنسان الذي يؤمن بفلسفة الغيبة ولديه اليقين بوجود الإمام وكونه ناظراً على أعمالنا وسلوكنا وتعاملنا مع المجتمع والأمة في الحياة ، فإنه يكون على صلة قلبية وروحية مع الإمام ؛ أي أنه يصبح ويمسي محباً ، ذائباً في إمامه وقائده الذي غيّبته الدهور عنه ، فحرمته حلاوة لقائه ، والتمتع برؤيته.
ونحن كشيعة مؤمنين نعتبر الإمام المنتظر النموذج الأعلى لنا ، ولما كان هذا الإمام مغيباً عنا كان علينا الرجوع إلى ممثّليه الشرعيين ، ومن ينوب عنه في غيبته وهم العلماء والفقهاء والمراجع العظام ، نتبعهم ونقلّدهم ونعمل بوصاياهم على أساس من النيابة أو الوكالة. فالإمام مفروض الطاعة ولا جدال في طاعته واتباعه ، أما الوكيل أو النائب عنه فانه واجب الطاعة أيضاً مادام مستقيماً على خط الإمام ونهجه ، وفي حالة انحرافه ـ لا قدّر الله ـ ولو بأدنى مقدار فان على الأمة أن تميل عنه إلى من هو أعدل منه ، وأكثر استقامة وورعاً وتقوى.
وهكذا فان الإمام الحجة عليه السلام هو المقياس لدى الشيعة ، وهذه العقيدة هي التي أعطت الفكر الشيعي ، وأغنته بالحيوية والاستقامة والثبات ، ولذلك لم نجد في تأريخ التشيع أن مرجعاً ما انحرف عن الطريقة بأن جبن ، أو صار عميلا ، أو خان دينه وأمته ، ذلك لأن أبناء الأمة المؤمنة بمهديِّها تراقب بكل دقة مراجعها وسيرتهم وهم يؤدون ما عليهم من التكاليف الشرعية ؛ فهم لا محالة سيسقطون من أعين الجماهير أن انحرفوا عن الطريقة أدنى انحراف. فعلاقة الشيعة بمراجعهم لم تكن في يوم من الأيام علاقة شخصية عاطفية ، بل هي علاقة قيم ومبادئ ، وعلاقة نيابة عن إمامهم الغائب الذي هو قدوتهم الأولى والأخيرة ، ومثالهم الحقيقي.
الفوائد الحقيقية
وبعد ؛ فهذه هي المنافع الظاهرة من الغيبة وانتظار الفرج وهي ما يمكن تسميتها بالفوائد العامة ، ثم هناك المنافع والفوائد الخفية التي لا يحس بها ، ولا يلمسها إلا أهل الفضل والعرفان.
فكثيرة هي المواقف والظروف العسيرة التي مرّ بها الشيعة أو المسلمون وربما البشرية جمعاء ، والتي كادت أن تتحول إلى أهوال لشدتها ، فكان الإمام الحجة بدعائه وبمنزلته عند الله سبحانه وتعالى سبباً لإنقاذها وخلاصها من تلك الأهوال والمواقف العسيرة وهذا مالا يدركه إلا أولو الأبصار من أهل العلم والعرفان.
أننا جميعاً جلوس على مائدة الحجة المنتظر عجل الله فرجه ؛ فممّا لا ريب فيه أنه مهيمن على كل أوضاع الأرض وأهوالها ، وقد كانت له هذه الهيمنة بفضل الله وقدرته ورحمته ، ولذلك ينبغي علينا الالتزام بالمفردات التالية :
1 ـ تغيير السلوك
والذي أرجوه أن نعاهد الله جل جلاله منذ هذه اللحظة على أن نغيّر سلوكنا. فقد يغيب عن بالنا ، أو ربما يجهل الكثير منا إن أعماله وسلوكه يطّلع عليها الإمام عليه السلام في كل يوم وليلة كما تؤكد على هذه الحقيقة الكثير من الروايات الشريفة ؛ فإن كان قد صدر منا خير وصلاح سرّه ذلك ، وإن كان شراً أو إثماً اساءه وأحزنه. وإذا أردنا أن نفهم معنى هذا السرور أو الشعور بتلك الإساءة فلنرجع إلى مشاعرنا وأحاسيسنا عندما نلمس المعصية والإساءة من أولادنا ، ومن ذلك ندرك أحاسيس إمامنا ومشاعره تجاهنا نحن كشيعة ندعي ولاءه وحبّه ثم نسيئه ونحزنه بمعاصينا ، وانحرافاتنا وتقاعسنا وتبريراتنا.
فليكن سلوكنا سلوك المنتظرين الحقيقيين لـه عليه السلام ، ولنتمثل حقيقة الانتظار فنصلح نفوسنا وأخلاقنا وسلوكياتنا وتعاملنا مع إخواننا الآخرين ، ونجعلها بالشكل الذي يتطابق مع روح الانتظار.
2 ـ الاستعداد النفسي والجسمي
لنكن مستعدّين نفسياً وجسمياً على الدوام ، ذلك لان ظهور الإمام ـ كما بيّنا ـ لا يعرف أوانه ، ومن ذلك نفهم السرّ في أن بعض العلماء والمراجع يجعلون سيوفهم تحت وسادتهم كي يكونوا مستعدين في أية لحظة عندما يظهر الموعود ، فما السيف إلا رمز للاستعداد الجسدي.
وبناء على ذلك ينبغي أن يكون لدينا استعداد قتالي هو من الضرورات بالنسبة إلى الشيعة ، فيجب على الشيعي أن يكون مهيئاً مدرباً نشطاً مستعداً للتضحية على طول الخط ، بالإضافة إلى الاستعداد الأخلاقي ، والتزكية النفسية, فالحجة المنتظر إنما يريد أناساً طاهرين مخلصين ، وهذا ما يجب أن نبنيه في أنفسنا ، ونخلقه في أطباعنا وأخلاقنا.
3 ـ التبشير بالإمام
أي أن نعمل منذ الآن على التبشير بالإمام عليه السلام ، وبيان حقيقة الانتظار وفلسفتها ، ولنعلّم أطفالنا ونعرّفهم بالمهدي عليه السلام وغيبته وفوائد هذه الغيبة حسب ما تستوعبه مداركهم ؛ أي أن نبسّط المفاهيم ونقرّبها إلى أذهانهم كي يعوا هذه العقيدة ، ويترعرعوا في ظلِّها شيئاً فشيئاً ؛ فلعل أوان الظهور يكون من نصيبهم ، وزمانهم.
وكل ذلك ـ كما أوضحنا ـ يكمن في فهمنا واتباعاً لأمرين أساسيين هما :
1 ـ دعاؤنا بتعجيل ظهور الإمام عليه السلام.
2 ـ استيعاب حقيقة الإمام عليه السلام وفلسفة الانتظار.
واستيعاب هذين الأمرين ربما يكفي لوحده لأن يغير أوضاع المسلمين ، ويجعلهم أكثر التصاقاً بأئمتهم ، والقيم التي عملوا وجاهدوا من أجلها ، وأكثر إتباعاً لمناهجهم ، وتقفّي آثار العلماء والمراجع اللذين ينوبون عنهم ، وبذلك يصبح المسلمون قوة منيعة كالبنيان المرصوص.
المفهوم الحقيقي لانتظار الإمام المهدي عليه السلام
لأنّ رحمة الله سبقت غضبه ، ولأنها وسعت كل شيء ، ولأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليرحمه لا ليعذبه ، فقد جعل عاقبة هذه الحياة الحسنى ، وقضى أن يختمها بأفضل يوم وأحسن عهد ، وذلك حين ظهور الإمام الحجة بن الحسن المنتظر عجل الله فرجه.
ولقد اخبرنا الله عز وجل في آيات عديدة بهذه الحقيقة الثابتة ، ومن ضمنها قوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ 3.
علاقتنا بالإمام المنتظر
و لا ريب أن هذه الحقيقة لم تقع بعد ، وأن الإنسانية ما تزال تنتظر ذلك اليوم الأغرّ الذي يرفرف فيه لواء العدل والحق فوق أرجاء العالم أجمع ، ولكن كيف يتحقق هذا الهدف ، وما هي مسؤولية الإنسان اتجاهه ، وما هي علاقته أساساً بهذا المنقذ المنجي الذي سيظهر الله تعالى به دينه على الدين كلّه ، وبتعبير آخر ؛ ما هي العلاقة التي يجب أن نقيمها ونحن نعيش عصر الغيبة بسيّدنا ومولانا الإمام المهدي عليه السلام ؟؟
وللإجابة على هذه الأسئلة لابد أن نقول أن القرآن يفسّر بعضه بعضاً ؛ فالله عز وجل يقول بعد الآية السابقة :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 4، فهذه الآية توحي لنا بحقيقتين مهمتين :
الظهور يتحقق على أيدي المؤمنين المجاهدين
1 ـ ان تحقيق هذا الهدف يتم على يد أولئك المؤمنين الذين قرروا أن يكونوا مجاهدين حقاً ، وان يعقدوا صفقة تجارية رابحة مع ربهم ، يجاهدون من خلالها بأنفسهم وأموالهم لينجيهم الرب من العذاب الأليم ، ولينالوا رضوانه.
وعلى هذا فليس من الصحيح الاعتقاد بان مسائل غيبية لابد أن تتدخل لتغيير مسار الحياة. فالله تعالى يقول :﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ 3ثم يقول بعد ذلك مباشرة :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 4.
ثم يستمر السياق الكريم ليبيّن ماهيّة هذه التجارة ، في قوله تعالى : ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ... ﴾ 5. فالقضية ـ إذن ـ تتعلق بالإنسان ، فهو الذي يجب أن يحمل راية الجهاد ، ويضحّي بماله ، ونفسه. ليحصل بذلك على الجنّة ، وينجي نفسه من النار حتى تتحقق إرادة الله في إظهار دينه على الدين كله.
الجهاد على نوعين
الجهاد في سبيل الله على نوعين ؛ نوع يأتي من خلال فورة عاطفية مرحلية ، فيبادر الناس إلى حمل الرايات وينادي المنادون بالجهاد بسبب تأثرهم بالأجواء المحيطة بهم ، فيندفعون إلى ساحة المواجهة.
وهناك نوع آخر من الجهاد هو الذي يحقق المسيرة الحضارية ، ويجعل الإنسان يصل إلى الهدف الأسمى من خلق الكون ، ألا وهو إظهار الدين على الأرض كلّها. وتحقيق هذا الهدف الأسمى ، وهو غلبة الدين الإلهي على كل الأفكار والمبادئ الوضعية فهو يتطلب فئة باعت نفسها لله عز وجل ، ودخلت في صفقة تجارية معه لا تراجع عنها سواء كانت هناك رايات ترفع للجهاد أم لم تكن ، وسواء كانت هناك أجواء تحرّض على الجهاد أم لم تكن.
الجهاد طبيعة المؤمنين
أن مثل هؤلاء المؤمنين يتمتعون بطبيعة جهادية ، فنراهم يبحثون عن الجهاد في كل أفق سواء كانت الظروف مواتية أم لا ، لأنهم يعتبرون الجهاد الجسر الأقرب إلى الجنة ، والطريق الأقصر لرضوان الله ، والسبيل الأفضل للنجاة من النار ، ومن الذنوب المتراكمة على النفس.
فكل إنسان لابد أن يرد نار جهنم ، فنحن واقعون فيها شئنا أم أبينا ، وهذا ما أكدت عليه مصادر التشريع الإسلامي كقوله تعالى : ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ 6.
النجاة من النار هدف المؤمنين الأعلى
وعلى هذا فإن الهدف الأسمى ، والتطلع المهم للإنسان المؤمن يتمثلان في النجاة من النار. وهكذا الحال بالنسبة إلى المجاهدين فهم يسعون لتحقيق هذا الهدف ، ولكن بطريق اقصر ، وقول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ ... ﴾ 4﴿يدّل على ذلك ، لأن الخطاب موجّه إلى المؤمنين لا إلى المسلمين أو عامّة الناس ، ولأن الحديث موجّه إلى المؤمنين فقد أصبح يمتلك مستوى رفيعاً يتمثل في مخاطبة الإنسان الذي يبحث عن النجاة. أما الإنسان الذي لا يعرف معنى لجهنم ، ولا يؤمن بالآخرة ، ولا يفكر في الخلاص من نار جهنم ، فالحديث لا يمسه بشيء.
وهنا قد يتبادر إلى الذهن أن الحديث موجّه إلى المؤمنين ، فلماذا يؤكد النداء الإلهي مرة أخرى على قضية الإيمان ؟ وللجواب على هذا السؤال نقول : أن هذا التأكيد ربما يكون توجيهاً إلى الدرجات العلى من الإيمان.
ما يأخذه الإنسان المؤمن
أن كلّ ما ذكر في الآية السابقة كان متعلّقاً بما يعطيه الإنسان المؤمن ، إما بالنسبة إلى ما يأخذه فهو ما يبيّنه الله جل وعلا في القسم الثاني من الآية الكريمة ، والذي نذكره من خلال النقاط التالية :
1 ـ غفران الذنوب ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ... ﴾ 7؛ وهو أهم هدف يسعى المؤمنون لتحقيقه ، ذلك لأننا جميعاً مذنبون في حق أنفسنا ، ولو غفلنا عن هذه الذنوب فإن عقاب الله لا يضل ولا ينسى ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وباعتبار أننا جميعاً مذنبون ، فلابد أن نبحث عن طريقة للنجاة تتمثل في الجهاد من النوع الثاني ـ كما أشرنا إليه ـ والذي يقضي ان يكون الإنسان مجنداً لله ، ومتطوعاً ومخلصاً في سبيله.
2 ـ دخول الجنة ؛ ﴿ ... وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 7.
والقرآن الكريم يقرر أن الإنسان ليس بإمكانه إدراك معنى الجنات ، ولكنها ـ باختصار ـ هي الفوز العظيم ، فهي ليست بساتين عادية ، أو سقوفاً من فضة ، وبيوتاً من ذهب ، لأن جميع هذه المظاهر أمور بسيطة لا أهمية لها ، والمهم في كل ذلك أنها الفوز العظيم الذي يحققه الإنسان متمثلاً في نيل رضوان الله.
3 ـ النصر المؤزر ﴿ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ... ﴾ 8؛ وهذه من النتائج المهمة التي يبذل الإنسان المؤمن جهوده من أجل تحقيقها ، حيث يشرع في الجهاد ، ويصمم على مقارعة أعداء الله.
الإمام الحجة شمس مغيبة
أن الأحاديث والروايات تبين أن الإمام المنتظر هو كالشمس المغيّبة وراء السحب ، فهي ترسل أشعتها ، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يراها ، ولا يعرف في أي منطقة من هذه السماء الواسعة هي موجودة ، فهي تبث الخير والبركة إلى الأرض ولكن من موقع مجهول.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الإمام الحجة عجل الله فرجه ، فهو موجود بيننا إلى درجة أنه عندما يظهر فأن الجميع سيشعر أنهم رأوه في أماكن مختلفة ، كما أشارت إلى ذلك الأحاديث الواردة في هذا الصدد ، ولذلك فإن على الإنسان المؤمن أن يكون مؤدباً وملتزماً بالأحكام الإسلامية وخاصة في مجلس الدعاء والعزاء والعلم وفي البقع والأماكن المقدسة ، لأن الإمام المنتظر عجل الله فرجه قد يكون من بين الحاضرين.
ولذلك فإن من أهم ما يشعر به الإنسان المؤمن فيما يرتبط بعلاقته بالإمام الحجة عجل الله فرجه هو تأدّبه وتهذيبه لنفسه ، لأنه يعلم أن الإمام المهدي الذي هو إمامه ، وشفيع ذنوبه ، وقائده إلى الجنة في الآخرة ، تعرض عليه كل يوم أعمال المؤمنين جميعاً ، فإذا وجد إنساناً من شيعته يذكر الله تعالى باستمرار ، ويفعل الخير ، ويسعى إلى الصالحات ، فأنه يستبشر ، ويغمره الفرح ، ويدعو له ، أما إذا وجد أن صحيفته سوداء فانه يحزن ويتأثر.
جوانب علاقتنا بالامام
وعلى هذا فان علاقتنا بالإمام الحجة عجل الله فرجه لها عدة جوانب :
1 ـ تهذيب الإنسان المؤمن لنفسه ، واهتمامه بأعماله وتصرفاته ، وخصوصاً بالنسبة إلى من تطوّع في سبيل الله من العلماء والخطباء والمجاهدين ، لأن علاقة هؤلاء بالإمام أكثر متانة من علاقة غيرهم به ، فهم بمثابة ضباط في جيشه ، فإن قدّر لهم الخروج في عهده ، فلابد أن يراقبوا أنفسهم اشد المراقبة.
2 ـ الانتظار الذي يعطي معنى (الإنذار) ؛ بان يكون الجيش في حالة الإنذار القصوى ، وإذا كان كذلك فهذا يعني أن يكون سلاحه وعتاده وصفوفه وتنظيماته في مستوى التحدي والانطلاق للعمل في أية لحظة ، وهذا هو ما يعنيه (الانتظار).
وقد لا يكون الجيش الذي وضع تحت الإنذار الشديد محباً للقاء عدوه ، فترى كل فرد منه يوجس خيفة من قدوم الأعداء ، في حين أن المؤمنين الذين يعيشون تحت أعلى درجة للإنذار يحدو بهم الشوق دائماً إلى لقاء الإمام ، وكلما أصبح عليهم يوم جديد سألوا الله عز وجل أن يكون هو موعد ظهور الإمام الحجة عليه السلام.
ولذلك فانهم مستعدون في كل لحظة لسلوك الطريق ، وقد جاء في تاريخ علمائنا الذين عاشوا أيام السيوف والرماح أنهم كانوا يهيؤون لأنفسهم سيوفاً يتدربون عليها كل يوم جمعة بعيداً عن أعين السلطات استعداداً لظهور إمامهم ، وإبقاءً منهم على الدرجة العالية من التدريب والاستعداد.
وهذا هو المفهوم الحقيقي للانتظار ، فهو لا يعني الجمود ، وان نجلس مكتوفي الأيدي ، أو أن ننتظر حتى ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه ، ثم نتدرب على السلاح وننظم صفوفنا فهذا تصور خاطئ لا يرضى به الشرع ولا العقل ، فقد قال الله جل وعلا فـي بدايـة السورة التي استعرضنا بعضاً من آياتها : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ 9.
فلابد ـ إذن ـ من أن نبادر إلى العمل من الآن استعداداً لظهور الإمام المنتظر عجل الله فرجه ، ولذلك فان على كل إنسان مؤمن إن يجدد عهده مع الإمام في كل يوم عبر الأدعية والزيارات المأثورة.
3 ـ طاعة من أمر الإمام بطاعته ؛ فالجندي في المعركة لا ينتظر القائد الأعلى ليأتيه ويخبره بالأوامر والواجبات ولكن عبر مراتب القيادة ، ونحن باعتبارنا نعيش في أيام الانتظار فان علينا أن نطيع من أمر الله تعالى والإمام بطاعتهم ، متمثلين في الفقهاء العدول الذين هم نوّاب الإمام عجل الله فرجه 10.
______________
1. a. b. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 60، الصفحة: 474.
2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 186، الصفحة: 28.
3. a. b. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 9، الصفحة: 552.
4. a. b. c. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 10، الصفحة: 552.
5. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 11، الصفحة: 552.
6. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 71 و 72، الصفحة: 310.
7. a. b. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 12، الصفحة: 552.
8. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 13، الصفحة: 552.
9. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 4، الصفحة: 551.
10. الإمام المهدي (عجل الله فرجه) قدوة الصديقين، آية الله السيد محمد تقي المدرسي، الفصل الثاني.