العلاقة بين المؤمنين الترابط على أساس الدين
  • عنوان المقال: العلاقة بين المؤمنين الترابط على أساس الدين
  • الکاتب: صادق محمد علي المسلم
  • مصدر: دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم
  • تاريخ النشر: 12:35:51 3-10-1403

إنّ الروابط بين البشر كثيرة متعددة  ومتنوعة، فهناك روابط:
أ- الدم أو القرابة أو الرحم كالإخوة والأبناء والآباء، والأقرباء كالأخوال والأعمام، وروابط النسب كالزواج والرضاع.
ب- روابط الوطن كأبناء وطن واحد.
ج- روابط القومية كأمة العرب، وأمة العجم وغيرهما.
د- روابط العمل كالعمّال والمزارعين والصناعيين الذين يربطهم الحقل الذي يعملون فيه، والمهنة التي يمتهنونها.
هـ - روابط حزبية: يرتبط بها المنتمون إلى هذا الحزب أو ذاك.
و- الرابطة الدينية : وهي رابطة إنسان بآخر أو مجموعة من الناس على أساس العقيدة الدينية، وهذه الرابطة من أقوى الروابط؛ لأنّ من صفاتها الديمومة وعدم انقطاع تلك العلقة، وكلّما اشتدّ الالتزام الديني قويت تلك العلاقة وترسّخت وآتت أكلها{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء *تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } إبراهيم:24-26.
فقبل مجيء الإسلام كانت القبائل العربية تعيش حالة من الصراع والنزاع القبلي والعشائري، يحدث بين القبائل غارات وحروب وسلب ونهب، فالمجتمع مفكّك العرى، تطحنه رحى الثارات والغارات، وعندما جاء الدين الإسلامي توحّدت الصفوف وتآلفت القلوب وتقاربت النفوس وتغيّر المجتمع رأساً على عقب؛ لأنّه رجع إلى راية (لا إله إلا الله محمّد رسول الله) فبرزوا للعالم كقوّة لا تدانيها قوّة، ومن مصاديق الأخوّة الحقّة ما قام به الرسول(صلى الله عليه وآله) عندما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة حيث آخى بين المهاجرين والأنصار، كلّ فرد من المهاجرين اتخذ لة فرداً من الأنصار أخاً له، وهذه الأخوّة الدينية لم يعهد لها مثيل قبل الإسلام، حتى إنّ بعض الأنصار من المدينة ممّن له زوجتان يطلّق إحداهما ليزوّجها أخاه المهاجر إذا لم يكن له أخت أو بنت يزوّجها إيّاه،وكان يشاطره ماله وداره؛ بل يؤثره على نفسه.
في الدين الإسلامي نظام كامل للحياة، ينظمّ الإنسان مع نفسه ومع والديه ومع أسرته والأسرة مع الأسرة الأخرى والدولة مع الدولة الأخرى وشعب مع شعب آخر ومجتمع مع مجتمع آخر.
وظلّت راية التوحيد خفّاقة، خفقت في ظلّها قلوب المؤمنين بالودّ والتعاون والتسامح والعزّة، وحتى غير المسلمين من أهل الكتاب عاشوا في كنف الإسلام لهم حقوق التعايش، لا يُعتدى عليهم ما داموا يدفعون بميزان العدل والإنصاف.
عندما يعيش المجتمع والفرد تحت راية الوحدة، وعقيدة التوحيد حيث المعبود إله واحد لا شريك له، هو الذي أرسل نبيه (عليهما السلام) وكان من التشريع ما تضمّنه كتاب الله (القرآن الكريم) وسنّة الرسول (عليهما السلام) واتّجه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها نحو قبلة واحدة، يسودهم روح التآخي والتآزر والانضواء تحت عقيدة واحدة إلهية، كلّ عباد الله يأتمرون بأمره وينتهون عمّا نهى، فلا تفرقة ولا تدابر ولا تنازع ما دام  الجميع متمسّكين بتلك العقيدة.

عامل العقيدة وعامل البيئة:

بعض علماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد يرجعون التفكّك والصراع القبلي والعشائري في شبه الجزيرة إلى الظروف الطبيعية  القاسية باعتبار أنّ جفاف الصحراء وقلّة الأمطار يؤدّي إلى قلة الزراعة، فيحدث  تنازع على موارد المياه وعلى مواطن العشب والكلأ، وهذه – كما يقولون  - تجعل سلوك الإنسان وتصرّفه وعقائده تابعة للمحيط أو البيئة التي يعيش فيها، فالموقع الجغرافي الذي تتوفّر فيه المياه والأمطار والتربة الصالحة للزراعة يؤثّر في حياة الإنسان ويؤدّي إلى استقراره وتبعده عن الصراعات والنزاعات، فيعيش الأمان والراحة ويكون مستقرّاً في حياته.
هذا ممّا لا شكّ فيه كعامل مهمّ، ولكن الأهمّ منه العامل العقائدي والمحتوى الداخلي للإنسان. إن كنت تعتقد بمثل هذه العقيدة الدينية المؤسّسة على أصل التوحيد والعدل، فإنّ هذه العقيدة ستقلّك من حياة البداوة والشرك والجاهلية إلى حياة فاضلة سعيدة مستقرّة قوّية. والدليل على ذلك الانقلاب المهمّ الذي حدث في حياة الإنسان الجاهلي، ومثل هذا يفنّد نظرية بعض علماء الاقتصاد القائلة بالصلة الحتمية بين التطوّر الحاصل في أدوات الإنتاج والتطوّر الذي يحصل في النظام الاجتماعي، ويؤكّد إمكانية أو صلاحية الاحتفاظ بنظام اجتماعي واحد يطبّق في جميع الأزمنة وأن اختلف وسائل الإنتاج في أشكالها(1)  فالنظام الذي يساير الفطرة كالاقتصاد الإسلامي والذي يحتوي على نظام اقتصادي متين يصلح لحياة الإنسانية في مراحلها المقبلة ويحقّق لها السعادة والحياة الحرّة الكريمة، ذلك لما في الإسلام من ضمان وتكافل اجتماعي وفرض مقدار من أموال الأغنياء ليعطى للفقراء، وفيه من تحريم للربا والاحتكار وغيرها، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ....} التوبة: 103.
التفاوت والوحدة:
فرق بين التفاوت والافتراق، يوجد في المجتمع غني وفقير وعالم وجاهل، كبير وصغير، وهذا التفاوت لا يتنافى مع الوحدة والأخوّة {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}الزمر:9..{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ} النحل:71. وتعدّد القبائل والشعوب طريق للتعارف وسبيل للتعاون ووسيلة من وسائل التقارب {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات:13. أمّا الافتراق فهو مقابل للتماسك والوحدة، وفيه الاختلاف في المعتقد والاضطرابات في العلاقات، وهذا التفاوت لا يتقاطع مع المساواة في الحقوق، كلّ له حقّه لا إجحاف ولا ظلم. ((وبإقرار التفاوت أقر القرآن أصلح النظم التي تستقيم عليها حياة الفرد والجماعة))(2) .
الأخوّة  الدينية لقد جعل الشرع  الإسلامي بين المؤمنين الأخوّة الدينية تشريعية فيها من الحقوق والآثار الشرعية والقوانين كالميراث وحلّية أو حرمة التزويج، هذا نوع من الأخوّة يقابل الأخوّة الطبيعية بالولادة وهذا النوع الطبيعي لا علاقة له بالتشريع، وأمّا تشريع الأخوّة الأخرى والتي تُسمّى بالأخوّة الاعتبارية فإنّه يترتّب عليها من الآثار(3) كالنكاح والإرث، ونوع ثالث: الأخوّة الدينية وآثارها آثار اجتماعية كقول الإمام الصادق(عليه السلام) ((المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله ولا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشّه ولا يعده عدة فيخلفه))(4).
ــــــــــ
1 - راجع اقتصادنا ، السيد الصدر، محمد باقر، ص676-677.
2 - العقّاد، عباس محمود، الفلسفة القرآنيه، ص44.
3 - محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج8: 316.
4 - الكليني، أصول ألكافي، ج2: 133.