ما ورد عن آبائه صلوات الله عليهم من النبي وأمير المؤمنين إلى ابنه الحسن بن علي عليهم السلام : بغيبة الحجة قبل وجوده ، وصفتها قبل مولده ، ووقوع ذلك مطابقا للخبر ، من غير أن ينخرم منه شئ .
وهذا الضرب من النص دال على إمامته ، وكونه المهدي المأمول إهلاك الظالمين ، لثبوت النص بغيبته القصرى والطولى المختصة به ، ومطابقتها للخبر عنها .
فمن ذلك ما رواه الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم الخارقي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : كان أبو جعفر عليه السلام يقول : لقائم آل محمد عليه السلام غيبتان : واحدة طويلة ، والأخرى قصيرة ، قال : فقال لي : نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأخرى ، ثم لا يكون ذلك – يعني ظهوره – حتى يختلف ولد فلان وتضيق الحلقة ، ويظهر السفياني ، ويشتد البلاء ، ويشمل الناس موت وقتل يلجأون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله.
وروي عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : يفسد الناس ثم يصلحها الله بعد أمن ولدي ، خامل الذكر ، لا أقول خاملا في حسنه ولا موضعه ، ولكن في حداثة سنه ، ويكون ابتداء أمره باليمن .
ورووا عن الأصبغ بن نباتة قال : أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ما لي أراك مفكرا تنكت في الأرض ، أرغبة منك فيها ؟ قال : والله ما رغبت في الدنيا قط ، ولكني في مولود يكون من ظهري الحادي عشر بعدي ، وهو المهدي الذي يملأها عدلا وقسطا كما ملأت جورا وظلما ، يكون له حيرة وغيبة تضل بها أقوام ، ويهتدي بها آخرون ، قلت : يا أمير المؤمنين : إن هذا لكائن ؟
قال : نعم كما إنه مختوم.
ورووا عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن للغلام غيبة قبل أن يقوم ، قلت : ولم ؟ قال : يخاف ، وأوما بيده إلى بطنه ، ثم قال : يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذي يشك الناس في ولادته ، فنهم من يقول : مات أبوه ولا خلف له ، ومنهم من يقول :
مات أبوه وهو حمل ، ومنهم من يقول : هو غائب قد ولد قبل موت أبيه بسنتين ، وهو المنتظر عليه السلام ، غير أن الله يحب أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون .
ورووا عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه أرضى ما يكون عنه ، وأرضى ما يكون عنه إذا افتقد حجة الله سبحانه فلم يظهر له ولم يعلم مكانه وهو في ذلك يعلم أنه لم تبطل حجة الله تعالى وبيناته ، عندها توقعوا الفرج ، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون ، ولو علم أنهم يرتابون ما غيبه عنهم طرفة عين ، ولا تكون الغيبة إلا على رؤوس شرار الناس.
ورووا عن حنان بن سدير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن في القائم سنة من يوسف عليهما السلام ، قلت : كأنك تذكر حيرة أو غيبة ؟ قال : وما تنكر ذلك من هذه الأمة أشباه الخنازير ، إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء ، فتاجروا يوسف وبايعوه ، فدخلوا عليه وهم إخوته فلم يعرفوه حتى قال لهم : أنا يوسف ، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون الله تعالى يريد أن يستر حجته في وقت من الأوقات ، لقد كان يوسف إليه ملك مصر ، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد الله أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك ، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر ، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله لحجته عليه السلام ما فعل بيوسف عليه السلام ، فيكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله سبحانه أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف عليه السلام ، فقالوا له : أنت يوسف ؟ قال : أنا يوسف.
ورووا عن فرات بن أحنف رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال : ذكر القائم من ولده فقال : ليغيبن حتى يقول الجاهل مالله في آل محمد عليه السلام حاجة.
ورووا عن المفضل قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أما والله ليغيبن القائم عنكم سنينا من دهركم حتى يقال : مات أو قتل بأي واد سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتمحصن ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر.
ورووا عن الأصبغ قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد.
ورووا عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : في صاحب الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء : سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وعلى جميع أنبياء الله ورسله ، فأما موسى عليه السلام فخائف يترقب ، وأما عيسى عليه السلام فيقال : مات ولم يمت ، وأما يوسف عليه السلام فالغيبة عن أهله بحيث لا يعرفونه ، وأما محمد رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف.
ورووا عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بد ( ل ) صاحب هذا الأمر من غيبة ، ولا بد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة.
ورووا عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة ، والأخرى طويلة ، الأولى يعلم مكانه خاصة لأوليائه.
ورووا عن أيوب بن نوح قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : إني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر ، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك ، فقال : ما منا أحد اختلفت إليه الكتب وأشير إليه بالأصابع وسئل عن المسائل وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه ، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاما منا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه.
ورووا عن عبد الله بن عطاء ، ( عن أبي جعفر ) قال : قلت له : إن شيعتك بالعراق كثيرة فوالله ما في أهل بيتك مثلك ، فكيف لا تخرج ؟ فقال : يا عبد لله بن عطاء ، قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى ، أي والله ما أنا بصاحبكم ، قلت له : فمن صاحبنا ؟ قال : انظروا من عمى على الناس أمر ولادته فذلك صاحبكم ، إنه ليس منا أحد يشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلا مات غيظا أو رغم أنفه.
ورووا عن يمان التمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، المتمسك فيها بدينه كخارط القتاد بيده ، ثم قال : هكذا بيده ، فأيك يمسك شوك القتاد بيده ؟ ثم قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه.
ورووا عن عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يفقد الناس إمامهم ، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه.
ورووا عن عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : والله لا ينوه باسم رجل منا فيكون صاحب هذا الأمر حتى يأتي الله سبحانه به من حيث لا يعلم الناس .
ورووا عن علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفرج ؟ فقال : إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج.
ورووا عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول : الخلف من بعدي الحسن عليه السلام ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ ، فقلت : ولم ؟ قال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه.
في أمثال لهذه الروايات الدالة على تخصص للإمامة بعد الحسن عليه السلام وإلى الآن بالحجة بن الحسن عليهما السلام .