ارشادات أخلاقية من وحي القرآن الكريم
  • عنوان المقال: ارشادات أخلاقية من وحي القرآن الكريم
  • الکاتب: افراح صالحي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 19:52:13 1-9-1403

ارشادات أخلاقية من وحي القرآن الكريم

افراح صالحي

 العهود كلها يجب الوفاء بها مادامت مرتبطة بالحق والخير والمعروف او بالاحرى مادامت لا تخرج عن نطاق الدين الاسلامي، الذي امر بالوفاء بالعقود امرا عاما فقال تعالى: (ياايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود) وهذه الاية هي اجمع الايات القرآنية لانواع الوفاء.

ان اساس العقود الثابت في الاسلام هو هذه الجملة البليغة المفيدة: اوفوا بالعقود، لانها تفرض على كل انسان مسلم ان يفي بما عقده وارتبط به، فكل قول او فعل يعدّه الناس عقدا فهو عهد يجب ان يوفّوا به كما أمر الله تعالى مالم يتضمن تحريم حلال، او تحليل حرام.

واذا كانت العهود كلها مطلوب الوفاء بها، فان العهود نفسها درجات ودرجة الوفاء تابعة لدرجة العهد، وأعلاها مكانة، العهد الاعظم الذي بين العبد ورب العالمين.

فالله تعالى خلق الانسان بقدرته، وطلب منه ان يعرف هذه الحقيقة وان يعترف بها: (ألم اعهد اليكم يابني آدم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين. وان اعبدوني هذا صراط مستقيم).

هذا هو العهد الذي اخذه الله على الناس اجمعين،فما مقتضى هذا العهد وهذا الموقف؟

ان مقتضى عبادة الانسان لله وحده ان يخضع اموره كلها لما يحبه تعالى ويرضاه من الاعتقادات والاقوال والاعمال، وان يكيف حياته وسلوكه وفقا لهداية الله وشرعه،فاذا امره الله تعالى او نهاه، او أحلّ له او حرّم عليه كان موقفه فيه ذلك كله: سمعنا واطعنا, غفرانك ربنا واليك المصير.

فالمؤمن خرج من العبودية لنفسه وللمخلوقين الى العبودية لربه وخرج من طاعة هواه الى طاعة الله، فهو ملتزم بعهد يجب ان يفي به، وميثاق يجب ان يحترمه، ومنهج يجب ان يتبعه، وهذا التزام منطقي ناشء من طبيعة عقد الايمان ومقتضاه.

وفي هذا يقول القرآن الكريم)وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا(.ويقول عز وجل ايضا: )انما كان قول المؤمنين اذا دعوا  الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون( .

 

الظلم.. ابشع الصفات الممقوتة

يعّرف اللغويون الظلم بانه وضع الشيء في غير موضعه.

وجاء في امثال العرب قولهم: (ومن استرعى الذئب فقد ظلم). وهذا ظاهر في وضع الشيء في غير موضعه، اذ ان الذنب هو ابعاده عن قطعات الغنم، لاجعله راعيا عليها حتى يفتك فيها كما تهوى غريزته. والظلم بمعناه العام قد يكون من ظواهر قسوة القلب بفقدان الرحمة، وقد يكون من ظواهر الانحراف عن الحق.

لقد تحدّث القرآن الكريم عن الظلم والظالمين والعقوبات التي اعّدها الله في آيات كثيره جدا، فيما يلي نستعرض طائفة من النصوص القرآنية لبيان صور الظلم وما اشتملت عليه:

1- ان الشرك بالله لظلم عظيم، وقال تعالى: {اذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم} لقمان 31.

حقا ان الشرك بالله لظلم عظيم، وذلك لان حق الله على عباده ان يؤمنوا به، ويقول الله عز وجل: }الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون {.الانعام 6.
قد ورد تفسير الظلم من هذه الاية بالشرك.

2- ومن افدح الظلم، الاعراض عن آيات الله بعد التذكير بها، وعدم الاستجابة لله فيما يدعو الله من الايمان بالواجبات والاعمال الصالحة قال تعالى: {ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه فاعرض عنها ونسي ما قدّمت يداه انا جعلنا على قلوبهم أكنة ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا وان تدعهم الى الهدى فلن يهتدوا اذا ابدا} الكهف 18.

3- ومن الظلم تعدّي حدود الله، أي شرائعه التي حدد فيها لعباده أبعاد الحلال والحرام والواجبات، قال الله سبحانه وتعالى:(تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدَّ حدود الله فاولئك هم الظالمون) البقرة 229.

وتجاوز حدود الله التي حدّها لعباده معصية له، ومعصية الله ظلم لحقّه على عباده.

4- ومن الظلم منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه والسعي في خرابها، بل هذا من افضع الظلم لانه صد عن سبيل الله ومنع للعباد من عبادة البارىء عز وجل، وقال تعالى: {ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها}البقرة 114.

5- ومن الظلم كتم شهادة الحق، فقال الله جل شأنه: {ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعلمون} البقرة 140.

6- ومن الظلم الكذب على الله تعالى لاضلال الناس بغير علم، كما هو مشاهد اليوم من الفتاوي المنتشرة في الساحة مثل التي تبيح الاختلاط والسفور والتبرّج وغيرها مما عظم أمره، قال سبحانه وتعالى: {فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}الانعام 144.

7- ومن الظلم ظلم الناس في انفسهم وأموالهم، قال جلَّت قدرته:

{ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم  بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا} النساء 453.

فأكل اموال الناس بغير حق، وقتل النفس بغير حق، عدوان وظلم، وظلم الناس في انفسهم واموالهم امره شديد عند الله وعقابه مخيف. وعد الله لا بدّ ان يلاحق الظالمين بالعقوبة على ظلمهم حتى تؤدى الحقوق الى اهلها يوم القيامة.

 

مواصفات النفس الظالمة

 وأرشدالرسول (ص) الى محاسبة المسلم نفسه على الظلم ولو قضى له القاضي بما ليس فيه حق، فيوجد فريق من الناس، يستغل بخُلقه المنحرف ونفسه الظالمة الاثمة، ما وهبه الله من قدرة التصرف بوجوه الكلام واقامة الادلة والحجج، ليزين باطله فيجعله حقا، وتشويه حق غيره فيجعله باطلا، انه لا فرق بين هذا وبين من يستغل قوته الجسدية، او حيلته الحركية،‌او سلطته الاجتماعية في العدوان على حقوق الناس ـ كما هو حاصل اليوم ـ الا ان كل منهما وسيلة يتخذها للوصول الى الظلم.

فالظلم ظلمات يوم القيامة، ودعوة المظلوم مستجابة لان ليس بينها وبين  الله حُجاب كما جاء في الحديث الشريف: وعلى الذين تحدّثهم أنفسهم بظلم الناس ان يضعوا في حسابهم ان الله لهم بالمرصاد.

ان حال المجتمعات الاسلامية لا يحتاج الى بيان، وان المأساة كبيرة والمؤامرة عظيمة، وهنا نعلم ان المشكلة لا تحل الا بتماسك المسلمين وعودتهم الى اصالتهم في وحدتهم الشعورية ليرفعوا الظلم عن انفسهم.

فاين نحن من المظالم التي تقع على عاتق اخوان واخوات لنا في الله في بلاد شتى من بقاع الارض، اولئك الذين تحمّل كل واحد منهم، جبهة يتصدى بها لاعداء الله، مدافعا عن شرف الامة وكرامتها في كل ناحية من الانحاء. ان الله ينتقم من الظالم في عاجله وآجله.

والظلم قد حرّمه الله سبحانه في كل ملة، وقد جاء في كتاب الله: (ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون). وغير ذلك من النصوص التي نهت اعظم النهي عن الظلم وجعلته مهدِّم للامم وللافراد على السواء، والظلم محرّم بجميع صوره، فظلم الفرد نفسه، وظلم الفرد غيره. وظلم الفرد للجماعة، وظلم جماعة لاخرى، وظلم جماعة لفرد، كل هذه صور من الظلم حرّمها الاسلام وأباها، ودعا الى ردّها ليتحقق العدل حسب منهج الله، فيسعد الناس ويأمنوا.

 

الاختبارات وصقل الذات المؤمنة

 الابتلاءات والمحن والفتن, هي من سنن الله تعالى لاختبار عبيده والتمييز بين المخلصين والنفعيين، فيقول عز وجل: {ألم* أحَسِبَ الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون* ولقد فتّنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} العنكبوت 1ـ3

ووظيفة الابتلاءات واضحة في الاية السابقة وهي التمييز بين اهل الصدق والاخلاص، وبين اهل الكذب والنفاق، وهذا التمييز ضروري للعملية التبليغية والدعوية واستمرار عطاءها وبذلها الذي يقوم به الصادقون المخلصون الناشطون في سبيل المبدأ أو الغاية.

وقد تعرض الانبياء (ع)، وهم قدوتنا واسوتنا، للعديد من صور الابتلاءات والمحن، فابراهيم (ع) القي في النار واسماعيل (ع)  تعرض للذبح، ويونس (ع) التقمه الحوت ويوسف (ع) القي في البئر، وعيسى (ع) تآمر عليه قومه ليصلبوه، ومحمد (ص) خير خلق الله عاش الوانا عديدة من الابتلاءات والمحن، مما افاضت في شرحها كتب السيرة العطرة، كما عاش ائمتنا (ع) ومن سار على نهجهم من الدعاة والمصلحين حتى زماننا هذا، صورا من المحن والفتن بسبب تمسكهم بدينهم وعقيدتهم والعمل من اجل صلاح الدنيا والفوز  في الاخرة. فالابتلاء اذن ليس دليل غضب من الله، انما هو لون من الوان التثبيت والتقرب منه تعالى، وتنقية الصفوف، وصقل الخبرات وتقويمها وبذل الغالي والرخيص، فداء للدعوة واستمرارها وصمودها في وجه اعاصير الباطل ومكر الشياطين.

 

ملامح المرأة الممتحنة

 الاخت العاملة التي فهمت قرآنها وسنة نبيها (ص) ودرست السيرة المباركة، وعاشت احداثها، وكيف كان الانبياء والرسل والائمة الطاهرين (ع) يواجهون الفتن، وكيف يخرجون منها وهم اكثر ايمانا وثباتا واخلاصا، هذه الاخت الثابتة لها سلوك يميزها عند تعرضها او اخواتها للفتن والاختبارات والمحن العظيمة.

واول ملامح هذا السلوك المتميز ان المرأة الممتحنة، تلجأ الى الله وتلوذ بحماه، وتكثر من الدعاء والتضرع اليه سبحانه ان يرفع للبلاء، ويبعد الفتن، ويقوي العزائم ويشد الظهور، ويهلك الظالمين، انما تتقرب الى الله بالاخلاص وسائر الطاعات، ثم هي تتأكد من ثباتها على ايمانها وعدم تفريطها في ميادئها مهما كانت التضحيات والضغوط، ومهما اشتد الظلم والطغيان، لان المرأة العاملة صاحبة مبدأ، يجب أن تحيا به وفي سبيله، وهي قدوة للاخريات، يجب ان تكون في مقدمة الصفوف، وفي طليعة المسيرة، وهي ـ اي الاخت الداعية ـ تدرك انه لا يصيبها مخمصة في سبيل الله الا كتب الله لها الاجر والثواب، واعدلها ما اعدة للمجاهدين والمجاهدات الصابرات الثابتات.

وفي اوقات الفتن يسقط اناس يحسبهم الانسان اقوياء، ويثبت اناس يحسبهم الانسان ضعفاء، لكنها حكمة الله سبحانه لتعلم المرأة الصابرة، ان اصل الثبات هو منحة من الله، وعطاء لمن يشاء من عباده، فلا تشغل نفسها بتقريع أو تأنيبهن بل تعمل على تقوية الثابتات، وشحذ همهن ومؤازرة المترددات والدعاء لهن بالعفو من الله، والرجوع اليه سبحانه.

ان المحن والاختبارات هي لون من الوان الجهاد في سبيل الله، جهاد النفس والهوى والشيطان والطغيان، والمرأة العاملة تواجه هذا الشكل من اشكال الجهاد بالصبر والاحتساب والرضى بقضاء الله والطمأنينة والسكينة والثقة في وعده ونصره، والامل في عفوه ورحمته: )والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون(.