تراكمت البشائر النبويّة حول غيبة الإمام المهدي المنتظر وظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف، وخصائص دولته وأوصافه ونسبه الشّريف، كما توضّح الصّحاح والمسانيد هذه الحقيقة في أبواب الملاحم والفتن، وأشراط السّاعة وغيرها.
واعتنى أئمة أهل البيت عليهم السّلام بهذه القضية اعتناءً لا يقلّ عن عناية الرّسول الخاتم صلّى الله عليه وآله، واستمراراً للخطّ الذي اختطّه، والمنهج الذي سلكه في التمهيد لدولة الحقّ التي تتكفّل تحقيق آمال الأنبياء والأوصياء جميعاً وعلى مدى التاريخ.
وقد كثرت النصوص الواردة عن أبي الأئمّة التسعة من ولد الحسين عليه السّلام.
فروي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السّلام مجموعة من الأحاديث والنصوص الوحيانية المهمّة بشأن الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، منها ما يلي:
عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنّه قال: «دخلت على جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله فأجلسني على فخذه، وقال لي: إنّ الله اختار من صُلبك يا حسين تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم، وكلّهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء».(ينابيع المودّة للقندوزي:590)
يتبيّن من الحديث الشريف العلاقة الخاصة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين حفيده سيد الشهداء عليه السلام، بالإضافة إلى حب النبي صلى الله عليه وآله له عليه السلام ولذريته الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فإنّ دخوله على رسول الله صلى الله عليه وآله وتلك المعاملة الأبوية التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله يدل على منزلة ومقام الإمام الحسين عليه السلام، فلا يفعل النبي صلى الله عليه وآله أمراً إلاّ وفيه حكمة تربوية، سواء على الصعيد العقائدي أو الأخلاقي.
كذلك بيّن النبي صلى الله عليه وآله أنّ منزلة الأئمة من صلب الحسين عليه السلام وفضلهم عند الله سواء. وقد أشار صلى الله عليه وآله إلى أنّ تاسع ذرية الحسين عليه السلام هو القائم بأمر الله تعالى.
وسأله شعيب بن أبي حمزة قائلاً: أنت صاحبُ هذا الأمر؟ فأجابه: «لا»؛ فقال له: فمَنْ هو؟ فأجاب عليه السّلام: «الذي يملؤها عدلاً كما مُلئِت جَوْراً، على فترة من الأئمّة تأتي كما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بُعِث على فترة من الرسل».(عقد الدرر:158)
في حديث الإمام الحسين عليه السلام لما سأله ابن أبي حمزة عن القائم، فأجاب عليه السلام بالرفض، دلالة على أنّ القيام لا يكون من بعده إلاّ للإمام المهدي عليه السلام، ويفهم من السؤال بعبارة (صاحب هذا الأمر) أنّ هناك أمراً خاصاً جعله الله تعالى في يد الإمام المهدي عليه السلام باعتباره القائم بأمره تعالى، وذلك لا يتحقق إلاّ بوجوده المبارك عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وقال عليه السّلام: «لصاحب هذا الأمر غيبتان؛ إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: قُتِل، وبعضهم: ذهب، ولا يطّلعُ على موضعه أحدٌ مِن وليّ ولا غيرهِ إلاّ المولى الذي يلي أمره».(عقد الدرر:134)
وهنا في هذا الحديث أيضاً تأكيد على وجود أمر مهم في غاية الأهمية، كذلك أشار الإمام عليه السلام إلى الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى، وأنذر على أنّ إحدى الغيبتين أطول من الأخرى. وأشار عليه السلام إلى أنّ بسبب الغياب الطويل له، يدخل في قلوب الناس يأس من وجوده، فضلاً عن خروجه وقيامه. وذلك بعدما يكثر الظلم والفساد في الأرض، ولا يخرج الإمام عليه السلام إلاّ بعد مدّة طويلة لا يعلم أمدها إلاّ الله، وعدم معرفة وجود الإمام عليه السلام حتى وإن كان وليّاً من أولياء الله، فأمره بيد الله عزّ وجل فقط.
وقال عليه السّلام: «لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّلَ الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يخرجَ رجلٌ من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئِت جوراً وظُلماً، كذلك سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول».(كمال الدين وتمام النعمة:316)
من إحدى أسباب إطالة الغيبة عدم تجهيز الناس لظهوره المبارك، فهو عليه السلام غاب عن الأنظار لسبب السلطات الحاكمة، كي لا يقتل، وكي تكون هناك حجة على الأرض، فلولا الحجة لساخت الأرض بأهلها. بالإضافة إلى اختبار الناس في الحياة، ومعرفة مدى اشتياق الناس لإمامهم، وهل أنّ الناس تنتظر إمامهم، أم أنّها مشغولة في الدنيا وما فيها. فالمقياس ليس هو الوقت والزمان، بل هو تأهّب الناس لهذا الأمر، لخروج إمام زمانهم عليه السلام، ويفهم من الحديث أنّ لو بقي من الدنيا يوم واحد وكان من بعد هذا اليوم البعث والنشور، لطوّل الله ذلك اليوم لخروج الإمام عليه السلام، وهذا يدل على حتمية خروج الإمام المهدي عليه السلام، وذلك ردّاً على بعض من يقولون بأنّه لن يولد أو مات أو قتل.
وقال عليه السّلام: «للمهدي خمسُ علامات؛ السفياني، واليماني، والصيحةُ من السّماء، والخسفُ بالبيداء، وقتل النفسِ الزكيّة».(عقد الدرر:111)
فأشار الإمام عليه السلام بعلامات حتمية في خروج القائم عجل الله فرجه الشريف، منها السفياني وهو خروج شخص في الشام وصف بأنّه أبقع من ذرية بني أمية يلقب بالسفياني نسبة إلى أبي سفيان، واسمه عثمان بن عنبسة. اليماني الذي أشارت الأحاديث الشريفة بأنّه أهدى الرايات، أيضاً تعتبر من العلامات الحتمية في خروج الإمام عليه السلام. أمّا الصّيحة التي في السماء، ويسمعها كل شخص دون استثناء، فهو صوت جبرائيل عليه السلام يقول: «جاء الحق وزهق الباطل»، ويقول أيضاً: «ألا يا أهل العالم، هذا المهدي فانصروه». والخسف بالبيداء، هو الخسف في ناحية من نواحي الشام، يخسف الله الأرض بالظالمين، والفاسدين. أمّا قتل النفس الزكيّة، فهو قتل شخص من ذرية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، ويقتل في مكة عند بيت الله الحرام، في ظهر مقام إبراهيم النبي على نبيّنا وآله وعليه السلام.
فهذه العلامات الخمس الحتمية التي ذكرها الإمام الحسين عليه السلام تدل على أنّ خروج الإمام عجل الله فرجه حتمية لا محال.
وقال عليه السّلام أيضاً: «لو قام المهديّ لأنكره النّاس؛ لأنّه يرجع إليهم شابّاً موفّقاً، وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبُهم شابّاً وهم يحسبونَه شيخاً كبيراً».(عقد الدرر:41)
وأشار عليه السلام في هذا الحديث إلى عمر الإمام المهدي عليه السلام حينما يخرج إلى الناس، وأنّه شابٌّ موفّقٌ، وقد أبلى الله الناس بخروجه حيث أورد عليه السلام بأنّ أعظم البليّة أن يخرج إلى الناس إمامهم بهيئة شابّ وهم يظنون أنّه شيخٌ كبيرٌ، باعتبار أنّ هذه المدّة الطويلة من العمر من المستحيل أن يبقى الإنسان بشبابه.
فنكران الناس للإمام عليه السلام بسبب ابتعادهم عن أصول الدين، وقواعد الأساسية التي جعلها الله تعالى لمعرفة الإمام المعصوم والانقياد التام له، كذلك الاهتمام بأمور الدنيا والابتعاد عن الله تعالى.
قال عليه السّلام: «في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف، وسنّة من موسى بن عمران عليه السّلام، وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح الله تبارك وتعالى أمرَه في ليلة واحدة».(كمال الدين وتمام النعمة:317)
بيّن الإمام الحسين عليه السلام في حديث الشريف أنّ رسالة الإمام المهدي عليه السلام هي رسالة جميع الأنبياء والرسل، وسنّته سنة الله تعالى من بداية الخلق وحتى خروجه عليه السلام. كذلك هو القائم بأمر الله تعالى من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله. وفي الإرادة الإلهية بالإمكان يحسن الله تعالى هذا الأمر. ويجعل الظهور بمقدار طرفة العين بل أسرع من ذلك.
وقال عليه السّلام: «إذا خرج المهدي عليه السّلام لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السّيف، وما يستعجلون بخروج المهديّ؟ والله ما لباسُه إلاّ الغليظُ، ولا طعامه إلاّ الشعيرُ، وما هو إلاّ السّيفُ، والموتُ تحت ظِلِّ السّيْفِ».(عقد الدرر:228)
أشار عليه السلام إلى القضية المهمّة في خروج الإمام المهدي عليه السلام، ألا وهوي كيفية التعامل مع الموافق والمخالف. فوجود السيف هو للمخالف، ولمن لا يريد اتباع الحق، وذلك لوجود مانع في الحصول على المصالح الشخصية. كانت في زمن غيبة الإمام عليه السلام بيده كل شيء، وفي خروجه عليه السلام سيخسر كل ما جمعه في هذه المدة، من جاه ومقام وأموال ومنزلة في الدنيا، فهذا الأمر لا يليق بكثير من الناس. وأشار الإمام الحسين عليه السلام بقوله بين العرب وقريش، يفهم أنّ لا خلاص من حكم الإمام عليه السلام حتى لو كانوا من العرب أو أقرب من ذلك من قريش. وقد وصف الإمام الحسين عليه السلام حالة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف بأنّ أكله كأكل أجداده، ولباسه كذلك من النوع الغليظ. ولا يكون مع المخالف إلاّ بلغة السيف. أمّا من وافق الإمام فهو في أمان.