قبس من حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام) !
  • عنوان المقال: قبس من حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام) !
  • الکاتب: عبدالامير الخرسان
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 5:27:23 2-10-1403

السلام عليك يا نور الله الساطع السلام عليك يا ولي الله الأكبر السلام عليك يا جواد الأئمة وبركة الأمّة السلام عليك يا باب الحوائج وقاضي الحاجات السلام عليك يا إمام الهدى والسلام ...
وبقي الإمام الرضا (عليه السلام) فترة طويلة لم يلد له ولد وكلما سأله شيعته ومحبيه , من يتولى الأمر من بعدك ؟ يقول لهم ولدي أبا جعفر الثاني محمد الجواد (عليه السلام) .. فيسألونه أين هو ؟ يجيبهم (لم تمضي الليالي والأيام حتى يلد لي ولد لم يكن أحدا أعظم منه خيرا وبركة لأمة الإسلام ..
لقد ولد الجواد في يوم 10 رجب 195 هجرية لتكتمل فرحة المسلمين بولادته ويطمئن والده الإمام الرضا (ع) على مستقبل الإسلام والمسلمين بهذه الولادة الميمونة المباركة من العلي الأعلى .. التي يصفها إنها أعظم خير وبركة للعالم كله , لقد اعتمد الإمام الرضا على الإمام الجواد منذ صغره وكان يعطيه المسئوليات الكبرى ويوليه أمر الامة الاسلامية لمعرفته به انه أولى الناس به من بعده لخلافته وتولي الامامة من بعده .
عندما أرسل المأمون الخليفة العباسي على الامام الرضا (ع) كان عمر الامام الجواد ثلاث سنوات وجاء به يحمله معه من المدينة المنورة الى مكة المكرمة ومن ثم أرجعه بيد أحد شيعته وأصحابه الى المدينة ليكون خليفته بها وهو بهذا العمر الشريف .. فسألوا الرضا (ع) كيف يخلفه وهو بهذا العمر ؟ فقال وما يضر ذلك ! وقد كلف الله عيسى (ع) بالنبوة وهو أقل من عمره !. وقال ايضا نحن اهل بيت نتوارث العلم صاغرا عن كابر . . وكان الامام الرضا (ع) يراسله من خراسان محل اقامته الجديد وكان يعظمه ويبجله ولم يقل باسمه الصريح بل يكنيه بأبي جعفر (ع) تعظيما له واجلالا لمكانته السامية وعظمته عند الله سبحانه .. وعندما توفي الامام الرضا في خراسان أوصى ان من يغسله ويكفنه ويحنطه هو ولده أبو جعفر الجواد (ع) وفعلا هو الذي تولى غسل وتكفين والده الامام الرضا (ع) .
لقد تسلم الجواد (ع) الامامة بعد أبيه بعد ان كان يشير اليه بالامامة ويوصي شيعته بالتمسك بامامته وولايته وطاعته ويوجب له عليهم من تنفيذ أوامره والالتزام بها لانها تسلك بهم مسالك الخير والبركة والرحمة وتأخذ بهم نحو طريق الهدى والتقى والاستقامة في الدين والدنيا ..
لقد ورث الجواد عن أبيه الرضا (ع) تركة ثقيلة من مسئوليات جسام وقضايا مصيرية كبرى والناس تعيش في غفلة من أمر دينها وملوكها الذين سحقوا الرعية وهمشوها وعطلوا حدود الله وكتابه القويم واستأثروا بفيء المسلمين وثرواتهم وأحلوا ماحرم الله من القتل والابادة والتجويع وحرّموا ما أحل الله من عدل وتسوية واحسان ولطف بالعباد .. وكان علماء ذلك العصر من وعاظ السلاطين كما هم الذين سبقوهم لم يحركوا ساكنا ولم يطالبوا بحقوق الناس بل رضوا بما هو الحال مادام هم يأكلوا ويشربوا ويقبضوا فلا يهمهم من أمر المسلمين شيئا ..
لقد ابتلى الامام الجواد (ع) كما أبتلي آباؤه من قبله من تعصب الحكام وجورهم وظلمهم ومن جهل الناس وتخلفهم وخوفهم من الحكام الخونة المجرمين .. هنالك سعى الامام الجواد لاسترداد عافية المسلمين لكنه فوجئ من قبل المأمون بعد أن أرسل عليه وزوجه ابنته أم الفضل ودارت المحاورة المشهورة بينه وبين العالم يحيى بن أكثم .. وبعد زواجه من ام الفضل توجه نحو المدينة وهناك راح يرسي دعائم الاسلام القويم بحكمة بالغة وحلم عظيم وصبر لا يوازى فتصدر مدرسة أبيه الامام الصادق عليه السلام في جامع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكون الاستاذ والمرشد والعميد والمدير لهذه الجامعة الاسلامية العظمى ... طيلة مدة حكم المأمون ومن أهم الاعمال التي قام بها هي :
1 – حفظ الشريعة الاسلامية وصيانتها وصونها من التحريف بعد ان تعددت المذاهب الاسلامية واشتدت الفرقة بين المسلمين فأراد ان يحتوي الجميع ليعيش ابناء المجتمع الواحد متكاتفين ومتحابين تجمعهم كلمة الله وتوحدهم شعائر الله .
2 – المحافظة على دراسة علوم الفقه بأدلتها وأسانيدها المعتمدة على القرآن والسنة النبوية الشريفة التي هي أحاديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأقوال أئمتنا (عليهم السلام) بعد ان أدخلوا عليها القياس والاستحسان لان القياس والاستحسان لا يعتبر من الاسانيد الدالة أو المعتبرة وتعتبر باطلة اذا استعملت في الفقه فكان الامام الجواد يحذر من هذه البدع والأباطيل الضالة لتكون مدرسة أهل البيت تمثل الأصالة الاسلامية الرائدة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ..
3 – حفظ العقيدة الاسلامية من الانحراف والتشويه بعد أن أدخلوا الفلسفات التي يراد منها تشويه الحقائق وتشكيك المسلمين فتصدى لها الجواد (ع) وجعل للعقيدة منهج دراسي منفرد يعتمد الأدلة الصادقة والحجج الدامغة ..
4 – تثقيف المجتمع اسلاميا وانسانيا من جميع النواحي الاجتماعية والدينية والسياسية وتوضيح ما أحل الله لهم وما حرم عليهم وما أوجب عليهم من الحقوق والواجبات سواء العبادية او المعاملاتية كدفع الزكاة والخمس والصدقات والمساهمة بالجمعيات الخيرية والمشاريع الانسانية ..
5 – انشاء جيل حضاري واعي يتحمل المسئوليات ويدافع عنها ويتابع الاخطاء ليصححها ليكون هذا الجيل بذور خير وسعادة تنمو في المجتمع الاسلامي لتغدقه بثمارها وتظلله بعطفها ورحمتها وتجعل منه مجتمع انساني متكافل ومتراحم أحدهم يساعد الآخر يسوده الاحترام والانسجام والتفاهم والمحبة والوئام والسلام ..
6 – انشاء قيادات ومراجع ووكلاء ورواة حديث ليبعثهم الى كافة الدول الاسلامية لاقامة الحق والدعوة الى الله بصدق واخلاص . . لان وجود الامام يمثل وجود الاسلام والانسانية والعدل والرحمة واللطف بين ربوع البشرية ليصلح شأنهم ويستقيم أودهم ويغني عائلهم ويشبع جائعهم ويشفي مريضهم ويجعلهم سواسية لا فرق بينهم من الناحية الاقتصادية (المعيشية) .
لقد كان الامام الجواد مصدر التشريع في عصره منه أخذوا علوم التشريع والتفسير والعقيدة وعلوم التربية والأخلاق ودراسة كل المواد التي كانت تدرسها مدرسة الامام جعفر الصادق (عليه السلام) . لأن الامام حرص كل الحرص على وحدة الامة الاسلامية وتربيتها وانشائها نشأة اسلامية وانسانية واعية تستطيع معها التقدم والازدهار ومعالجة كل الأزمات والمعاناة واصلاحها بنجاح واخلاص ..
وبعد ان توفي المأمون العباسي تولى الخلافة المعتصم العباسي وهذا الأخير أرسل على الامام الجواد فجيء به الى بغداد وقد استدعاه المعتصم في مسألة فقهية واعتذر الامام من الجواب قائلا له يكفي ما أجابك عليه العلماء فقال له لا بد من معرفة رأيك فيها وكان السؤال عن قطع اليد السارقة فقال له الامام الجواد (ع) ان العلماء أخطئوا السنة في التفسير لانهم قالوا بقطع اليد من المرفق ومنهم قال قطع اليد من الساعد ان الله يقول (وإن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) وان اليد أحد المساجد وما كان لله لايقطع فقال قطع الاصابع الاربعة فقط.  فتعجب المعتصم من جوابه وأقرّه !! ولكن لم يرق للقوم فتوى الامام فأخذوا يتكلمون مع المعتصم وما عمله المأمون عند ذلك أصدر المعتصم أوامره لأحد وزرائه ان يستدعيه لضيافته ويضع له سما قاتلا وبالفعل تم ذلك وقتلوا الامام بالسم وغدرا لعنهم الله وبقي في بيته ثلاثة أيام لا يعلم به أحد وتفقده الشيعة وذهبوا الى داره فوجدوها مقفلة من الخارج فكسروا الباب ودخلوا على الامام فوجدوه ميتا فأخرجوه وغسله ولده الامام الهادي (ع) وكفنه وحنطه ثم شيعه المسلمون ودفنوه بجوار جده الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) فضجت بغداد كلها ضجة واحدة ألا لعنة الله على الظالمين ..
فسلام عليه يوم ولد وسلام عليه يوم استشهد وسلام عليه يوم يبعث حيا فيشفع لشيعته ومواليه جعلنا الله من شيعته ومواليه وشملنا الله بشفاعته انه نعم المجيب .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين ..