إن للإنحراف عن جادّة الصواب أسباباً يعود بعضها الى طبيعة الظروف التي تطرأ على الإنسان فتتعاضد مع ما يحمله من ضعف فكري عقائدي أو هبوط أخلاقي ولا سيّما إذا لم يتلقّ تربية صحيحة من ذويه ومن يحيط به أو يصاحبه.
و أهل البيت(عليهم السلام) قد أعدّهم الله ورسوله لتربية أبناء الاُمة وانتشالهم من الانحراف عبر التوجيه والارشاد، وتبقى الاستجابة لهدايتهم هي السبب الأعمق لتأثيرها وفاعليتها في كل فرد.
وحين يصبح الانحراف خطّاً منظماً وفاعلاً في المجتمع الإسلامي ينبغي مواجهته بالإدانة وبتفتيت عناصره وقواه الفاعلة ومحاولة إرجاع العناصر المضلَّلة التي تبغي الحق في عمق وجودها وإن حادت عنه.
ونجد للإمام العسكري(عليه السلام) مواقف إرشادية وتوجيهية لبعض أتباع الفرق الضالّة بينما نجده صارماً مع رموز بعض هذه الفرق. وجادّاً في التحذير منهم لعزلهم والحيلولة دون تأثيرهم في القاعدة الشعبية التي تدين بالولاء لأهل البيت(عليهم السلام).
ونقف فيما سيأتي على موقف الإمام(عليه السلام) من الواقفة أولاً ثم موقفه من المفوّضة وممّن كان متأثّراً بهم.
الإمام العسكري(عليه السلام) والواقفة
والواقفة جماعة ، وقفت على إمامة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، ولم تقل بإمامة الإمام الرضا (عليه السلام) ، وكان المؤسس لمذهب هذه الجماعة زياد بن مروان القندي الأنباري وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى وكان سبب توقّفهم هو أن زياد بن مروان القندي الأنباري كانت عنده سبعون ألف دينار من الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) فأظهر هو وصاحباه القول بالوقف طمعاً بالمال الذي كان عندهم[1].
روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (رضي الله عنه) عن ابن يزيد عن بعض أصحابه قال : مضى أبو إبراهيم ـ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ وعند زياد القندي سبعون ألف دينار وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار، وخمس جواري ومسكنه بمصر ، فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام): أن احملوا ما قبلكم من المال ، وما كان اجتمع لأبي عندكم ، فإني وارثه وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ـ وبهذا أشار الرضا (عليه السلام) الى موت الإمام الكاظم(عليه السلام) ـ ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولورّاثه قبلكم .
فأما أبو حمزة فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده ، وكذلك زياد القندي ، وأمّا عثمان بن عيسى فإنّه كتب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) : إنّ أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حيّ قائم ، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل ، واعمل على انه مضى كما تقول ، فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وأما الجواري ، فقد أعتقتهن وتزوّجت بهنّ[2].
وقد سأل أحد أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عمن وقف على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قائلاً : أتولاّهم أم أتبرّأ منهم ؟ فكتب(عليه السلام) : لا تترحّم على عمك لا رحم الله عمك وتبرأ منه ، أنا الى الله منهم بريء فلا تتولاهم ، ولا تعد مرضاهم ، ولا تشهد جنائزهم ، ولا تصلِ على أحد منهم مات أبداً سواء من جحد إماماً من الله أو زاد إماماً ليست إمامته من الله أو جحد أو قال : قالت ثلاثة، إنّ جاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا والزايد فينا كالناقص الجاحد أمرنا[3] .
وبهذا علم السائل أنّ عمّه منهم، كما علم موقف الإمام الصارم من هذه الجماعة التي سُميت بالكلاب الممطورة ، فقد روى الشيخ الكشي(رضي الله عنه) عن أبي علي الفارسي عن إبراهيم بن عقبة ، أنه قال : كتبت الى العسكري(عليه السلام): جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة ، فأقنت عليهم في صلواتي ؟ قال : نعم ، اُقنت عليهم في صلواتك[4].
الهوامش:
[1] يراجع رجال الكشي : 467 ح 888 و 493 ح 946 وعنه في بحار الأنوار: 48/251 وعنه في سفينة البحار: 3/581 .
[2] الغيبة : 64 ح 67 ونحوه أخصر منه في رجال الكشي: 598 ح 1120 وليس فيه: تزوّجت بهن، وفي ح1117: ثم تاب وبعث اليه بالمال وفي ح 1118: أنه سكن الكوفة ثم الحيرة ومات بها.
[3] الخرائج والجرائح: 1/452 ح38 وعنه في كشف الغمة : 3 / 319 .
[4] رجال الكشي: 460 ح 875 و 461 ح 879 وعنه في بحار الأنوار .