لماذا امرهارون باعتقال الامام (ع) ؟ لانه كان يحسد الامام (ع) على موقعه الاجتماعي وشعر بالخطر منه مع ان الامام (ع) لم يكن في صدد النهضه ابدا ، ولم يقدم على اي شيء من اجل الثوره "الظاهريه " ولكنه شخصوا ان الامام (ع) اعلن ثوره روحيه عقائديه . عندما خطط لجعل ولايه العهد لابنه الامين ومن بعده المامون ثم المؤتمن على ان يدعوا العلماء وذوي المركز في البلاد للمجئ هذه السنه الى مكه حيث ياتي الخليفه اليها ويشكل مؤتمراً عظيماً لاخذ البيعه من الجميع ، تسأل عمن يمكن ان يكون المانع من تنفيذ هذه الخطه ؟ فرأى انه الامام موسى بن جعفر (ع)، وعندما ياتي المدينه يصدر امر باعتقال الامام (ع) .
لماذا فعل هارون ذلك ؟ لانه يريد اخذ البيعه لاولاده . لكن الامام موسى (ع) لم يقم اصلاً ، الا ان وضع الامام (ع) يحكي ان هارون وابنائه غاصبون الخلافه .
النفوذ المعني للامام(ع)
من هنا يمكنكم ان تدركوا النفوذ المعني للامام (ع) الذي كان يمتلكه ائمه الشيعه عليهم السلام ، انه لم يكن عندهم سيف ولا اعلام ، ولكن ملكوا القلوب ، وقد كان من بين اقرب الناس الى جهاز هارون شيعه . والحق والحقيقه لهما جاذبيتهم الي لا يمكن اغفالها .
علي بن يقطين كان وزيراً لهارون ، الرجل الثاني في البلد ، لكنه كان شيعياً متكتماً يخدم اهداف الامام موسى (ع) وان كان في ظاهر الامر انه مع هارون .قدمت مرتين او ثلاث تقارير عن علي ولكان الامام (ع) بما كان يملكه من وضوح الرؤيه _ذلك الوضوح الخاص بالامامه _ كان يتدارك الامر بسرعه فيعطى اوامره لعلي لينفذها ويسلم ويبقى مصاناً .
مما كان يخاف هارون ؟ كان يخشى جاذبيه الحقيقه ، كونوا دعاه لنا بغير السنتكم ، وليس التبليغ الدعوه باللسان دائما ، فان الدعوه باللسان اثرها قليل جدا .
الدعوه دعوه العمل وكل من كان يلتقي الامام موسى (ع) او احد من ابائه او ابنائه الكرام الطاهرين ويبقى معهم مده فانهم تتجلى له الحقيقه في وجودهم عليهم السلام ، ويرى انهم يعرفون الله معرفه واقعيه ويخشونه خشيه واقعيه وانهم في الواقع محبوا الله وما يعملونه فانما هو لاجل الله والحقيقه .
بشر الحافي والامام الكاظم (ع)
مر الامام (ع) يوما في احد ازقه بغداد وكانت اصوات العربده والالات الموسيقيه والرقص تسمع من احد البيوت ، فصادف ان خرج خادم من المنزل يريد رمي النفايات ، فسأله الامام (ع) عن صاحب هذا البيت أحر هو ام عبد، وتعجب الخادم من السؤال وقال : الا تعرف من صاحب هذا البيت مع ما هو عليه من الجلاله ؟ هذا بيت بشر احد الرجال الاعيان ، وواضح انه حر .
فقال (ع) : نعم حر ولو كان عبداً لم تكن لترتفع هذه الاصوات من داره .
التفت بشر الى خادمه الذي خرج ليرمي النفايات والذي تأخر ، فجاء اليه وسأله لم هذا التأخير قال سالني رجل سؤال عجيب ، فقال ما السؤال ؟ قال الخادم : سألني صاحب هذا البيت حر ام عبد فقلت له: حر طبعا ،فقال لي : نعم لو كان عبدا لم تكن لترتفع هذه الاصوات من داره ، وسأله عن اوصافه فوصفه له فعلم انه موسى بن جعفر (ع) ،فسأله من اي جهه ذهب فأشار اليه الى الجهه التي ذهب منها ، فلم يمهل نفسه لكي يلبس حذائه خوفاً من ان لا يدرك الامام (ع) فعدى حافياً ( فقد احدثت تلك الجمله في نفسه تغيراً) حتى وصل الى الامام (ع) فساله عن قوله ماذا قال فأجابه قلت كذا ففهم المقصود وقال بشر : سيدي اريد من الان ان اكون عبداً لله ، وصدق في قوله من تلك الساعه عبداً لله .
هذه الاخبار كانت تصل لهارون مما جهله يشعر بالخطر كان يقول للامام (ع) : وجودك ذنب . يكفي ان الامام موجوداً حتى يعتبره هارون مذنباً ، وعندما كان يسأله الامام (ع) عن السبب ، فأي ثوره قد قام بها وماذا فعل ؟ لم يكن لدى هارون جوابا ً لكن لسان حاله يقول : ( وجودك ذنباً ) وهم عليهم السلام لم يقصروا في توضيح المسأله وتفيهمها لشيعتهم ومحارمهم وافرادهم وكانوا يفهون جذور هذه المسأله .
صفوان الجمال وهارون
صفوان _وحسب ما يقال اليوم _ يمتلك مركزاً لتأجير وسائل النقل التي كانت في ذلك الزمن الجمال ، وكان معروفاً وجماله كثيره بحيث ان جهاز الخلافه كان يطلب منه حمل ونقل الاحمال ، وفي يوم اراد هارون السفر الى مكه فطلب لوازم الحمل والنقل من صفوان فعقد عقد الاجاره . صفوان كان شيعياً ومن اصحاب الامام الكاظم (ع) وجاءه يوماً وقال له : فعلت كذا فقال له عليه السلام : لماذا أجرت جمالك لهذا الرجل الظالم الجائر ، قال اجرته حيث لم يكن سفره سفر معصيه بل كان سفر حج ، سفر طاعه ، والا لم اكن لاجره ، فقال (ع) أخذت مالك ام لا وهل بقي من الاجره شيء ؟ قال : نعم بقي ، فقال (ع) اسأل قلبك ، الان حيث اجرته جمالك الا تحب ان يبقى هارون _ ولو هذه المده _ في الدنيا حياً حتى يأتي ويعطيك الاجره ، فقال : نعم ، فقال (ع) : فأنت راض ببقاء الظالم بهذا المقدار وهذا ذنب ، فخرج صفوان وباع جماله واراد ان يفسخ عقد الاجاره مع هارون ، ثم علم هارون الامر وعرف ان الامام الكاظم كان هو السبب في تغير موقف صفوان .
اذن هذه هي موجبات استشهاد الامام موسى بن جعفر (ع) :
اولا ً : وجودهم عليهم السلام ، فكانت شخصيتهم يشعر الخلفاء منها بالخطر .
ثانياً : كانوا يبلغون ويوضحون الامور لكن مع التقيه ، اي العمل قدر الامكان دون ان يتوفر اي مستمسك ضدهم ، نحن نتوهم ان التقيه تعني الذهاب الى النوم ، الاوضاع في زمانهم (ع)كانت تتطلب عملاً فكانوا يسعون ان لا يكون هناك اي مدرك ضدهم ولا يجعلون للخصم اي عذر ، وعلى الاقل تكون المدارك ضدهم قليله قدر الامكان .
ثالثاً : هذه الروح الجهاديه العظيمه التي كانوا يتحلون بها ،عندما طلبوا من الامام الكاظم (ع) مجرد عذر لساني في حضور يحيى اجابهم :لم يبق من عمري شيء .
مره اخرى ارسل هارون شخصاً الى السجن محاولاً كسب اعتراف من الامام ، وكان هذا الشخص هذه المره هو الفضل بن ربيع وكان من الضباط ذوي الرتب العاليه عند هارون ، كان الامام (ع) يصلي وعلم ان الفضل بن ربيع اتى (فانظروا الى تلك القدره المعنويه ) وقف الفضل ينظر الامام (ع) كي ينتهي من صلاته ليبلغه رساله الخليفه ، لكن ما ان سلم الامام (ع) حتى شرع في صلاه اخرى ولم يمهل الفضل ، وتكرر ذلك من الامام (ع) عده مرات فعلم الفضل ان الامام (ع) يتعمد ذلك وان الامام لا يريد ان يوليه اهميه ولا يريد استقباله وهو يعبر عن ذلك بهذه الطريقه و رأى في النهايه انه لابد من القيام بما امر به وان طال الوقت ، هذه المره ما ان قال الامام (ع) السلام عليكم حتى شرع الفضل بالكلام وقال له كل ماطلب هارون قوله من انه اياك ان تقول له ان امير المؤمنين يقول كذا بل قل له ابن عمك هارون يقول لك قد ثبت لنا انه لا تقصير من قبلك ولا ذنب ، ولكن المصالح توجب ان تكون هنا وان لا ترجع الى المدينه حتى يحين وقت ذلك وقد امرت بنفسي طباخي الخاص ان يهيئ لك الطعام الذي تأمر به ، قالوا ان جواب الامام (ع) كان :"لا حاصر لي مالي فينفعني وما خلقت سؤولاً ، الله اكبر "
اي ليس عندي مال اصرفه مقابل الطعام ، ولست رجلاً يطلب وجبته اليوميه او الشهريه ، الله اكبر .
هذا الذي رآه الخلفاء منهم ولم تكن هناك طريقه او وسيله تحركهم للسيطره عليهم ليتبعونهم ويستسلمون لهم والا فالخلفاء يدركون ان استشهاد الائمه يكلفهم غالياً لكن السياسه تجبرهم على سلوك هذا الدرب .