الصيام والطب .القسم الثاني (*)
الدكتور رافد علاء الخزاعي
ان التطور التاريخي للصيام جاء مع التطور الحياتي والمعيشي للانسان ، و مع
التحديات التي يواجهها .
كما قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم ْلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))
.
من هذا السياق القرآني نفهم ان الصيام موجود منذ بدء الخليقة ، فقد دلت الكتابات
الفرعونية و البوذية والهندوسية ، و كتب ابقراط ان الصيام موجود .
يقول علماء
الانثروبولوجي « علم دراسة الإنسان » : ان البشرية عرفت الصوم منذ فجر التاريخ
، فقد
اكتشفت وثائق تاريخية ثابتة عن صوم الفراعنة الذين سجلوا في نقوشهم على جدران
معابدهم ، وعلى أوراق البردي ؛ الصوم كنوع من العبادة و تطهير الروح .
و كذلك الصينيون مارسوا الصوم ، خصوصاً ايام الفتن و الشدائد حسب ما تأمرهم
شعائرهم الدينية .
وقد أثبتت الدراسات البحثية في مسألة الصوم وتاريخه ، إن الإنسان البدائي لجأ إلى الصوم عن الطعام والشراب كوسيلة للتداوي من الأمراض ، وأكدت التجربة أن الصوم يمثل سلو كاً غريزياً لدى كُلٍّ من الإنسان والحيوان على حد سواء ؛ للتخلص من العلل أو تخفيف حدتها.
فلذلك نرى ان الانسان عندما يصاب بالاسهال او الم في
المعدة ، فانه يصوم عن الطعام لبعض الوقت ، لاعطاء فترة راحة لجهازه الهظمي .
فالصابئة المندائيين اقدم الديانات الموحدة الموجودة على الارض ، وقد كتب عليهم الصيام . الصيام في الدين الصابئي عـِبادة ، وهي الركن الخامس ، الدين الصابئي القويم .
لقد شـَـرّع الله الحي القيوم الصيام ، ليهذّب (النفس : النشماثا) عند الإنسان الصابئي ، فعلى الصابئي أن يحذر من الأعمال التي تخدش هذا الصوم من قبل نفسه ، حتى يتحقق الغرض والهدف من الصيام.
بسم الحي العظيم .. أيها المؤمنون بي صوموا الصوم الكبير ، صوم القـلب والعـقـل والضمـيـر
، لِـتـَـصُم عـيونكم ،
وأفواهكم ، وأيديكم .. لا تغـمز ولا تـَـلمز ، لا تـنظـروا إلى الشّـر ولا
تـَـفـعـلوه ، والباطل لا تسمعوه ، ولا تنصتوا خلف الأبواب ، ونزهوا أفواهكم عن
الكذب ، والزيف لا تقربوه ، أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة ، أمسكوا
أيديكم عن القتل والسرقة ، أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم ، فـتلك هي
النار المحرقة ، أمسكوا ركبكم عن السجود للشيطان وللأصنام الزيف ، أمسكوا
أرجـلكم عن السير إلى ما ليس لكم ، إنه الصوم الكبير فلا تكسروه ، حتى تفارقوا
هذه الدنيا .
أما الصوم أو الصيام ( صوم ربـّـا ) عن ( تناول الأطعمة و الأشربة ) في الدين الصابئي الموحد ، فهو مقصورا على عدم تناول اللحوم ، مقيـّدا بأيام محددة ومسماة ، ومذكورة ، وعددها ثلاثة وثلاثون يوما ، موزعة على أيام السنة ، وهي تسبق أعيادهم الدينية ، أو تكون بعـدها ، واطلق عليها المبطلات ، وهناك من يصنفها بمبطلات خفيفة ، ومبطلات ثقيلة ، وموزعـّـة بالشكل التالي :
1 ـ شهر شباط الصابئي : (أول ستوا) : خمسة عشرة يوما صيام ، بعد العيد الكبير (عيد رأس السنة الصابئية : عيد الكراص) .
2 ـ شهـر آذار الصابئي (ميصاي ستوا) : يوم واحـد صيام .
3 ـ شهـر نيسـان الصابئي (اخـير ستوا) لايوجد فيه يوم مبـَطـّـل .
4 ـ شهـر أيـار الصابئي (أول بهار) : أربعة أيام صيام قبل العيد الصغير .
5 ـ شهـر (ميصاي بهار : سيوان) : لايـوجد فيه يوم مبطـّـل .
6 ـ شهـر تـمـّـوز الصابئي : (آخـر بهـار) : ثلاثة أيـّـام صيام .
7 ـ شهـر آب الصابئي : (أول گيطا) : لايوجـد فيه يوم مبطـّـل .
8 ـ شهـر أيلول الصابئي : (ميصاي گـيطا) خمسة أيام صيام ، قـبل عيـد الخليقـة ( بـَـنـجا ) .
9 ـ شهـر تشرين الصابئي (آخـر گيـطا) : يوم واحـد صيام بعـد الـعيد .
10 ـ شـهر مشروان : ( أوّل بـايز ) : لايـوجـد فيه يوم مبطـّـل .
11 ـ شهـر كانون الصابئي (ميصاي بايز) يوم واحـد ، بعد عيد ( اد دهبا اد مانا : عيد صباغة النور ) .
12 ـ شـهـر (طابيت : أخير بايز) يومان صيام ، قبل العيد الكبير .
الصوم الكبير (صوما ربا) وهو الامتناع عن كل الفواحش والمحرمات ، وكل ما يسيء إلى علاقة الإنسان بربه ، ويدوم طوال حياة الإنسان ، حيث جاء في كتابهم { صوموا الصوم العظيم ولا تقطعوه إلى أن تغادر أجسادكم ، صوما صوما كثيرا لا عن مآكل ومشرب هذه الدنيا .. صوموا صوم العقل والقلب والضمير } .
وهناك تشابه بين ما تقدم في
كتابهم المقدس جنزاربـّـا : الكنز العظيم مبارك اسمه ، وبين ما جاء في القرآن
الكريم ، حيث قال الله تعالى : إني نذرت للرحمن صوماً ، أي
إمساكاً عن الكلام ، والمقصود به هنا الإمساك عن المفطرّات ، من طلوع الفجر إلى
غروب الشمس مع النيـّـة .
وقد تعلم الفراعنة وسكان مصر القدامى الصوم من الصابئة ، وقد كان المصريون القدماء يصومون ، وان كلمة صوم من صاو الهيروغليفية : أى امتنع أو كبح . « قاموس د. بدوى وكيس: ١٩٨» .
أما حرف الميم فمعناه من أو عن... فتكون صاوم أو صوم
، معناهما
امتنع عن طعام أو شراب أو كلام ، فكلمة صوم كلمة مصرية قديمة كان المصريون
يصومون شهر رمضان ثلاثين يوماً ، يذكر ابن حزم ( والصابئة يصومون شهر رمضان )
والصابئة هم حكماء مصر ، أتباع النبى إدريس المصرى ، بل جاء فى الحديث الشريف :
صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم . (ابن كثير)
.
أما عن توقيتات الصوم فى مصر الفرعونية وما قبلها ، فقد كانت من الفجر حتى غروب
الشمس ، وكانوا يمتنعون عن الطعام والشراب ، ومباشرة النساء .
(جيراردى- د. أحمد
شلبى- د. نديم السيار) .
وحتى ليلة القدر ، كانت معروفة لدى المصريين القدماء ، و كانت هذه الليلة معروفة
قبل الإسلام فى الأمم الماضية . ( دائرة المعارف الإسلامية ١٤/٣٩٩
) .
وكان عند
الصابئة - حكماء مصر- عيد يسمى (يشيشلام ربه) ، وهذه الكلمات المصرية معناها عيد
السلام الكبير ، وكان هذا العيد ، وهو من أعياد الصابئة ، مدته يومان ، والليلة
التى بينهما هى ليلة القدر، وكلمة (شى) بالمصرى معناها القدر ، أى ما يناله كل
إنسان من رزق وعمر ، وفى قاموس بدوى وكيس نجد ( شى ) معناها حظ .. قسمة .. نصيب..
،
فتكون شى شلام ربه معناها: عيد السلام الكبير الذى به ليلة القدر ، هذه الليلة
التى تحدد فيها أرزاق الناس فى العام المقبل ، ونجد فى تفسير ابن كثير: ليلة
القدر وتقدر فيها الآجال والأرزاق . (ابن كثير)٤/٥٣١.
ومن الاناشيد الجميلة التي يغينها الاطفال المصريين في استقبال رمضان وحوى يا
وحوى .. إياحا أو إيوحا ..
إنها كلمات مصرية قديمة ، فالتقويم المصرى كان قمرياً قبل أن يكون شمسياً سنة
٤٢٤١ ق.م، ولكنه ظل قمرياً فى الاحتفالات والأعياد الدينية.
كان الملاك المسؤول عن حركة القمر اسمه ياحا، فأخذ القمر اسمه ياحا، وفى العصر
الرومانى أصبح اسمه يوحا ( د. نديم السيار- د.لويس عوض ) ، أما كلمة إى .. فهى كلمة
مصرية معناها جاء ، فتكون كلمتا إى ياحا أو إى يوحا .. معناهما جاء القمر!
أما وحوى فهى واح + وى ، وواح كلمة مصرية ، معناها الظهور رويدا رويدا ، ومنها لاح
أى ظهر ، وكلمة وى .. معناها نداء ، فهو نداء يستحث القمر أو الهلال للظهور ، ونقول
للغائب عند العودة واح شتنى ، أو لك ( واح شه ) أى وحشة .
( قاموس د. بدوى وكيس، ٤٦ )
فيكون معنى الجملة : وحوى يا وحوى .. إياحا ، اظهر أيها الهلال فلك وحشة .
اما اليونانيون القدماء ومنه الطبيب ابقراط ، كان يجد في الصوم علاج لكثير من
الامراض ، وتقويم النفس وتشذيبها ، ويُعَدُّ الحكيم أبقراط أول مَن أوصى بالصوم
كوسيلة علاجية ، وازداد الاهتمام بالامتناع عن الطعام والشراب كأسلوب للعلاج .
وان ابقراط كان اعتماده على نوع الغذاء ، والصوم والحمامات المعدنية
والتمارين الرياضية والهواء النقي ، أكبر من اعتماده على الأدوية ، فمن أقواله
مثلاً : عش عيشة صحية ، تنج من الأمراض إلا إذا انتشر وباء في البلد أو أصابتك
حادثة .
ومنها: إذا مرضت ثم اتبعت نظاماً صالحاً في الأكل والحياة
، أتاح لك ذلك
أحسن فرص الشفاء . وكذلك قوله : كلما أكثرنا من تغذية الأجسام المريضة ، زدنا
تعريضها للأذى . لاحظ أحد الحكماء ويدعى (كونيلوس) سرعة شفاء العبيد مقارنةً
بالأحرار ، وقد علَّل ذلك إلى أن الأرِقَّاء أكثر صوماً ، وأكثر التزاماً بالصوم
العلاجي من الأحرار .. وفي عام (46) من الميلاد قال الحكيم بلونارك : إن صوم يوم
واحد أفضل من تعاطي الدواء .
يصوم أتباع
الهندوسية في أوقات و أوضاع مختلفة من السنة نذكر منها :
الصيام في أيام معينة من الأسبوع ، فأتباع الاله شيفا Shiva وهو الاله الأعظم
عند أتباعه !!! ، يصومون أيام الاثنين أما أتباع الاله فيشنو Vishnu يصومون أيام
الخميس .
الصوم أيام الثلاثاء شائع عند الهندوس في جنوب الهند ، حيث يأكلون قبل شروق الشمس
، و يمتنعون عن الأكل الى غروب الشمس ، و يسمح لهم بشرب السوائل ، أما في الشمال
فيصوم أتباع هذه الديانة ، و لكن يسمح لهم بتناول الفواكه والحليب فقط ، بين طلوع
الشمس الى غروبها .
صوم يوم الخميس عند الهندوس شمال الهند له طقوس خاصة ، فهم يستمعون لقصة قبل
تناول الافطار ، ويلبسون ثيابا صفراء ، ويحضرون مائدة من أطعمة ذات لون أصفر ، ويحضرون الطعام بسمن ملون بلون أصفر ، النساء تقدس شجرة الموز في هذا اليوم و
تقوم برييها .
نوع من الصيام شائع في أجزاء من الهند و يسمى Karwa Chauth حيث تصوم المرأة
المتزوجة لسلامة و صحة زوجها ، وأملا في إطالة عمره ، وتفطر عندما ترى القمر من
خلال غربال .
بعض الهندوس يصومون بالامتناع عن الطعام الا وجبة واحدة خلال اليوم ، و لكن جميع
الهندوس في جميع ظروف صيامهم لا يسمح لهمم بتناول المنتجات الحيوانية كالبيض واللحوم .
صيام بدايات الفصول
،
يصومون تسعة ايام من بداية كل فصل من فصول السنه ، ويصومون من غروب الشمس حتى
طلوعها في اليوم التالي ، وصوم نصف كل شهر قمري ، وفيه يتناولون الفاكهة والاطعمة
النباتية ، ويمتنعون عن تناول اللحوم ، ولا يفطرون الا بعد ان يأتي الهلال الجديد
..
اما البوذية .. فصومهم من شروق الشمس حتى غروبها
، فرضت البوذية
الصيام من شروق الشمس الى غروبها في اربعة ايام من ايام الشهر القمري ، يسمونها
ايام اليوبوذانا ، وحرمت فيه مزاولة أي عمل حتى اعداد طعام الافطار ، ولذلك يعمل
الصائمون على اعداد طعامهم قبل شروق الشمس .
والنانية هي أحد الديانات المنبثقة عن الهندوسية
، والمنتشرة في أجزاء من الهند
و ما حولها ، يصوم أتباع هذه الديانة عن الماء و الطعام ، و يفطرون عند غروب شمس
اليوم التالي .. و هناك أنواع صيام أخرى ، أهمها الصوم عن أنواع الأطعمة المتعددة
باستثناء العدس ، والأكل المضاف اليه الملح و الفلفل فقط ، من دون البهارات الأخرى
، وتقليل عدد الوجبات في اليوم الى وجبة أو اثنتان .
اما الديانة السيخية بعكس الديانات الأخرى قاطبة ، لا تشجع هذه الديانة أتباعها
على الصيام ؛ إلا في حالات طبية ، ويعتقد رجال الدين أن هذه العبادة لا تضفي أي
فائدة روحانية الى مؤديها ، وان الأجر الذي يحصل عليه ، ما هو إلا قشرة بسيطة .
اما الديانات الصينية القديمة منها الديانة الطاوية .. الامتناع عن السمك واللحوم ، الطاوية : عقدة من المبادئ المشتقة من الديانة الصينية القديمة ، والصيام في الطاوية طقس ديني ، خصوصا في احتفال تشاو الذي يتطلب الامتناع عن السمك واللحم والحليب والبيض ، وذلك خلال فترات الصلاة والتأمل ، ويمارس هذا الصيام في جميع الأوقات .
الكونفوشيوسية .. وجبة واحدة تكفي تقوم على عبادة إله
السماء ، وتقديس الملائكة ، وعبادة أرواح الآباء والأجداد !!! ، والصيام يكون تناول
الطعام والشراب قبل مواعيد الصلاة ، بينما يكتفي الكهنة والرهبان البوذيون بتناول
وجبة واحدة في عصر كل يوم ، وكذلك في اول يوم من ظهور الهلال ويوم اكتمال القمر .
اليهودية ... الصوم من اجل طلب الغفران عن الخطايا
،
ارتباط الصيام عند اليهود بذكرى نكبة او كارثة في التاريخ ، بغرض الندم والتوبة
. وايام الصوم هي صوم يوم كيبور (الغفران) ، ويبدأ من وقت الغروب ، الى غروب اليوم
التالي ، مع انقطاع عن الطعام والشراب والجنس ، وأية اعمال دنيوية خلاف
التعبد . وهنالك الصوم الرابع والخامس والسادس والسابع والعاشر من التاريخ العبري
، وهذا يكون لبيت يهوذا ، ابتهاجا وفرحا واعيادا طيبة .
يصوم اليهود عدة أيام متفرقة فى السنة ، من أهمها صوم يوم الغفران (יוֹם
כִּפּוּר) حيث يمتنع اليهود الصائمون فى هذا اليوم عن الشراب والأكل والجماع
، وارتداء الأحذية لمدة 25 ساعة ، عند غروب الشمس من اليوم السابق ، حتى غروب الشمس فى
يوم الصيام .. بينما تستغرق أيام الصوم الأخرى ، من الشروق إلى الغروب ، ولاتتضمن كل
التحريمات مثل تحريم ارتداء الأحذية .
وفى الماضى كان الصائمون يرتدون الخيش
، ويضعون الرماد على رؤوسهم ، تعبيرًا عن الحزن .. ويصوم اليهود أيامًا اضافية (
أيام الاثنين والخميس ) ، لأنها الأيام التى تقرأ فيها التوراة فى المعبد .
وهناك أيام صوم أخرى مرتبطة بأحزان بنى اسرائيل ، مثل : يوم التـاسع من شهر آب (
وهو ذكرى خراب بيت المقدس ) ، ويوم السابع عشر من شهر تـموز (آخر يونيوـ يوليو)
، الذى دخل فيه بختنصر والرومان أورشليم .
وصوم جدالـيا (צוֹם גְּדַלְיָה) ، يوم الرابع من تشرىن ، لإحياء ذكرى حاكـم فلسطين اليهودى ، الذى قتل بعد خراب الـهيكل الأول ، والذى يرى اليهود أن نـهايته تـمثل نهاية استقلالـهم وحكمـهم الذاتى . ويصوم اليهود أيضًا فى يوم العاشر من طيبيت ( آخر ديسمبر ـ يناير ) ، وهـو اليوم الذى بدأ فيه بختنصر حصار أورشلـيم .
هذا ويصوم أعضاء ناطورى كارتا (נָטוֹרֵי
קַרְתָּא) يوم عيد استقلال اسرائيل
، باعتباره يوم حداد عندهم . وجماعة ناطورى
كارتا هى : فئة صغيرة من الـمتدينين المتطرفين اليهود الإشكناز فى القدس ، تقول
بأنها تحمى الـمدينة الـمقدسة وتناهض الصهيونية ودولة إسرائيل .
وهناك الكثير من الأيام التي يصومها اليهود قررها الحاخامات ، وهناك أيام خاصة
، فيصوم
اليهودي في ذكرى موت أبيه ، وكذلك الزوجين في ذكرى زواجهم .
المسيحية .. الصيام لأكثر من وقت ومناسبة ، الصيام في المسيحية : يعني الأمتناع عن الطعام في فترة معينة من اليوم ، ثم تناول طعام خال من الأسماك واللحوم ومنتجاتها ، وفترة الانقطاع هذه تختلف من شخص الى آخر ، بحسب درجته الروحية .
وأوقات صيامهم يوم عيد القيامة المجيد
، وصوم الميلاد وعدد ايامه 43 يوما ، وفي هذا الصيام يباح اكل السمك ، ثم صوم أهل نينوى وعدد ايامه
3 ايام ، يليه الصوم الكبير وعدد ايامه 55 يوما ، وسمي بالكبير لأنه يحتوي على ثلاثة
انواع من الصوم : هي اسبوع الاستعداد ، او بدل السبوت ، وصيام الاربعين يوما المقدسة
، وصيام اسبوع الآلام ، وهناك صوم الرسل ، وصوم السيدة العذراء مريم وعدد
ايامه 15 يوما
، بالإضافة صوم يومي الاربعاء والجمعة على مدار السنة ، باستثناء الايام التي تقع
في الخمسين يوما التي تلي الصيام الاكبر ، والحكمة من صوم هذين اليومين الاربعاء
ليلة القبض على عيسى ، والجمعة يوم صلبه ، واخيرا هناك صوم البرامون ومعناه
الاستعداد .
في الإنجيل الصوم : هو توصية وليس أمرا إلهيا . في مواضع عدة في العهد الجديد يقترن الصوم بالصلاة ، لا ينقطع الصوم عن الصلاة ، وكأنه داعمها . يستمر هذا التراث في الكنيسة الأولى ، اذ نقرأ في اعمال الرسل ان الروح القدس كلّم كنيسة أنطاكية ، فيما كانت تقيم القداس الإلهي وتصوم ، ويطلب منها إرسال بولس وبرنابا ( أعمال 1:13-6) .
في هذه الرحلة الأولى لم يكن من قانون يحدد الأطعمة التي يمتنعون عنها ، لكن ابيفانيوس القبرصي في القرن الرابع يقول : بالإمساك عن اللحم ومشتقاته ، لكنه يقول بوجبة واحدة في اليوم ، ويتكرّس هذا في مجمع ترولو في اواخر القرن السابع .
ولكون الصيام ترتيبا كنسيا ؛ اعتبره الاباء المسيحيين إلزاميا . كانت الكنائس تختلف في شكل انضباطه ، يبقى إمساكا اليوم في ساعات محددة ، وامتناعا عن اللحم والألبان في الكنيسة الأرثوذكسية .
غير ان هذه لم تبقَ على شدتها الأولى ، فأباحت في القرون الوسطى فاكهة البحر لعدم توافر الخضر والأعشاب في بعض المناطق ، وتوسعت كنائس أخرى في مدة الإمساك وأنواع الأطعمة ، الإنجيليون وحدهم عندهم صوم طوعي فردي غير مرتبط بحقبة زمنية .
تعددت الأصوام في كل كنيسة ، الأرثوذكسيون عندهم أربعة أصوام ، بالإضافة الى يومَي الأربعاء والجمعة ، وفي بعض الأعياد ، غير ان الواضح ليس فقط في شكل الإمساك ، لكنه أولا في تكثيف الصلوات في ما يسمى الصوم الأربعيني المهيئ للفصح ، يبقى هذا الصوم أهم الأصوام بمعانيه وجهاداته ، لأنه مرتبط بالاستعداد لما تسميه الأسبوع العظيم ، او اسبوع الآلام ، الذي ينتهي بعيد القيامة ، التي هي عيد الأعياد وموسم المواسم ، ومن حيث المعنى كل تعييد هام مشتق منها .
من حيث الرؤية يتركّز الصوم عند اليهود على التوبة ، وهي طلب الله ، وعند المسيحيين والمسلمين هو التماس وجه الله ، وهذا يتضمّن التوبة .
بهذا يتميّز صوم
الموحدين ، عن صوم
البوذيين الذين ليس عندهم ايمان بالله ، واذا قرأنا الصوم في هذا
العصر ، نراه احتجاجا على الإفراط بالطعام المتفشي في عصر الاستهلاك هذا ، انه
تأكيد لقول المسيح: ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان )
(متى 4:4) .
الإنسان يحيا بكلمة الله أولا ، والباقي يُعطاه زيادة .
ومن مراجعة كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد ، رأينا أن قدماء اليهود
كانوا لا يكتفون ، فيصيامهم بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء ،
بل كانوا يمضون الصيام مضطجعين على الحصا والتراب في حزن عميق .
وفي سفر الخروج أن موسى -عليه السلام- كان هناك عند الرب أربعين نهاراً ، وأربعين
ليلة ، لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءً ، وفي إنجيل متى أن المسيح صام أربعين يومًا
في البرية .
وجاء في كلام النبي حزقيال ، أن صيامه كان عن اللحوم وما ينتج عن الحيوان ، وكان
النبي دانيال يمتنع عن اللحوم ، وعن الأطعمة الشهية مدة ثلاثة أسابيع ، وجاء في
الترجمة السبعينية أن داود قال : ركبتاي ضعفتا من الصوم ، ولحمي تغير من أكل
الزيت .
والذين لا يدينون بدين سماوي كان عندهم صيام كالبراهمة والبوذيين في الهند
والتبت ، ومن طقوسهم في نوع منه الامتناع عن تناول أي شيء ، حتى ابتلاع الريق لمدة
أربع وعشرين ساعة ، وقد يمتد ثلاثة أيام لايتناولون كل يوم إلا قدحًا من الشاي ،
وكان قساوسة جزيرة كريت في اليونان القديمة ؛ لايأكلون طول حياتهم لحماً ولا
سمكاً ولا طعاماً مطبوخاً .
عرف الإنسان الصيام منذ الأزل ، فقد كان الصيام من أركان كل معتقد أو دين ، وهو
أقوى العبادات التي تقيدت بها الأمم التي عرفها كوكبنا ، وتذهب المصادر المقدسة
إلى أن الوصية الأولى التي أوصى بها الله آدم وحواء هي وصية الصيام ..
المورمون ... الصوم من اجل التبرع بالطعام والمال
:
يصومون اول أحد من كل شهر ، وهم يمتنعون عن الطعام والشراب لوجبتين فقط على
التوالي ، ويتبرعون بالطعام والشراب للفقراء ، والمورمون : عبارة عن مصطلح يُطلق على أتباع كنيسة يسوع المسيح
، لقديسي الأيام
الأخيرة .
الصيام عند هذه الطائفة هو الامتناع كليا عن الطعام والشراب ، مصحوبا بالصلوات
، ويكون في أول أحد من كل شهر ، ويسمى أحد الصيام ، الأموال التي يتم توفيرها جراء
عدم شراء الوجبات يطلقون عليها اسم “هبة الصيام” ، و يتم التبرع بها الى الكنيسة
التي تستخدمها لمساعدة ذوي الحاجة .
تشجع الكنيسة أتباعها على الصيام في أي وقت من السنة ، تقربا من الله وللرقي
بالروح فوق الجسد ، ولتحقيق رغبة معينة يلتمسها الصائم من الله .
اما في الجزيرة العربية
أيام الجاهلية الاولى ، فكان الصائمون يصومون للشمس
ثلاثين يوما ، بزعمهم انها الرب الاعظم ،
ولقد صامت هذه الامم تعجيلا للشفاء من المرض ، لاعتقادهم ان الصوم يمنح الجسم
القدرة على التخلص من السموم ، ويقوي الجسم ويطهر النفس .
و من هذا نتعرف ؛ ان الصوم هو تدريب كبير ، يعيد الانسان الى ذاته الحقيقية ، التي
يكون قد ابتعد عنها بفعل مشاغل الحياة ، وملاهيها واغراءاتها ، فتسعد النفس وتطمئن
وتفرح الروح بقدوم شهر رمضان ، وتنشرح الصدور بالصيام .
ولقد اثبتت الابحاث الطبية ، والدراسات العلمية المستندة الى التقدم الهائل في
العلوم الطبية ، والهندسة الطبية ، وتكنولوجيا الغذاء ، وعلوم الكيمياء الحيوية
، إن كل
خلية تنال الخير من الصيام ، فهو يخلص الجسم من السموم التي تعطل العافية ، وترهق
الصحة وتأخذ من نضارة الانسان وحيويته .
ولقد ثبت تاريخيا وعلميا ان الامم السابقة
، بادرت الى ترويض اجسام ابنائها على
الصيام ، منذ فجر التاريخ ومنذ القدم ، عندما كانت تريد المجد لذاتها ، وتخليد
ذكراها .
ان التطور الأمثل للصيام ؛ هو الصيام الاسلامي الذي جاء وصفه بالقرآن والسنة
النبوية الطاهرة ، والذي سنتاوله في الجزء ا