للصلاة على محمد وآل محمد عليهم السلام جهتان، فهي من جهة تمثّل الصلة بين العبد وخالقه باعتبارها دعاءً أو ذكراً، ومن جهة ثانية تمثّل الصلة بين العبد الموالي وبين أوليائه، وهم أولياء النعمة والهداية محمد وآله الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام.
أمّا من جهة الصلة مع الخالق فهي دعاء، لقولك في هذه الصلاة: (اللهم)، وأصلها: يا الله، فهي مشتملة على نداء ومنادى، ومعناها: يا الله ارحم محمّداً وآل محمّد، وارفع ذكرهم، وأعلِ درجتهم، وابعث المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون.
وأما من جهة الصلة بين الموالي وأولياء النعمة والهداية فيمكن بيانه ضمن عدة نقاط:
النقطة الأولى
هي دعاء لمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، فالعبد يطلب بها أن يصلي الله عليهم، وصلاة الله عليهم رحمة وبركة، وعلوّ الدرجات، والقرب منه تعالى، فإذن هي دعاء لهم بما يشتمل على جوامع الخير والفضل.
النقطة الثانية
تمثّل الشكر لهم صلوات الله عليهم على ما بذلوه في سبيل نشر الدين والدعوة إلى سعادة الدارين، من خلال الرسالة التي بلّغوها عن الله تعالى، والعقل والنقل يأمران بوجوب شكر المنعم المتفضّل عليك بالإحسان والمعروف، فعَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحَسَنِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ أَبِي الْبِلادِ قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْمُنْعِمَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ».(عيون أخبار الرضا عليه السلام:2/24)
فيتوقف الشكر على معرفة ذات المُنعم وصفاته، فلا يمكن أن نؤدّي لهم الشكر إلاّ بعد معرفة عظمتهم، ومكانتهم، ما قدّموه للبشرية من تعاليم ومفاهيم تكفل لهم السعادة في الدارين، ليكون الشكر على قدرهم، لا أقلّ من ذلك فيكون إهانة لهم.
والمعرفة الواجبة التي لا يُعذر منها أحد والتي تُخرِج الإنسان من الجهل والضلال إلى النور هي الإيمان بالأئمة الاثني عشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأولهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وأمّا المعرفة الحقيقية والكاملة لهم فلا يمكن لأيّ إنسان أن يصل إليها، من هنا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال للإمام علي عليه السلام: «يَا عَلِيُّ مَا عَرَفَ اللهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَنِي إِلاَّ اللهُ وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَكَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَا».(مختصر بصائر الدرجات:336)
وحيث إنّنا لا نستطيع أن نتعرّف بعقولنا القاصرة على حقائقهم وأسرارهم المكنونة فلابدّ من الرجوع إلى أحاديثهم لنتعرّف على بعض خصائصهم، ونورانيتهم، فيمكن أن نستلخص من تلك الأحاديث الأمور التالية:
أولاً: أنّهم علّة الخلق
ففي حديث الكساء المتواتر الذي نزل به جبرائيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورد: «العَلِيُّ الأَعلَى يُقرِئُكَ السَّلام، وَيَخُصُّكَ بِالتًّحِيَّةِ وَالإِكرَامِ وَيَقُولُ لَكَ: وَعِزَّتي وَجَلالي إِنّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنيَّةً، ولا أَرضاً مَدحِيَّةً، وَلا قَمَراً مُنِيراً، وَلا شَمساً مُضِيئَةً، ولا فَلَكاً يَدُورُ، ولا بَحراً يَجري، وَلا فُلكاً يَسري، إِلاّ لأجلِكُم وَمَحَبَّتِكُم».(مفاتيح الجنان:786)
ومن هنا صحّ أن يقال: إنّهم العلّة في الخلق، فضلاً عن أنّ محبّتهم وموالاتهم السبيل إلى النجاة.
ثانياً: أنّهم أول الخلق
وردت الروايات من طرق الشيعة والسنّة أنّ أول ما خلق الله تعالى أنوار النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام، ويسمّى هذا المقام (مقام النورانية)، فعن سلمان المحمدي رضوان الله تعالى عليه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كُنْتُ أَنَا وَعَلِيٌ نُوراً بَيْنَ يَدَيِ اللهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ آدَمَ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ، فَلَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ قَسَمَ ذَلِكَ النُّورَ جُزْءَيْنِ رَكِبَا فِي آدَمَ فَجُزْءٌ أَنَا وَجُزْءٌ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَنُورُ الْحَقِّ مَعَنَا نَازِلٌ حَيْثُمَا نَزَلْنَا».(المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام:630. فضائل الخمسة من الصحاح الستة:1/203)
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «نحن أصل كل برّ، ومن فروعنا كل برّ؛ ومن البرّ التوحيد، والصلاة، والصيام، وكظم الغيظ، والعفو عن المسيء، ورحمة الفقير، وتعاهد الجار، والإقرار بالفضل لأهله».(البرهان في تفسير القرآن:1/53)
ثالثاً: لهم الولاية التشريعية والتكوينية
للنبي والأئمة صلوات الله عليهم ولاية تشريعية على الناس مستمدة من ولاية الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.(المائدة:55)
فقد دلّت جميع التفاسير بين الفريقين أنّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.
ولهم صلوات الله عليهم الولاية التكوينية، أي: القدرة على التصرّف في الكون بخرق القوانين الطبيعية كإحياء الموتى، وشفاء المرضى كالأعمى والأكمه، وطيّ الأرض بإذن الله تعالى.
وقد جاء في زيارة الجامعة الكبيرة لأئمة المؤمنين عليهم السلام: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعَ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفَ الْمَلاَئِكَةِ، وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ، وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ، وَخُزَّانَ الْعِلْمِ، وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ، وَأُصُولَ الْكَرَمِ، وَقَادَةَ الأُمَمِ، وَأَوْلِيَاءَ النِّعَمِ، وَعَنَاصِرَ الأَبْرَارِ، وَدَعَائِمَ الأَخْيَارِ، وَسَاسَةَ الْعِبَادِ، وَأَرْكَانَ الْبِلاَدِ، وَأَبْوَابَ الإِيمَانِ، وَأمَنَاءَ الرَّحْمَنِ، وَسُلاَلَةَ النَّبِيِّينَ، وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ، وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ…».(من لا يحضره الفقيه:2/610)
فالحق أنّ هذه الأوصاف جاءت رائعة لتبيّن حقيقة أهل البيت عليهم السلام وما هم عليه، وأنّهم الحلقة الرابطة بين الإنسان وبين الله تبارك وتعالى، فبيدهم كل شيء، السلطتين التشريعية والتكوينية.
فما أراده الإنسان يستطيع أن يحصل عليه منهم، فهم الرحمة والمغفرة والبركة والخير والبر، وهم أبواب الإيمان والإرشاد إلى الصلاح.
وليست الولاية التكوينية بالأمر المستحيل، فقد أعطاه الله تعالى للأنبياء والأولياء عليهم السلام كما هو مذكور في القرآن الكريم، بل إنّ من أطاع الله تعالى حقّ طاعته فإنه يقدر على التصرّف في الكون كرامة له من الله تعالى؛ ففي الحديث القدسي: «إنّ لله عباداً أطاعوه فيما أراد فأطاعهم فيما أرادوا، يقولون للشيء كن فيكون».(الجواهر السنية:709)
وقال تعالى في حديث قدسي آخر: «يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا غَنِيٌّ لا أَفْتَقِرُ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ، أَجْعَلْكَ غَنِيّاً لا تَفْتَقِرْ؛ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا حَيٌّ لاَ أَمُوتُ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ، أَجْعَلْكَ حَيّاً لاَ تَمُوتُ؛ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ، أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ».(بحار الأنوار:90/376)
فالأمة التي كانت قياداتها ممن تنزل عليهم الملائكة، وممن يهبط عليهم الوحي، ومعدن الرحمة والرضوان، وممن كانوا خزّان العلم ومنتهى الحلم وأصول الكرم؛ فهي الفائزة يوم القيامة، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حديث الكساء حينما سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأجر الذي يعطيه الله تعالى لمن يذكر أهل البيت فقال: «يا رَسُولَ اللهِ أَخبِرنِي ما لِجُلُوسِنا هَذا تَحتَ الكِساءِ مِنَ الفَضلِ عِندَ اللهِ؟ فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّم: وَالَّذي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيّاً وَاصطَفانِي بِالرِّسالَةِ نَجِيّاً، ما ذُكِرَ خَبَرُنا هذا فِي مَحفِلٍ مِن مَحافِل أَهلِ الأَرَضِ وَفِيهِ جَمعٌ مِن شِيعَتِنا وَمُحِبِيِّنا إِلاّ وَنَزَلَت عَلَيهِمُ الرَّحمَةُ، وَحَفَّت بِهِمُ الـمَلائِكَةُ وَاستَغفَرَت لَهُم إِلى أَن يَتَفَرَّقُوا؛ فَقالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلام: إذَاً وَاللهِ فُزنا وَفازَ شِيعَتنُا وَرَبِّ الكَعبَةِ؛ فَقالَ أَبي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّم: يا عَلِيُّ وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ نَبِيّاً وَاصطَفاني بِالرِّسالَةِ نَجِيّاً ما ذُكِرَ خَبَرُنا هذا في مَحفِلٍ مِن مَحافِلِ أَهلِ الأَرضِ وَفِيهِ جَمعٌ مِن شِيعَتِنا وَمُحِبّيِنا وَفِيهِم مَهمُومٌ إِلا ّوَفَرَّجَ اللهُ هَمَّهُ وَلا مَغمُومٌ إِلاّ وَكَشَفَ اللهُ غَمَّهُ وَلا طالِبُ حاجَةٍ إِلاّ وَقَضى اللهُ حاجَتَهُ؛ فَقالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلام: إذَاً وَاللهِ فُزنا وَسُعِدنا، وَكَذلِكَ شِيعَتُنا فَازوا وَسُعِدوا في الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَرَبِّ الكَعبَةِ».(مفاتيح الجنان:787)
فإنّ في ذكر أهل البيت عليهم السلام الفوز بالجنة والرضوان، فضلاً عن محبّتهم وموالاتهم، التي هي لا تتحقّق إلا بإطاعتهم والتبري من أعدائهم.
لذا فمن تعرّف على النبي والأئمة عليهم السلام، عشقهم.. ومن عشقهم تأثّر بهم.. ومن تأثّر بهم اقتدى بهم.. ومن اقتدى بهم وصل إلى الكمال الإنساني.. والفوز بالجنة رضا الله تعالى.. وذلك هو الفوز العظيم.. فحق لمن عرف فضلهم ومقامهم وعلوّهم أن يشكرهم ويدعو لهم في آناء الليل وأطراف النهار، قائماً وقاعداً وعلى جنبيه.
رابعاً: أنّهم أفضل الخلق
وردت الروايات الشريفة في أفضلية نبيّنا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم على كافّة المخلوقات حتى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين، وهو كما نقرأ في حديث الإسراء والمعراج؛ وكذا بعده أئمتنا الأطهار عليهم السلام، فإنّ عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منهم، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَلاَ فَخْر».(صحيفة الإمام الرضا عليه السلام:52)
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً قال: «إِنَّ اللهَ اخْتَارَ مِنَ الأَيَّامِ الْجُمُعَةَ، وَمِنَ الشُّهُورِ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ وَاخْتَارَ مِنَ النَّاسِ الأَنْبِيَاءَ، وَاخْتَارَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ الرُّسُلَ، وَاخْتَارَنِي مِنَ الرُّسُلِ، وَاخْتَارَ مِنِّي عَلِيّاً؛ وَاخْتَارَ مِنْ عَلِيِّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ؛ وَاخْتَارَ مِنَ الْحُسَيْنِ الأَوْصِيَاءَ، يَنْفُونَ عَنِ التَّنْزِيلِ تَحْرِيفَ الضَّالِّينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، تَاسِعُهُمْ بَاطِنُهُمْ ظَاهِرُهُمْ قَائِمُهُمْ».(مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر:10)
خامساً: أنّهم الواسطة في الفيض الإلهي
الحاجة إلى المعصومين عليهم السلام حاجة كونية قهرية لا يُستغنى عنها، بالاضافة إلى الحاجة إليهم من ناحية القيادة والتشريع، فما ينزل من السماء إلى الأرض من الأمور التشريعية والحوادث الكونية المرئية وغير المرئية فإنّما هو بواسطتهم، على أساس أنّ الله (أبى أن يجري الأمور إلاّ بأسبابها)، وهم الأسباب التشريعية والكونية، يدلّ على ذلك قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}.(القدر:4)
فالملائكة بجميع أصنافهم كملائكة الرزق وملائكة الحياة والموت وملائكة الأمواج، تنزل ليلة القدر بالأوامر الإلهية على الوسيط الذي قد يكون نبيّاً وقد يكون إماماً لكي تُنَفّذ عن طريقه.
فعن الإمام أبي الحسن عليه السلام أنّه قال: «مَا مِنْ مَلَكٍ يُهْبِطُهُ اللهُ فِي أَمْرٍ إِلاَّ بَدَأَ بِالإِمَامِ فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ مُخْتَلَفَ الْمَلاَئِكَةِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ».(بصائر الدرجات:1/95،ح22)
النقطة الثالثة
لابدّ من الارتباط المتين بالمعصومين عليهم السلام سواء من ناحية القلب أو اللسان أو العمل…، والصلاة عليهم تمثّل أحد أوجه الارتباط معهم سلام الله عليهم، ونعني بالارتباط بالمعصومين عليهم السلام؛ الارتباط القائم على أساس أمرين:
الأول: التبرّي من أعدائهم، ومن مبغضيهم، وهذا أساس الولاية، فإنّ توليهم لا تكون إلا بالتبري من أعدائهم؛ فمثله مثل الغرفة المملوءة بالتراب والكدر، حينما يريد الإنسان أن يدخل هذه الغرفة عليه أوّلاً أن ينظفها من الشوائب وبعد ذلك يقوم بترتيب الغرفة، وتزيينها؛ فعملية التبري هو تنظيف القلب من الشوائب ومن الأوساخ.
والثاني: المودّة لهم، الذي يأتي بعد التربي من أعدائهم، والاقتداء بهم هذا الارتباط الذي يجعل المصلّي في جهاد دائم مع النفس للوصول إلى القرب منهم عليهم السلام، فإنّ القرب من ينبوع الحكمة والعلم والكمال المطلق يوجب بلوغ الإنسان إلى الكمال، كما أنّ البعد يوجب الحرمان منه، الارتباط الذي يجعل المصلّي ينظر إليهم باعتبارهم الأدلاّء على مرضاة الله تعالى، والهداة إلى دين الله تعالى، فيتخلّق بأخلاقهم، ويتأدّب بآدابهم…، ولا يعني الارتباط بهم مجرد الإعجاب بذواتهم وأشخاصهم، والتبرّك بذكرهم وآثارهم، دون العمل بوصيّتهم وأقوالهم والاقتداء بأفعالهم.
النقطة الرابعة
إنّ الصلاة على محمد وآل محمد تمثّل التولّي والتبري، أما التولّي فمن جهتين:
الأولى: فدعاء الله تعالى كي يتعطف عليهم بالرحمة والبركة… نوع من أنواع التولي، مقابل التبرّي من أعدائهم، حيث ندعو الله تعالى أن يطردهم من رحمته فنقول: (اللهم العن فلاناً و…).
الثانية: تتعلّق بإعلان الولاء (لآل محمد عليهم السلام) برفع ذكرهم، وإقرانهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مقابل الذين حرّفوا الصلاة عليهم تحريفاً لفظياً ومعنوياً، فبعضهم منع من ذكر (الآل) عداوة ونصباً، والآخر ذكرهم مع قصده لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمّا من ناحية التبرّي، فالصلاة على محمد وآل محمد عليهم السلام تمثّل الانفصال والبغض لأعداء الله تعالى من الشياطين، والكفّار، وأئمة الضلال والانحراف، وهذا هو معنى التبرّي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ».(الممتحنة:1)
فإنّ التبرّي والتولي من أهم الأسس التي قام عليها الدين.