القاعدة الأولى: (في ضرورة التفكر)
القاعدة: لا عقل لمن لا فكر له. هذه القاعدة استوحيتها من الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أصل العقل الفكر».
ويشير الحديث إلى أن العقل الذي وهبه الله تعالى لعباده لم يهبه دون حكمة فهذه الحكمة هي أن يستخدمه الإنسان في التفكير وإلاّ لو لم يستخدم الإنسان عقله في التفكير لصار هو وفاقد العقل سيّين.
فلو أن إنساناً عاقلاً قلّد غيره في عبادة الأصنام ولم يفكر بكونها لا تضر ولا تنفع، فهذا كمن لا عقل له. ولذا قال الإمام الصادق عليه السلام: «إن لكل شيء دليلاً ودليل العقل التفكّر».
القاعدة الثانية: (ضرورة التفكر في الأمور الإلهية)
القاعدة: التفكر في الأمور الإلهية خير من العبادة بلا تفكر، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة».
يشير الحديث الشريف أن التفكير في عظمة الله تعالى وصفاته يجعل المرء على بيّنة من أمره، ويرتبط بربه عزّ وجل ارتباطاً وثيقاً مبنياً على القناعة التامة، بل إن التفكير بذاته عبادة كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته».
القاعدة الثالثة (الامتناع عن التفكر في الذات الإلهيّة)
القاعدة: لا يفكر المحدود في اللامحدود، قال الإمام الصادق عليه السلام: «من نظر في الله كيف هو هلك».
والحديث الشريف يشير إلى عدم جواز التفكير في الذات الإلهية لما فيه من الخطورة على النفس، فإن التفكير في الذات الإلهية اللامحدودة خارج عن قابلية المخلوق المحدود مهما كانت منزلته واستعداداته، ولذا قال الإمام أبو جعفر عليه السلام: «إياكم والتفكر في الله ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه».
فكما لو أن إنساناً أراد أن يحيط بالبحر في قدح، فهل يعقل هذا؟ مع أن البحر محدود، فكيف يحيط العقل المحدود بالله تعالى الذي هو محيط بكل شيء، فلا ينقلب المحيط بكل شيء إلى محاط به.
القاعدة الرابعة: (ضرورة التفكر في الغذاء الفكري)
القاعدة: لا تأخذ العلم إلا من منبعه الصافي، فعن زيد الشحام، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجل: ((فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ))، قال: قلت ما طعامه؟ قال عليه السلام: «علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه».
يشير الحديث الشريف إلى ضرورة معرفة منبع العلم والأفكار التي تدخل إلى عقل الإنسان، وضرورة التفكير في سلامة هذه المعلومات وصحتها لئلا يصاب بانحراف فكري أو خلقي، فعليه أن يهتم بذلك كما يهتم بسلامة الطعام الذي يدخل إلى جوفه، وعليه أن يحذر من الانحراف الفكري كما يحذر من التسمم من الطعام، فمعرفة مصدر العلم والتأكد من صفاء نبعه يؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة والفوز الكبير.
فلو أن إنساناً أخذ علمه من جاهل متصف بصفة أهل العلم أو من صاحب أفكار منحرفة سيقع لا محالة في الضلال والتهلكة، ولكن لو بحث عن النبع الصحي للعلم ليأخذ منه سينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة، والأمثلة الحيّة كثيرة، هناك من يعبد الشيطان لأنه أخذ علمه من معلم شيطاني وهناك من يعبد غير الله تعالى لأنه أخذ علمه من مشرك أو ملحد، وهناك من يعبد الله تعالى ويتصرف ويتحدث بسلامة ولياقة لأنه أخذ علمه من منبعه الصافي.
القاعدة الخامسة: (ضرورة الامتناع عن التفكر السلبي)
القاعدة: التفكير في غير الخير خسارة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «الفكر في غير الحكمة هوس».
والإمام عليه السلام يشير الى إن التفكير في غير الحكمة وغير ما يرقى بالنفس إلى الكمال هو تفكير سلبي يجب الامتناع عنه لما فيه من مردودات سلبية على صاحبه، ومن هذه المردودات كدورة صفو النفس وحجبها عن التكامل؛ لأن الهوس الذي أشار إليه الإمام عليه السلام هو طرف من الجنون، ومن مردوداته احتمال الوقوع في المعاصي وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام في حديث آخر قال: «من كثر فكره في المعاصي دعته إليها».
ومن نتاج التفكير السلبي هي النظرة السوداوية والتشاؤمية للأشياء، والشعور بالتردد والخوف من الفشل، ويؤدي إلى الحزن وسوء الحالة النفسية ثم ينجر المرء من أفكاره السلبية إلى النظرة السلبية اتجاه الآخرين فيقع في سوء الظن والحقد والكره وهذا بدوره يؤدي إلى الشعور بالانتقام وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «القلب ملك وله جنود، فإذا صلح الملك صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده».
القاعدة السادسة: (ضرورة التفكير الإيجابي)
القاعدة: من يفكر بالنجاح يصل إليه، فعن الإمام علي عليه السلام قال: «تفأّل بالخير تنجح».
ويشير الحديث الشريف إلى طرد الصورة المظلمة عن المخيلة، وإحلال الصورة المشرقة بدلاً عنها، وكما قالوا: انظر إلى الجهة المملوءة من الكأس ولا تنظر إلى الجهة الفارغة، وإذا رأيت صفحة بيضاء فيها نقطة سوداء فانظر إلى بياض الصفحة ولا تهتم بوجود النقطة السوداء، ففكر بالنجاح وتفأّل به واستهِن بالعقبات والمعرقلات، وتفأل ولو بكلمة حسنة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «نعمَ الشيء الفأل: الكلمة الحسنة يسمعها أحدكم».
فقد رُوي أن السيد المسيح عليه السلام مرّ مع الحواريين على جثة خنزير وقد انتفخ جسمه وانتشرت رائحته فقال أحد الحواريين: ما أنتن ريحه! وقال آخر: ما أقبح منظره! وقال ثالث: ما أبشع لونه! فقال السيد المسيح عليه السلام ألا ترون بياض أسنانه؟ ففي هذا أن المسيح عليه السلام نظر إلى الجهة الإيجابية وليس كما نظر الحوارييون إلى الجهة السلبية، فنظرته نظرة تفاؤلية.
القاعدة السابعة: وجوب تغيير التفكير السلبي
القاعدة: العقل السليم يطرد الفكر السقيم، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «إن للقلوب خواطر سوء، والعقول تزجر منها».
يشير الحديث الشريف إلى أن الخواطر والهواجس السلبية قد تجتاح النفس فلا يجوز تركها تعبث بنا وتهدم سعادتنا بل يجب طردها لأنها من جنود القوة الشيطانية، وهذا لا يتم إلاّ بتسليط القوة العاقلة على تفكيرنا وتذليل الصوت الشيطاني بل قمعه بالصوت الرحماني، وهذا ما أشارت إليه الأحاديث فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إن للقلب أذنين: روح الإيمان يسارّه بالخير، والشيطان يساره بالشر، فأيهما ظهر على صاحبه غلبه».
ولكي يتخلص الإنسان من التفكير السلبي عليه أن يفكر بخطورة الأفكار السلبية وعواقبها، وعليه أن يراقب أفكاره، وأن يبتعد عن مصدر تكوّن الفكرة السلبية.
فلو أن إنساناً خطر في فكره فكرة سلبية كأن يطلب الرشوة من شخص ما، فعليه في هذه الحالة أن يطرد الفكرة بتذكر العواقب الوخيمة لذلك، وأن يبتعد عن الأشخاص الذين يشجعون على أخذ الرشوة.
القاعدة الثامنة: في السعادة الفكرية
القاعدة: من حكّم عقله نال السعادة، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أسعد الناس العاقل».
والحديث الشريف يشير إلى أن العقل السليم يوجب التفكير القويم، والتفكير القويم ينتج الاطمئنان النفسي ويشعر بالسعادة حتى ولو كان صاحبه يعيش في أحلك الظروف القاسية كالمرض أو الفقر أو السجن أو المصائب الأخرى، لأنه يعلم أن هذه المصائب لا تدوم وأن هذه الدنيا لا تخلو منها، فيصبر ويتحمل رغبة في الحصول على مقام الصابرين لأن من الصبر، الصبر على المصيبة كما ورد في الحديث.
فعن أبي جعفر عليه السلام قال: «الجنة محفوفة بالمكاره، والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة…».
فلو أن إنساناً فكر في أن هذه الدنيا فانية بحلوها ومرها، وأن ما يصيبه من مصائبه لاشك سينوي صاحب هذا التفكير بشيء من الصبر فإنه سيطمئن ويسعد.