من صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجديرة بالتنويه الرقة والاحترام اللتان كان يعامل بهما أتباعه حتى أقلهم شأناً، فالتواضع والرأفة والأناة وإنكار الذات والسماحة والسخاء تغلغلت في نفسه ووثّقت به محبة كل من حوله.
وكان يكره أن يقول: لا، فإن لم يمكنه أن يجيب الطالب لسؤاله فضل السكوت عن الجواب، حتى وصفه أصحابه بقولهم: إنه كان اشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا أسماه شيء تبيناه في أسارير وجهه أكثر من كلامه، ولم يمس أحداً بالضرر إلا في سبيل الله. ويؤثر عنه أنه كان لا يمتنع عن إجابة دعوة إلى بيت مهما كان حقيراً أو يرفض هبة مهداة إليه مهما كانت صغيرة، وإذا جلس إلى صاحبه لم يرفع نحوه ركبتيه تشامخاً منه وكبراً، وكانت له تلك الخلة النادرة التي يجعل بها كل فرد من صحابته يظن أنه المفضل المختار، وكان يرثى كثيراً للثكلى والمنكوبين، كما كان سهلا لين العريكة مع الأطفال: لا يأنف إذا مر بطائفة منهم يلعبون أن يقرئهم تحية الإسلام، وكان يشرك غيره في طعامه حتى في أوقات العسر والإملاق ويهتم جهد الطاقة بتوفير أسباب الراحة لأنصاره وتابعيه. وكان صديقاً وفياً أحب المسلمون محبة الشقيق الودود، وعليّاً محبة الأب الرؤوف.
ومما يذكر أن زيداً الذي كان عبد خديجة عليها السلام كان متعلقاً بالنبي تعلقاً شديداً لعطفه عليه حتى إنه آثر البقاء بمكة على أن يعود لبلده مع أبيه وتعلق بأهداب النبي قائلا: لست تاركك وقد كنت لي أباً باراً عطوفاً، وقد بقيت صداقة محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذه إلى ما بعد موت زيد حيث عامل أسامة ابنه معاملة ممتازة إكراماً لأبيه.
وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في استعماله الحكم المطلق عادلاً مقتصداً، فلم يكن يعوزه بأعدائه إذا ما دانوا له بالطاعة، وقد كان دفاع مكة العتيد الطويل المدى ضد دعوته مما كان يحمله عند فتحها على أن يعبر عن سخطه بآثار لا تمحى من دم ونار، ولكنه أصدر عفواً عما ملقياً بذكريات الماضي بما فيها من سخرية واهانة واضطهاد في زوايا النسيان، وعامل حتى ألد أعدائه بكل كرم وسخاء، ولم تكن السماحة التي أبداها لعبد الله وأهل مكة الخارجين عليه بأقل من ذلك ظهوراً، وهم هم الذين ناصبوه العداء سنين وامتنعوا عن الدخول في طاعته، كما ظهر حلمه وصفحه حتى في ساعة الظفر والانتصار، وقد دانت لطاعته القبائل التي كانت من قبل أكثر مناجزة له وأشد عداء.