كـُن مُـقنعاً في الحوار
  • عنوان المقال: كـُن مُـقنعاً في الحوار
  • الکاتب: خولة القزويني
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 21:52:26 2-10-1403

الاختلاف في وجهات النظر والتباين في الآراء ظاهرة حضارية، ودليل على عافية التفكير السليم وصحة المناخ الثقافي، وقد يصادف أن يتحاور اثنان زوج وزوجة، موظف ومدير، صديق مع صديق، مفكر مع سياسي، يحاول كل طرف أن يقنع الآخر باعتقاده وبصحة فكرته، هناك يقدح الموقف شرارة الحوار الأولى تبدأ ساكنة ثم تسخن حتى الانفجار، وهذا ما يسجله واقعنا الاجتماعي على كل المستويات، وعندما نعتبره حواراً يفترض أن يكون هادفاً ومنطقياً، متجاوزاً كل الممارسات السلبية التي تحط من قيمة من يعارضنا في الفكرة.

ما يحدث هنا ضمن الأجواء المتشنجة المصطبغة بلون عدائي يؤطر في سياج متصلب يجعل من الطرفين: أحدهما مهاجم والآخر مدافع، كما هي حلبة المصارعة، لا ينتهي الصراع إلا بانكسار هذا السياج على رأسيهما، ويمكن أن نقع في أخطاء نحصرها كالتالي:

۱- ينظر إلى الطرف المعارض في الفكرة وكأنه عدو ينبغي التغلب عليه وهزيمته.

۲- الانفعال الحاد الذي سيسير عليه الطرفان أثناء الحوار يصل إلى صفع قيمة الآخر أو ترهيبه وتهديده بصورة عدوانية، وهذا للأسف يحدث حينما نريد دعوة إنسان ضال إلى الطريق السليم، فنستخدم أسلوب الخوف والترهيب بدل إقناعه بصورة محببة. ۳- فكرة الفوز في النقاش تسيطر على الفرد، وكأنه فوق حلبة مصارعة، وليس في دائرة نقاش، خصوصاً إذا كان هذا الشخص أكبر سناً وأكثر خبرة وثقافة من الآخر فيرفض أن يخرج من الحوار مهزوماً، حتى إن كانت الحجج دامغة.

۴- أن يفكر المحاور بتمجيد ذاته وإبراز عضلاته الفكرية على حساب الفكرة والهدف. علماء النفس الثلاثة (كارل. أ. هوفلاند وارفنج ل. جانيس وهارولد كيلي)، وجدوا أن أفضل أسلوب للحصول على الموافقة على الأفكار هي استخدام طريقة الضغط المتحفظ ذلك الذي يقدم الحقائق بهدوء، متخلياً عن أسلوب التهديد أو محاولات استخدام القوة والإرغام، وقد أظهرت نتائج الاختبارات التي تم إجراؤها على طلاب الكليات في المناقشات السياسية اتضح أن الاحتمال يكون أكبر مع الطلبة لتغيير آرائهم السياسية أن قام الطرف الآخر بعرض الحقائق بطريقة تخلو من الانفعال وليس الشعارات الرنانة الصارخة. قل لأحدهم أن فكرتك سخيفة حتماً سيثور، بل سيدافع عن نفسه بكل ما أوتي من قوة لأنك اهنت كرامته وجرحت ذاته، هذه هي الطبيعة البشرية التي لها مفاتيح سحرية لا يعرفها إلا المهرة من الناس .. يدخلون إلى القلوب أولاً عبر الكلمة المهذبة والعبارة الجميلة ليسمح العقل نفسه بالإصغاء الواعي. إذن ما الأساليب الذكية التي تجعل من الشخص محاوراً ناجحاً. بداية لكل إنسان معتقداته وأفكار مزروعة في عقله الباطن، ويتصرف على ضوء هذه المعتقدات. العقل الباطن يختلف عن العقل الواعي، بل هو القوة الخفية التي نمت في أعماقنا منذ الطفولة فالشخص المريض الذي تربى منذ الصغر على أن قراءة سورة المعوذتين تدفع عنه الشر والمرض، بالطبع سيؤتي هذا الأمر نفعه لأن عقله الباطن هو المايسترو، الذي يحرك كل أعضاء جسده وقواه الروحية حتى في حالة النوم سيعطي هذا المايسترو الإشارة والأمر كي تعود الأعضاء إلى صحتها بعد قراءة هاتين السورتين الكريمتين لأنها اعتقاد كامن في العقل الباطن. بناء على هذا المثال يمكن أن نستنتج أن الآخر لن يقبل فكرتك ما لم يسمح العقل الباطن بتمريرها حتى أن وافقك اللسان شفاها .. المهم هو أن الاعتقاد الراسخ في العقل الباطن لا يقبل التغيير بسهولة، بل سيستمر في الدفاع عن فكرته ومعتقده، لهذا يرى علماء النفس أن أفضل مدخل إلى عقل الإنسان هو أسلوب (المقترحات) وهو دس وتمرير الفكرة إلى العقل الباطن بطريقة يصعب على الآخر ملاحظتها، سيفكر في هذا المقترح، وستنطلي هذه الحيلة على اللاشعور لتدخل ضمن الأفكار المزروعة في عقل الإنسان، وستجد لها مكاناً طالما دخلت بصورة لطيفة ومحببة، وذات الإنسان هي الحارس الذي يقف عند مدخل عقله الباط، فلو قمت باحترام هذه الذات وتقديرها سيسمح هذا الحارس أن يفتح الباب نحو العقل الباطن، عندما تناقش الآخر قائلاً له “اعرف أن فكرتك ذات فائدة وقيمة، أو لأنك موظف بارع الأداء ستقتنع بالآتي .. هذه هي بداية الانطلاق.

 

وهنا تأتي هذه الأساليب

۱- دع الطرف الآخر يعرض فكرته أولاً، وأنصت له باهتمام وحب دون مقاطعة وصد، ثم اعرض عليه بعض الأسئلة القصيرة مستفهماً موقفه كي يشعر بأن من يسمعه مهتم به فعلاً، ومعنى تماماً بوجهة نظره، فإن كان المحاور غاضباً فإن هذه الأسئلة التي تعيد شريط أفكاره ستهدئ من روعه وتهيئ جهازه العقلي لاستقبال فكرتك بمنتهى الهدوء.

۲- عندما تناقش قد يعرض عليك الطرف الآخر سؤالاً، توقف قليلاً قبل أن نجيب لأنه سيشعر باهتمامك وبأنك تأخذ وقتاً في التفكير.

۳- من الخطأ جداً أن نفكر بالفوز المطلق على الطرف الآخر كي نبرهن على صحة الموقف .. المهم في الحوار هو إقناع الآخر بوجهة نظرنا دون أن نخسر محبته واحترامه، ونحاول أن نقف عند نقاط التقاء مشتركة معه، هذا هو الهدف.. لهذا نلاحظ دوماً أن الأشخاص الناجحين يقرون دوماً ببعض النقاط التي يقدمها الطرف الآخر، ويجدون بعض نقاط الالتقاء كأن تقول الزوجة لزوجها وهم بصدد اختيار ألوان الستائر، وحدث بينهما اختلاف في الذوق تقول: ” اختيار لهذه الألوان رائع، لكن يمكن أن نستبدلها بأخرى تتفق مع لون الأثاث “.

۴- استخدام أساليب ذكية غير متطرفة وحادة وجازمة أو قاطعة كالتالي: (نعم أستطيع أن ألمس وجهة نظرك).