قال العلامة المجلسي إعلم إن الداخلين في الصيام على عدة أصناف وأقسام :
1 ـ صنف دخلوا في الصوم بمجرد ترك الأكل والشرب بالنهار , وما يقتضي الإفطار في ظاهر الأخبار , وما صامت جارحة من جوارحهم عن سوء آدابهم وفضايحهم , فهؤلاء يكون صومهم على قدر هذه الحال صوم أهل الإهمال .
2 ـ صنف دخلوا في الصوم وحفظوا بعض جوارحهم من سوء الآداب على مالك يوم الحساب , فكانوا في ذلك النهار مترددين بين الصوم بما حفظوه والإفطار بما ضيعوه .
3 ـ صنف دخلوا في الصوم بزيادة النوافل والدعوات التي يعملونها بمقتضى العادات , وهي سقيمة لسقم النيات ، فحال أعمالهم على قدر إهمالهم .
4 ـ صنف دخلوا دار ضيافة الله جل جلاله في شهر الصيام ، والقلوب غافلة والهمم متكاسلة ، والجوارح متثاقلة , فحالهم كحال من حمل هدايا إلى ملك ليعرض عليها وهو كاره لحملها إليه ، وفيه عيوب تمنع من قبولها والإقبال عليه .
5 ـ صنف دخلوا في الصوم وأصلحوا ما يتعلق بالجوارح ولكن لم يحفظوا القلب من الخطرات الشاغلة من العمل الصالح , فهم كعامل دخل على سلطانه ، وقد أصلح رعيته بلسانه ، وأهمل ما يتعلق بإصلاح شأنه ، فهو مسؤول عن تقديم إصلاح الرعية على إصلاح ذاته ، وكيف أخر مقدما وقدم مؤخرا ، وخاطر مع المطلع على إرادته .
6 ـ صنف دخلوا في الصيام بطهارة العقول والقلوب، على أقدام المراقبة لعلام الغيوب حافظين ما استحفظهم إياه , فحالهم حال عبد تشرف برضا مولاه .
7 ـ صنف ما قنعوا لله جل جلاله بحفظ العقول والقلوب والجوارح عن الذنوب والعيوب والقبائح ، حتى شغلوها بما وفقهم له من عمل راجح صالح . فهؤلاء أصحاب التجارة المربحة والمطالب المنجحة .
أصناف نيّات أهل الصيام:
وقد يدخل في نيات أهل الصيام أخطار بعضها يفسد حال الصيام ، و بعضها ينقصه عن التمام ، وبعضها يدنيه من باب القبول ، وبعضها يكمل له الشرف المأمول ، وهم أصناف:
1 ـ صنف منهم الذين يقصدون بالصوم طلب الثواب ولولاه ما صاموا ولا عاملوا به رب الأرباب .
فهؤلاء معدودون من عبيد سوء الذين أعرضوا عما سبق لمولاهم من الإنعام عليهم ، وعما حضر من إحسانه إليهم ، وكأنهم إنما يعبدون الثواب المطلوب ، وليسوا في الحقيقة عابدين لعلام الغيوب ، وقد كان العقل قاضيا أن يبذلوا ما يقدرون عليه من الوسائل حتى يصلحوا للخدمة لمالك النعم الجلائل .
2 ـ صنف قصدوا بالصوم السلامة من العقاب ، ولولا التهديد والوعيد بالنار وأهوال يوم الحساب ، ما صاموا .
فهؤلاء من لئام العبيد ، حيث لم ينقادوا بالكرامة ولا رأوا مواليهم أهلا للخدمة ، فيسلكون معه سبل الاستقامة ، ولو لم يعرفوا أهوال عذابه ما وقفوا على مقدس بابه ، فكأنهم في الحقيقة عابدون لذاتهم ، ليخلصوها من خطر عقوباتهم .
3 ـ صنف صاموا خوفا من الكفارات ، وما يقتضيه الإفطار من الغرامات ، و لولا ذلك ما رأوا مولاهم أهلا للطاعات ، ولا محلا للعبادات .
فهؤلاء متعرضون لرد صومهم عليهم ، ومفارقون في ذلك مراد الله ومراد المرسل إليهم .
4 ـ صنف صاموا عبادة لا عبادة . وهم كالساهين في صومهم عما يراد الصوم لأجله ، وخارجون عن مراد مولاهم ومقدس ظله . فحالهم كحال الساهي واللاهي والمعرض عن القبول والتناهي .
5 ـ صنف صاموا خوفا من أهل الإسلام ، وجزعا من العار بترك الصيام ، إما للشك أو الجحود أو طلب الراحة في خدمة المعبود .
فهؤلاء أموات المعنى أحياء الصورة ، وكالصم الذين لا يسمعون داعي صاحب النعم الكثيرة ، وكالعميان الذين لا يرون أن نفوسهم بيد مولاهم ذليلة مأسورة ، وقد قاربوا أن يكونوا كالدواب بل زادوا عليها ، لأنها تعرف من يقوم بمصالحها وبما يحتاج إليه من الأسباب .
6 ـ صنف صاموا لأجل أنهم سمعوا أن الصوم واجب في الشريعة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) . فكان صومهم بمجرد هذه النية من غير معرفة بسبب الإيجاب ، ولا ما عليهم لله جل جلاله من المنة في تعريضهم لسعادة الدنيا ويوم الحساب ، فلا يستبعد أن يكونوا متعرضين للعتاب .
7 ـ صنف صاموا وقصدوا بصومهم أن يعبدوا الله تعالى . كما قدمناه لأنه أهل للعبادة فحالهم حال أهل السعادة .
8 ـ صنف صاموا معتقدين أن المنة لله جل جلاله عليهم في صيامهم ، وثبوت أقدامهم ، عارفين بما في طاعته من إكرامهم ، وبلوغ مرامهم .
فهؤلاء أهل الظفر بكمال العنايات ، وجلال السعادات .
أهل الصيام والمراقبة:
واعلم أن لأهل الصيام ( مراقبة ) مع استمرار الساعات واختلاف الحركات والسكنات في أنهم ذاكرون أنهم بين يدي الله ، وأنه مطلع عليهم ، وما يلزمهم لذلك من إقبالهم عليه ، ومعرفة حق إحسانه إليهم ، فحالهم في الدرجات على قدر استمرار المراقبات ، فهم بين متصل الإقبال ، مكاشف بذلك الجلال ، وبين متعثر بأذيال الإهمال ، وناهز من تعثره بإمساك يد الرحمة له والأفضال ، ولا يعلم تفصيل مقدار مراقباتهم وتكميل حالاتهم إلا المطلع على اختلاف إراداتهم ، فارحم روحك أيها العبد الضعيف الذي قد أحاط به التهديد والتخويف ، وعرض عليه التعظيم والتبجيل والتشريف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بحار الأنوار / العلامة محمد باقرالمجلسي / ج 94 / ص 345 - 348. و إقبال الأعمال لابن طاووس / ج 1 / 187. بتصرف.