مشهد المشرّفة (1)
من 12 إلى 20 مليون زائر سنوياً يرددون : (( السلام عليك يا علي بن موسى الرضا (عليه السلام))) .
مهما ردد المؤمنون من بعيد زيارة ثامن الأئمة (عليهم السلام) قائلين: (( السلام عليك يا غريب .. يا بعيد المدى .. يا أنيس النفوس ، يا علي بن موسى الرضا (عليه السلام))) ، فإن زيارة مرقده المعظم حيث هو، تبقى أمنية غالية لديهم ، لما للإمام (عليه السلام) من منزلة عظيمة ولما لزائره من كبير أجر وثواب .. وهناك إلى مشهد التي قامت واستمرت ببركته ، تُشَدّ الرحال وتتقاطر وفود الزوّار من كل حدب وصوب ، حتى لتضيق المدينة على سعتها في مواسم الزيارة بالمشتاقين للإمام الذي تواضع لله فأعزّه، وللغريب الذي صار ملجأ يتفيّأ ظله أهل البلاد .
مشهد .. المنطقة:
مدينة مشهد المشرّفة التي تحتضن مرقد الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هي العاصمة الحالية لمنطقة خراسان ، ووجود مشهد وما ترمز إليه مرتبط بتاريخ هذه المنطقة وانعكاسه على سكانها:
خراسان هي الإقليم الكبير الواسع الذي يقع شمال شرق إيران ، وهي كانت قديماً ولم تزل حاضراً من أهم ولايات إيران.
واسمها مؤلف من كلمتين إحداهما (خُر) وهي اسم الشمس بالفارسية الدرّية و (آسان) وتعني الموقع والبلاد ، أي أنها بلاد الشمس أو مطلع الشمس .
وطبيعة خراسان كطبيعة قارة آسيا ، تجمع بين السهل والجبل، والخصب والجدب، ووفرة المياه وسعة الصحراء، والجفاف، ويسود الاعتدال في كثير من جهاتها في جميع فصول السنة .. تجري في أراضيها أنهر عديدة منها: (كشف رود) ، (تجن) ، (أترك) ، (مرغاب) ، و(سيحون) .
ولذا عرفت هذه المنطقة بحاصلاتها الزراعية وثرواتها الحيوانية والطبيعية الوفيرة ، وهي تضم كذلك بعض المعادن .
ونظراً إلى بيئتها الطبيعية الصالحة للسكن واستعداد سكانها الفطري لما تمتعوا به على الدوام من حيوية وحب للعمل ، فقد شهدت هذه المنطقة قيام حضارة قديمة متنوعة تناولت صنوف الثقافة والدين والأدب والصناعة.
وبينما كانت خراسان البوابة الرئيسية لدخول الشعوب الآرية متجهة نحو الجنوب والجنوب الشرقي ، كانت كذلك مهد ظهور الشعب الإيراني من بين الأقوام الآرية على صعيد الوجود السياسي والاجتماعي .
عرفت خراسان قبل الإسلام أدياناً كثيرة أهمها: الصابئة والبوذية والزرداشتية والمانوية.
وإضافة إلى مدينة مشهد ، تضم خراسان مدناً عديدة منها: سبزوار ، طبس ، نيشابور ، فردوس ، قوجان ، تربة حيدرية ، شيروان ، واسفراين.
خراسان في ظل الإسلام:
حينما دخل الإسلام خراسان لم يعان من الخراسانيين ما اعتاد أن يعانيه في أي بلد دخله لأول مرّة ، بل ألفى عندهم استعداداً للمناقشة، ومعرفة كاملة بفلسفة الأديان وأهدافها، فقد تمشّت تعاليم الإسلام مع ما جبل عليه الخراسانيون من إمعان النظر في الكون والتأمل في الحياة وأسرارها.
وكان للقرآن أثره في نفوسهم .
يقول ياقوت الحموي عن أهل خراسان : ( ثم أتى الإسلام فكانوا فيه أحسن الأمم رغبة، وأشدهم إليه مسارعة، منّاً من الله عليهم، وتفضلاً لهم، فأسلموا طوعاً، ودخلوا فيه سلماً، وصالحوا عن بلادهم صلحاً ).
واختلف الرواة في تاريخ فتح المسلمين لخراسان ، فذهب بعضهم إلى أن ذلك كان في السنة الثامنة للهجرة في زمن خلافة عمر بن الخطاب ، وقال بعضهم إن ذلك كان في زمن عثمان ، ففي سنة 32 هـ تم فتح مرو وطالقان الجوزجان وغيرها .
وفي سنة 37 هـ بعث الإمام علي (عليه السلام) جعدة بن هبيرة المخزومي عاملاً من لدنه على خراسان.
وفي عام 79 هـ تولى عليها المهلّب ابن أبي صفرة ، ثم أتى بعده قتيبة بن مسلم الباهلي عام 86 هـ وتوسعت رقعة خراسان في إمارته حتى اجتازت حدود الصين .
وقد نشب الصراع بين أهل خراسان والأمويين لما لاقوه من ظلمهم واستهتارهم .. وانضمّ الخراسانيون إلى أعداء الأمويين وهم العباسيون بقيادة أبي مسلم الخراساني ، الذي أخذ البيعة من الناس للرضا (أو للرضى) من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، وقد مهّد أبو مسلم بانتصاراته على الأمويين طريق الحكم للعباسيين سنة 132 هـ ، ثم أصبح عاملهم الأول على خراسان في زمان خلافة السفاح ، ولكن المنصور غدر به وقتله.
وسرعان ما أدرك الخراسانيون أن العباسيين لم يكونوا أفضل حالاً من الأمويين في سفك الدماء والتعذيب والسلب والنهب ، لذلك مالوا إلى العلويين ، الذين كانوا قد بدأوا بثورات عدّة في أنحاء البلاد الإسلامية لتصحيح الانحرافات ولاستعادة حقهم الذي سلبه أبناء عمومتهم العباسيون.
وعرف أكثر الخراسانيين فقه أهل البيت (عليهم السلام) منذ ذلك الحين .
كما أدى هذا الوضع إلى قيام ثورات أخرى على العباسيين كثورة رافع بن ليث شمال خراسان ، وثورة حمزة بن عبد الله الخارجي في سيستان مما أجير هارون الرشيد على أن يحضر إلى خراسان مصحوباً بابنه المأمون ليخمد تلك الثورات بعدما تفاقم أمرها.
وحينما وصل الرشيد إلى طوس مرض وتوفي هناك عام 193 هـ ودفن في سناباد حيث (مشهد) الآن.
وبعدما حسم المأمون أمر الخلافة لصالحه بعد قتله أخاه الأمين على يد قائد جيشه طاهر بن الحسين سنة 198 هـ اتخذ من (مرو) في خراسان عاصمة له , ومن ثم جعل الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولياً لعهده بعدما استقدمه من المدينة المنوّرة ، نظراً لما علمه المأمون من موالاة الناس لأهل البيت (عليهم السلام) وتعاطفهم مع الثورات التي كانت تقوم باسمهم ضد العباسيين وذلك سنة 201 هـ .
وبعد انتقال المأمون إلى بغداد ليقمع تمرد العباسيين عليه حكم خراسان الطاهريون ، وقد حكم السامانيون خراسان حكماً مستقلاً.
وفي عام 347 هـ حكمها الغزنويون وقد أحدثوا تدميراً واسعاً في خراسان ، وفي عام 438 هـ حكمها السلاجقة وهم أتراك ، ثم جاء بعدهم المغول الذين دمّروا خراسان أثناء زحفهم عليها , وبعد رحيل المغول جاء زحف هولاكو عام 651 هـ .
ومع مجيء الصفويين في نهاية القرن العاشر الهجري ازداد الاهتمام بخراسان ، ومرّت عليها بعد ذلك فترة مظلمة استمرت حتى حكم نادر شاه سنة 1145 هـ ..
وقد اشتهر في خراسان في مختلف العصور الإسلامية عدد كبير من العلماء والرجال ومنهم : أحمد بن حنبل ، والجويني إمام الحرمين، والبخاري ، وأبو الصلت الهروي والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ، وعطاء الخراساني والغزالي وغيرهم.
مشهد ... المدينة:
ما أن يشرف الزائر القادم بالسيارة من بين الربى والجبال ـ أو من فوق تلك الجبال للقادم بالطائرة ـ على مدينة مشهد المشرّفة حتى يراها هي الأخرى قائمة في حجر الجبال ، ويلمح عن بعد أميال القبة الذهبية البرّاقة، القائمة وسط المدينة فوق ضريح ثامن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، فلا يملك إلاّ أن يقرأ آيات التبريك وإلاّ أن يبعث بسلامه إلى الراقد تحت تلك القبّة المعظّمة:
(( السلام عليك يا علي بن موسى الرضا )) .
تبعد مدينة مشهد 892 كلم عن العاصمة الإيرانية طهران ، وتقع على ارتفاع 985 متراً عن سطح البحر في وادي (كشف رود) أو سهل طوس الذي يتراوح عرضه بين عشرة وخمسة عشر ميلاً ، وهو سهل غني بالخضرة والأشجار المثمرة .. تحيط بمشهد جبال عالية يبلغ ارتفاع بعضها نحو 3000 متر ومنها : جبال نيشابور وهزار مسجد وتوران ونوقان وهي تشتهر بالمعادن والأحجار الكريمة كالنحاس والرصاص والكحل والفيروز.
فالمدينة إذاً باردة الشتاء ، جيدة الهواء .
اسمها وتاريخها:
كانت تسمى سابقاً (سناباد) وهي قرية كانت تقع بجوار قريتين هما طابران ونوقان وقد أصبحتا تشكلان مع سناباد مدينة مشهد الحالية ، وقد كانت هذه القرى تابعة لمدينة طوس القديمة ، التي كثيراً ما تحشر خطأ مع مدينة مشهد التي تعتبر وريثتها إلى حدٍ ما.
وطوس كانت تبعد حوالي 30 كلم عن سناباد ، وهي لم تعد قائمة منذ هدمها سنة 791 هـ ميرانشاه أحد أولاد تيمورلنك ، وقتل أكثر أهلها وقد فرّ الباقون والتجأوا إلى سناباد حيث احتموا بالمشهد الرضوي الذي سلم وسلمت المدينة ببركته من تخريب المغول الذين دمّروا خراسان بأسرها, وما لبثت سناباد التي ازدادت أهميتها بعد دفن الإمام الرضا (عليه السلام) فيها أن اتسعت لتضمّ طابران ونوقان واقتربت بمساحتها من طوس القديمة ، وهكذا غلب اسم المشهد المقدّس للإمام الرضا (عليه السلام) على سناباد فأصبحت تعرف باسم (مشهد).
وقد توالت على مشهد المدينة وعلى المرقد الرضوي الشريف عهود حظيا خلالها بعناية واهتمام بعض الحاكمين وبنقمة وتخريب البعض الآخر.
فقد اعتنى ببنائها السلطان محمد الغزنوي ليعوّض تخريب والده سبكتكين لها عام 428 هـ ، كما حظيت بعناية خاصة من السلطان محمد خدابنده (عبد الله) حفيد هولاكو الذي أسلم واعتنق المذهب الشيعي على يد العلاّمة الحلّي بعدما كانت أمه المسيحية قد عمّدته وسمّته نقولا ، وحكم من (703 حتى 716 هـ) وقد رمّم الحرم الذي كان قد اعتدى عليه المغول وزيّنه.
كذلك اهتم بها كثيراً الملك شاهرخ بن تيمورلنك (807 ـ 840 هـ) الذي عمل بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، حيث جدد بناء المدينة وأسوارها وعني ببناء الروضة الرضوية.
وقد بنت زوجته (گوهرشاد) سنة 821 هـ مسجداً فخماً وضخماً إلى جانب الحرم الرضوي ما زال قائماً يحمل اسمها حتى الآن .
كما أنشأت مدرسة بيريزاد ذات البناء الرائع والتي ما زالت شاخصة هي الأخرى , وشاركهما هذا الاهتمام ابنهما الأمير بايسنقر.
وكان للصفويين اهتمام بالغ بالمدينة تعظيماً للإمام الرضا (عليه السلام) برز في النواحي العمرانية والمشاريع الاقتصادية.
وأصبحت مشهد عاصمة (نادر شاه) الذي ترك آثاراً كثيرة فيها.
وكذلك اهتم القاجاريون بالمدينة لتحسين صورتهم أمام الشعب المتعلق بالمشهد المطهّر , وإضافة إلى التخريب والدمار الذي طال المدينة والمرقد الرضوي في العهود المختلفة من قبل سبكتكين الغزنوي والمغول ، فقد اعتدى عليها ونهبها عبد المؤمن زعيم قبائل الأوزبك في أوائل العهد الصفوي ، وقد استطاع الشاه عباس الصفوي استرجاع ما نهبه هذا من الروضة وقام بترميمها.
وأخيراً فقد احتل الروس القياصرة مدينة مشهد عام 1911م وقصفوا الحرم الشريف بالقنابل وأنزلوا به أضراراً فادحة وقتلوا كثيراً من الزوّار.
ومشهد اليوم تعتبر ثاني مدن إيران من حيث عدد السكان ، وهي مدينة جميلة ذات شوارع عريضة محاطة بالأشجار المتشابكة, وتنتشر في مناطقها الجديدة الحدائق العامة ، كما تقع بالقرب منها مصايف مشهورة يقصدها المستجمّون .. وهي غنية بمساجدها المعمورة ومدارسها العلمية العريقة وجامعاتها الحديثة , ومن هذه المدارس مدرسة ميرزا جعفر المجاورة للمقام ، بنيت سنة 1059هـ وفيها قبر الحّر العاملي من كبار علماء الإمامية , وقد جُدد بناؤها بعد الثورة الإسلامية وسُميت بجامعة العلوم الإسلامية ، ومدرسة مستشار تأسست في عهد ناصر الدين شاه، ومدرسة عباس قلي خان تأسست سنة 1077هـ .
وفي مشهد مقابر لكثير من المشاهير منها مقبرة الشاعر فردوسي صاحب كتاب (شاهنامه) ومقبرة أبي الصلت الهروي المتوفى في سنة 236هـ وهو من أصحاب الأمام الرضا (عليه السلام) ومقبرة الشيخ الطبرسي صاحب تفسير البيان (ت 548 هـ)، ومقبرة الشيخ البهائي العاملي من أعاظم علماء الإمامية ، إضافة إلى مقبرة الشيخ الحرّ العاملي.
وتنتشر في مشهد مئات الفنادق وبيوت السكن الخاصة بالزوار (مسافر خانه) و (مهمان خانه)، إذ يفد إلى المدينة أكثر من 13 مليون زائر وسائح سنوياً من داخل إيران وخارجها, وفيها أسواق ذات طرز هندسية إسلامية، كسوق الإمام الرضا (عليه السلام) والسوق المركزي وسوق السجاد (عليه السلام) وسوق الباقر (عليه السلام) وغيرها.
صاحب المقام الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
هو أبو الحسن الرضا علي بن موسى بن جعفر الصادق ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب ، ثامن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وُلد في المدينة المنوّرة سنة 148 أو 153 هـ واستشهد في طوس ـ سناباد ـ من أعمال خراسان في إيران سنة 203 هـ .
وقد بقي مع أبيه الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) نحواً من ثلاثين سنة شاهد فيها ضروب المحن والبلايا التي أحاطت به من قبل الحكّام العباسيين رغم وقوفه موقف المسالم للحكم ، وإلى جانب مأساة أبيه كان الإمام الرضا (عليه السلام) يشاهد بألم ومرارة تلك الأحداث القاسية التي التهمت الكثير من أهل بيته وبني عمومته ، دون أن يملك القدرة على التخفيف من حدتها أو مواجهتها.
لمحة عن خصائصه وصفاته:
لابدّ وأن يكون الإمام بنظر الإمامية أعلم الناس وأعرفهم بما تحتاج إليه الأمة سواءً في ذلك ما يتعلق بأمور الدين أم غيرها من ضرورات الحياة، وأن يكون بالإضافة إلى ذلك أعبدهم وأزهدهم وأكملهم في أخلاقه وشيمه.
وقد روى لنا التاريخ الكثير من مواقف الإمام الرضا (عليه السلام) العلمية ومناظراته التي كان يخرج منها منتصراً على خصومه ، كما روى الكثير من مختلف العلوم التي كان يمدّ بها رواد العلم ورجالات الفكر.
وجاء عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه كان يقول لبنيه: (( هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد، فاسألوه عن دينكم واحفظوا ما يقول لكم ، فإني سمعت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) أكثر من مرّة يقول : إن عالِم آل محمد لفي صلبك وليتني أدركته فإنه سميّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) )).
وروى الرواة عن إبراهيم بن العباس الصولي أنه قال : ما رأيت الرضا (عليه السلام) سُئل عن شيء إلاّ علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان جوابه كله انتزاعات من القرآن المجيد.
وقال المأمون لمن ثقل عليهم اختياره (عليه السلام) ولياً لعهده من بني العباس : وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فما بايعت له إلاّ مستبصراً في أمره عالماً بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلاً ولا أظهر عفة ولا أورع زهداً في الدنيا ولا أطلق نفساً ، ولا أرخى للخاصة والعامة ولا أشد في ذات الله منه .
وجاء عن أبي الصلت الهروي أنه قال : ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي.
وامتاز الإمام الرضا (عليه السلام) مع ذلك بخلق رائع ساعده على أن يجتذب بحبه العامة والخاصة، استمده من روح الرسالة التي كان من حفظتها والأمناء عليها والوارثين لها.
وقد نصّ على إمامته والده الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من بين أولاده العشرين ولقب : بالرضا الصابر والوفي والصادق والفاضل وغيظ الملحدين وغير ذلك.
مدّة إمامته بعد شهادة والده (عليه السلام) كانت عشرين سنة.
ولاية العهد وشهادة الامام (عليه السلام):
بعدما قتل الخليفة العباسي المأمون أخاه الأمين واستقل بالحكم ، أراد أن يعهد بولاية عهده لأحدٍ من بعده .. ولما كان المأمون يتظاهر من جهة بالعطف على آل علي (عليه السلام) وبرغبته في إنصافهم بعد ظلم أسلافه الكبير لهم ، ولما كان يريد أن يمتص نقمة العلويين وثوراتهم المتتالية في أنحاء البلاد ضد أسلافه من جهة ثانية ، رأى أنه ليس في الهاشميين أفضل من علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ليوليه عهده ويحقق له رغباته هذه.
وهكذا استدعى المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) من المدينة ، الذي رفض العرض بشدة في بادىء الأمر ولكنه استجاب بعد التهديد بالقتل، وانتقل إلى (مرو) عاصمة المأمون في خراسان .. وهناك في سنة 201 هـ تمت البيعة للإمام (عليه السلام) بولاية العهد، التي قبلها مكرهاً مشترطاً عدم إقحامه في أمور السلطة.
وبعد سنتين بقي فيها الإمام (عليه السلام) محل تكريم وتعظيم الناس له ، وأثناء خروج المأمون إلى بغداد مصطحباً الإمام (عليه السلام) معه استشهد الرضا (عليه السلام) في قرية سناباد مسموماً.
وقد توجّهت التهمة بقتله إلى المأمون الذي أراد أن يرضي بهذا الفعل أنسباءه العباسيين الغاضبين من تولية الإمام الرضا (عليه السلام).
ودفنه المأمون إلى جوار قبر أبيه هارون الرشيد في سناباد وكان ذلك في صفر سنة 203 هـ .
ومنذ ذلك الحين أضحى قبره الشريف مقصداً لوفود زوار أهل البيت (عليهم السلام) الذين اعتادوا التشرف بزيارة عتباتهم وأضرحتهم الشريفة من داخل إيران ومن شتى أنحاء العالم، في المناسبات المختلفة وما أكثرها ، متحملين أعباء السفر من أجل الإقامة لعدة أيام لإجلاء قلوبهم وتنقيتها بزيارة مرقد ثامن الأئمة (عليهم السلام) ونيل مرادهم وقضاء حوائجهم ببركة هذا اللقاء حيث يتأكد قضاء ثلاث حوائج لكل زائر مخلص في دعائه وزيارته.
فضل زيارته (عليه السلام):
جاء في رواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله: (( ستدفن بضعة مني بأرض خراسان لا يزورها مؤمن إلاّ أوجب الله عز وجلّ له الجنة وحرّم جسده على النار )).
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (( سيُقتل رجل من وُلدي بأرض خراسان بالسمّ مظلوماً ، اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابن عمران موسى (عليه السلام) ، ألا فمن زاره في غربته غفر الله ذنوبه ... )).
وعن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) قال: (( من زار ابني هذا وأومأ بيده إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فله الجنة )).
وعن الرضا (عليه السلام) قوله: (( ... ولا تنقضي الأيام والليالي حتى يصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له )).
مما جاء في مدحه ورثائه:
أكثر الشعراء في مدح الإمام الرضا (عليه السلام) في حياته كما عبّروا عن بالغ تأثرهم بعد استشهاده .. ومما قاله فيه أبو نواس:
قيل لي أنت أوحدُ الناس طرّا ً* * * في فنون من الكلام النبيه
لك في جوهر الكلام بديع * * * يثمر الدُّرّ في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى * * * والخصال التي تجمّعن فيه
قلت لا أهتدي لمدح إمامٍ * * * كان جبريل خادماً لأَبيه
وقال أبو فراس الحمداني:
باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته * * * وأبصروا بغضه من رشدهم وعموا
وأكثر دعبل من مراثيه ومما قاله:
يا نكبةً جاءت من الشرق * * * لم تتركنّ منّي ولم تبقِ
موت علي بن موسى الرضا * * * من سخط الله على الخلق