الطاعة والتقوى‌ في القرآن والحديث
  • عنوان المقال: الطاعة والتقوى‌ في القرآن والحديث
  • الکاتب:
  • مصدر: دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم
  • تاريخ النشر: 2:15:47 3-10-1403

قال الله تعالى في كتابه المجيد : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) (۱) ، وقال: ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) (۲) . الطاعة : هي الخضوع لله عز وجل ، وامتثال أوامره ونواهيه ، والتقوي : من الوقاية ، وهي صيانة النفس عما يضرها في الآخرة ، وقصرها علي ما ينفعها فيها (۳) . ولا ريب أن طاعة الله سبحانه هي من أشرف المزايا ، وأجل الخلال الباعثة علي‌ سعادة المطيع ، وفوزه بشرف الدنيا والآخرة ، قال تعالي : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمً ) (۴).

وتواترت الأحاديث الشريفة الحاثة علي طاعة الله سبحانه ، ووجوب امتثال أمره ، حيث روي عن الإمام الحسن الزكي (عليه السلام) في موعظته الشهيرة لجنادة : ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ، وإذا أردت عزاً بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان ، فاخرج من ذلّ معصية الله الي عزّ طاعة الله ) (۵) . وعن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال : ( اصبروا علي‌ طاعة الله ، وتصبّروا عن معصية الله ، فانما الدنيا ساعة ، فما مضي فلست تجد له سروراً ولا حزناً ، وما لم يأت فلست تعرفه ، فاصبر علي ‌تلك الساعة التي أنت فيها ، فكأنك قد اغتبطت ) (۶) . وعن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال : ( اذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس ، فيأتون باب الجنة فيضربونه ، فيقال لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل الصبر ، فيقال لهم : علي‌ما صبرتم ؟ فيقولون : كنا نصبر علي طاعة الله ، ونصبر عن ‌معاصي الله ، فيقول الله (عز وجل) : صدقوا ، أدخلوهم الجنة ، وهو قول الله (عز وجل) : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ) (۷). وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قوله : ( إذا أردت ان تعلم أن فيك خيراً ، فانظر الي قلبك ، فان كان يحب أهل طاعة الله (عز وجل) ، ويبغض أهل معصيته ؛ ففيك خير ، والله يحبك ، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ، ويحبّ أهل معصيته ؛ فليس فيك خير ، والله يبغضك ، والمرء مع من أحب ) (۸) . ومن أعظم وأنفع ما يبعث عليه العقل : تقوي الله تعالي ، وهي من أكبر الذخائر عنده تعالي ، وجاء مدحها في الكتاب العزيز مراراً ، كما في قوله تعالي : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات : ۱۳] ، وقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) [النساء : ۱] ، وقال : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [الحجرات : ۱۰] ، ( وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) [البقرة : ۱۹۷] وغيرها من الآيات الكريمة . وقد علّق الله تعالي علي التقوي خير الدنيا والآخرة ، وأناط بها اعزّ الأماني والآمال ، منها : ۱٫ المحبة من الله تعالي ، فقال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) [التوبة : ۴] . ۲٫ النجاة من الشدائد وتهيئة أسباب الارتزاق ، فقال : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) [الطلاق : ۲] . ۳٫ النصر والتأييد ، قال تعالي : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) [النحل : ۱۲۸] . ۴٫ صلاح الأعمال وقبولها ، فقال تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) [الأحزاب : ۷۰ – ۷۱ ] . وقال : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) [المائدة : ۲۷] . ۵٫ البشارة عند الموت ، قال تعالي : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ) [يونس :۶۳- ۶۴] . ۶٫ النجاة من النار ، قال تعالي : ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْ ) [مريم : ۷۲] . ۷٫ الخلود في الجنة ، قال تعالي : ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران : ۱۳۳] . فتجلي من هذا العرض ان التقوي هي الكنز العظيم ، الحاوي لصنوف الأماني والآمال المادية والروحية ، الدينية والدنيوية (۹) .

وتكون التقوي بطاعة الله تعالي في امتثال أوامره ، والكفّ عن زواجره ، وهي عند الأولياء الخلّص ألذّ من كل ما يتعاطونه في دار الدنيا من أنواع المستلذات علي اختلاف أنواعها ، لما قد أشربت قلوبهم من حبّها ، فاستنارت وأشرقت وابتهجت بها ،‌ لاسيما وقد شابوها بالذكر والعبادة والأعمال الراجحة ، فحقرت نفوسهم الدنيا وما عليها (۱۰) .

وروي عن الإمام علي (عليه السلام) قوله في مناجاة الله تعالي : ( ما عبدتك طمعاً في جنتك ، ولا خوفاً من نارك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة ؛ فعبدتك ) . وهي من أشرف منازل ودرجات العبادة ، ألا وهي عبادة المحبين ، قال تعالي : ( وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) [البقرة : ۱۶۵] ، وهي تبعث علي الاستمرار في العمل ، والخضوع والخشوع والإخلاص ، قال تعالي : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [البينة : ۵] .

_____________________
۱ . سورة الأحزاب : ۷۱٫

۲ . سورة النحل : ۱۲۸٫

۳ . موسوعة أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) ، ‌السيد مهدي الصدر : ص ۱۷۴٫

۴. سورة الفتح : ۱۷٫

۵. المصدر نفسه : ص ۱۷۴٫

۶ . الوافي: ج۳ ، ص ۶۳ عن الكافي .

۷ . بحار الانوار : ج ۲، ص ۴۹ عن الكافي : ج ۲،‌ ص ۷۵، ح۴٫

۸. المصدر نفسه : ح ۱، ص ۲۸۳ ، عن علل الشرائع والمحاسن للبرقي والكافي .

۹. موسوعة أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) ، السيد مهدي الصدر : ص ۱۷۴٫

۱۰ . موسوعة أخلاق أهل البيت ، الشيخ حسين الهمداني : ص ۳۹۸٫