مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
• قال ابن الصبّاغ المالكي: (مناقب سيّدنا أبي محمد الحسن العسكري دالة على أنّه
السري ابن السري، فلا يشكّ في إمامته أحدٌ ولا يمتري، واعلم انّه لو بيعت مكرمة
فسواه بايعها وهو المشتري، واحد زمانه من غير مدافع ونسيج وحده من غير منازع، وسيّد
أهل عصره وإمام أهل دهره، أقواله سديدة وأفعاله حميدة، وإذا كانت أفاضل زمانه قصيدة
فهو في بيت القصيدة، وان انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة، فارس العلوم الذي
لا يجارى، ومبيّن غوامضها فلا يحاول ولا يمارى، كاشف الحقائق بنظره الصائب، مظهر
الدّقائق بفكره الثاقب، المحدّث في سرّه بالأمور الخفيّات الكريم الأصل والنفس
والذات، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمدٍ (صلى الله عليه وآله)، آمين).
قال الشبلنجي: (حدّث أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري، قال: كنت في الحبس الذي في الجوشق أنا والحسن بن محمد، ومحمّد ابن إبراهيم العمري، وفلان وفلان خمسة أو ستّة، إذ دخل علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري وأخوه جعفر فحففنا بأبي محمد وكان المتولّي للحبس صالح بن يوسف الحاجب، وكان معنا في الحبس رجلّ أعجميّ فالتفت إلينا أبو محمد وقال لنا سرّاً: لولا ان هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متى يفرّج الله عنكم، وهذا الرّجل قد كتب فيكم قصّة إلى الخليفة يخبر فيها بما تقولون فيه وهي معه في ثيابه يريد الحيلة في إيصالها إلى الخليفة من حيث لا تعلمون فاحذروا شرّه، قال أبو هاشم: فما تمالكنا أن تحاملنا جميعاً على الرجل ففتّشناه فوجدنا القصّة مدسوعة معه في ثيابه، وهو يذكرنا فيها بكل سوء فأخذناها منه وحذّرناه وكان الحسن يصوم في السّجن فإذا أفطر أكلنا معه من طعامه، قال أبو هاشم: فكنت أصوم معه فلما كان ذات يوم ضعفت من الصوم فأمرت غلامي فجاء لي بكعك فذهبت إلى مكان خال في الحبس فأكلت وشربت ثمّ عدت إلى مجلسي مع الجماعة ولم يشعر بي أحدٌ فلما رآني تبسّم وقال: أفطرت، فخجلت فقال: لا عليك يا أبا هاشم إذا رأيت انّك قد ضعفت وأردت القوّة فكل اللحم فإن الكعك لا قوّة فيه، وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثاً فإن البنية إذا أنهكها لا تتقوّى إلا بعد ثلاث، قال أبو هاشم: ثمّ لم تطل مدّة أبي محمد الحسن بن علي في الحبس بسبب انّ قحط الناس بسرّ من رأى قحطاً شديداً فأمر الخليفة المعتمد على الله بن المتوكّل بخروج الناس إلىالاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيّام يستسقون، فلم يسقوا فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء وخرج معه النصارى والرّهبان وكان فيهم راهب كلّما مدّ يده إلى السماء هطلت بالمطر ثمّ خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أوّل يوم، فهطلت السماء بالمطر فعجب الناس من ذلك وداخل بعضهم الشكّ وصبأ بعضهم إلى دين النصرانية، فشقّ ذلك على الخليفة فأنفذ إلى صالح بن يوسف ان أخرج أبا محمد الحسن من الحبس وائتني به فلما حضر أبو محمد الحسن عند الخليفة، قال له: أدرك أمّة محمد (ص) فيما لحقهم من هذه النازلة العظيمة، فقال أبو محمد: دعهم يخرجون غداً اليوم الثالث، فقال له: قد استغنى الناس عن المطر واستكفوا فما فائدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشكّ عن الناس وما وقعوا فيه فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا أيضاً في اليوم الثالث على جاري عادتهم وان يخرج الناس فخرج النصارى وخرج معهم أبو محمد الحسن ومعه خلق من المسلمين فوقف النصارى على جاري عادتهم يستسقون وخرج راهب معهم ومدّ يده إلى السماء ورفعت النصارى والرهبان أيديهم أيضاً كعادتهم، فغيّمت السماء في الوقت ونزل المطر فأمر أبو محمد الحسن بالقبض على يد الراهب وأخذ ما فيها فإذا بين أصابعه عظم آدمي فأخذه أبو محمد الحسن ولفّه في خرقة، وقال لهم: استسقوا فانقشع الغيم وطلعت الشمس فتعجّب الناس من ذلك.
وقال الخليفة: ما هذا يا
أبا محمد؟
فقال: هذا عظم نبيّ من الأنبياء ظفر به هؤلاء من قبور الأنبياء وما كشف عن عظم نبيّ
من الأنبياء تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر فاستحسنوا ذلك وامتحنوه فوجوده كما قال،
فرجع أبو محمد إلى داره بسرّ من رأى وقد أزال عن الناس هذه الشبهة، وسرّ الخليفة
والمسلمون بذلك وكلّم أبو محمد الحسن الخليفة في إخراج أصحابه الذين كانوا معه في
السجن فأخرجهم واطلقهم من أجله، وأقام أبو محمد بمنزله معظماً مكرماً وصلات الخليفة
والعامة تصل إليه في كلّ وقت، نقله غير واحد)