سؤال: قد يتساءل البعض: إذا كانت أحاديث المهدي المنتظر عليه السّلام صحيحة، فلماذا خلا منها كتابا الصحيحَين: صحيح البخاري وصحيح مسلم ؟
جواب: ونُشير في الإجابة إلى عدّة أمور:
1 ـ أنّ علماء السنّة استدركوا على الصحيحَين الكثيرَ من الأحاديث الصحيحة في كتابه، فقد صرّح هو نفسه بأنّ ما تركه من الصحيح أكثر ممّا أخرجه في كتابه.
2 ـ أنّ علماء السنّة استدركوا على الصحيحين الكثيرَ من الأحاديث الصحيحة، وكتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري أوضح مثال على ذلك.
3 ـ أنّ البخاري ومسلم رَوَيا في كتابيهما عشرات الأحاديث المجملة في المهدي عليه السّلام، وقد أرجع علماء أهل السنّة الأحاديث المذكورة إلى الإمام المهدي عليه السّلام لوجود أحاديث صحيحة أخرى مُخرَّجة في بقيّة كتب الصحاح أو المسانيد تفسّر الأحاديث المجملة الواردة في صحيحَي البخاري ومسلم.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ؟!(1)
وروى مسلم بسنده عن جابر بن عبدالله، قال: سمعتُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم عليه السّلام، فيقول أميرُهم: تعالَ صَلِّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمةً لهذه الأمّة(2).
وإذا نظرنا في كتب الصحاح الأخرى والمسانيد وغيرها، نجد روايات كثيرة تصرّح بأنّ هذا الإمام ـ أمير الطائفة التي تقاتل على الحقّ إلى يوم القيامة ـ هو الإمام المهدي عليه السّلام لا سواه.
ومَن راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنّ شارحيها متّفقون على تفسير لفظة «الإمام» الواردة في حديث البخاري بالإمام المهدي عليه السّلام.
وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يكون في آخر أمّتي خليفة يحثي المال حَثياً لا يعدّه عدّاً(3).
وصفة إحثاء المال ( مبالغةً في الكثرة ) لم يُوصف بها أحد غير الإمام المهدي عليه السّلام في كتب أهل السنّة ورواياتهم، فقد أخرج الترمذي ـ على سبيل المثال ـ بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: إنّ في أمّتي المهدي ـ وساق الحديث، إلى أن قال ـ: فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني أعطِني! فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله(4). وروي هذا الحديث أيضاً عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري من طرق كثيرة.
4 ـ أنّ البخاري أخرج حديثاً صريحاً في المهدي في تاريخه الكبير، فقد روى عن أمّ سلمة، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حديث «المهدي حقّ، وهو من ولد فاطمة» (5)، وروى مسلم هذا الحديث في صحيحه، صرّح بذلك ابن حجر الهيثمي في صواعقه، والمتّقي الهندي الحنفي في كنز العمّال، والشيخ محمّد علي الصبّان في إسعاف الراغبين، والشيخ حسن العدوي الحمزاوي المكّي في مشارق الأنوار(6)، وهم أربعة من علماء أهل السنّة الموثوق بنقلهم عن صحيح مسلم صراحةً، لكننا نرجع إلى صحيح مسلم في طبعاته المتداولة حاليّاً فلا نجد لهذا الحديث أثراً!!
ونحكم ـ من خلال هذا كلّه ـ بأنّ التشكيك في أحاديث المهدي المنتظر عليه السّلام بذريعة عدم إخراج البخاري ومسلم لها في الصحيحين ليس له ما يبرره في لغة العلم والمنطق، إضافة إلى أنّ أهل السنّة ـ أنفسهم ـ لا يشترطون، في تعريفهم للحديث الصحيح، أن يكون مرويّاً في الصحيحَين أو أحدهما، وكذا الحال في تعريفهم للحديث المتواتر.
----------
1 ـ صحيح البخاري 205:4 ـ باب ما ذُكر عن بني إسرائيل. وصحيح مسلم 136:1، حديث 244 ـ باب نزول عيسى عليه السّلام.
2 ـ صحيح مسلم 137:1، حديث 247 ـ باب نزول عيسى عليه السّلام.
3 ـ صحيح مسلم 52:4، حديث 2913 ـ كتاب الفتن.
4 ـ سنن الترمذي 506:4، حديث 2232.
5 ـ التاريخ الكبير، للبخاري.
6 ـ الصواعق المحرقة، لابن حجر 163، ب 11، ف 1. كنز العمّال، للمتقي الهندي 264:14، حديث 38662. إسعاف الراغبين، للصبّان 145. مشارق الأنوار، للعدوي الحمزاوي المالكي 112.