اليهود ودورهم في عصر الظهور(2)
  • عنوان المقال: اليهود ودورهم في عصر الظهور(2)
  • الکاتب:
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 22:31:27 2-9-1403

عهد موسى ويوشع
عاش النبي موسى عليه السلام مئة وعشرين سنة ، منها نحو ثلاثين سنة أول عمره الشريف في قصر فرعون مصر . ونحو عشر سنوات عند النبي شعيب عليه السلام ، في قادش برنيع الواقعة في آخر سيناء من جهة فلسطين ، قرب وادي العربة .
وتذكر التوراة الموجودة أن عدد بني إسرائيل الذين خرجوا معه عليه السلام ست مئة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد . (سفر الخروج ص12: 37 ، وسفر العدد ص 33:36) ويقدرهم بعض الباحثين الغربيين بستة آلاف نسمة .
ويرجح المؤرخون أن الخروج من مصر حدث في مطلع القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، حدود1230 ق. م. على عهد الفرعون منفتاح .
وفي الجبل عند قادش توفي موسى عليه السلام فدفنه وصيه يوشع بن نون عليه السلام  ، وأخفى قبره . وقد تحمل من بني إسرائيل أنواع الأذى في حياته وبعد وفاته !
تقول توراتهم عنه وعن هارون‘: (كلم الرب موسى قائلاً: مت في الجبل كما مات أخوك هارون في جبل هور . لأنكما خنتماني . عند ماء برية مريبة قادش في برية سين إذ لم تقدساني . فإنك تنظر الأرض من قبالتها ولكنك لا تدخل إلى هناك إلى الأرض التي أنا أعطيتها لبني إسرائيل) (سفر التثنية ص32: 5– 53) !!
وتقول: ( يوشع بن نون هو يدخل إلى هناك). ( سفر التثنية ، ص1: 38 ).
وتولى قيادة بني إسرائيل بعد موسى وصيه النبي يوشع‘، فسار بهم إلى الضفة الغربية لنهر الأردن وبدأ بمدينة أريحا وفتح معها 31 مملكة صغيرة الواحدة منها عبارة عن مدينة أو بلدة قد يتبعها قرى زراعية . وكان السكان من الوثنيين الكنعانيين. وقسم المنطقة على أسباط بني إسرائيل المتحاسدين !
وقد ذكرت الإصحاحات 15إلى19 من سفر يوشع أسماء مدن وقرى المنطقة ، مئتين وستة عشر مدينة ، حسب تعبيرها .
وتوفي يوشع عليه السلام عن عمر قارب مئة وعشر سنوات ، حوالي1130ق.م.

عهد القضاة أو الخلفاء وسيطرة الدول المحلية عليهم

انتقلت قيادة بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام إلى القضاة من قبائل اليهود ، وهم أشبه بالخلفاء من قبائل قريش ، وحكم منهم خمسة عشر قاضياً .
وتميز عهدهم بأمرين سنراهما مرافقين لبني إسرائيل دائما هما: انحرافهم عن خط الأنبياء^، وتسليط الله تعالى عليهم من يسومهم سوء العذاب ، كما ذكر سبحانه في القرآن .
يتحدث سفر القضاة في الإصحاح الثالث والخامس عن انحراف بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام فيقول:(سكنوا في وسط الكنعانيين والحيثيين والأموريين والفرزيين والحيويين واليبوسيين ، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا لبنيهم ، وعبدوا آلهتهم) .
ويذكر في الإصحاح:3:8 أن أول من تسلط عليهم وأخضعهم كوشان رشتعايم ملك آرام النهرين ، مدة ثمان سنين .
ثم هاجمهم بنو عمون والعمالقة واستولوا على مدينة أريحا . قضاة،إصحاح3-13 .
ثم تسلط عليهم يابين ملك كنعان في حاصور عشر سنين.قضاة،اصحاح4:3 .
ثم استعبدهم بنو عمون والفلسطينيون ثمان عشرة سنة. قضاة ، اصحاح 1: 8 .
ثم نكل بهم الفلسطينيون وتسلطوا عليهم مدة أربعين سنة.قضاة،اصحاح13: 1
وقد امتد حكم القضاة من بعد يوشع عليه السلام إلى زمن النبي صموئيل عليه السلام ، الذي ذكره الله تعالى في القرآن بقوله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاقَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ). (سورة البقرة:246)
ويقدر المؤرخون هذه المدة بحوالي قرن ، من سنة 1130 ق. م. إلى عهد طالوت وداود عليه السلام 1025 ق. م بينما يفهم من سفر القضاة في التوراة أنها أكثر من ذلك .

عهد داود وسليمان

جعلنا عهد طالوت (شاول) جزءً من عهد داود وسليمان‘، لأنه كان ملكاً على خط الأنبياء^ولم يكن نبياً . ويذكر المؤرخون أنه حكم خمس عشرة سنة 1025 إلى1010 قبل الميلاد ، وحكم بعده داود وسليمان‘من 1010 ق. م. إلى 931 ق. م. سنة وفاة سليمان .
ويلاحظ أن مؤلفي التوراة الموجودة قد أكثروا من ظلمهم وافترائهم على أنبياء الله موسى وداود وسليمان^، ورموهم بعظائم التهم الأخلاقية والسياسية والعقائدية ! وقد تبعهم في ذلك وزاد عليهم أكثر المؤرخين النصارى الغربيين، ثم تبعهم على ذلك المسلمون أصحاب الثقافة الغربية. صلوات الله على أنبيائه جميعاً ، ونبرأ إلى الله ممن اتهمهم بسوء .
لقد أنقذ داود عليه السلام بني إسرائيل من الوثنية التي تورطوا فيها ، ومن تسلط الوثنيين ، ومد نفوذ دولته الإلهية إلى المناطق المجاورة ، وعامل الشعوب التي دخلت تحت حكمه بالحسنى ، كما وصف الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه محمد’ .
وأراد داود أن يبني مسجداً في مكان عبادة جده إبراهيم‘في القدس على جبل(المَرِيَّا)وكان المكان بيدراً للحبوب لأحد سكان القدس من اليبوسيين اسمه أرونا ، فاشتراه منه بخمسين شاقلاً فضة كما تذكر التوراة الموجودة (سفر صموئيل الثاني: إصحاح 24: 24 ، وسفر الأخبار الأول: إصحاح 21: 22 ، 28 ) وبنى فيه مسجداً أقام فيه الصلاة ، وفي جانب منه كانت تذبح الأضاحي لله تعالى . وورث سليمان ملك أبيه‘وبلغ مكة ما ذكره الله تعالى في قرآنه وسنة رسوله’، وبنى مسجد أبيه داود وإبراهيم ، بناء جديداً فخماً عرف باسم هيكل سليمان .
إن فترة حكم سليمان عليه السلام هي فترة استثنائية في تاريخ الأنبياء^جسَّد الله تعالى فيها للعالم نموذجاً للإمكانات الهائلة المتنوعة التي يمكن أن يسخرها لحياتهم إذا هم أقاموا كيانهم السياسي بقيادة الأنبياء وأوصيائهم^، ولم يستغلوها في البغي على بعضهم: (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَايَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ). (سورة الشورى:27) .
وتوفي سليمان عليه السلام وهو جالس على كرسيه كما وصف القرآن ، ويحدد المؤرخون ذلك بسنة 931 ق. م. وبمجرد وفاته وقع الإنحراف في بني إسرائيل والإنقسام في الدولة ، وسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب .
تقول التوراة الموجودة في سفر الملوك الأول: إصحاح11: 1-13 ، بعد أن تفتري على سليمان عليه السلام بأنه ترك عبادة الله تعالى وعبد الأصنام: (وقال لسليمان: من أجل أن ذلك عندك ، ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها ، فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً ) .

عهد الانقسام والصراع الداخلي

وقد اشتد صراعهم الداخي حتى استعانوا على بعضهم بالقوى الوثنية المتبقية حولهم ، وبفراعنة مصر وآشور وبابل .
فقد اجتمع اليهود بعد موت سليمان عليه السلام في شكيم (نابلس)وبايعت أكثريتهم يربعام بن نباط الذي كان عدواً لسليمان في حياته ، وهرب منه إلى فرعون مصر فلما توفي سليمان رجع ورحب به اليهود ، وأقام في الضفة الغربية كياناً باسم دولة إسرائيل وجعل عاصمته شكيم أو السامرة ، وبايعت قلة منهم رحبعام بن سليمان وجعل عاصمته القدس ، وعرفت دولته باسم يهوذا .
أما وصي سليمان آصف بن برخيا الذي يصفه الله تعالى بأنه (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) فلم يكن نصيبه من بني إسرائيل إلا التكذيب !
وتذكر التوراة أن الكفر وعبادة الأصنام كان علنياً في أتباع يربعام وأنه: (صنع عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إيل والثاني في دان وجعل عندهما مذابح وقال لهم: هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر فاذبحوا عندها ولاتصعدوا إلى أورشليم، فاستجاب له الشعب)!( سفر الملوك إصحاح12: 26 - 33 ).
وإلى جانب العجلين أمر يربعام بعبادة آلهة أخرى منها عشتروت إلهة الصيدونيين وكموش إله الموآبيين ، ومكلوم إله العمونيين! ( سفر أخبار الملوك الأول ، إصحاح 12: 31 وأخبار الملوك الثاني ، إصحاح 11: 13 - 15 وإصحاح 13: 9 ) .
وبعد ثلاث سنوات سارت مملكة يهوذا في ذات الطريق فعبدت الأصنام! (سفر أخبار الملوك الأول ، إصحاح14: 21 - 24 والملوك الثاني ، إصحاح11: 13 - 17 وإصحاح 12).
وقد اغتنم شيشق فرعون مصر هذه الفرصة وقام في سنة 926 ق. م. بحملة لمساعدة يربعام ، والقضاء على دولة ابن سليمان وجماعته ، فاحتل القدس: (وأخذ خزائن بيت الرب وبيت الملك ، وأخذ كل شئ، وأخذ أتراس الذهب التي عملها سليمان) . (سفر أخبار الملوك،إصحاح14: 25 - 26 ).
ويبدو أن ظروف فرعون مصر لم تساعده لفرض سيطرته المستمرة أو سيطرة حليفه يربعام . فبعد انسحاب شيشق استعادت المملكة الصغيرة شيئاً من كيانها ، ولكن الحروب استمرت مع يربعام .
كما استغل الأراميون ضعف الدولتين فهاجموا مملكة يهوذا وساقوا رؤساءهم سبايا إلى عاصمتهم دمشق ، وفرضوا عليهم الجزية وذلك في عصر الملك الأرامي بن هدد: 879 - 843 ق . م. (سفر الملوك الثاني إصحاح 13: 3 - 13 ).
ثم فرضوا الجزية والحماية على مملكة يربعام في زمن مملكة آخاب بن عومري 874 ق . م 853 ق . م .
وتذكر التوراة أيضاً غزو الفلسطينيين والعرب الذين بجانب الكوشسيين لمملكة يهوذا في زمن الملك يهورام، حيث احتلوا القدس واستولوا على الأموال في بيت الملك وسبوا أبناءه ونساءه! ( الملوك الثاني ص21: 16 - 17 ) .
و تذكر أن الجيش الأرامي غزا بيت المقدس وأهلك كل الرؤساء وأخذ جميع الخزائن وقدمها إلى حزائيل ملك الأراميين) ! ( سفر الملوك الثاني ، إصحاح 24: 3 وإصحاح 12 - 17 - 18 ) .
وكذلك هجم يوآش ملك إسرائيل على يهوذا وهدم سورها ، وأخذ كل الذهب والفضة وجميع الآنية الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك). ( سفر الملوك الثاني إصحاح 14: 11 - 14 وإصحاح 25: 21 – 24) .
وقد استمرت هذه الحالة من الصراع فيما بينهم ، وتسلط الممالك المجاورة عليهم إلى الإحتلال الآشوري !!