سؤال: تذرّع البعض في إنكاره لظهور الإمام المهدي عليه السّلام في آخر الزمان بحديث رواه ابن ماجة عن محمد بن خالد الجندي الذي رواه عن أنس بن مالك، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لا يزداد الأمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شِرار الناس، ولا مهديّ إلاّ عيسى ابن مريم»(1)! فما مدى صحّة هذا الحديث ؟
جواب: إنّ حال محمّد بن خالد الجُندي لا تخفى على أحد من علماء الرجال؛ فقد اشتهر أنّه وضع إلى الجُند ـ وهي على مسيرة يومَين من صنعاء ـ حديث الجند المشهور وَضْعُه، وهو « تُعمَل الرِّحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى، ومسجد الجند »(2)! في محاولة منه لاستمالة قلوب الناس إلى زيارة معسكر الجند، بعد أن مهّد له بشدّ الرحال إلى المساجد الثلاثة المقدّسة عند جميع المسلمين.
ونقول:
1 ـ إنّ الحديث الأوّل له طرق صحيحة أُخرى لا تُوجد فيها الزيادة « ولا مهديّ إلاّ عيسى ابن مريم »، منها ما أخرجه الطبراني والحاكم بسندهما عن أبي أُمامة بنفس ألفاظ حديث ابن ماجة، لكن مِن غير العبارة المذكورة، وصحّحه الحاكم فقال: هذا حديث صحيح الاسناد، ولم يُخرجاه(3).
2 ـ أنّ الذهبي تطرّق في ميزان الاعتدال في ترجمة محمد بن خالد الجندي إلى جرحه وتضعيفه، ثمّ قال: حديثه « لا مهدي إلاّ عيسى » وهو حديث مُنكَر، أخرجه ابن ماجة(4).
3 ـ ذكر الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب في ترجمة الجندي بأنّه مجهول(5).
4 ـ أنّ القرطبي ذكر الحديث وقال: فقوله « ولا مهدي إلاّ عيسى » يعارض أحاديث هذا الباب. ثمّ نقل كلمات مَن طعن بمحمد بن خالد الجندي وأنكر عليه حديثه.. إلى أن قال: والأحاديث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصحّ من هذا الحديث، فالحكم لها دونه(6).
5 ـ قال الحافظ ابن حجر في الصواعق عن الحديث المذكور: وصرّح النسائي بأنّه منكَر، وجزم غيره من الحفّاظ بأنّ الأحاديث التي قبله ـ أي الأحاديث الناصّة على أنّ المهدي من ولد فاطمة ـ أصحّ إسناداً(7).
6 ـ وفنّد أبو الفيض الغماري حديث « ولا مهدي إلاّ عيسى » بثمانية وجوه هي في غاية الجودة والمتانة (8).
7 ـ والطريف أن ابن ماجة الذي روى حديث « ولا مهديّ إلاّ عيسى » روى بنفسه حديث « المهديّ حقّ، وهو من ولد فاطمة »(9)!
8 ـ أنّ ابن القيّم تناول في المنار المنيف حديث « ولا مهدي إلاّ عيسى » ونقل كلمات علماء أهل السنّة بشأنه، وأنّه مما تفرّد به محمّد بن خالد الجندي، ثمّ نقل كلام البيهقي بأنّ الأحاديث على خروج المهدي أصحّ إسناداً(10).
9 ـ ولا ننسى أنّ صحاح أهل السنّة نقلت أحاديث كثيرة عن نزول عيسى عليه السّلام واقتدائه بالإمام المهدي عليه السّلام. وروى البخاري في صحيحه حديث « كيف أنتم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامُكم منكم ؟! »، ورواه أيضاً مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده وعبدالرزاق الصنعاني في مصنّفه باختلاف يسير(11).
10 ـ ومن المسلّم لدى جميع المسلمين أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم صرّح بمقولته الشهيرة: « لا نبيّ بعدي »، وأنّ الاعتقاد باستقلال عيسى عليه السّلام بالنزول وحده دون المهدي عليه السّلام يوهم العوامَّ بانتقال الملّة المحمّدية إلى الملّة العيسويّة النصرانيّة، وهذا كفر(12).
-----------
1 ـ سنن ابن ماجة 1340:2، حديث 4039.
2 ـ تهذيب التهذيب، لابن حجر 125:9/ الرقم 202.
3 ـ المعجم الكبير، للطبراني 214:8، حديث 7757. المستدرك، للحاكم 440:4.
4 ـ ميزان الاعتدال، للذهبي 535:3/ الرقم 7479.
5 ـ تقريب التهذيب.
6 ـ التذكرة، للقرطبي 701:2.
7 ـ الصواعق المحرقة، لابن حجر 164.
8 ـ إبراز الوهم المكنون 538.
9 ـ سنن ابن ماجة 1368:2، حديث 4086.
10 ـ المنار المنيف، لابن القيم 129 ـ 130، حديث 324 و 325.
11 ـ صحيح البخاري 205:4 ـ باب نزول عيسى. صحيح مسلم 94:1 ـ باب نزول عيسى. مسند أحمد 336:2. مصنّف عبدالرزاق 400:18، حديث 20841.
12 ـ انظر: البيان، للگنجي الشافعي 128 ـ آخر الباب 12.