من مواعظ وحكم الإمام الكاظم(عليه السلام)
روي عن
الكاظم(عليه السلام) أنه قال: «صلاة النوافل قربانٌ الى الله لكل مؤمن».
والحج جهاد كل ضعيف.
ولكل شيء زكاة، وزكاة الجسد صيام النوافل.
وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج.
ومن دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله) كان
كمن رمى بسهم بلا وتر.
ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، وما عال امرىً اقتصد.
والتدبير نصف العيش.
والتودّد الى الناس نصف العقل.
وكثرة الهم يورث الهرم، والعجلة هي الخرق.
وقلة العيال أحد اليسارين.
ومن أحزن والديه فقد عقّهما.
ومن ضرب بيده على فخذه، أو ضرب بيده الواحدة على الاُخرى عند المصيبة فقد
حبط أجره، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلاّ بالصبر.
والاسترجاع عند الصدمة.
والصنيعة لا تكون صنيعة إلاّ عند ذي دين أو حسب.
والله ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة.
ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، ومن بدر وأسرف زالت عنه النعمة.
وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق.
واذا أراد الله بالذرة شراً أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير.
والصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها إلاّ بثلاثة أشياء: تصغيرها
وسترها وتعجيلها، فمن صغّر الصنيعة عند المؤمن فقد عظّم أخاه، ومن عظّم
الصنيعة عنده فقد صغّر أخاه، ومن كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله.
«ومن عجّل ما وعد فقد هنئ العطيّة»[١].
قال أبو الحسن الماضي(عليه السلام): «قل الحقّ وان كان فيه هلاكك فان فيه
نجاتك ودع الباطل وان كان فيه نجاتك فانّ فيه هلاكك»[٢].
قال(عليه السلام): «ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه[٣]
في رزقه ولا يتّهمه في قضائه».
وقال رجل : سألته عن اليقين؟ فقال(عليه السلام): «يتوكّل على الله،
ويسلّملله، ويرضى بقضاء الله، ويفوّض الى الله».
وقال عبد الله بن يحيى[٤]: كتبت إليه في دعاء
«الحمد لله منتهى علمه» فكتب(عليه السلام): «لا تقولنّ منتهى علمه، فانه
ليس لعلمه منتهى. ولكن قل: منتهى رضاه»[٥].
وسأله رجل عن الجواد؟ فقال(عليه السلام): «إنّ لكلامك وجهين، فإن كنت تسأل
عن المخلوقين، فإن الجواد الذي يؤدّي ما افترض الله عليه، والبخيل من بخل
بما افترض الله، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن
منع، لأنّه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك منعك ماليس لك» .
وقال لبعض شيعته: «أي فلان ! اتق الله وقل الحق وان كان فيه هلاكك فإنّ فيه
نجاتك، أي فلان! اتّق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك، فإنّ فيه هلاكك».
وقال له وكيله: والله ما خنتك فقال(عليه السلام) له: «خيانتك وتضييعك عليّ
مالي سواء والخيانة شرّهما عليك».
وقال (عليه السلام): «إيّاك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثله في معصية
الله».
وقال (عليه السلام) : «المؤمن مثل كفّتي الميزان كلّما زيد في إيمانه زيد
في بلائه».
وقال (عليه السلام) : عند قبر حضره: «ان شيئاً هذا آخره لحقيقٌ أن يزهد في
أوله. وانّ شيئاً هذا أوّله لحقيق أن يخاف آخره».
وقال (عليه السلام) : «من تكلّم في الله هلك، ومن طلب الرئاسة هلك. ومن
دخله العجبُ هلك».
وقال (عليه السلام) : «اشتدت مؤونة الدنيا والدين: فأمّا مؤونة الدنيا
فإنّك لا تمدّ يداك الى شيء منها إلاّ وجدت فاجراً قد سبقك إليه. وأمّا
مؤونة الآخرة فإنّك لا تجد أعواناً يعينونك عليه».
وقال (عليه السلام) : «أربعة من الوسواس: أكلُ الطين وفتّ الطين. وتقليم
الأظفار بالأسنان، وأكل اللّحية. وثلاث يجلين البصر: النظر الى الخضرة
والنظر الى الماء الجاري والنظر الى الوجه الحسن».
وقال (عليه السلام) : «ليس حسن الجوار كفّ الاذى ولكن حسنُ الجوار الصبر
على الأذى».
وقال (عليه السلام) : «لا تُذهب الحشمة بينك وبين أخيك[٦].
وأبق منها، فانّ ذهابهاذهاب الحياء».
وقال (عليه السلام) : لبعض ولده: «يا بنيّ إيّاك أن يراك الله في معصية
نهاك عنها. وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها. وعليك بالجد. ولا
تخرجنّ نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإن الله لا يُعبد حق
عبادته. وإيّاك والمزاح; فإنّه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ مروّتك. وإيّاك
والضّجر والكسل، فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة».
وقال (عليه السلام) : «اذا كان الجور أغلب من الحق لم يحلّ لاحد أن يظنّ
بأحد خيراً حتى يعرف ذلك منه».
وقال (عليه السلام) : «ليس القبلة على الفم إلاّ للزوجة والولد الصغير».
وقال (عليه السلام) : «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعةً
لمناجاة الله. وساعةً لأمر المعاش. وساعةً لمعاشرة الاخوان والثقات الذين
يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن. وساعةً تخلون فيه للذاتكم في غير
محرّم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات. لا تحدّثوا أنفسكم بفقر ولا
بطول عمر، فإنّه من حدّث نفسه بالفقر بخل. ومن حدّثها بطول العمر يحرص.
اجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال ومالا يثلم
المروّة وما لا سرف فيه. واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنّه روى : ليس
منّا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه».
وقال (عليه السلام) : «تفقّهوا في دين الله فإنّ الفقه مفتاح البصيرة وتمام
العبادة والسبب الى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا.وفضل
الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب. ومن لم يتفقّه في دينه لم يرض
الله له عملا».
وقال (عليه السلام) لعلي بن يقطين : «كفّارة عمل السلطان الاحسان الى
الاخوان».
وقال (عليه السلام) : «كلّما أحدث الناس من الذنوب مالم يكونوا يعملون أحدث
الله لهم من البلاء مالم يكونوا يعدّون».
وقال (عليه السلام) : «إذا كان الإمام عادلا كان له الأجر وعليك الشكر وإذا
كان جائراً كان عليه الوزر وعليك الصبر»[٧].
ورأى رجلين يتسابّان فقال (عليه السلام) : «البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه
عليه مالم يعتد المظلوم».
وقال (عليه السلام) : «ينادى مناد يوم القيامة: ألا من كان له على الله أجر
فليقم، فلا يقوم إلاّ من عفا وأصلح فأجره على الله».
وقال (عليه السلام) : السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يتخلّى الله عنه
حتّى يدخلهُ الجنة. وما بعث الله نبيّاً إلاّ سخيّاً. وما زال أبي يوصيني
بالسخاء وحسن الخلق حتّى مضى».
وقال السنديّ بن شاهك ـ وكان الذي وكّله الرشيد بحبس موسى(عليه السلام) ـ
لمّا حضرته الوفاة: دعني أكفّنك. فقال(عليه السلام): «انّا أهل بيت، حجّ
صرورتنا[٨]ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور
أموالنا».
وقال (عليه السلام) لفضل بن يونس: «أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن امّعة
[٩] قلت: وما الامّعة؟ قال: لا تقل: أنا مع
النّاس وأنا كواحد من الناس. أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: يا
أيها الناس إنّما هما نجدان نجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم
من نجد الخير[١٠].
وروي أنه مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر[١١]،
فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا، ثم عرض (عليه السلام) عليه نفسه في
القيام بحاجة إن عرضت له، فقيل له : يا ابن رسول الله أتنزل الى هذا ثم
تسأله عن حوائجك وهو إليك أحوج ؟ فقال(عليه السلام) : «عبد من عبيد الله
وأخ في كتاب الله وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم(عليه
السلام) وأفضل الأديان الإسلام ولعلّ الدهر يردّ من حاجاتنا إليه، فيرانا ـ
بعد الزهو عليه[١٢] ـ متواضعين بين يديه. ثم
قال(عليه السلام):
نواصل من لا يستحق وصالنا***مخافة أن نبقى بغير صديق[١٣]
والى هنا
نكتفي بهذه الجولة السريعة في تراث الإمام الكاظم(عليه السلام) راجين من
الله التوفيق للسير على هدي أهل البيت(عليهم السلام) الذي يمثل النبع
الصافي والهديّ الرباني السليم في ظلمات الهوى والوهم.
_______________
[١] تحف العقول : ٤٠٣.
[٢] الاختصاص : ٣٢.
[٣] أي لا يجده بطيئاً.
[٤] رواه الصدوق(رحمه الله) في التوحيد، باب العلم، باسناده عن الكاهلي عن
موسى بن جعفر(عليه السلام). وعبدالله ابن يحيى الكاهلي الاسدي الكوفي، أخو
اسحاق بن يحيى من وجوه أصحاب الصادق والكاظم(عليهما السلام) وله كتاب.
[٥] بحار الأنوار: ٧٥/٣١٩ .
[٦] الحشمة: الانقباض والاستحياء.
[٧] تحف العقول : ٤٠٨ ـ ٤١١ .
[٨] الصرور ـ بالصاد المهملة ـ الذي لم يتزوّج أو لم يحج.
[٩] الامّع والامّعة ـ بالكسر فالتشديد ـ قيل: أصله ( أني معك ).
[١٠] النجد : الطريق الواضح المرتفع. وقوله(عليه السلام): «انما هما نجدان»
فالظاهر اشارة الى قوله تعالى في سورة البلد آية ١٠: (وهديناه النجدين).
[١١] دميم المنظر أى قبيح المنظر من دمّ دمامة : كان حقيراً وقبح منظره.
[١٢] الزهو : الفخر والكبر قال الشاعر:
لا تهين الفقير علّك أن***تركع يوماً والدهر قد رفعه
[١٣] تحف العقول : ٤١٢ ـ ٤١٣ .