عن الصادق «عليه السلام» قال: «إنّ الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ...» 1.
تعريف الغيبة
الغيبة هي: أن تذكر أخاك المؤمن بما فيه ويكره أن يذكر به، سواء ذكرت نقصاناً في بدنه أو خلقه أو ملابسه أو عقله أو دينه أو دنياه، وسواء أظهرت ما يكره إظهاره عنه بالتصريح أو التعريض أو الإشارة أو الكتابة أو الغمز أو اللمز أو غير ذلك.
فعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنه قال: «هل تدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقوله؟ قال: إن كان فيه ما تقوله فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته»2.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «إنّما الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه مما قد ستره الله عزّ وجل، فإذا قلت فيه ما ليس فيه فذلك قول الله عزّ وجل: ﴿ ... فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ 3»4.
وعن معاذ بن جبل قال: «ذكر رجل عند النبي، فقالوا: ما أعجزه، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: اغتبتم أخاكم، قلنا: يا رسول الله قلنا ما فيه، قال: إنْ قلتم ما فيه اغتبتموه، وإنْ قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه»2.
إنّ الغيبة من الظواهر المتفشية والمنتشرة بين الناس انتشاراً واسعاً، فقد أصبحت مألوفة لدى الكثيرين، فلا تكاد تجد تجمّعاً من تجمعات الرجال والنساء إلاّ وتمارس فيه الغيبة، يمارسونها دون تحرز منها مع أنها من كبائر الذنوب، فنادراً ما يخلو تجمع من أن يمارس فيه هذا الذنب العظيم.
إنّ البعض ممن أولغوا بالغيبة عندما يمارسونها وينهاهم بعض من حضر عندهم عنها، يقولون - تبريراً لارتكابهم هذا المنكر - نحن لا نتحاشى من ذكر هذه الصفات أمام من نتكلم عنه، والحق هذا ليس مبرراً للغيبة، فإنّ ذكر المؤمن بالسوء في حضرته إهانة له، وإهانة المؤمن محرمة، وذكره حال غيبته اغتياب وهو محرم أيضاً.
ومنهم من يبرر اغتيابه لأخيه المؤمن بالقول أنه لا يكره أن أقول فيه ما قلت، فإن صح ما يقول أنه لا يكره ذلك فإن هذا مخالف للأخوة الإسلامية، فالنبي «صلى الله عليه وآله» قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»5، فإذا كنت أيّها المسلم لا تحب أن ينتقصك أحدٌ فكذلك عليك أن لا تنتقص الآخرين، وإلاّ فأنت ممن يحب لأخيه ما لا يحب لنفسه، وهو كذلك تحقير للمؤمن، وقد ورد النهي عنه، فعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنه قال: «حسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»6، على أننا نشك أن هناك من لا يكره أن ينتقص، وكيف كان فالغيبة لا تجوز وإن رضي المغتاب.
إنّ من أهم الأهداف والغايات التي اعتنى بها الإسلام عناية كبرى اتحاد المسلمين ليعيشوا إخوة متحابين متآزرين، فحثتهم الشريعة الإسلامية على كل ما ينمي الألفة والمودة بينهم، ويوثق العلائق الاجتماعية، ويحقق التآزر والتآخي، كحسن الخلق، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والرأفة، وسد الفاقة، والاهتمام بشؤون بعضهم البعض، ونهاهم عن كل ما يعكر صفو القلوب، ويثير الأحقاد والضغائن، ويوجب تقاطعهم وتنافرهم، وبث روح الحقد والعداوة والبغضاء بينهم، كالكذب والغش والخيانة والسخرية وغير ذلك.. وحيث أنّ الغيبة تعد عاملاً خطيراً ومعولاً هداماً في إفساد العلاقات الوثيقة بين المسلمين، فقد حرمتها الشريعة الإسلامية وجعلتها من كبائر الذنوب والآثام.
فمن مساوئها أنها تبذر سموم البغضاء والفرقة في صفوف المسلمين، وتعكر صفو المحبة، وتفصم عرى الصداقة، وتقطع وشائج القرابة.. هذا إلى مساوئها الأخرى، التي تعود على نفس ممارسها، فهي من موجبات عذاب الله الشديد.
إنّ من الواجب على المؤمن أن يحفظ إخوانه المؤمنين في غيبتهم كما في حضورهم، ولا يجعل لسانه مركباً لغيبتهم، لأن الغيبة جرم عظيم، وآفة خطيرة من آفات اللسان، فإنّ فاعلها ممقوت من الله سبحانه وتعالى، فالله يبغض من يعصيه ويتجرأ على أمره ونهيه ويخالفه فيما نهى عنه أو أمر به، وكذلك هو ممقوت من الناس، فإن الناس يكرهون ويبغضون من يتحدث عنهم من ورائهم بما يكرهون.
وكذلك من الواجب على المؤمن أن يستر عيوب أخيه المؤمن ما دام هو يتستر بها ويكره أن يعلمها الآخرون، لا أن ينشر عيوبه ويبثها بين الناس، لأن الإسلام يعتبر المؤمنين كلهم جسداً واحداً يتلاحم أفراده كما تتلاحم أعضاء الجسد الواحد، فعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنه قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»7.
فمن يستر على أخيه المؤمن في الحياة الدنيا عورته يستر الله سبحانه وتعالى عليه عورته في الآخرة، أمّا من يكشف وينشر عورة أخيه المؤمن فإن الله سبحانه وتعالى يكشف للناس عورته، فعن النبي المصطفى «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «من ستر عورة أخيه المسلم، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته»8.
وفي رواية أخرى عنه «صلى الله عليه وآله» قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»9.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «أيّما مؤمن نفس عن مؤمن كربة وهو معسر يسر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة، وقال: ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة. قال: والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير»10.
من الأدلة على حرمة الغيبة
وهي محرمة بنص الكتاب المجيد والسنة الشريفة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ ... وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ 11.
وقال النبي «صلى الله عليه وآله»: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته»12.
وقال النبي «صلى الله عليه وآله» في خطبته التي خطبها في حجة الوداع: «أيّها الناس، إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إنّ الله حرّم الغيبة كما حرّم المال والدم»13.
وقال «صلى الله عليه وآله»: «مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم»14.
وكثيرة هي الروايات المأثورة عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته الطاهرين «عليهم السلام» في التنفير منها والحث على تركها واجتنابها، منها ما عن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» أنه قال: «ترك الغيبة أحب إلى الله عز وجل من عشرة آلاف ركعة تطوعاً»15.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه»16.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: «من اغتاب مسلماً أو مسلمة، لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه، أربعين يوماً وليلة، إلاّ أن يغفر له صاحبه»17.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: «يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الله ويدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته فيقول: إلهي ليس هذا كتابي، فإنّي لا أرى فيها طاعتي، فيقال له: إنّ ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه فيرى فيها طاعات كثيرة فيقول: إلهي ما هذا كتابي، فاني ما عملت هذه الطاعات، فيقال لأن فلاناً اغتابك فدفعت حسناته إليك)18.
وعن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» قال: «لا تعود نفسك الغيبة فإن معتادها عظيم الجرم»19.
وعنه «عليه السلام»: «اجتنب الغيبة؛ فإنها إدام كلاب النار»20.
وعنه «عليه السلام»: «الغيبة آية المنافق»21.
وقال «عليه السلام»: «إيّاك والغيبة، فإنّها تمقتك إلى الله والناس، وتحبط أجرك»22.
وعن الإمام الكاظم «عليه السلام» قال: «ملعون من اغتاب أخاه»23.
بواعث الغيبة
والأسباب التي تدفع البعض إلى ممارسة الغيبة عديدةٌ أهمها:
سوء التربية
فإن من ينشأ بين والدين لا يتورعان عن اغتياب الناس ونهش لحومهم، فإن الأبناء سيتأثرون بالوالدين فيتعودون على هذا الخلق الذميم، ومن شب على شيءٍ شاب عليه، فعلى الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم، فعليهم أن يتخلّقوا بالأخلاق الفاضلة الحميدة، ويبتعدوا عن كل ما يلقي بأبنائهم في حضيض الشقاء في الدنيا والآخرة، وإن حصل أن أحد الأبناء اغتاب أحداً من أصدقائه وأصحابه أو إخوانه أمام أحد الوالدين فعليه أن يزجره عن ذلك وينهاه نهياً شديداً عنها، ويبين له مساوئ الغيبة وأخطارها.
الحسد
وهو من الأسباب التي تدعو البعض إلى اغتياب الآخرين، فالإنسان أحياناً لا يستطيع أن يرتفع بنفسه إلى مصاف بعض الناس ممن وصلوا بجهدهم واجتهادهم ومثابرتهم إلى امتلاك صفة أو خصلة مادية أو معنوية، فيقع في الحسد لأمثال هؤلاء، فهو يريد الخير لنفسه دون غيره، فالحسد والعياذ بالله من الأمراض الفتاكة، فالمصاب بهذا الداء الخبيث يحاول إفراغ غيظه وحسده وحقده على من أنعم الله سبحانه وتعالى عليه، سواء بنعمة المال أم الجاه أم الخلق الحسن أم الإيمان أم العلم أم المنصب أم أي نعمة أخرى تجعله إنساناً له مكانة عند الله سبحانه وتعالى أو عند الناس، فيحاول الحاسد أن ينزل من مكانة ومنزلة محسوده، فيبدأ بذكر عيوبه ونقائصه التي لم يلتفت إليها الآخرون، فيقع في الغيبة بعد وقوعه في ذنب الحسد، كل ذلك محاولة منه لإسقاط محسوده من أعين الناس والتغطية على تلك النعمة التي حسده من أجلها، والحسد كما أنه مدعاةٌ لوقوع الحاسد في ذنوب أخرى عديدة، فله تأثير سلبي على حسنات العبد، فعن النبي «صلى الله عليه وآله»: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»24.
الغضب
فيعد أحد الدوافع التي تدفع لممارسة الغيبة، فإن البعض عندما يغضب ويستولي عليه الغضب ويهيمن على نفسه، فإنه يطلق العنان للسانه، فينتقص من كان سبباً في غضبه، ويبدأ بذكر عيوبه ونشر عوراته لكي يطفأ نار غضبه، ولذلك وجهت الشريعة الإسلامية المسلم إلى أن يملك نفسه عند الغضب وأن يكظم غيظه، فقد أثر عن النبي «صلى الله عليه وآله»: «من كظم غيظاً وهو قادرٌ على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيّره من الحور العين ما شاء»25.
سوء الظن
فسوء الظن من الأمراض الأخلاقية التي يصاب بها الإنسان، فمن ابتلى بهذه الخصلة الرذيلة يحاول أن يحلل القضايا والأمور انطلاقاً من ظنه السيء وبما يوافق هوى نفسه فيقع في الغيبة، فسوء الظن بالمؤمنين بحد ذاته ذنب وما يجر إليه سوء الظن من الغيبة والبهتان ذنب أعظم وأكبر، لذلك نهت الشريعة الإسلامية عن سوء الظن، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ... ﴾ 11.
وقال النبي «صلى الله عليه وآله»: «إنّ الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه، وأن يظن به ظن السوء»26.
السخرية والمزاح
فالبعض يحاول أن يضحك الآخرين بالسخرية من شخص مؤمن، فيبدأ بذكر عيوبه والانتقاص منه فيقع في الغيبة، والسخرية من المؤمنين أيضاً حرام بنص القرآن الكريم قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ 27.
الفخر والمباهاة
فالبعض عندما يريد أن يترفع بنفسه عن بعض السلبيات يقوم بتبرئة نفسه منها أولاً ثم ينسبها إلى الآخرين، أو يرمي أولاً بها الآخرين ثم يتبرأ منها وهو في حين ينفي عن نفسه بعض الخصال والأمور السلبية يقع في ذنب الغيبة الكبير، وكان بإمكانه أن ينفي عن نفسه تلك السلبيات دون أن ينسبها إلى غيره.
وتعد مجاراة أصحاب وأصدقاء السوء في حديثهم وكلامهم أحد الدّوافع للوقوع في الغيبة، فأحياناً يجلس الإنسان عند أشخاص اتخذهم أصحاباً وأصدقاء له، فيتناولون بحديثهم أشخاصاً آخرين ينتقصونهم ويعيبونهم، فيجاريهم في كلامهم فيقع معهم في ذنب الغيبة العظيم.
وقد وردت بعض الروايات التي تعتبر المصغي للغيبة دون مبرر شرعي شريكاً للمغتاب في غيبته، ففي الرواية عن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» أنّه قال: «السامع للغيبة كالمغتاب»28.
ولعل سبب ذلك لأن من يستمع إلى الغيبة معناه أنه محب لهذا العمل ومشجع للآخرين في الاغتياب إلاّ إذا ردّ عليهم وانتصر لأخيه المؤمن المستغاب، وقام بواجب النهي عن المنكر. فعن النبي المصطفى «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «من أغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره ولم ينصره خذله الله في الدنيا والآخرة»29.
وعن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: «من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه إلاّ خفضه الله في الدنيا والآخرة»30.
من موارد جواز الغيبة
ثم إنّ الغيبة ليست دائماً محرمة، بل هناك بعض الموارد التي جوز الفقهاء فيها الغيبة، منها: غيبة المتجاهر بالفسق، فمن تجاهر بمعصية فتجوز غيبته في مورد الذنب المتجاهر به؛ لأنه خلع بنفسه عن نفسه جلباب الحياء، ولا تجوز غيبته في الذنوب والعيوب التي يتستر بها ويكره أن يعلهما الآخرون، فعن النبي «صلى الله عليه وآله»: «من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له»31.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة»32.
ومنها: غيبة المبتدع في الدين، فمثل هذا الشخص تجوز غيبته ويجوز ذكر عيوبه وانتقاصه لإسقاط شخصيته في المجتمع لكي لا يكون سبباً في انحراف الآخرين.
ومنها: غيبة المظلوم للظالم فيجوز للمظلوم أن يغتاب ظالمه عند الحاكم والقاضي على أن تكون الغيبة في خصوص مورد الظّلامة دون بقية عيوبه المستترة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ 33.
ومنها: الشهادة أمام الحاكم الشرعي أو القاضي على مقترفي الجرائم فلشاهد أن يذكر مساوئ المتهم وجرائمه في مورد الشهادة ولا يعد ذلك من الغيبة في شيء.
ومنها جرح الراوي لإثبات عدم وثاقته في مقام الحكم على الأحاديث قبولاً أو ردّاً، وهناك غيرها من الموارد.
قال العلامة الشيخ البهائي «رحمه الله»: «وقد جوزت الغيبة في عشرة مواضع: الشهادة، والنهي عن المنكر، وشكاية المتظلم، ونصح المستشير، وجرح الشاهد والرّاوي، وتفضيل بعض العلماء والصناع على بعض، وغيبة المتظاهر بالفسق الغير المستنكف على قول، وذكر المشتهر بوصف مميز له كالأعور والأعرج مع عدم قصد الاحتقار والذم، وذكره عند من يعرفه بذلك، بشرط عدم سماع غيره على قول، والتنبيه على الخطاء في المسائل العلمية ونحوها بقصد أن لا يتبعه أحد فيها»34.
التوبة من الغيبة
إنّ الغيبة من الصفات الذميمة التي تتحول تدريجياً إلى مرض روحي بحيث أنّ فاعلها يلتذ من فعله لها، ويحس بالرّضا والاغتباط عندما ينتقص هذا أو ينتقص ذاك، وهذه مرحلة من المراحل الأخلاقية الخطرة جداً، لذا ينبغي على من ابتلى بها أنْ يعالج نفسه للتخلص من هذه الصفة الذميمة الخطرة بأن يسعى إلى علاج البواعث الداخلية التي تكمن في أعماق روحه وتدعوه إلى الاغتياب، فعليه أن يفكر في العواقب السيئة لهذا المرض الخبيث والذنب العظيم، الذي يوصله إلى عذاب الله الشديد، فيتوجه إلى ربّه عزّ وجل تائباً منه نادماً على فعله له، فإن تاب منه تاب الله عليه، ويبقى عليه حق أخيه المسلم الذي اغتابه، وطريق الخروج من حقه إنْ كان حيّاً ويمكنه الوصول إليه فعليه أن يذهب إليه ويعتذر منه ويستحلله ويبالغ في الثناء عليه لتطيب نفسه، نعم إذا كان الذهاب إليه والاعتذار منه سبباً لوقوع فتنة بين المستغيب والمستغاب فلا يذهب إليه وعليه الاستغفار والدعاء له، وإن كان المستغاب لا يمكن الوصول إليه أو كان ميتاً فعلى المستغيب أن يكثر من الاستغفار والدعاء له ليجعل ثواب ذلك في حسناته يوم القيامة ويكون مقابلاً لما تحمله من السيئات بسبب اغتيابه.
عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «سئل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما كفارة الاغتياب؟ قال: تستغفر لمن اغتبته كلما ذكرته»3536.
___________
1. أمالي الصدوق، صفحة 54.
2. a. b. الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا صفحة 121.
3. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 112، الصفحة: 96.
4. موسوعة الإمام الصادق 15/302.
5. مسند أحمد 3/278.
6. سنن ابن ماجة 2/1409.
7. صحيح مسلم 8/20.
8. سنن ابن ماجة 2/85.
9. صحيح مسلم 8/18.
10. الكافي 2/200.
11. a. b. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 12، الصفحة: 517.
12. مسند أحمد 4/42١.
13. ميزان الحكمة 6/305، برقم: 15579.
14. مسند أحمد 3/224.
15. ميزان الحكمة 6/503، برقم: 15583.
16. ميزان الحكمة 6/506، برقم: 15610.
17. مستدرك الوسائل 7/322.
18. بحار الأنوار 72/259.
19. عيون الحكم والمواعظ، صفحة 523.
20. ميزان الحكمة 6/504، برقم: 15597.
21. عيون المواعظ والحكم، صفحة 31.
22. ميزان الحكمة 6/504، برقم: 15588.
23. ميزان الحكمة 6/504، برقم: 15596.
24. بحار الأنوار 70/257.
25. مسند أحمد 3/44.
26. بحار الأنوار 72/201.
27. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 11، الصفحة: 516.
28. ميزان الحكمة 3/2339.
29. مكارم الأخلاق صفحة 444.
30. ثواب الأعمال صفحة 148.
31. السنن الكبرى للبيهقي 10/210.
32. ميزان الحكمة 6/509، برقم: 15640.
33. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 148، الصفحة: 102.
34. بحار الأنوار 72/240.
35. موسوعة الإمام الصادق 15/293.
36. المصدر كتاب "دروس من وحي الإسلام" للشيخ حسن عبد الله العجمي حفظه الله.