تتفاوت ردود فعل البشر إزاء الكوارث الطبيعية التي تحدث هنا وهناك، ويبرز على السطح صنفان رئيسان من ردود الفعل: • الصنف الأول: التفجع والتألم لما حدث لبني جلدتهم من البشر. • الصنف الثاني: الشماتة والفرح بما أصاب الآخرين. أعتقد أن الوقوف عند التألم فقط دون أخذ العبرة والعظة نظرة قاصرة ساذجة تؤدي إلى تمييع الآيات الإلهية والتدبر فيها. وقد تعرّض القرآن الكريم إلى أمثلة من المصائب التي أصابت بعض البشر – كما سيأتي- لا لكي نتألم فقط بل لكي نفهم ونتدبر ونستيقظ من الغفلة. كما أن الشماتة والفرح لا تتوافق مع روح القرآن الكريم الذي يتحسر على العباد شفقة عليهم “يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون” (يس /۳۰). ونحن في هذا المقال نريد أن نقرأ بإيجاز الكوارث الطبيعية من وجهة نظر قرآنية. وهنا تطالعنا عدة محاور:
المحور الأول: الإعراض عن آيات الله تعالى
قال الله سبحانه “وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ” (يوسف /۱۰۵). هذه الحوادث والكوارث من آيات الله سبحانه، وما أكثر الآيات التي يمرّ بها الإنسان وهو عنها معرض، دون أن يفكر أو يعي أو يتأمل في شيء من مدلول هذه الآية وما تحكي عنه من قدرة إلهية وضعف البشر وغير ذلك. حتى لو كانت قوى عظمى فهي لا تستطيع أن تقف أمام هذه الآية، ولكي تعود إلى وضعها السابق تخسر مليارات الدولارات وزمناً طويلا وقدرات كبيرة. في لحظات معدودة من الزلازل أو الطوفان أو الاعصار يتحطم غرور البشر وكبرياؤه، لعل وعسى أن يتذكر خالقه ويرجع إليه، لكن لا يلبث ان يرجع إلى الغفلة.
المحور الثاني: جنود الله تعالى لا يعلمها إلا هو
قال عزّ وجلّ “وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ” (المدثر /۳۱)، نعم… نحن لا نعلم جنود الله تعالى، ولكن الله تعالى هو علمنا بعض جنوده، ومن الجنود الريح. إن يشأ الله تعالى يسكن الريح، وإن يشأ يرسل على عادٍ الريح العقيم، وإن يشأ يغرق السفن ومن عليها، وإن يشأ يسخّر الريح لعبد من عباده كسليمان تجري بأمره، غدوها شهر، ورواحها شهر.
المحور الثالث: على الإنسان أن لا يأمن مكر الله تعالى أو انتقامه
“أفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ” (النحل /۴۵).
المحور الرابع: ذنوب الناس أفسدت البر والبحر
“ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (الروم /۴۱)، ان ذنوب الناس لا تؤثر على أرواحهم فقط، بل تؤثر على البر والبحر أيضاً، فهذا العالم مترابط، والإنسان سيد المخلوقات على هذا الكوكب، فما تجنيه يد هذا الإنسان يؤثر حتى على الأسماك في قاع المحيطات، وذلك ليذوق الناس بعض الذي عملوا، لعلهم يرجعون إلى الله تعالى. وحتى يحصل الرجوع لا بدّ من التمعن فيما يذوقه الناس على سطح الأرض، ولماذا ذاقه وكيف؟! أما إذا تعاملنا مع ما نذوقه على أنه مجرد فاجعة مؤلمة نسارع إلى إبراز الأسى والتأسف أو المساعدات المالية أيام قليلة فحسب فعندئذ نحن لا نقرأ الدرس بالطريقة الصحيحة. “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ” (الشورى /۳۰).
المحور الخامس: بعض المصائب والفتن تعمّ الجميع
“وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (الانفال /۲۵). وقد اختلف في قراءة الآية الكريمة: القراءة المشهورة: “لا تصيبنّ”. وفي قراءة أخرى “لتصيبنّ”. كما اختلفوا – بناء على القراءة المشهورة – هل (لا) نافية أم ناهية؟ فإذا كانت نافية، فالآية الكريمة تتحدث عن فتنة تعم الجميع ولا تختص بالذي ظلموا خاصة.. والله العالم.
المحور السادس: أمثلة قرآنية على مصائب بشرية
• المثال الأول: قصة الرجلين، وقد جعل الله تعالى لأحدهما جنتين من أعناب وحفهما بنخل وجعل بينهما زرعاً، وفجّر خلالهما نهراً، ولكنه بدل أن يشكر الله تعالى أخذ في التفاخر على صاحبه والتشكيك في المعاد، فأحيط بثمره وأصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها، وهي خاوية على عروشها. • المثال الثاني: أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون، لكي لا يعطوا أي مسكين من تلك الثمار، فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون، فأصبحت كالصريم. • المثال الثالث: قصة سبأ.. وقد جعل الله تعالى لهم آية، جنتان عن يمين وشمال. وأبيح لهم ذلك الرزق، وطلب منهم الشكر، ولكنهم أعرضوا فأرسل عليهم سيل العرم، وبدلّهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل. لماذا؟ الجواب: بما كفروا وهل يجازي الله تعالى إلا الكفور؟