الحقيقة مرة ، وعليٌّ (ع) تركه الحق وحيداً فهو القائل بمرارة :
(إستوحشت طريق الحق لقلة سالكيه) … !! والنفس وما تشتهي وتقول ، فقول الشهوة لذيذ في سوق المتعة ، وفي سوق المهاترات والجدالات والتحاورات في غياب الضمير والفكر والحق … والكذب سهل لأن إثابته لغير المتفكرين لا يحتاج الى دليل ، والمنطق القوي والحقيقي مزعج فالأشاعات والأقاويل أكثر إنتشاراً من الحقيقة … تقول إحدى الصحفيات : بينما تستعد الحقيقة أن تنزل للأرض وما إن تلامس أقدامها الأرض ، تكون الأكاذيب قد إكتسحت نصف العالم … !! وما شاء الله … فالقنوات تبث الأخبار والتقارير والأفلام والمسلسلات بأنواعها المدبلجة والملجلجة والمعوجة ، والكل يقول الحق ولو تناقض الخبر بالخبر والتقرير بالتقرير وفكرة المسلسل بالحقيقة ، وكل حزبٍ بما لديهم فرحون … أصبح الشعب يستقي الحقيقة من السبتايتل –الشريط الأخباري- لهذه القناة أو تلك ، وتلقنه تلك القنوات المعلومات والدين والسياسة والأقتصاد والتقارير حتى ضاع الكتاب وقارئوه والكتابة وروادها وأصبحنا دمية صغيرة بيد لاعبين كبار يقوموننا ويقعدوننا ويجعلونا متعصبين مرة وطائفيين مرة ومتحررين مرة ويكرهون ديناً ويحببوننا بآخرين ، فأصبح البعض مسحوراً بهم …
( ولا يُفلح الساحر حيث أتى )
فشهوة المتابعة والبرامج والأفلام والتغطيات الأعلامية لا تنقضي وإذا حضرت الشهوة بطل التفكير … !! نرى الاف الأفلام الأكشن والخرافات والكوميديا النشاز ومسلسلات لا فكر فيها غير فلان حب فلان وفلانة حبت فلان ومن ثم أما يتزوجون أو لا يتزوجون مع الكثير من اللقطات الساخنة في المضمون … أهي الحياة كذلك يا ترى ، أم هناك حياة اخرى يجب علينا إحياءها وهي حياة الأخلاق الجميلة والحياة السعيدة والأحترام المتبادل والفكر النبيل والتوجيه العلمي لنيل الحياة الكريمة … !! وانتقلت حمى الكذب والأشاعات والأخبار والمعلومات المضللة والكاذبة وإخفاء الحقائق كل ذلك انتقل لنا في البيت والشارع والمدرسة والدائرة وفي المساجد والمجالس وحتى في حوارات صناع القرار …. لا يعرفون أصحاب الحق لأنهم لا يعرفون ما هو الحق ، فتراهم دوماً في تناقض وتضاد وتناصر مع من تضاد وغيرها من متقلبات الأمور …
في حرب الجمل دخل رجل على علي بن أبي طالب (ع) وسأله قائلاً :
يا علي إنني في حيرة من أمري !! ففي الجيش المقابل هنالك عائشة ام المؤمنين وزوجة رسول الله ، وهنالك طلحة وسماه الرسول طلحة الخير ، وهنالك الرسول من أقرب أصحاب الرسول محمد (ص) … !! وفي جيشك أنت يا علي أخو رسول الله (ص) وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين ومعك أبو ذر وعمار … الخ فمع من الحق يا علي ؟!! فأجابه الأمام بجواب صاعق لو عرفناه نحن من نقول أننا نتبعه ونقتدي به لسلمنا وما مستنا فتنة ، يقول الامام علي (ع) مجيباً السائل : (إعرف الحق تعرف أهله ) .. !! فقط لا غير !! إعرف الحق تعرف أهله … فهل إجتهدنا ودرسنا وتعلمنا ما هو الحق وكيفية الحصول عليه في كل امورنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وغيرها … أم نحن مصرين على فكر وكلام النفس وما تشتهي … !! ومصرين على تكرار الأخطاء ، وأغبى الأغبياء من يعثر بالحجر مرتين … !! يجب التفكير قبل إستلام المعلومة من أي مصدر تلفزيوني بفلم أو مسلسل أو تقرير أو نشرة أخبار ، ويجب التفكر بصيغة الكلام التي تصاغ بها العبارات والكلمات ، لكي لا نصبح كالأطرش في الزفة … !! رغم أن الزفة هي زفتنا نحن … !! فـ (تفكير ساعة خيرُ من عبادة الف سنة) كما يقول علي بن أبي طالب (ع) .