الحسد
  • عنوان المقال: الحسد
  • الکاتب: الشيخ محمّد عايش الخزعل
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 14:58:45 3-10-1403

شبكة الحسنين عليهما السلام الثقافيةبسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين واللّعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.
موضوعنا يدور حول الكمالات الروحية والكمالات الروحية. وهي ـ كما تعلمون ـ تحتاج إلى مقدّمات، وأوّل مقدّمة هي: انتزاع الرذائل، ومن بعدها تحلّ الفضائل. ومن الرذائل التي نريد أن نطرحها هي: الحسد.
تعريف الحسد
الحسد:  هو تمنّي زوال نعم الله تعالى عن أخيك المسلم ممّا له فيه صلاح. [جامع السعادات: ج2، ص148]
 النقطة الثانية في ذم الحسد
الحسد أشدّ الأمراض وأصعبها وأسوأ الرذائل وأخبثها، ويؤدّي بصاحبه إلى عقوبة الدنيا وعذاب الآخرة.
الآيات والروايات في ذلك
أوّلاً: الآيات
قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [سورة النساء: الآية 54].
وقال أيضاً: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سورة النساء: الآية 32].

ثانياً: الروايات

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لا تتحاسدوا، فإن الحسد يأكل الايمان، كما تأكل النار الحطب اليابس» [مستدرك الوسائل: ج12، ص17].
وقال (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «قال الله عزّ وجلّ لموسى بن عمران: يا ابن عمران: لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي. ولا تمدّنّ عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني» [الكافي، ج2، ص307].
وقال (صلّى الله عليه وآله): «إن لنعم الله اعداء، فقيل: ومن هم؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله» [جامع السعادات: ج2، ص 150].
وقال (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «إنّ الحاسد عدوّ لنعمتي متسخّط لقضائي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي» [المصدر نفسه].
مراتب الحسد
المرتبة الاُولى: أن يحبّ زوال النعمة عن المحسود وإن لم تنتقل إليه، وهذا أخبث المراتب وأشدّها ذمّاً.
المرتبة الثانية: أن يحبّ زوال النعمة لرغبته في عينها كرغبته في دار حسنة معينة أو امرأة جميلة بعينها، ويحبّ زوالها من حيث توقّف وصوله إليها عليه لا من حيث تنعّم غيره بها، قال تعالى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}.
المرتبة الثالثة: أن لا يشتهي عينها بل يشتهي لنفسه مثلها، إلا أنّه إن عجز عن مثلها أحبّ زوالها عنه، كي لا يظهر التفاوت بينهما، ومع ذلك لو خلّي وطبعه اجتهد وسعى في زوالها.
المرتبة الرابعة: هي كالثالثة إلا إنّه ان اقتدر على إزالتها منعه قاهر العقل أو غيره من السعي فيه، ولكنّه يهتزّ ويرتاح به من غير كراهية من نفسه لذلك الارتياح.
بعد أن ذكرنا مراتب الحسد، نذكر مراتب الغبطة حتى نفرّق بين الغبطة والحسد.
الغبطة لها مرتبتان:
الاُولى: أن يشتهي الوصول إلى مثل ما للمغبوط من غير ميل إلى المساواة وكراهة للنقصان، فلا يحبّ زوالها عنه.
الثانية: أن يشتهي الوصول إليه مع ميله إلى المساواة وكراهته للنقصان بحيث لو عجز عن نيله، وجد من طبعه حبّاً خفيّاً لزوالها عنه وارتياح من ذلك، ادراكاً للمساواة ودفعاً للنقصان (إلا أنّه كان كارهاً من هذا الحب) ومغضياً على نفسه لذلك الارتياح.
وربّما سميت هذه المرتبة بـ (الحسد المعفو عنه) وكأنّه المقصود من قول الرسول (صلّى الله عليه وآله): «ثلاث لا ينفكّ المؤمن عنهنّ (الحسد - الظنّ والطيرة...) ثم قال: وله منهنّ مخرج إذا حسدت فلا تبغ ـ أي: إن وجدت في قلبك شيئاً فلا تعمل به، وكن كارهاً له. وإذا ظننت فلا تحقق ـ وإذا تطيّرت فامض» [جامع السعادات: ج2، ص 153].
بواعث الحسد
1-  خبث النفس وشحّها بالخير لعباد الله
2 - العداوة والبغضاء، وهي أشدّ أسبابه
3 - حبّ الرئاسة وطلب المال والجاه
4 - الخوف من فوت المقاصد، فذلك يكون بين متزاحمين على المقصود واحد، فإنّ كل واحد منهما يحسد صاحبه في وصوله لهذا المقصود.
5 - التكبّر: وهو أن يكون في طبعه الترفّع على بعض الناس. ويتوقّع منه الانقياد والمتابعة في مقاصده، فإذا نال بعض النعم خاف أن لا يحتمل تكبّره ويترفّع عن خدمته، وربّما أراد مساواته أو التفوّق عليه فيعود مخدوماً بعد أن كان خادماً فيحسده في وصول النعمة لأجل ذلك، وقد كان حسد أكثر الكفّار للرسول (صلّى الله عليه وآله) من هذا القبيل.
6 - التعجّب: وهو أن يكون المحسود في نظر الحاسد حقيراً والنعمة عظيمة فيعجب من فوز مثله بمثلها، فيحسده ويحبّ زوالها عنه، ومن هذا القبيل حسد الاُمم لأنبيائهم حيث قالوا: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ} (سورة يس: الآية 15)، {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} (سورة المؤمنون: الآية 47).
وبهذا، تمّ البحث حول موضوع الحسد. أمّا علاج الحسد يمكن الرجوع إلى كتاب جامع السعادات أو الأربعون حديث أو الكتب الأخلاقية ... مع المباشرة بالعمل به مع الناس. بعدها يبدأ عنوان جديد وهو (الحبّ)؛ يعني حبّ الخير للناس والتألّم على النقيصة من جهتهم، يقول الله سبحانه وتعالى: «الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم» [الكافي: ج2، ص199].
أمّا الحسد والغيبة والعجب وغيرها من الرذائل فتشكّل في القلب نيراناً تشتعل إذا مات العبد، وإذاً يرى تلك النيران كما قال تعالى: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} (سورة الهمزة: الآيات 6-7).
أي: إنّها مجرّد أن ترى النار في قلبك، فتقول هذا تبعاً لي، أجارنا الله سبحانه وتعالى وجعلنا ممّن يزكّي نفسه، والحمد لله ربّ العالمين.