ربي أرني أنظر إلى أنوارك المشرقة
  • عنوان المقال: ربي أرني أنظر إلى أنوارك المشرقة
  • الکاتب: الميرزا عبدالرسول الحائري
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 15:44:40 2-10-1403

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.

الْحَمْدُ للهِ الَّذي اَشْهَدَنا مَشْهَدَ اَوْلِيائِهِ في رَجَب، وَاَوْجَبَ عَلَيْنا مِنْ حَقِّهِمْ ما قَدْ وَجَبَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد الْمُنْتَجَبِ، وَعَلى اَوْصِيائِهِ الْحُجُبِ [۱]. في هذا الدعاء نكتتان وهي مسألة الحجب فالحجاب قد يكون هو الستر فكل مستور محجوب كحجاب المرأة. وقد يكون الحجاب من شدة الظهور كنور الشمس الذي يحجبها عنا لشدة نورها، كذلك أنوار محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين وشدة ظهورهم في السماوات والأرض بدرجة لا يمكن لأي مخلوق أن يتحمل رؤية حقائقهم ولا حتى أنوار أشعة أنوارهم وهم فقط صلوات الله عليهم أجمعين يستطيعون النظر إلى بعضهم. وما كان طلب النبي موسى على نبينا وآله وعليه السلام رؤية الله إلا بلسان قومه فهو يعلم استحالة ذلك لافتراق الخالق والمخلوق والرب والمربوب والعزلة بيننا وبين الله عز وجل عزلة من الناحيةً المعنوية لا المادية “إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها”. فإحاطة أي شيء بغيره يجب أن يكون من جنسه لذلك قال تعالى لن تراني يعني لا تراني إلى الأبد. قال الميرزا حسن الشهير بكوهر أعلى الله مقامه (نارنا هذه تضيء لمن يسري بليل لكنها لا تنال) فهذه النار التي يذكرها لا ترى في النهار، فالنهار للمعاش وطلب الرزق، وأما الراحة والنوم ففي أول الليل وبقدر الحاجة. أما بعد منتصف الليل إلى الفجر فهي ساعات المناجاة والخلوة مع الرب وساعات التقوى والتزود والعروج الروحي قال تعالى ً{إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلا} [۲]. ففي ساعات السحر يقول العبد ربي أرني أنظر إلى أنوارك المشرقة من أنوار محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، هذه الأنوار تضيء للسالك الذي يسير سير العظمة السير من الخلق إلى الحق. ومهما سار السالك فلن يصل إلى حقيقة هذا النور لأن هذه الأنوار لا تنال لكنها تضيء للعبد فيكون قلبه مشكاة لأنوارهم صلوات الله عليهم حتى يصير قريبا منهم فيَصٍل لجميع المقامات التي أتاحاها الله لعباده إلاّ مقام النبوة والإمامة، فالسالك يرى ما لا يراه الآخرون ويسمع ما لا يسمعه غيره ليصل مقام ليس كمثله شيء وهذا ديدن الأوحدين وهكذا كان والدي المقدس العبد الصالح المصلح فإني لم أره طوال حياتي انقطع عن قيام الليل ولو لليلة واحدة لا في السفر ولا في الحضر. وعندما يصل الإنسان لهذا المقام يعيش حياة طيبة نورانية أساسها التسليم والقناعة بما رزقه الله ماديا ومعنويا، فليس السعي والكدح علة تامة لتحصيل الرزق. أما في عالم الدنيا فلهذا النور دليل وآية في وجه الإنسان فالوجه مرآة القلب والمؤمن إذا نظر بنور الله يعرف الناس من وجوههم والنور الذي في جباههم. وليس لون البشرة مانعا لتجلي هذه الأنوار. وأعلى مقاماً لهذه الأنوار هو نور الأوحدية فهو أشد ظهورا وأجلى نورا في القلوب والوجوه، وما جاء به الأوحد أعلى الله مقامه في كتبه مثل الرجعة وشرح الزيارة الجامعة الكبيرة إلاّ دليل على هذه الرفعة من المقام، وإن أصحاب هذه الأنوار والعقائد سيتشرفون بنصرة الإمام الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف حتى إن بعض الأموات منهم يبعثهم إلى الحياة لنصرة إمامهم بعد أن يسألوه أن يشرفهم باللحاق به. ومن أهم الأعمال التي تُعين على السّلوك إلى أنوارهم وخرق الحجب نشر فضائلهم صلوات الله عليهم أجمعين والدفاع عن المشايخ المظلومين.

___________________
[۱] الزيارة الرجبية
[۲] سورة المزمل، الآية :۶