في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه
  • عنوان المقال: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه
  • الکاتب:
  • مصدر: شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية
  • تاريخ النشر: 6:4:38 2-10-1403

الطيب لا يعطي إلاّ طيباً.. والكلمة الطيبة ضربها الله مثلاً في كتابه الكريم وشبّهها بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، تبارك الخلاق، وهذا إشارة على قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.(إبراهيم:24-25)

وقد صرّح أهل البيت عليهم السلام في تأويل هذه الآيات المباركات في سورة إبراهيم: أنّها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام وذريتها الطيبة… .

فعن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام عن قول الله عزّ وجل: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، فقال: «أما الشجرة فرسول الله صلى الله عليه وآله وفرعها علي عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثمرها أولادها عليهم السلام وورثها شيعتنا»، ثم قال عليه السلام: «إنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فيسقط من الشجرة ورقة وإن المولود من شيعتنا ليولد فتورق الشجرة ورقة».(معاني الأخبار:400)

فأهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هم الذين قال في حقهم تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.(الأحزاب:33)

فالقرآن الكريم يصرح تارة ويلوّح تارة أخرى، بمقام هذه الكواكب من الخلق.. الذين جعلهم الله سبحانه مقياساً للحق والعدل والإنسانية وأمرنا بالاقتداء بهم والتمسك بحبل ولايتهم والاعتصام بحبهم أبداً.

فتلك البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}.(النور:36)

وهي بيوت الأئمة الكرام من آل بيت الرسول المعصومين عليهم السلام وذلك لأنّ فيها رجالاً لا تلهيهم تجارة ولا بيع ولا سلطة ولا جاه ولا مال ولا عيال عن ذكر الله؛ فقال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.(النور:37)

حاشاهم أن يلهيهم شيء من الحطام الفاني في هذه الدنيا الدنية عن السمو والتعالي إلى فضاء الرحمانية العالية والاقتراب ما أمكن من ساحة القدس المعظمة في جنب الله سبحانه وتعالى.

ومن هذه البيوت التي كانت تتوارث العلم والأدب والأخلاق والتقوى والزهد والفضائل.. غابراً عن غابر ولاحقاً عن سابق.. يتوارثونها حتى تصل إلى معدنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنه إلى الله جل جلاله فقد وصف رسوله الكريم بأنه: {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}.(النجم:3-5)

فهو بيت الإمام الجواد عليه السلام.

وهذه الوراثة ربانية ودينية بالمقام الأول قبل أي شيء.. فإن الدين هو علة وجود الدنيا وهو غاية خلق الخلق.

الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام هو وارث هذه الخصال الحميدة وهذه التعاليم الرفيعة.. وبيته من البيوت التي وصفها ربنا عزّ وجل بأوصاف رائعة في أكثر من محل في كتابه الكريم.

فما عساه أن يعطي أبناءه..؟

وكيف له أن يربيهم وينشأهم..؟

فالإمام علي الهادي عليه السلام ولد في بيت الإمامة وأبوه إمام الخلق أجمعين منذ أن كان في السابعة من عمره الشريف.. وهو الذي سلب الشرعية من العباسيين وعلى رأسهم طاغيتهم عبد الله المأمون.. ذاك الذي كان يجمع العلماء والفقهاء وأصحاب الفلسفة والكلام في مجلسه ويرسل إلى الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام ليمتحنه ويختبر علمه على رؤوس الأشهاد وأمام الأعيان والقوّاد حتى يكسر من شأنه وينزل من منزلته – على حسب ظنه الواهي – ولكن هيهات..، فقد كانت تنتهي تلك المجالس والإمام عليه السلام متفوق على جميعهم، مما يسبب اعترافهم بهذا الفضل والتفوق الإلهي.

وقد كان يثبت لهم الإمام الجواد عليه السلام أنه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووريثه الشرعي والحقيقي وصاحب المقام الرفيع في الإسلام، ألا وهو الإمام حقاً.

ففي ذلك البيت وفي ذلك العصر العصيب وُلد الإمام علي الهادي عليه السلام، فأخذ أبوه الإمام الجواد عليه السلام بتربيته تربية وتعليماً مكثفاً – إن صحّ التعبير – كما قام والده الإمام الرضا عليه السلام بشأن تربيته هو، وهو يعلم أنه سوف يفارقه في سن مبكرة ويتولى قيادة الأمة في سن الفتوّة وريعان الشباب.

ترعرع الوليد المبارك في ظل أبيه الظليل.. يربيه تربية الرسالة ويعلّمه بتعاليم النبوّة والإمامة.. ويرفع له من مقامه ويصقل له أحاسيسه وينمّي له مداركه بدقّة متناهية وخطوات ثابتة لا تزعزعها العواصف.

وما أن بلغ الثامنة من عمره الشريف وفي أيام الأخيرة من المحرم الحرام استقدم الخليفة العباسي المعتصم بحبل الشيطان، الإمام الجواد عليه السلام من مدينة جده إلى عاصمته بغداد.

فجاء بابنه الحبيب وأجلسه في حجره وأوصاه بوصايا.. وتودّعها.. وذهب الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد ولم يعد، فقد استشهد بسمّ المعتصم اللعين الذي دسّه إليه عن طريق أحد وزرائه الخبثاء.

وأول من شعر بهذه الكارثة التي ألمت بالبيت العلوي الشريف.. وأول من عرف استشهاد الإمام الجواد، ولده علي الهادي عليهما السلام.