إنّ الله تعالى يأمرنا دائماً في القرآن الكريم بالإستغفار والتوبة. والتوبة تعني: الإنابة الى الله تعالى، وإنّ هذه الإنابة تتحقق على صعيد الإيمان وعلى صعيد العمل والسلوك.
ويقول تعالى: (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ، أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ،وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ….) (هود: ۱ -۳). أي أنّ القرآن الكريم بعد أن يذكر التوحيد باعتباره أهم الأهداف من خلق الإنسان يذكر مباشرة الأمر بالإنابة الى الله تعالى وطلب المغفرة منه. لقد جاء في إحدى الروايات: (ادفعوا أبواب البلايا بالإستغفار)۱ ؛ وجاء في الآية المتقدمة قوله تعالى: (… يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا….) (هود: ۳). وشروط تحقق ذلك إنّما تكون بالإستغفار والتوبة وطلب العفو من الله تعالى. وجاء في رواية أخرى: (خير الدعاء الإستغفار)۲ وجاء في المناجاة الشعبانية: (إلهي ما أظنّك تردّني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك)۳ ، فما هي هذه الحاجة التي أفنيت عمري في طلبها منك؟ هي طلب المغفرة والعفو الإلهي. والعفو الإلهي معناه: إصلاح ما ارتكبناه من أخطاء، وجبران الآلام التي سبّبناها لأنفسنا وللآخرين.
الاصلاح من لوازم التوبة
لقد جاءت كلمة (التوبة) في كثير من آيات القرآن الكريم مقرونة بكلمة (الإصلاح)، قال تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُوا) (البقرة: ۱۶۰). وقال تعالى: (مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً) (مريم: ۶۰).
وفي مكان آخر ذُكر مصداق هذا الإصلاح أيضاً كما في قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ) (البقرة: ۱۶۰). في مقابل الأشخاص الذين يكتمون الحقائق كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) (البقرة: ۱۵۹)، أو قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ). إنّ الطريق للتوبة، وإصلاح النفوس مقرون بتطهير وتنقية القلوب، وجعلها خالصة لله تعالى. وبناءً على ذلك، فإنّ الإصلاح يعتبر من لوازم التوبة.
اصلاح النفس والمجتمع
علينا في أول الأمر أن نصلح أنفسنا وهي المرحلة الأولى التي تعتبر من أكبر الوظائف وهذا هو الأساس؛ قال تعالى: (عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(المائدة: ۱۰۵). لا بد من أن تكون أعمالنا وجميع مساعينا من أجل نيل رضى الله تعالى والوصول الى الكمال الذي هو الهدف الأساسي من وجودنا. هذا من جهة.
أما بالنسبة الى مسألة والإصلاح الاجتماعي فهو يعتبر من أكثر مصاديق الاستغفار تأثيراً على حياة الإنسان، بل هو المفهوم والمحتوى والمضمون الواقعي للاستغفار، فيجب علينا أن نقوم بإصلاح مسيرتنا وهدفنا الإجتماعي على قدر ما نستطيع، وعلينا أن لا نعتبر هذا الأمر أمراً صعباً، فمن خلال الإرادة يمكن أن تذلّل الصعوبات. نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: (وأنّ الراحل إليك قريب المسافة)۴٫ إنّ أهم الأمور هو الارادة والإقدام وشحذ الهمم. (وإنّك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك)۵٫ إنّ الطريق الى الله قريب المسافة، وإذا ما وفقنا فإنّ توفيقنا هو دلالة على رحمة الله تعالى. إذا استطعتم أن تستغفروا من أعماق قلوبكم وتصلحوا أعمالكم، فسوف يشملكم الباري برعايته، ويقرّبكم ويحببكم إليه. إذا رأيتم أيادي الشباب وهي تُرفع الى السماء داخل المساجد، وصوت (العفو) يدوّي من الحاضرين، إعلموا أنّ الله تعالى يرعى هذا الشعب، ويعطف عليه؛ لأنّه يريد أن يرسل رحمته ولطفه (اللهم إنّي أسألك موجبات رحمتك)۶ ، فالله تعالى يريد أن يشمل برحمته ولطفه هذا الشعب.
أنواع الذنوب
يجب علينا الإستغفار من ثلاثة أنواع من الذنوب، وهذا مهم بالنسبة لنا، فنحن نحتاج إليه من أجل القيام بإدارة أعمالنا، وإذا ما غفلنا عن هذه الذنوب فسوف تلحق بنا أضراراً كبيرة.
أنواع الذنوب ثلاثة هي
ظلم النفس: وذُكر ذلك في آيات وأحاديث كثيرة وهو الذنب الذي يرتكبه الشخص ولا يضر به إلا نفسه، ويشمل الذنوب الفردية العادية المتعارفة.
الذنوب التي يرتكبها الشخص، ويُلْحِق من خلالها الضرر المباشر بالآخرين: وهذا الذنب يعتبر أشد من ظلم النفس، مع أنّه يعتبر ظلماً للنفس أيضاً؛ إلا أنه بسبب كون الإعتداء والتجاوز على الآخرين الذي يتم من خلاله، فإنّ بشاعة الذنب تكون فيه أكثر وعلاجه يكون أصعب؛ من قبيل الظلم، والغصب، وهضم حقوق الآخرين، وهضم حقوق الإنسانية. إنّ الحكومات هي المسؤولة عن هذه الحقوق، وإنّ هضمها هو ذنب المسؤولين والسياسيين والشخصيات العالمية. إنّ هذه هي ذنوب الذين تستطيع كلمة منهم أو توقيع، أو عزل أو نصب، أن تؤثر على عوائل، وأحياناً على شعوب بأكملها. وكالمعتاد فإنّ الناس العاديين لا يقعون في مثل هذه الذنوب، وحتى لو وقعوا فيها فإنّ نطاقها سوف يكون محدوداً، كأن يمشي أحدهم ويقوم بضرب أحد الأشخاص في رجله متعمداً. إنّ لمثل هذا الذنب إستغفاراً يناسبه، إذ إنّ الإستغفار الذي يناسب النوع الأول من الذنوب هو أن يطلب الإنسان المغفرة من الله تعالى بقلب صادق. أما النوع الثاني من الذنوب فلا يكفي فيه الإستغفار فقط، بل لا بد للإنسان من جبره وإصلاحه.
الذنوب التي ترتكبها الشعوب
فالذنوب ليست متوقفة على أن يرتكب أحدهم ذنباً وتتضرر منه جماعة، بل أحياناً يبتلي أحد الشعوب أو مجموعة من الأفراد المؤثرة شعباً آخر بالذنب.
وهذا الذنب له إستغفار يناسبه أيضاً. تجد أحياناً شعباً ما يسكت على المنكر والظلم لسنوات عديدة ولا يبدي أي رد فعل اتجاه ذلك، وهذا أحد الذنوب أيضاً، ولعله أعظمها، ويبيّن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد: ۱۱). إنّ هذا الذنب هو الذي يزيل النعم الكبرى، وهو الذي يوقع البلايا العظيمة على الأفراد والشعوب العاصية. في بعض الأحيان تكون العقوبة جماعية رغم أنّ مرتكبي المعصية هم فئة خاصة، ولم يكن الجميع قد شاركوا بارتكاب المعصية بصورة مباشرة لكون الفعل هو فعل جماعي، وعلى أثره أصبحت العقوبة عامة وشاملة. إنّ الشعب الإيراني تحدى الموت، وتصدّت صدور أفراده للحيلولة دون تقدّم الدروع التابعة لمحمد رضا بهلوي في يوم من الأيام، وقام بتغيير موقف الصمت المشوب بالمعاصي إزاء ما يفعله الأعداء والعملاء لمدة خمسين سنة؛ مما جعل الله تعالى يثيبه على ذلك بأن سقطت الدولة الجائرة، وجاءت حكومة شعبية على رأس السلطة، وانقطعت العلاقات السياسية المشينة، وبدأت الحركة الإستقلالية، وما زالت هذه الحركة مستمرة وستستمر إن شاء الله تعالى، وسيصل هذا الشعب بهمته وعون الله تعالى الى تحقيق أهدافه. إذاً، فللنوع الثالث من الذنوب استغفار يتناسب مع طبيعته أيضاً.