تطبيق مقامات الصلاة على مقامات الإنسان
  • عنوان المقال: تطبيق مقامات الصلاة على مقامات الإنسان
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 2:6:35 3-10-1403

اعلم أنه كما للإنسان مقامات و مدارج فإن له باعتبار مقامين: مقام الدنيا و الشهادة ومقام الآخرة والغيب. فأحدهما ظلّ الرحمن والآخر ظلّ الرحيم وبحسب هذا الاعتبار فالإنسان واقع في ظل جميع الأسماء ذوات الظل، ومربوب للأسماء الربوبية، وفي حيطة اسمي الرحمن و الرحيم كما جمع ذلك سبحانه في الآية الشريفة: (بسم الله الرحمن الرحيم).

ويقول العرفاء ظهر الوجود ببسم الله الرحمن الرحيم. وهذان المقامان ابتداء من ظهور المشيئة المطلقة من مكامن الغيب الأحدي إلى مقبض الهيولى، أو مقبض الأرض السابعة (التي هي عبارة عن حجاب الإنسانية على طريقة العرفاء الشامخين) وهذا أحد قوسي الوجود. ومن مقبض تراكم الفيض إلى منتهى النهاية لغيب المشيئة وإطلاق الوجود، وهذا هو القوس الثاني موجودة في الإنسان الكامل. فالإنسان الكامل بحسب هذين المقامين: أي مقام الشهادة والظهور بالرحمانية، ومقام الغيب و الظهور بالرحيمية، هو تمام دائرة الوجود. (ثم دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى). وأحد هذين حقيقة ليلة القدر وسرّها لأن شمس الحقيقة في حجاب التعيّنات، والآخر حقيقة يوم القيامة لأنه بروزها وطلوعها من أفق حجاب التعيّنات وهما اليوم والليلة الالوهيان. وباعتبار آخر، للإنسان ثلاثة مقامات: الأول، مقام الملك والدنيا. والثاني، مقام البرزخ. والثالث، مقام العقل والآخرة. وهذه المقامات الثلاثة في الإنسان الكامل هي مقام تعيّنات المظاهر و الآخر مقام المشيئة المطلقة التي هي برزخ البرازخ. وباعتبار، عبارة عن مقام العماء والثالث مقام أحدية جمع الأسماء ويمكن أن تكون الآية الشريفة: (بسم الله الرحمن الرحيم) إشارة إلى هذه المقامات الثلاثة (فالله) مقام أحدية الأسماء و(اسم) مقام البرزخية الكبرى. وأما المشيئة فهي التعينات الرحمانية والرحيمية. وباعتبار آخر له أربعة مقامات: الملك والملكوت والجبروت واللاّهوت. وباعتبار آخر له خمسة مقامات: الشهادة المطلقة والغيب المطلق والشهادة المضافة والغيب المضاف ومقام الكون الجامع طبقاً للحضرات الخمس المتداولة في لسان العرفاء. وباعتبار آخر له سبعة مقامات وهي المعروفة بالمدن السبع للعشق والبلاد السبعة للوجود في ألسنة العرفاء. وبالاعتبار التفصيلي له مائة منزل أو ألف منزل وتفصيلها خارج عن مجال هذا المختصر. فكذلك هذه المقامات موجودة حذو النعل بالنعل للصلاة التي لها في العبادات والمناسك الإلهية مقام الجامعية والعمودية، وذلك لأن جميع المقامات المعنوية الإنسانية على حسب سفره المعنوي من منتهى النزول في العالم الملكي الذي هو بيت النفس المظلم، إلى الغاية القصوى والمعراج الحقيقي الروحاني وهو الوصول إلى فناء الله. إنّ براق سير أهل المعرفة ورفرف عروجهم الصلاة ولكل واحد من أهل السير و السلوك إلى الله صلاة مختصة به، وله من صلاته حظ ونصيب على حسب مقامه كما أن غيرها من المناسك كالصوم والحج، هو كذلك وان لم تكن جامعيّته كالصلاة. (الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق) وليس لغيرهم الذين لم يصلوا إلى ذلك المقام حظٌ من صلاتهم بحيث أن صاحب كل مقام ونشأة إن لم يترجل من مركب العصبية و الأنانية ينكر غيره من المراتب، ويرى غير الذي هو متحقّق به من بقية المقامات باطلاً وحشواً. كما أن من لم يصل إلى المراتب و المقامات الإنسانية ولم يخرج من حجاب الأنانية ينكرها أيضاً ويحسب معارج أهل المعرفة ومدارجهم تافهة وهذا من أكبر عوائق السير إلى الله، وأعظم موانع الارتقاءات الروحية و المقامات الروحانية، وإن النفس الأمارة بواسطة حبها لنفسها ولزخارف الدنيا تبقى في الحجاب الظلماني وتساعدها الوساوس الشيطانية حتى تخلد إلى الأرض. حتى أن الأمر يصل بذلك المنكر أحياناً إلى أن يرى صلاة الأولياء الكمّل وصيامهم نظيرة لصلاته وصيامه وإن اعتقد أن ما يميّز بين فعلهم وفعل نفسه إنما هو الآداب الظاهرية فقط كحسن القراءة وطول الركوع والسجود وغيرها التي هي صورة الصلاة،وإذا تجاوز في الميز عن هذا الحدّ فيرى غاية الامتياز بإقبال القلب عند الصلاة والتفكر في المعاني والمفاهيم العرفية لها من دون أن يكون له أيّ إطّلاع على حضور القلب ومراتبه وأسراره وكيفية تحصيله، أو أن يكون هو في صدد تحصيله ورفع موانعه وتحصيل مقتضياته ولو بالمقدار الذي اصطنعه لنفسه. على أن صلاة الأولياء عليهم السلام لا تستقيم في أوهامنا وإن أول مرتبة من مراتب عبادتهم وهي المرتبة المعمولة الشائعة لهم هي عبادة الأحرار ولهم في هذا السير المعنوي إلى الله مقامات ومدارج أخرى نشير إلى بعضها بعد ذلك. وبالجملة إن للصلاة مقامات ومراتب بحيث تكون صلاة المصلي في المرتبة التي هو فيها تختلف عن صلاته في المرتبة الأخرى اختلافاً كبيراً، كما أن مقامه يختلف مع سائر المقامات اختلافاً كثيراً. فما دام الإنسان في صورة الإنسان وهو إنسان صوري فصلاته أيضاً صورية. وصورة الصلاة وفائدتها إنما هي بالنسبة إلى صحتها الفقهية وكونها مجزيةً بالأجزاء الصورية الفقهية هذا إذا قام بجميع أجزائها وشرائط صحتها وعلى الرغم من أنها فاقدة لشرائط القبول وغير مرضية من الله تعالى. فإذا تجاوز المصلي من المرتبة الظاهرية إلى المرتبة الباطنية وعن الصورة إلى المعنى فتكون صلاته صلاة حقيقية بمقدار ما هو متحقق فيها من معنى الصلاة وباطنها وسرّها. بل على ما أشرنا إليه من أن الصلاة هي مركب السلوك وبراق السير إلى الله فينعكس الأمر بمعنى أن الصلاة ما دامت صورة الصلاة ولم تتحقّق بمرتبتها الباطنية وسرها فالإنسان المصلي بها أيضاً إنسان صوري ولم يتحقق بحقيقة الإنسانية. فالميزان في كمال الإنسانية وحقيقتها هو العروج إلى المعراج الحقيقي والصعود إلى أوج الكمال والوصول إلى باب الله بمرقاة الصلاة. فيلزم لمؤمن الحق والحقيقة والسالك إلى الله بقدم المعرفة أن يهيئ نفسه لهذا السفر المعنوي والمعراج الإيماني، وأن يتزوّد بما يلزمه من العدّة والمؤونة والمعونة، ويبعد عن نفسه العوائق والموانع للسير ويقطع هذا الطريق مع الجنود الإلهية ومصاحب موافق ليكون مصوناً ومحفوظاً من الشيطان وجنوده الذين هم قطاع طريق الوصول، ونحن نبيّن بعد ذلك المصاحبة والمصاحب ونبيّن الجنود الإلهية في أسرار الأذان والإقامة. ومحصّل مقصودنا من هذا الفصل أن للصّلاة بل لجميع العبادات غير هذه الصورة وهذا القشر والمجاز لباطناً ولباً وحقيقة وهذا معلوم من طريق العقل وله شواهد كثيرة من طريق النقل، وذكر جميعها خارج عن مجال هذه الأوراق ولكن نزيّن هذه الأوراق بذكر بعض منها. فمنها الحديث المشهور (الصلاة معراج المؤمن) ومن التفكر والتدبّر في هذا الحديث الشريف يفتح لأهله أبواباً محجوبون ومحرومون من أكثرها، وتستفاد جميع البيانات السابقة من هذا الحديث الشريف. ومنها الحديث الشريف في الكافي بإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال: العبادة (كتاب الوسائل).

” إن العباد – نسخة الكافي” ثلاثة:قوم عبدوا الله عز وجل خوفاً فتلك عبادة العبيد،وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلباً للثواب فتلك عبادة الأجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبّاً له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادات).

وأيضاً في الوسائل عن (العلل والمجالس والخصال) للشيخ الصدوق رضوان الله عليه بإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ” إن الناس يعبدون الله عزّ وجل على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع،وآخرون يعبدونه خوفاً من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة، ولكني أعبده حُباً له عز وجل فتلك عبادة الكرام وهو الأمن لقوله عز وجل (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)(النمل۸۹). ولقوله عز وجل (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)(آل عمران/۳۱) فمن أحب الله عز وجل أحبّه الله ومن أحبّه الله تعالى كان من الآمنين”. وفي نهج البلاغة أيضاً ما يقرب من

هذه المضامين. ومنها قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم “اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” وهذا القول إشارة إلى مقامين من حضور القلب في المعبود كما سيأتي. وعنه صلى الله عليه وآله ” إن الرجلين من أمتي يقومان في الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد، وإن ما بين صلاتيهما ما بين السماء والأرض”. وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يقول “طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما تراه عيناه ولا ينسى ذكر الله بما تسمع أذناه ولم يحزن صدره بما أعطى غيره”. ونحن نذكر الإخلاص بعد ذلك إن شاء الله. فبعد التدبر في هذه الأحاديث الشريفة والتفكّر في أحوال أئمة الهدى سلام الله عليهم وأنهم كانوا في وقت أداء هذه الأمانة يتغير لون بعضهم وترتعد فرائص بعضهم الآخر، ويغشى على بعضهم وقد غفلوا عن ما سوى الله بكلّيتهم حتى عن ملك البدن ومملكة وجودهم. ليُعلَمُ أن حقيقة هذه العبادات الإلهية والنسخة الجامعة التي رتبت بالكشف المحمّدي لاستخلاص هذه الطيور القدسية من قفص الطبيعة الضيق، ونزّلت على قلبه المقدس ليست هذه الصورة الدنيوية و الهيئة الظاهرة الملكية، لأن هذه الصورة يستطيع أن يقوم بها بشرائط الصحة والكمال الصوري لها كل عالم يعرف المسائل، وكل عامّي تعلّم الأبجديّة ويخرج عمّا في عهدته ويبرئ ذمته ولا يحتاج إلى هذا المقدار من تغيّر الألوان وارتعاد الفرائص ولا معنى للخوف والخشية من القصور و التقصير ونحن نختم هذا الفصل بذكر حديث واحد يكفي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. عن كتاب فلاح السائل للعارف السالك المجاهد ابن طاووس رضي الله عنه قال جاء في الحديث أن رزاما مولى خالد بن عبدالله الذي كان من الأشقياء سأل الإمام جعفر بن محمّد عليه السلام بحضرة أبي جعفر المنصور عن الصلاة وحدودها. فقال عليه السلام ” للصلاة أربعة آلاف حدّ لست تفي بواحد منها فقال أخبرني بما لا يحل تركه ولا تتم الصلاة إلا به فقال عليه السلام لا تتم الصلاة إلا لذي طهر سابغ،وتمام بالغ غير نازغ ولا زائغ، عرف فأخبت فثبت وهو واقف بين اليأس والطمع والصبر والجزع، كأنّ الوعد له صنع والوعيد به وقع. بذل عرضه وتمثل غرضه، وبذل في الله المهجة وتنكّب إليه المحجّة غير مرتغم بارتغام يقطع علائق الاهتمام بعين من له قصد واليه وفد وعنه استرفد. فإذا أتى بذلك كانت هي التّي تنهى عن الفحشاء والمنكر ” الحديث. ويطول بيان هذا الحديث الشريف على مسلك أهل المعرفة وتطبيقه مع أركان الصلاة ومقاماتها ولعلنا نشير إلى بيان بعض فقراته في بعض المقامات. فلو كانت هذه الحدود أربعة آلاف التي ذكرها الإمام الصادق عليه السلام من الحدود الظاهرية والآداب الصوريّة لم يقل لست تفي بواحد منها لأنه من المعلوم أن كل أحد يستطيع أن يقوم بالآداب الصورية للصلاة لكن قطع العلقة عن غير الحق والوفود إلى حضرته وبذل المهجة في سبيله وترك الغير والغيرية بالمرّة من الأمور التي لا تتيسر لكل أحد سوى لأهل المعرفة وأصحاب المعارف الإلهية والأولياء الكمّل المحبّين و المجذوبين فطوبى لهم ثم طوبى لهم وهنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم.