الأسس الفسيولوجية لعملية التعلم
  • عنوان المقال: الأسس الفسيولوجية لعملية التعلم
  • الکاتب: د. غالب محمد رشيد الأسدي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 20:3:42 1-9-1403

الأسس الفسيولوجية لعملية التعلم

 د. غالب محمد رشيد الأسدي

 يتكون دماغ الإنسان من نصفين متناظرين، أيمن وأيسر يقومان بالوظيفة نفسها، غير أن كل نصف منهما مسؤول عن الاتجاه المعاكس للأنشطة الحركية، أي النصف الأيمن يدير النصف الأيسر من الجسم، والعكس، كما أن كل نصف من النصفين مسؤول عن نوع مختلف من الوظائف النفسية، فالنصف الأيسر مسؤول عن التفكير والمنطق والاستدلال، بينما النصف الأيمن مسؤول عن الحدس والوجدان والانفعال والخيال، وقد يعمل النصفان بالقدر نفسه من النشاط لدى بعض الأفراد. وكثيرا ما يكون إشارة إلى نمط سلوك الشخص أو قابليته للإيحاء أو التنويم من خلال التعرف على أي نصف من نصفي المخ هو المسيطر لديه .

إن المقصود من الجانب الفسيولوجي للذاكرة والتعلم هو ما يتعلق بعمل الجهاز العصبي أثناء تلك العملية، التي تتضمن عملية الإدراك الحسي وخزن المعلومات في الخلايا الدماغية المسؤولة عن ذلك، وعملية استرجاع هذه المعلومات مرة أخرى عند الحاجة لها من تلك المخازن المفترضة في بعض الخلايا الدماغية، التي لم يصل العلم بعد بشكل جازم إلى تحديد أماكنها، وإنما هناك عدة افتراضات يوصل لها العلماء والباحثون المختصون من خلال دراساتهم على المرضى العقليين والمرضى المصابين بإصابات مختلفة في الدماغ، فضلا عن عدة دراسات أخرى على أدمغة حيوانات التجارب كالفئران والقطط والقردة.

 يتم استقبال المعلومات التي يتعلمها الفرد عن طريق الحواس الخمس وهي حاسة البصر للمعلومات البصرية كالصور والرسوم والمخططات، بل وحتى صور الكلمات وشكلها وعدة صور بصرية أخرى. الحاسة الثانية حاسة السمع للمعلومات السمعية كالأصوات بجميع صورها وأشكالها ومصادرها، والحاسة الثالثة هي حاسة اللمس وتشمل لمس الأشياء الحية والمادية من حيث ملمسها خشن أو ناعم، حارة أو باردة، فضلا عن أشكال الأشياء الملموسة، أما الحاسة الرابعة فهي حاسة الشم التي تتعلق بشم الروائح المختلفة وتحديد مصادرها. والحاسة الأخيرة هي حاسة التذوق التي يتعلق عملها بتذوق الأشياء المختلفة حلوة أو مرة، حامضة أو مالحة.

 إن المرحلة الفسيولوجية التي يمكن من خلالها التأكد من حدوث عملية التعلم بشكل مناسب تسمى الاسترجاع Retrieval، وهي القدرة التي يمكن من خلالها استعادة المعلومات التي تعلمها الفرد بعد مرور مدد زمنية متباينة تمتد من وقت قصير بعد عملية التعلم إلى عقود من الزمن، تلك العملية تتضمن عودة المعلومات بشكل مقصود وأحيانا بشكل غير مقصود من مخازن الذاكرة في الخلايا الدماغية، ولقد عجز العلم حتى الآن عن الاكتشاف اليقيني في سير هذه العملية الفسيولوجية، فمخازن الذاكرة المختلفة التي هي الأخرى لم يصل العلم يقينا إلى تحديد أماكنها في الدماغ، تخزن المعلومات بوصفها تسجيلات دائمة يمكن للفرد استرجاعها مفصلة وكاملة أو ناقصة أو يشوبها التداخل مع معلومات أخرى شبيهة لها، إذا قدم تلميح أو منبه أو مثير مناسب يمكن من استرجاعها حيث تمكث ساكنة في المخازن، وهناك تباين بين الناس في حسن التذكر اعتبارا لظروف عضوية مختلفة منها سلامة الدماغ من الإصابات والأمراض العضوية التي تؤثر مباشرة على الخلايا المختصة بالتذكر أو سلامة الحواس الخمس عضويا، هذا التباين يفسر لنا لماذا بعض الناس قدرتهم الاسترجاعية البصرية أفضل من الاسترجاعات الحسية الأخرى، وكذلك الأفضلية في الاسترجاعات السمعية عن الأخرى، وهكذا للاسترجاعات الحسية الثلاث المتبقية، رغم ذلك هناك أفراد استرجاعهم مزيج من مختلف الحواس، ومن هنا تظهر لنا أهمية الحواس في العملية الفسيولوجية من التعلم.

 إن كثيرا من حالات النسيان التي يشكو منها البعض في مختلف ميادين الحياة وليس في التربية والتعليم فقط، ليس راجعا إلى نسيان ما سبق تعلمه، ولكن إلى عملية التعلم نفسها، وكأن المعلومات التي تم تعلمها لم تخزن في مخازن الذاكرة أبدا، أو خزنت تخزينا ضعيفا يعيق عملية استرجاعها بشكل مناسب، لذا يعرف البعض الذاكرة (بأنها الوظيفة أو الوظائف العقلية التي تعمل على احتفاظ الفرد بآثار الخبرات الماضية واستعادتها أو الانتفاع بها فيما بعد سواء على المستوى الشعوري أو ما قبل الشعوري أو اللاشعوري).

وهناك عوامل أخرى لا يمكن إنكار أثرها في عملية التعلم ونقل التعلم فسيولوجيا، وتتضمن عوامل خارجية مثل وضوح المعلومات وقدرتها على جذب انتباه المتعلم وأسلوب تقديمها له، وعوامل داخلية تتعلق بالفرد نفسه تتضمن عمره وصحته ودافعيته للتعلم والعوامل الانفعالية المختلفة أثناء عملية التعلم.

 إن الجانب الفسيولوجي من عملية التعلم أمر مهم يمكن من خلاله معرفة مديات حدوث التعلم لدى المتعلمين، وهذا ما يتطلب من التربويين والقيمين على العملية التربوية الانتباه له عند القيام بالعملية التربوية في المدارس، فليست أساليب التدريس المتبعة والتقنيات التربوية والكتب أو المناهج كافية لضمان إحداث التعلم، لاسيما في عالم متقدم بشكل مستمر ومتواصل، فضلا عن التغيرات الاجتماعية التي تتأثر بالتقدم العلمي والتكنولوجي المستمر أيضا، فكل يوم شيء جديد. وبالتالي فان التركيز على عملية التعلم أولا، ثم التأكد من حدوث هذه العملية وانتقال المعلومات التي نريد أن ننقلها إلى الطالب أو المتلقي قد حدثت فعلا ثانيا، من الأمور التي يجب على التربويين أن يركزوا الجهود العلمية البحثية والتجريبية للبحث عن أفضل الظروف والمواقف التي تجعل من نقل المعلومات إلى الدماغ لغرض خزنها ومن ثم استدعائها عند الحاجة يعدُّ مطلبا ضروريا ومهما، وهذا ما يتطلب منهم التركيز على الكيفية التي يمكن من خلالها ضمان حدوث عملية التعلم الفسيولوجي، فضلا عن التعلم السلوكي الذي يتم نقله للطلبة في العملية التربوية، فالأمران مترابطان ويكمل بعضهما البعض الأخر، ولا يمكن لنا إحداث أفضل تعلم ممكن إلا من خلال التأكيد عليهما في العملية التربوية.