اللّيلة الحادية والعشرون من شهر رمضان المبارك(*)
وفضلها أعظم مِن اللّيلة التّاسِعَة عَشر ، وينبغي أن يؤدّي فيها الأعمال العامة لليالي القَدر مِن الغسل والإحياء , والزيارة والصلاة ذات التَوحيد سبع مرات , ووضع المصحف عَلى الرأس , ودعاء الجوشن الكبير , وغير ذلِكَ .
وقَد أكدت الأحاديث استحباب الغسل , والإحياء , والجدّ في العبادة في هذه اللّيلة والليلة الثّالِثَة والعِشرين . وإنَّ لَيلَة القَدر هي إحداهما , وقَد سُئل المعصوم (عليه السّلام) في عدّة أحاديث عَن لَيلَة القَدر , أي الليلتين هي ؟ فَلَمْ يعيّن , بل قالَ : (( ما أيسر ليلتين فيما تطلب ! )) , أو قالَ : (( ما عَلَيكَ أن تفعل خَيراً في ليلتين ؟ )) . ونحو ذلِكَ .
وقالَ شيخنا الصّدوق فيما أملى عَلى المشايخ في مجلس واحد من مذهب الإمامية : ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل , وليبدأ من هذه الليلة في دعوات العشر الأواخر مِن الشّهر .
منها هذا الدُّعاء , وقَد رواه الكليني في (الكافي) عَن الصادق (عليه السّلام) , قالَ : (( تقول في العشرة الأواخر مِن شَهر رَمَضان كُل لَيلَة : أَعُوذُ بِجَلالِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ أَنْ يَنْقَضِيَ عَنِّي شَهْرُ رَمَضانَ , أَوْ يَطْلُعَ الفَجْرُ مِنْ لَيْلَتِي هذِهِ وَلَكَ قِبَلِي ذَنْبٌ أَوْ تَبِعَةٌ تُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ )) .
وَروى الكفعمي في هامش كتاب (البلد الأمين) أنَّ الصادق (عليه السّلام) كانَ يَقول في كُلِّ لَيلَة مِن العشر الأواخر بَعد الفرائض والنوافل : (( اللَّهُمَّ أَدِّ عَنّا حَقَّ ما مَضى مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ , وَاغْفِرْ لَنا تَقْصِيرَنا فِيْهِ ، وَتَسَلَّمْهُ مِنّا مَقْبُولاً ، وَلا تُؤاخِذْنا بِإِسْرافِنا عَلى أَنْفُسِنا ، وَاجْعَلْنا مِنَ المَرْحُومِينَ وَلا تَجْعَلْنا مِنَ المَحْرُومِينَ )) .
وقال : (( مَن قاله غفر الله لَهُ ما صدر عنه فيما سلف من هذا الشهر , وعصمه من المعاصي فيما بقي مِنهُ )) .
ومنها ما رواه السيّد ابن طاووس في (الإقبال) عَن ابن أبي عمير , عن مرازم قالَ : كانَ الصادق (عليه السّلام) يَقول في كُل لَيلَة مِن العشر الأواخر : (( اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ فِي كِتابِكَ المُنْزَلِ : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنَ هُدىً لِلْنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرْقانِ) , فَعَظَّمْتَ حُرْمَةَ شَهْرِ رَمَضانَ بِما أَنْزَلْتَ فِيْهِ مِنَ القُرْآنِ , وَخَصَصْتَهُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ وَجَعَلْتَها خَيْراً مِنْ أَلْف شَهْرٍ .
اللَّهُمَّ وَهذِهِ أَيامُ شَهْرِ رَمَضانَ قَدْ انْقَضَتْ , وَلَيالِيهِ قَدْ تَصَرَّمَتْ ، وَقَدْ صِرْتُ يا إِلهِي مِنْهُ إِلى ما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي , وَأَحْصى لِعَدَدِهِ مِنَ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ , فأَسْأَلُكَ بما سَأَلَكَ بِهِ مَلائِكَتُكَ المُقَرَّبُونَ ، وَأَنْبِياؤُكَ المُرْسَلُونَ ، وَعِبادُكَ الصّالِحُونَ , أَنْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ , وَأَن تَفُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ ، وَتُدْخِلَنِي الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ ، وَأَنْ تَتَفَضَّلَ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ ، وَتَتَقَبَّلَ تَقَرُّبِي ، وَتَسْتَجِيبَ دُعائي ، وَتَمُنَّ عَلَيَّ بِالأمْنِ يَوْمَ الخَوْفِ مِنْ كُلِّ هَوْلٍ أَعْدَدْتَهُ لِيَوْمِ القِيّامَةِ .
إِلْهِي وَأَعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ ، وَبِجَلالِكَ العَظِيمِ أَنْ يَنْقَضِيَ أَيّامُ شَهْرِ رَمَضانَ وَليالِيهِ , وَلَكَ قِبَلِي تَبِعَةٌ أوْ ذَنْبٌ تُؤأَخِذُنِي بِهِ ، أوْ خَطِيئَةٌ تُرِيدُ أَنْ تَقْتَصَّها مِنِّي لَمْ تَغْفِرْها لِي . سَيِّدِي سَيِّدِي سَيِّدِي , أَسْأَلُكَ يا لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ , إِذْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ إِنْ كُنْتَ رَضِيْتَ عَنِّي فِي هذا الشَّهْرِ فَازْدَدْ عَنِّي رِضاً ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَضِيتَ عَنِّي فَمَنْ الآنَ فَارْضَ عَنِّي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . يا الله يا أَحَدُ يا صَمَدُ , يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ )) .
وأكثر من قول : يا مُلَيِّنَ الحَدِيدِ لِداوُدَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) ، يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالكُرَبِ العِظامِ عَنْ أَيّوبَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) ، أَي مُفَرِّجَ هَمِّ يَعْقُوبَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) ، أَيْ مُنَفِّسَ غَمِّ يُوسُفَ (عَلَيْهِ السَّلامُ) ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما أَنْتَ أَهْلُهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، وَافْعَلْ بِي ما أَنْتَ أَهْلُهُ ، وَلا تَفْعَلْ بِي ما أَنا أَهْلُهُ .
ومنها ما رواه في (الكافي) مسنداً , وفي (المقنعة) و(المصباح) مرسلاً ، تقول أول لَيلَة مِنهُ , أي في اللّيلة الحادية والعشرين : (( يا مُولِجَ اللَّيْلِ فِي النَّهارِ ، وَمُولِجَ النَّهارِ فِي اللَّيْلِ ، وَمُخْرِجَ الحَيِّ مِنَ المَيِّتِ ، وَمُخْرِجَ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ، يا رازِقَ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ، يا الله يا رَحْمانُ ، يا الله يا رَحِيمُ ، يا الله يا الله يا الله , لَكَ الأسَّماء الحُسْنى ، وَالأمْثالُ العُلْيا ، وَالكِبْرِياءُ وَالآلاُء ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَجْعَلَ اسْمِي فِي هذِهِ اللّيْلَةِ فِي السُّعَداءِ ، وَرُوحِي مَعَ الشُّهداء ، وَإِحْسانِي فِي عِلِّيِّينَ ، وَإِسائَتِي مَغْفُورَةً ، وَأَنْ تَهَبَ لِي يَقِيناً تُباشِرُ بِهِ قَلْبِي ، وَإِيماناً يُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّي ، وَتُرْضِيَنِي بِما قَسَمْتَ لِي ، وَآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الآخرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ الحَرِيقِ ، وَارْزُقْنِي فِيْها ذِكْرَكَ وَشُكْرَكَ , وَالرَّغْبَةَ إِلَيْكَ ، وَالإنابَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِما وَفَّقْتَ لَهُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ )) .
روى الكفعمي عَن السيّد ابن باقي أنه تقول في اللّيلة الحادِية والعِشرين : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ , وَاقْسِمْ لِي حِلْماً يَسُدُّ عَنِّي بابَ الجَهْلِ ، وَهُدىً تَمُنُّ بِهِ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ ضَلالَةٍ ، وَغِنىً تَسُدُّ بِهِ عَنِّي بابَ كُلِّ فَقْرٍ , وَقُوَّةً تَرُدُّ بِها عَنِّي كُلَّ ضَعْفٍ ، وَعِزاً تُكْرِمُنِي بِهِ عَنْ كُلِّ ذُلٍّ ، وَرِفْعَةً تَرْفَعُنِي بِها عَنْ كُلِّ ضَعَةٍ ، وَأَمْنا تَرُدُّ بِهِ عَنِّي كُلَّ خَوْفٍ ، وَعافِيَةً تَسْتُرُنِي بِها عَنْ كُلِّ بَلاءٍ ، وَعِلْماً تَفْتَحُ لِي بِهِ كُلَّ يَقِينٍ ، وَيَقِيناً تُذْهِبُ بِهِ عَنِّي كُلَّ شَكٍّ ، وَدُعاءً تَبْسُطُ لِي بِهِ الإجابَةَ فِي هذِهِ اللّيْلَةِ , وَفِي هذِهِ السَّاعَةِ ، السَّاعَةِ السَّاعَةِ السَّاعَةِ يا كَرِيمُ ، وَخَوْفاً تَنْشُرُ لِي بِهِ كُلَّ رَحْمَةٍ ، وَعِصْمَةً تَحُولُ بِها بَيْنِي وَبَيْنَ الذُّنُوبِ حَتَّى اُفْلِحَ عِنْدَ المَعْصُومِينَ عِنْدَكَ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
وروي عَن حمّاد بن عثمان قالَ : دخلت عَلى الصادق (عليه السّلام) لَيلَة إحدى وعَشرين مِن شَهر رَمَضان , فقالَ لي : (( يا حمّاد , اغتسلت ؟ )) . فقلت : نعم جُعَلتَ فداك ! فدعا بحصير , ثم قالَ : (( إليَّ لزقي فصلِّ )) . فَلَمْ يزل يصلّي وأنا اُصلّي إلى لزقه حتّى فرغنا مِن جميع صلواتنا , ثم أخذ يدعو وأنا اُؤمِّن عَلى دعائه إلى أن اعترض الفَجر , فأذّن وأقامَ , ودعا بعض غلمانه , فقمنا خلفه , فتقدّم فصلّى بنا الغداة , فقرأ بفاتحة الكتاب وإنّا أَنزَلناهُ في لَيلَة القَدر في الاُوّلى , وفي الركعة الثّانِيَة بفاتحة الكتاب وَقُلْ هُوَ الله أحد , فلمّا فرغنا مِن التسبيح والتحميد , والتقديس والثناء عَلى الله تَعالى , والصلاة عَلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , والدُّعاء لجميع المؤمنين والمُؤمِنات , والمسلمين والمسلمات , خرَّ ساجداً لا أسمع مِنهُ إِلاّ النّفس ساعة طويلة , ثم سمعته يَقول : (( لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأبْصارِ ... )) إلى آخر الدُّعاء المروي في (الإقبال) .
وروى الكليني أنه كانَ الباقر (عليه السّلام) إذا كانَت لَيلَة إحدى وعَشرين , وثلاث وعَشرين , أخذ في الدُّعاء حتّى يزول الليل (ينتصف) , فإذا زال الليل صلّى .
وروي أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كانَ يغتسل في كُل لَيلَة مِن هذا العشر ، ويُستَحب الاعتكاف في هذا العشر , ولَهُ فضل كثير , وهُوَ أفضل الأوقات للاعتكاف , وروي أنه يعدل حجّتين وعمرتين .
وكانَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا كانَ العشر الأواخر اعتكف في المسجد , وضُربت لَهُ قبّة مِن شعر , وشَمَّر المئزر , وطوى فراشه .
واعلم أنَّ هذه لَيلَة تتجدد فيها أحزان آل مُحَمَّد وأشياعهم ؛ ففيها في سنة أربعين مِن الهجرة كانَت شهادة مولانا أمير المؤمنين (صَلَواتُ الله عَليهِ) ، وَروي أنه ما رُفع حجر عَن حجر في تِلكَ اللّيلة إِلاّ وكانَ تحته دماً عبيطاً كما كانَ لَيلَة شهادة الحسين (عليه السّلام) .
وقالَ المفيد (رض) : ينبغي الإكثار في هذه اللّيلة مِن الصلاة عَلى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد , والجدّ في اللّعن عَلى ظالمي آل مُحَمَّد (عليهم السّلام) , واللّعن عَلى قاتل أمير المؤمنين (عليه السّلام) .